متنفَّس عبرَ القضبان «96»
بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّب الصديق مصطفى عمارنة: "غصة الدامون في القلب دامية، قريبا إن شاء الله فجر الحرية لكافة أسرانا البواسل وأسيراتنا الماجدات. دمت بخير أخي حسن وبوركت جهودك التي ترسم الخطوات نحو الحرية".
وعقّبت الكاتبة والإعلامية باسلة الصبيحي من المهجر: "مات كل شيء من حولنا... حتى الكلمات لم تعد تستطيع أن تصف ما يجول في عمق الشعور... حسبنا الله ونعم الوكيل... شكرا لك ودمت بصحة وعافية على ما قدمت وتقدم... ولجميع أسيراتنا وأسرانا. لا أعلم إن كان يجوز أن أطلق عليكم إسماً يليق بكم "ملائكة الأرض"، ولكن أنتم هكذا" ....
وعقّب الصديق محمد عمارنة: "يا دامي القلب والعينين إن الليل زائل، الفرج القريب بإذن الله لجميع ماجداتنا وتاج عزنا. فك الله بالعز قيدكن. أستاذ حسن أنت نافذة الحرية والبوصلة وخط التواصل بيننا وبين أسيراتنا. جزاك الله عنا كل خير".
أبلغتني إدارة سجن الدامون يوم الأربعاء 29 تشرين الثاني عن إلغاء الزيارة المقرّرة ظهر الغد بسبب "تصفير" السجن ولم تعد هناك أسيرات وفرحت كثيراً، وكتبت خاطرة بعنوان "صفّرنا الدامون"... وخاب أملي.
عُدت لزيارة الدامون لأسمع عن انتهاكات بحق أسيراتنا تقشعرّ لها الأبدان؛
وتبيّن لي أن عدد الأسيرات سيصبح 68 أسيرة، منهن القاصرات ومنهن الحوامل.
الأسيرات بحاجة ماسّة للملابس والغيارات؛ وضع السجن سيئ؛ الجزر والخيار مخشِّب، والشاي مش مغلي، والرز قاسي كثير، والسكر ممنوع، وأسيرات ترجّ من الجوع، وكاميرات مراقبة في كلّ مكان وكلّ الوقت.
صُعقت من جديد حين سمعت عن الإجراءات القاسية والتنكيل خلال التحقيق، التفتيش العاري بالكامل، التفتيش العاري الجماعي (الأسيرات يرفضن بتاتاً النظر لزميلاتهن عاريات رغم الضرب والتهديد)، التحرّش الجنسيّ، التهديد بالاغتصاب، المسبّات والشتائم الشخصيّة؛ للذات الإلهيّة وذي الإيحاءات الجنسيّة البذيئة.
"بنتكُم كثير قويّة"
زرت صباح يوم الثلاثاء 19 كانون الأول 2023 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب لألتقي بالأسيرة أميمة صايل سعد الوحش (مواليد 08.03.2001، طالبة هندسة معماريّة في جامعة البوليتكنك/ الخليل)، وبعد التحيّة أخذت تصوّر لي وضع زميلات الأسر؛ 59 أسيرة (منهن 31 أسيرة من غزة وينتظرن اليوم وصول 9 أسيرات غزيّات جديدات) وحدّثتني عن زميلات الزنزانة (نوال وآية وشهد) والدور الملائكيّ الذي تقوم به الأسيرة آية خطيب، بما فيه شراء حاجيات لكلّ الأسيرات من مصروف الكانتينا الذي يخصّها.
حدّثتني عن التعذيب في مرحلة التحقيق؛ ضرب ومسبّات وشتائم، 3 كلبشات على الأيدي (2 بلاستيك وواحد حديدي والآثار ما زالت محزّزة)، آثار أظافر المجنّدة ما زالت عالقة برقبتها، كل الطريق الطويل وهي معصوبة العينين يخبرونها "ماخذينك لغزّة"، تسجيل صراخها أثناء التعذيب وإسماعها التسجيل في جولة التعذيب الثانية وهم يضحكون من حولها، شبحها على أرض طينيّة؛ اليدان إلى الخلف، والرأس على الأرض، ولم تبكِ أثناء التحقيق "جكَر" فيهم وكي لا تمنحهم فرصة النشوة والشماتة.
حدّثتني عن وضع أسيرات غزّة، ونقلهن بالأقفاص من غزة إلى الدامون، وغالبيّتهن يفترشن الأرض، أياديهن مدمّاة، وأرجلهن مكلبشة كلّ الوقت، وممنوعات من الاختلاط مع زميلات الأسر، وقلقات على الأهل. وعن التفتيش الليلي (يخرجون الأسيرات من الزنازين لتفتيشها في منتصف الليل)، مما يضطرهن أن ينمن مع لباس الرأس (خايفات ييجوا على غفلة)، عن التجويع والتبريد (يُمنع إغلاق فتحة الباب والشبّاك أثناء الليل رغم برد الكرمل)، والميّة بطعم الكلور.
حفظت أسماء الله الحسنى والأربعين النوويّة وبدأت حفظ القرآن، وحدّثتني عن مصادرة كتاب "أخطاء المصلّين" و"علوم القرآن" واعتبروا حيازتها تهمة تُحاكم عليها.
حدّثتني عن تعاليم الماما؛ "صلّيت، جبت كل شي بالغرفة، حطّيتو حواليّ بشكل دائري، قرأت أذكار التحصين، نمت، وما حدا دخل الباب وضربني ليلتها".
قلقة على العائلة، وطلبت إيصال سلاماتها لوالديها، ولأخوتها عصام ومحمد وخالد، وأخواتها رؤى وملاك وتسنيم وعروب، وتتساءل "شو وضع تيماء بالنسبة للتخصّص؟"
لازمتها ابتسامة عريضة، ومعنويّاتها عالية جداً، وحين افترقنا طلبت منّي أن أوصل عائلتها "بنتكُم كثير قويّة".
لك عزيزتي أميمة أحلى التحيّات، والحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة.