لأنّ الحياة تستحقّ أن تعاش
من يفهم الموت كحقيقة ثابتة وراسخة يحيَ بسلام.
إذا كان التّواضع هو أن يعرف الإنسان حجمه ومكانه من هذا الوجود، فالتّواضع كذلك هو قبول الموت كنهاية حتميّة وحقيقة لا لبس فيها. ومن المرجّح أنّنا كوّنّا فكرة خاطئة عن الموت أم أنّنا تشبّعنا بمفهوم خاصّ عن الموت حرمنا من الاستمتاع بالحياة نفسها. ومع اختلاف الثّقافات والحضارات والمفاهيم وربّما المعتقدات تشبّثنا بالخوف من الموت، وأقصينا الحياة نفسها فتضاعف الخوف مرّة من الحياة وأخرى من الموت؛ فتسرّبت إلى حياتنا ثقافة الموت لتعطّل مسار الحياة كما ينبغي أن يكون.
"على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة". هكذا يقول محمود درويش، وهو على حقّ، ولا ريب في أنّ المعنى العميق الكامن في قوله يرشدنا إلى عشق للحياة يحفّزنا على الاستمرار مستمتعين بحياتنا، متجنّبين الظّلم الشّخصيّ لمنهج حياتنا الخاصّة. فنسعى جاهدين إلى الاستمتاع بالحياة من خلال تحديد الأهداف وتحقيقها بإصرار وعزم مهما كانت بسيطة، بعيداً عن ضياع الوقت بالسّخافات والنّزاعات الّتي لا طائل منها.
غالباً ما تحمل الذّاكرة الإنسانيّة ثقل الظّلم من المجتمع، أو الظّروف، أو من الأفراد إلّا أنّ الإنسان قلّما يتساءل عمّا إذا كان قد ظلم نفسه. وإذا ما أدرك أنّه ظلمها فقلّما يحاول إعادة النّظر في الاهتمام بها. فلا يكفي أن نتساءل، ولا يكفي أن ندرك مدى الظّلم الّذي قد نلحقه بذواتنا، بل يجب أن نتجاوز الأمر إلى قرار الاستمتاع بالحياة. والمنبّه لهذا الاستمتاع هو الموت.
كلّ يوم يمضي هو من جهة خطوة متقدّمة نحو الموت ومن جهة أخرى يوم ناقص من الحياة، وإذا فكّرنا بشكل جيّد أدركنا كيفيّة العيش على هذه الأرض، وتمنّعنا عن تعقيدات كثيرة ومعوّقات أكثر تحول بين سلوكنا الحياتيّ الجافّ والاستمتاع الحقيقيّ بالحياة. والاستمتاع هو غير الاستهتار وعدم المبالاة بقيمة الحياة. وإنّما الاستمتاع هو أن نجعل الحياة أقلّ تعقيداً وأكثر سلاسة، فنهدم تلك الجدران العنيدة الّتي بنيناها بحسب ما يرى المجتمع والتّقاليد والأعراف وكلّ ما يمكن أن يقيّد الإنسان فكريّاً ونفسيّاً ويمنعه من الانطلاق والفرح وإدراك الجمال. وإذا فكّرنا بوعي أكبر فهمنا أنّ كلّ مرحلة من حياتنا مضت هي شكل من أشكال الموت. فعندما تمعن النّظر في الطّفل الّذي كنته – مثلاً- تدرك أنّه مات ولا تحمل منه إلّا الذّكرى، وكذلك كلّ مرحلة من الحياة. قد تتذكّر وتحزن وتشعر بالحنين وتودّ لو أنّك تستطيع أن تستعيد لحظة واحدة مضت، لكنّ الموت هو الموت. فتقبّل ببساطة وتواضع ومحبّة وتتطلّع إلى الآن والمستقبل ويبقى الماضي صديقاً أميناً تحمله في داخلك لتحيا بشكل أفضل، لكنّه يبقى ماضياً مات ولن يعود.
إنّ قبول واقع الموت ببساطة وتواضع يمنح الإنسان آفاقاً واسعة من الإبداع والتّغلّب على الصّعوبات واحترام قيمة الحياة ومعناها. فتصحو مع كلّ صباح لترى أنّك حيّ ويمكنك أن تستمتع وتحلم وتحقّق ما يمكن تحقيقه من أحلام وأهداف وتتطوّر وتبدّل جزءاً من هذا العالم بتغييرك لنفسك. يكفي أن نعي أنّ الموت نهاية لنكوّن ثقافة الحياة ونمضي قدماً بشجاعة وثقة واستغناء عن متاهات لا حاجة لها، وعن صراعات غبيّة لا تستحقّ حتّى أن نتحدّث عنها.
فكّر وأعد النّظر بمفهومك للموت واعشق الحياة واستمتع بكلّ خطوة تخطوها ناجحة كانت أم فاشلة. فكّر بحريّة وأحبب كثيراً واغرف من اللّحظة ما أمكنك فأنت لا تملك سواها. أحبب حياتك وتأمّل جمالك أنت مهما كانت الظّروف واستمتع بالقليل أو الكثير؛ لأنّ على هذه الأرض ما يستحق الحياة.