الاثنين ٢١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨

لا للحصار على غزة

رحيلا مزراحي

هذا النص لكاتبة يهودية من أصل عربي تقف ضد حكومة إسرائيل في قمع الشعب الفلسطيني، وتطالب بوقف حصاره ومنحه حقوقه الوطنية، مقال جدير بالقراءة .

افتحوا الجسر القديم للحركة! [1]

إسرائيل بدعم أمريكا وأوروبا ودول أخرى، لا تزال تفرض حصارا خانقا على قطاع غزة منذ سبعة أشهر (من تاريخ 12-6-2007)، يشلّ حركة الأفراد والبضائع من المنطقة وإليها، كذلك قطع الكهرباء والوقود، اغتيال المناضلين الفلسطينيين وقتل المواطنين، وسقوط المرضى صرعى لنقص العلاج والأدوية. وتفشي الفقر والجوع بسرعة.
والنتائج الكارثية للحصار تطل برأسها في كافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية لتجعل من قطاع غزة منطقة كوارث.

رقصة الشياطين

قضيت عدة سنوات من طفولتي في كيبوتس في شمال البلاد. كان ذلك أيام "حرب لبنان" عام 1982. عندما كانت تُقصف مدينة كريات شمونه، كانت تتصدر النشرات الإخبارية وغيرها من برامج يوميا. في حينه أصر التليفزيون الأشكينازي الصهيوني الذي صاغ وعينا، ووعي العالم، وبشكل من أشكال الوعي الفلسطيني، أصر على تصوير مواطنين شرقيين (يهود من أصل عربي) يهتفون فورا كل قصف: الموت للعرب.
حين سقطت كاتيوشا على منطقة ’الكيبوتس’، اشتكينا نحن أطفال ’الكيبوتس’، من أن التليفزيون الإسرائيلي يظلمنا. فشرح لنا حينئذ "الكبار-الخبراء"، أن ممنوع الكشف عن مكان سقوط الكاتيوشا، كي لا يعلم "الإرهابيون" أين يطلقون الكاتيوشا القادمة.
اليوم أعلم أن "الإرهابيين" هم مناضلي الحرية الذين ناضلوا من أجل العودة للعيش في وطنهم التي هجِّروا منها بعنف على يد هؤلاء"الكبار-الخبراء"، الذين مارسوا عام 1948 جرائم التطهير العرقي في فلسطين، يشمل تهجير أكثر من 700 ألف من أبناء هذه البلاد ، وتدمير أكثر من 500 بلد لهم. وأعلم أيضا أن "حرب لبنان" هدفت ضرب اللاجئين ثانيةً، اللاجئين الذين هجّرتهم إسرائيل في التطهير العرقي عام 1948.

واليوم أعلم سلفا أنه حين تسقط قذيفة القسّام في أحد ’الكيبوتسات’، تعلن الصحافة الأشكينازية عن سقوطه في "منطقتنا" . وحين يسقط القسام في "سديروت"، يسارع فورا التلفزيون الصهيوني الأشكينازي لتصويره، ليؤكد التصويب القادم على المكان نفسه، كي يتمكن تصوير المرة بعد المرة مواطنا يهوديا-عربيا أو مواطنين، والأفضل الأكثر، يهتفون: الموت للعرب – يحظون بفرصة نادرة لإبداء غضبهم العام. وكل ذلك يبرر التلفزيون الفَظَائِعُ التي تقترفها إسرائيل حاليا في غزة، ويدفع الجمهور إلى دعمها. فبرغم من المحاولة الأخيرة لتبييض المجتمع الإسرائيلي بمليون مهاجر أوروبي، لا تزال أكثرية هذا المجتمع شرقي أو من أصل عربي.

هذه الحلقة المفرغة التي تتكرر منذ 60 عام: في بيسان، و’كريات شمونه’، و’شلومي’ والآن في ’سديروت’. جميع سكان هذه المدن، هم الضحايا الثانويين للصهيونية الأشكينازية، أسكنهم الكيان الصهيوني على حدوده بعدما دمّر مجتمعاتهم في البلدان العربية، عن تخطيط وسبق الإصرار، كي يستخدمهم سورا بشريا، لحما ودما، "للجيب الإسرائيلي الأبيض" [2].

هم في الأصل من اليهود-العرب الذين لقمة عيشهم وعملهم وحضارتهم وتراثهم تُسلب منهم بواسطة مهاجرين أوروبيين من أوروبا الاستعمارية، ويُدفعون دوما للهامش والحدود والبطالة.. واليأس والفقر.

والسؤال الذي يمزق نفس كل من يلاحظ الحلقة المفرغة، الفظيعة والكاملة، التي صاغتها الصهيونية، هي: كيف يمكن إيقافها؟
كيف يمكن تخليص الضحايا الثانويين من جنونها، اليهود العرب سابقا، الذين يتكسبون الفتات العفن للصهيونية؟
غزة و’سديروت’. رقصة الشياطين. ولا مخرج في الأفق المرئي.

غزة – عظمة في حلق الصهيونية.

بالنسبة لبن غوريون والصهيونية، كانت غزة الفضلة التي لَم يَقِرَّ قراره تدميرها أثناء التطهير العرقي لفلسطين عام 1948. منذ ذلك الحين وغزة كالعظمة في حلق كل صهيوني، وهو ينتظر إتمام المهمة.

بالنسبة لسكان ’سديروت’، أصبحت غزة بعد 1967 مدينة محافظة نشطة، يمكنهم التمتع فيها بعناصر حضارتهم العربية التي أصبحت محتقرة في الدولة الصهيونية: الموسيقى، والغذاء، والطب الشعبي، واللغة.

عندما خرجت إسرائيل الخروج الوهمي لكن الصاخب من قطاع غزة، نشر المؤرخ إلان بابيه وزملاؤه في بيان قائلين:
(نشعر أن هنالك حاجة لإسماع صفارة الإِنْذار بالنسبة لما هو محتمل أن يحدث في قطاع غزة بعد إخلاء المستوطنات الإسرائيلية نعتقد أن السبب الرئيسي لإصرار حكومة إسرائيل على إخلاء المستوطنات، هو حفظ أمن مستوطنيها [الذين أخلتهم] عندما يقوم الجيش الإسرائيلي بغارات كثيفة على مليون ونصف فلسطينيي في قطاع غزة، الذين نصفهم من لاجئي 1948. الخطة ستكون مشابهة لأساليب أريئل شارون: إثارة الاستفزازات لتبرير غارة كثيفة: تصعيدَ سياسة الإرهاب الإسرائيلية ومَذَابِحُ جماعية. لن تستخدم إسرائيل لذلك سلاحها البري، بل سِلاحها الجويّ. يجب نقل هذا التحذير إلى كل أنحاء العالم لردع حكومة إسرائيل عن تنفيذ جرائم حرب إضافية).

حين شاهدتُ أيام حرب تموز، كيف دمر جيش الإرهاب الإسرائيلي، وفي مقدمته سِلاح التدمير الجوي له، لبنان، وجعل أجزاء واسعة منه خرابا في أيام قليلة، فكرتُ: ماذا سيكون في غزة؟ فإنه ليس من الممنوع أن هذه الحرب الوحشية إلا بروفا لما هو قادم: تدمير غزة. إلى أن في لبنان هرب الناس شمالا وعادوا بعد شهر ليصلحوا الدمار. فماذا سيكون في غزة؟
تشير كل الأدلة على احتمال أن سديروت ستكون العلة للتطهير العرقي في غزة.

لا لحصار غزة

لا يكفي القول "لا لحصار غزة" أو "لا للجدار".

حين يقول إسرائيلي "لا لحصار غزة" من المحتمل أنه يقصد "نعم لحصار غزة، ولكن ليس بهذا الأسلوب".
حين يقول إسرائيلي "لا لحصار غزة" من المحتمل أنه يقصد الحفاظ بشكل أو بآخر على الجهاز الذي يراقب انتقال عرب أو مسلمين وعناصر حضارتهم: الموسيقى، والغذاء، واللغة، والطب الشعبي، والأدب، والفكر ودين، إلى مناطق الجيب الأبيض، للحفاظ على ديمومته.

يكون هذا الجهاز اختراع أقلية ليست جذورها في الشرق، وتسيطر عليه بعنف. أقلية التي ترفض تبادل علاقات رزينة وجدية مع حضارة الشرق وأبنائه.

حين يقولون "لا لحصار غزة" أو: "لا للجدار"، يجب فحص قصدهم بالضبط.
لا تصدقوا من يقول "لا لحصار غزة" أو "لا للجدار" ولكنه لا يقترح بالمقابل تبادل علاقات رزينة وجدية مع الحضارة العربية والإسلامية، أو يستخدمها للزينة فحسب.

لا لحصار غزة.
نعم للحياة المشتركة بين سكان المنطقة.
نعم للعودة إلى الحياة الإنسانية في حضن حضارة المنطقة.
رحيلا مزراحي

[1اقتباس عن مقال حخام حايم عباديا:

http://www.isna.com/articles/News-Briefs/THE-BRIDGE-WITH-ISLAM.aspx

[2المصطلح "الجيب الأبيض" مأخوذ من مقال د. إلان بابيه "العودة والعنصرية":

http://www.pkblogs.com/peacepalestine/2005/05/ilan-pappe-fortress-israel.html


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى