السبت ١٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨

ماذا لو تبكي خوفاً وترتعب ظلماً؟

بقلم: أحمد فايز القدوة

أنا بكل بساطة متربعٌ في نسيج واقعنا المكبل والمحتشم سواء إجتماعيا أو فكرياً أو سياسياً، ينتابني شعور الخوف من رؤية مركز الأمن في أحد الأحياء الشعبية خوفاً من تهمة الانتماء، إضافة إلى أن البكاء مع الخوف شكل نسيجاً فكرياً يغتنمه المتآمرون والذين يتبعهم الفشل في انتحال شخصية الفقير..

لأن الفقراء نميزهم أما الأغنياء فمشاء الله لا نستطيع تميزهم خاصة عندما يلبسون ويأكلون ويشربون من الفقراء..

وفي إحدى اللحظات الحاسمة من تاريخ أمتنا المتينة خلال حرب الـ 48 أو 67 أو 73 أو 82 أو..أو..أو، لا نستطيع نسيان مواقف الرجولة العربية مروراً عبر مسيرتنا الديمقراطية التي توصف بسلاسة الحوار الداخلي إلى استعمال أنشودة حماسية تجذبُ الأمان الشعبي..

فالمقاومة الجسدية والمعنوية أفضل من منبر لا يسوى أن تنظر له الجماهير... فماذا لو تبكي خوفاً على المقاومة!.. نعرف أن القلب وللغة الروح كلها ثانويات في حقل تجارب العصر، فالراوي غير المنتج، والجالس في ترف غير الجالس تحت نخلة يهزها ليأكل من ثمرها المتساقط...

فماذا لو ترتعب ظلماً؟ الظلم هو ظلام القلوب والقهر زلة في محفل "اليهود".. فكم زلة سقطت سهواً في حكم "الرعب والمرعوب منه والمرتعب" هذه سنة الحياة عند "الداخليين" أن تصبح زلة اللسان، مصيبة وطن....

وفي فوانيس الأيام والليالي كاد المنجمون يستدركون خطورة توقعاتهم فأصبحوا عناصر فاعلة في ديمومة الصراع المحلي والقهر الميداني، فالمشكلة أن المنجم فُضح أمره لدى الجماهير، لكن من يدعي "الربانية" في حكمه فإنه يخفي عدم تزكية الأنفس في الإسلام...
ماذا لو لا تبكي خوفاً بل دموعاً...

في هذه الحالة لا تحمل هماً كبيراً في نزع فتيل الخوف والهرع لكن الحقيقة تكمن في حدوث تهكم في العمود الفقري لجسد الفرد الواحد..، وقد أصبح المتدحرجون في غابة النسيم يستغلهم العدو المبين في تنقية جروحهم..، ماذا عن الدموع؟... لا شيئ سوى أن تنظر في المرآة لتجدُ سيف شقيقك في عنقك يهزها وينحر كأنه ينحرُ ناقة في عتو الصحراء...

لا شيء يأخذك إلى عدم معرفة من تكون في عذابات الأمة والأرض والوطن.. لا شيء يعجبك النظر إليه فهو تحت الوصاية المسبقة.. تبكي .. لن تبكي ولن يهزك شيء حتى القديم جديد، والذي يعاد كأنه جديد يخلو من كل شيء إلا كلمة " إعادة، سنعود لاحقاً، إنتظرونا في..، فاصل من ثم نعود.." كلها قوانين إدارية في كومة مؤسسة تدخل الشيخوخة المبكرة وهي تضع حافظة الرضيع..

ماذا تخاف في البكاء؟

إن حالة البكاء تكاد تكون مستعصية عندما يتعرض المرء إلى خبر غير سار في العائلة أو الأصدقاء : يجلس ليبكي حائراً في أمر الفقيد، لكن حين يكون البكاء بشكل متواصل على مدار السنين، فهذه إرادة قذرة تُسحق من خلالها الشعوب بإحداث صدمة فيها، فهذه الصدمة تجعلك تهاب البكاء المنفرد على إيقاع وموسيقى الجنازة!، هكذا تخاف في البكاء..

لسنا كما يقولون "جبناء" في الإعراب عن خوفنا من تجريدنا الإحساس بالإنسانية، فالجبان الذي دخل البيت سارقاً يحتمي باللصوص وقُطاع الطرق أمثاله، ويمنع أصحاب البيت من التعبير عن غضبهم والدفاع عن حرمة منزلهم..، وفيما يتم حصد بذور الحقد في الجماهير الزاحفة إلى القدس .. إلى موطنهم!..فهذا لم يمنعه من تكميم الأصوات والأفواه الرافضة لسياسته..

ماذا لو تبكي ظلماً؟

في الشأن الداخلي، فإن الحالة يجتاحها الخجل والعار إلى حد الإحساس بالهزيمة المعنوية، فالتداخل وتبادل الأدوار يسلبنا شرعيتنا في تحقيق بناء الثقة وحرية القبول أو الرفض وكيفية إدارة الوحدة في عالم متغير، سريع الدوران..

فعندما تزداد حالة الشرخ والإنقسام، تراودك رغبة الاغتسال بماء نقي من بئر منزلك، وهو ما يجعل إحساساً ثقيلاً بالرغبة في الهجرة يؤرقك، لأن جمال الإغتسال يبعث فيك حب الاستحمام في أغادير الأندلس...

فالفراق ظالم ويجلب معه الظلام، فمن سيعيش في النور وحيداً لن يهرب من السفاح المتحكم بالطاقة الكهربائية في الوطن، فما بالك أن يدركك الظلام وأنت في بداية النور..

ابكي من الظلم في ثنايا الوطن.. فالفقير لا يهمه " دولار" بل يهمه رغيف الخبز حتى لا تطلع الشمس عليه ويجف، حينها عليه أن يبكي من الظلم بأن تستباح الأرض ويفرض الحصار ويعم القتل والخراب!!...

في دواوين الشعراء يلاحظ المتأمل في كتاباتهم شعورهم وأحاسيسهم بالحرقة على جرح أوطان ينتمون إليها، فإن وجع الوطن الواحد يزنُ ألف طن زيادة على وزن الشاعر الذي لا ينقل سوى صورة عن الوطن وأوجاعه، فالوجع في الوطن من كل جانب....

فماذا لو ترتعب ظلماً؟

الخوف والرعب من إدمان الخوف هاجس يتشكل مع غيوم كل يوم جديد، فماذا ننتظر، الرعب أم الخوف؟ لأن كلاهما "لا أمان منهما" لا تنتظر شيئاً غير البكاء ظلماً والرعب خوفاً من فوات الأوان.

بقلم: أحمد فايز القدوة

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى