الأحد ٢ حزيران (يونيو) ٢٠٢٤
بقلم محمد عبد الحليم غنيم

قصتان أمام القانون – على متن الترام

تأليف : فرانس كافكا

1- أمام القانون

أمام القانون يقف حارس البوابة. جاء رجل من القرية إلى حارس البوابة وطلب الإذن بدخول القانون. لكن الحارس يقول إنه الآن لا يستطيع السماح له بالدخول. يفكر الرجل للحظة ويسأل إذا كان سيسمح له بالدخول لاحقًا. قال الحارس: "ربما، لكن ليس الآن". وبما أن بوابة القانون مفتوحة كما هو الحال دائمًا، وتحرك الحارس جانبًا، انحنى الرجل لينظر من خلال البوابة إلى الداخل. يرى الحارس ذلك فيضحك ويقول: "إذا كان الأمر يعجبك كثيرًا، حاول الدخول على أية حال، رغم منعي.

لكن لاحظ: أنا قوي جدًا. وما أنا إلا آخر الحراس. وبين القاعة والقاعة يقف بوابون، كل واحد أقوى من الآخر. حتى أنني لم أعد أتحمل رؤية الثالث بعد الآن. لم يكن الرجل الريفي يتوقع مثل هذه الصعوبات؛ يعتقد أن القانون يجب أن يكون في متناول الجميع في جميع الأوقات، ولكن عندما يلقي نظرة فاحصة على البواب الذي يرتدي معطفه من الفرو، وأنفه الكبير المدبب، واللحية التترية الطويلة والرفيعة السوداء، يقرر أنه يفضل الانتظار حتى يؤذن له بالدخول. يعطيه البواب كرسيًا ويسمح له بالجلوس على جانب الباب. ويجلس هناك أيامًا وسنوات. يقوم بمحاولات عديدة للسماح له بالدخول، ويرهق حارس البوابة بطلباته. غالبًا ما يستجوبه الحارس لفترة وجيزة، ويسأله عن وطنه وأشياء أخرى كثيرة، لكنها أسئلة غير مبالية، كتلك التي يطرحها السادة العظماء، وفي النهاية يخبره دائمًا أنه لا يستطيع السماح له بالدخول بعد. الرجل، الذي جهز نفسه بالكثير لرحلته، يستخدم كل شيء، مهما كانت قيمته، لرشوة الحارس ،ويقبل منه الأخير كل شيء، لكنه يقول: "أنا أقبله فقط حتى لا تعتقد أنك قد فاتك شيء ما. لسنوات عديدة، كان الرجل يراقب البواب بشكل شبه مستمر.

لقد نسي حراس البوابة الآخرين وبدا له أن هذا الحارس هو العائق الوحيد أمام دخول القانون. يلعن الصدفة المؤسفة، وكونه متهورًا وبصوت عالٍ في السنوات الأولى، وبعد ذلك، مع تقدمه في السن، يتذمر ويصبح طفوليًا، وبما أنه تعرّف على البراغيث الموجودة في طوق فراء الحارس خلال سنوات مراقبته الحارس، فإنه يطلب أيضًا من البراغيث مساعدته وتغيير رأي الأخير. في النهاية يصبح بصره ضعيفًا ولا يعرف ما إذا كانت الأمور تزداد قتامة من حوله أم أن عينيه فقط تخدعانه. لكنه يدرك الآن في الظلام نورًا ينفجر بشكل لا يمكن إطفاؤه من بوابة القانون. الآن لم يعد لديه الكثير من الوقت للعيش. قبل وفاته يجمع في رأسه كل تجاربه طوال الوقت في سؤال واحد لم يطرحه بعد على حارس البوابة. يُلوّح له لأنه لم يعد قادرًا على رفع جسده المتصلب.

وكان على الحارس أن ينحني له انحناءة عميقة، لأن اختلاف الارتفاع تغير بشكل كبير على حساب الرجل. يسأله الحارس: ماذا تريد أن تعرف الآن؟ أنت لا تشبع. فيقول الرجل: في نهاية المطاف، كل البشر يتطلعون إلى القانون، وكيف لم يطلب أحد غيري الإذن بالدخول طوال هذه السنوات العديدة؟ يدرك الحارس أن الرجل يحتضر بالفعل وقد اقتربت نهايته، ولكي يصل إلى سمعه الضعيف، يصرخ في وجهه: "لا يمكن السماح لأي شخص آخر بالدخول هنا، لأن هذا المدخل مخصص لك أنت فقط. سأذهب وأغلقه الآن".

2- على متن الترام

أقف على الرصيف الأخير للترام ،غير متأكد تمامًا من مكاني في هذا العالم، في هذه المدينة، في عائلتي. ولا يمكنني حتى أن أشير بشكل عرضي إلى أي ادعاءات بأنني قد أتقدم بحق في أي اتجاه. لا أستطيع الدفاع عن حقيقة أنني أقف على هذا الرصيف، متمسكًا بهذا المشنقة، أترك هذه العربة تحملني، وأن الناس يتجنبون العربة أو يسيرون بهدوء أو يستريحون أمام واجهات المتاجر. – لا أحد يطلب مني ذلك، ولكن هذا لا يهم.

يقترب الترام من المحطة، وتقف فتاة بالقرب من الدرج، مستعدة للنزول. أراها بوضوح وكأنني لمستها بيدي. ترتدي ملابس سوداء، ثنيات تنورتها غير مريحة تقريبًا، قميصها ضيق وله ياقة بيضاء من الدانتيل الرقيق، يدها اليسرى مضغوطة على جانب الترام، والمظلة في يدها اليمنى على الثانية خطوة من الأعلى. وجهها بني اللون، وأنفها مضغوط قليلاً من الجانبين، مستدير وواسع. لديها الكثير من الشعر البني والشعر الناعم على صدغها الأيمن. أذنها الصغيرة قريبة، لكن عندما أقف بالقرب منها أستطيع رؤية الجزء الخلفي بالكامل من شحمة أذنها اليمنى والظل عند قاعدتها.

في تلك اللحظة سألت نفسي: كيف لها ألا تندهش من نفسها، وتغلق شفتيها ولا تدلي بمثل هذه الملاحظة؟

المؤلف : فرانس كافكا (3 يوليو 1883 - 3 يونيو 1924) كاتب تشيكي يهودي كتب بالألمانية، رائد الكتابة الكابوسية. يُعدّ أحد أفضل أدباء الألمان في فن الرواية والقصة القصيرة تُصنّف أعماله بكونها واقعيّة عجائبية. عادةً ما تتضمّن قصصه أبطالاً غريبي الأطوار يجدونَ أنفسهم وسطَ مأزِقٍ ما في مشهدٍ سرياليّ، يُعزى ذلك للمواضيع النفسية التي يتناولها في أعمالِه مثل الاغتراب الاجتماعي والقلق والذعر والشعور بالذنب والعبثيّة. أكثر أعماله شُهرةً هي رواية المسخ، والمحاكمة، والقلعة. وقد ظهر في الأدب مصطلح الكافكاوية رمزاً إلى الكتابة الحداثية الممتلئة بالسوداوية والعبثية. ولد كافكا في 3 يوليو 1883 في براغ التي كانت آنذاك جزءاً من الإمبراطورية النمساوية المجرية لعائلة ألمانية من الطبقة الوسطى تنحدر من أصول يهودية أشكنازية. عمل موظّفاً في شركة تأمين حوادث العمل، مما جعله يُمضي وقت فراغه في الكتابة. على مدار حياته، كتب كافكا مئات الرسائل للعائلة والأصدقاء المقربين، بما في ذلك والده، الذي كانت تربطه به علاقة متوترة وسيئة. خَطب بضعة نساءٍ لكن لم يتزوّج أبداً. توفي عام 1924 عن عمر يناهز الـ40 بسبب مرض السل. نشر خلال حياته بعض الكتابات، تشمل الكتابات المنشورة مجموعة قصصية تحت اسم تأمل وأخرى بعنوان طبيب ريفي، وقصص فرديّة هي المسخ التي نُشرت في مجلّة أدبية ولم تحظَ باهتمام. نُشِرت باقي الأعمال بعد موته على يد صديقه المقرب ماكس برود، الذي لم يستجب لطلب كافكا بإبادة كل كتاباته.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى