لينا و البرتقال
و تذهب إلى جهة القصد مجبولاً بالترقب..قطارٌ في ذاكرتكَ يسير.. و أنتَ في القطارِ تمضي إلى جهة القصد.
لم يقدمها أحد إليك.. تمددت أضلاعُ دهشتكَ, فعرفتها بحواسك القروية.. و حين صافحتها تركتَ في يدها رسالة دافئة..لم تسحب يدها من يدك..إبتسمَ الأصدقاء..تهامسوا..
تقرأ مقاطعَ من جرحك و تترك ضاحية التمني و تقفل راجعاً إلى صرخاتك اليومية و الشتات..
تحضر و تغيب.في ساعات البرتقال تراها..في أوقات التراجع و الحسابات الباردة تختفي..أفكار و أمواج و الرحلة لا تنتهي في أعماق السؤال.
تعود إلى مفكرة الدهشة و التوق. في إلتماعات الأسبوع المنصرم. و تنهمر لهجات صديقة من فضاء التوقعات المضيئة..تداعيات في القلب مسافرة في مقطورة هادئة.. ثم ما يلبث أن يأتي صخب مفاجىء و تداعيات حنطية و عشب على الذاكرة..
"ممنوع التدخين يا لينا..كيف بدي أحكي بلا غيم و حوافز..شو هذا يا لينا.. قهوة و شاي و خلص"
تجيبك بإبتسامتها الشقراء و بلهجة فلسطينية:" هيك أحسن يا زلمي..يا الله حَضِّر حالك"
و تذكر عندما إستأذنتْ و عادتْ تحمل في كفها برتقالة.
– " شو كمان هون في برتقان يا لينا"
"آه.شو مفكر.أنا فلسطينية! و هذا مش شغل الصهاينة"
"قاطعي الصهاينة يا لينا..و لا تقاطعي قلبي"
تضحك..و تتركني لترتيب قاعة المساندة.
تنتقل بنظراتكَ الطموحة بين البرتقال و زرقة عينيها و الإحتمال..
تبصر طيور التضامن مع شعبك قادمة من الشمال إلى الجنوب..تراها جوهرة في السرب القادم..تتخيل ماذا قالت" لينا" للغزاة حين إعتقلوها بالقرب من نابلس..
كان وقت إلقاء الصرخات محدودا..لم يتسن لي أن أسالكِ عن تفاصيل المواجهة بين ناشطة غربية و جلاد مدعوم من الغرب..لم أتمكن من التعرف إلا على صوتكِ النبيل و شخصيتك الفذة كعاشقة لفلسطين.
لكني لم أنس قبل الوداع, سؤال المرح و المشاكسة التي تمنيته صادقاً في لحظة سادرة..فبقي شارداً يفكر..
"تتجوزيني يا لينا..أنا مجنون! شو رأيك ؟ "
تجيبك بسرعة غير متوقعة" آه شو يعني. و أنا كمان مجنونة"
و تلتقط حبل المداعبة بيد تستعد للسفر..و تقول:"بس يا لينا..أنا أكبر منك..و مش ساكن هون"
تحدق في ملامحي و تجيب بسرعة أقل.."أنا موافقة ..خلص...تعْ أسكن هون"
و تترك جهة القصد, متبوعاً بالذكرى..القطار يمضي..في ذاكرتك قطار آخر على وشك الوصول.
تجلس في مقصورة العودة, و تختلس النظر إلى راكبة حسناء في المقعد المقابل, تقشر برتقالة و تبتسم.