الاثنين ١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٣
بقلم أشرف شهاب

لا تعترف.. لا تعترفى بالماضى العاطفى

المرأة الشرقية جزيرة سحرية، غامضة بالنسبة للرجل. والرجل بالنسبة للمرأة كائن غريب، مفترس، ثعلب يحوم حول فريسته لاصطيادها. ولذا تسعى المرآة للتخفى بعيدا عن عين الرجل، هى تخشى كلماته، وترعبها لمساته. لكن عند حدود قفص الزوجية، يطالب كل طرف الآخر بالاعتراف بماضيه. الفريسة تسعى لمعرفة سوابق الصياد، والصياد يخشى أن يقع فى شباك الفريسة، وما بينهما كتلة رهيبة من الصمت، وستار رهيب يحجب الماضى. فهل من حق كل طرف أن يطالب الآخر بالكشف عن ماضيه قبل الزواج؟ مراسلنا فى القاهرة أشرف محمود كتب التحقيق التالى:

عندما يقف الرجل الشرقى أمام فريسته الأخيرة، أو المرأة التى سيتزوجها فإنه يسعى إلى أن يطمئن تماما إلى أنها بلا سوابق فى الحب. بأن قلبها جزيرة نائية. وأن جسدها أبعد من الحلم.

حالة انفصام كامل فى الشخصية، فالرجل يحب اللهو والعبث، ويعشق التغيير. وكلما شعر بالشبع من المرأة - اللعبة، رماها، سواء تحطم قلبها أم جسدها..لا يهم. المهم أنه كرجل استطاع أن يثبت لنفسه أنه رجل. وأنه مطمئن إلى انه لن يقف صامتا وسط أصدقائه عندما يتفاخر كل منهم بغرامياته، وصولاته وجولاته.

لكن لحظة الزواج تكشف هذه الازدواجية، وتقلب كيان الرجل وتحوله إلى كائن متوتر، يبحث عن امرأة لم تعرفها عيناه من قبل، يبحث عن أنثى لم يدق قلبها من قبل، ولم تتحرك مشاعرها لأحد من ملايين الصيادين الذين حاولوا اقتناصها قبله.

وبعد أن يبحث، ويدقق، ويسأل الأهل والجيران إلى أنه عثر على امرأة جديدة، يبدأ الشك فى الدق على بابه. ويبدأ فى مطالبتها باعترافات تفصيلية عن ما ارتكبته وما لم ترتكبه. عن ما فكرت فيه، وما حلمت به. ويتمنى لو فتش قلبها، وضميرها ليرتاح. وفى المقابل، تبدأ هى فى البحث والتقصى، تتبع نظراته، ولفتتاه، وهمساته، فهى تعرف أنها ليست الأولى، وربما لن تكون الأخيرة. فهى ترى أخوها وأبوها وأقاربها هم نفس الرجل الذى يريد أن يعاشر كل نساء الأرض ثم يتركهن ليبحث عن واحدة جديدة، لم يلمسها إنس قبله ولا جان، ليتزوجها.

وهكذا تبدأ مرحلة تفتيش الضمائر، كل طرف يريد أن يعرف ماضى الآخر، وكل طرف يحاول أن يخفى ماضيه عن الطرف الآخر.

البعض ينظر إلى هذه الاعترافات كواجب مقدس، والبعض يعتبرها بداية الانهيار. فلا الرجل يمكن أن ينسى ماضى المرأة ولا المرأة يمكنها أن تغفر ماضى الرجل.

البعض يقول أن هذه الاعترافات يمكن أن تساعد فى بناء حياة أسرية هادئة. والبعض يقول إنها نقمة ستؤدى إلى خراب البيوت.

يروى كمال زهدى (39 سنة - متزوج) هذه الحكاية نقلا عن زميله بطل القصة: هناء.. فتاة طيبة، ومن أسرة محترمة. وفى أيام دراستها الجامعية كانت تتمتع باحترام عال وسط زملائها. وكانت فى نفس الوقت على قدر عال من الجمال الذى كان يجذب كل من يراها إليها. لكن الفتاة كانت تصد كل من يحاول أن يتقرب منها. وكان الجميع يحترمون فيها هذه العفة، ويعتبرون أنها ذكية لأنها لا تريد أن تضيع وقت دراستها الجامعية فى مشاعر يمكن أن تؤدى إلى شغلها عن الدراسة. لكن الغريب فى هناء مسحة الحزن التى كانت تغلف وجهها معظم الوقت. فلم تكن تحب أن تضحك وتمرح مع صديقاتها، بل كانت طوال الوقت منزوية، ومنطوية. وكان هذا السلوك سببا فى إعجاب أحد المعيدين بالكلية بها. وبالفعل حاول هذا المعيد أن يتحدث معها عدة مرات، فلم تكن تتجاوب معه إلا فى حدود الردود البسيطة المقتضبة. وكانت هذه الردود المعبرة عن الخجل بوابة للإعجاب الواسع بها. فقد شعر المعيد أنها فتاة ملتزمة، وليست لها علاقات كبقية الفتيات. وفاتحها فى أمر الخطوبة، لكنها ارتبكت، وقالت لها إنها لا تفكر حاليا فى هذا الأمر. وأنها تريد أن تنهى دراستها أولا. أججت تلك الردود قلب المحب العاشق. فذهب على الفور، ودق باب أبيها. وأخذ يتحدث عن الصفات التى جعلته يتعلق بالفتاة. وطلب يدها من والدها. لكنه لاحظ تهرب والدها ووالدتها من الإجابة على طلبه. مما جعله يتعجب من الموقف. أحس الوالدان بحرج شديد من تصرفهما تجاه ذلك الشاب، ولكن الفتاة طلبت من والدها أن يتيح لها فرصة التحدث على إنفراد مع زميلها المعيد بالكلية، وبالفعل، سمح لها والدها بالتحدث إليه. وهنا كانت المفاجأة التى أذهلت المعيد. أخبرته الفتاة أولا أنها لا ترفضه لعيب فيه. بل إنها على العكس معجبة به، وتبادله الإعجاب. وأنها تتمنى أن يمنحها الله زوجا مثله. وهنا تعجب المعيد من سبب الرفض طالما أنها تبادله المشاعر. فحكت له الفتاة أنها تعرضت قبل فترة تزيد عن الثلاث سنوات لعملية اختطاف أثناء عودتها إلى المنزل. وأن ثلاثة من شابين منحرفين احتجزاها واغتصباها، ثم تركاها. وبعدها تم القبض عليهم. وطلب أحدهم الزواج منها لكنها رفضت أن تتزوج منه. وفضلت أن تعيش بمفردها.. حياة وحيدة.. حزينة.

وعلى العكس مما هو متوقع، أعجب المعيد بصراحة الفتاة، وزاد احترامه لها، ولشخصيتها. وبعدما تأكد من أنها كانت ضحية لا ذنب لها فيما حدث راح إلى بيتها مرة أخرى، وطلب يدها رسميا للزواج. وعادت الابتسامة إلى الوجه الحزين.

أما هالة عبد القادر الخشاب فترى أن من الضرورى أن يتصارح الشاب والفتاة بماضيهما لأن هذا الاعتراف سيشعرهما بالارتياح. وتقول إن عليهما أن يعترفا حتى لو جاء الاعتراف بآثار عكسية. وهى تقول إنها كانت مخطوبة مرتين. فشلت الخطوبة الأولى لأن الخطيب كان بخيلا، ويرفض عملها. وفشلت الخطوبة الثانية لأن العريس علم أنها كانت مخطوبة من قبل ولم يصدق أنها رفضت العريس السابق لبخله. ورغم ما حدث فإنها تقول إنها غير نادمة على صراحتها. وأن من حق المرأة أن تعرف ماضى الرجل، وأن من حق الرجل أن يعرف ماضيها لأن أمورا كهذه يمكن أن تنكشف فى أى وقت، وبالتالى فلا مجال لإخفائها عن العريس الجديد. وهى تقول إنها ستستمر فى أسلوب المصارحة حتى لو كلفها ذلك البقاء فى منزل أهلها طوال عمرها، دون أن تتزوج.

أما منال السيوى فتقول إنها كانت مرتبطة بعلاقة حب مع شاب طوال فترة الدراسة الجامعية. وأن الظروف حالت بينهما ولم يتمكنا من الارتباط الرسمى. لكنها كانت تقابله وتخرج معه ويذهبان للتنزه سويا. ولكنها بعد أن تخرجت من الجامعة، تقدم لها شاب آخر. وكانت محتارة هل تصارحه بعلاقتها السابقة أم تخفى الموضوع عنه. ونصحتها والدتها بأن تخفى الموضوع، وقالت لها إن الرجل لا يمكن أن يصفح عن ماضى المرأة، وستزرع اعترافاتها الشكوك فى قلبه. وفعلا أخفت منال الحقيقة عن الزوج. ولكنها ظلت قلقة، معذبة الضمير بسبب إخفائها هذه المعلومات عن زوجها. وفى يوم من الأيام صارحته بما فى صدرها. و فوجئت بسلوك زوجها النبيل حيث قال لها إنه غير مهتم بماضيها. وأن ما يهمه أن لا تخطيء وهى فى عصمته. ولكنه عاد فقال لها أن ثقته فيها زادت بعد اعترافها له، وأنها كبرت فى عينيه. وهى أيضا تقول إن سلوك زوجها معها جعلها تحبه أكثر وتحترمه أكثر.

بعض الرجال يطالبون زوجاتهم بالاعتراف، ولكنهم لا يغفرون كما فعل زوج منال فى السطور السابقة. فإذا عرف الرجل ماضى زوجته صار ذلك الماضى شوكة فى حياتهما. ففى ليلة زفاف أيمن و سارة، وبعد أن أغلقا باب شقتهما عليهما، قرر الزوج أن يبدأ حياته بمصارحة زوجته بماضيه. وفى المقابل قررت هى أيضا أن تصارحه بأنها كانت تحب ابن عمها فى فترة الطفولة، وأن هذه العلاقة انتهت عندما كبرا لأنها كانت علاقة طفولية. ولكن هذا الاعتراف البسيط قلب حياة العروسين الجديدين رأسا على عقب. فقد أصبح الزوج يشك فى تصرفات الزوجة، ويراقب تحركاتها، ومنعها من زيارة بيت عمها. وأقسم عليها بالطلاق ألا ترى ابن عمها أو حبيبها الأول.

أما محمد السباك فقد عاد من الغربة بعد سنوات طويلة، وقرر الارتباط. وفعلا، أحب فتاة رشحتها له أخته. وتقدم لها، ووافق أهلها عليه بعد أن وجدوا أنه مناسب. وبعد عقد القران قرر محمد أن يصارح خطيبته بموضوع الأزمة النفسية التى تعرض لها بعد وفاة والده. وقال لها أنه ظل يتلقى العلاج النفسى مدة ستة اشهر، على يد طبيب نفسى، وأنه تعافى تماما والحمد لله. وهنا أصيبت الزوجة بصدمة نفسية هى الأخرى، وتركته باكية إلى بيت أهلها، دون أن تنطق بكلمة واحدة. وهناك أصر أهلها على أن تحمل ابنتهم لقب مطلقة قبل أن تدخل بزوجها. وبرروا خشيتهم من أن يكون المرض الذى أصابه وراثيا فينتقل للأطفال.

الدكتور عادل صادق أستاذ الطب النفسى الشهير يعلق على قضية الاعترافات قائلا: إنه من الأفضل ألا يتطرق العروسان إلى الماضى. وألا يتطرقا إلى التفتيش فى ماضى كل منهما. فليس من حق الزوج أن يعرف ماضى الزوجة الذى هو ملك لها وحدها. وليس من حق الزوجة أن تعرف ماضى زوجها الذى هو ملك له وحده. وأن على الزوجين أن يبدءا حياتهما بالبحث عن القضايا التى تبنى سعادتهم لا القضايا التى تزرع الشكوك والخلافات فى قلبيهما.

وبالطبع، هناك كثير من القضايا التى تزرع الشكوك والخلافات يمكن أن يتم علاجها لو كانت العلاقات قائمة على الصراحة بين الزوجين، ولو لجأ الزوجان إلى الطب، والتحاليل التى تتم قبل الزواج لكان من الممكن إنقاذ كثير من الزيجات. فلا بد من عدم الخداع، وخصوصا إذا كان الموضوع يتعلق بعيب خلقى أو تشوهات أو أمراض نفسية أو جسدية فى الرجل أو المرأة. أما الحديث عن العلاقات العاطفية فلا داعى لها، وهذه نصيحة.. فكما قلت فى البداية لا الرجل سينسى ماضى المرأة، ولا المرأة ستغفر للرجل ماضيه، ولا أن قلبه دق لفتاة قبلها رغم انه لم يكن يعرفها وقتها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى