الاثنين ١٠ نيسان (أبريل) ٢٠٢٣
بقلم حسن عبد الحميد أبو السعود

محبات والعش السعيد

قصة للأطفال

أشرقت الشمس. وزقزقت العصافير في كافة أرجاء الغابة الكبيرة..

استيقظت الحمامة محبات، ورتبت عشها السعيد الذي تعيش فيه مع صغيرها بهنس..
استيقظ بهنس على صوت نقرات السيد سناجيبو الذي يعيش في جوف الشجرة الكبيرة..

«صباح الخير يا أمي»

ردت محبات سعيدةً: صباح الخير يا صغيري، هل نمت جيدًا؟

«نعم يا أمي الغالية، ولكن أيقظتني نقرات سناجيبو العجوز المزعجة.. أنا أكره هذا السنجاب كثيرًا يا أمي.. إنه مزعج.. لماذا طرتِ إلى الجهة الأخرى من الغابة لإحضار الدواء له من الفيل، طبيب غابتنا. لماذا لم تتركيه لمصيره؟ ما الفائدة التي عادت عليكِ من إنقاذ حياته؟!»

ردت الحمامة محبات غاضبة: لا تقل هذا يا بهنس. إنه جميل ويحبك كثيرًا. كيف تقول عنه هذا؟ كيف تتمنى له الموت؟

«آسف يا أمي»

نظرت محبات إلى صغيرها بحزن وحنان ثم قالت: لا بد أن تحب الآخرين يا بهنس، وتقدم لهم يد المساعدة إذا احتاجوها، دون انتظار لجزاء أو شكر.

أطرق بهنس إلى الأسفل، ثم رفرف بجناحيه اللذين لم ينبت فيهما الريش بعد، ثم قال بحزن «ولكنك تهتمين بالآخرين أكثر مني يا أمي.. تذهبين للجهة الأخرى من الغابة لإحضار دواء السيد سناجيبو.. وتقضين يومين بحثًا عن ابنة السيدة بطة المفقودة، وعندما تعثرين عليها وتعيديها لأمها، لا تطلبين الحصول على مقابل أو مكافأة.. ألا تعرفين أنها تمتلك مقدارًا كبيرًا من الحبوب.. للأسف يا أمي.. أنتِ لست ذكية»

ردت الحمامة محبات: لا علاقة للأمر بالذكاء أو الغباء.. العطاء غاية سامية يا بهنس..

«وماذا عن العندليب الذي كنتِ تنظفين له عشه حتى شُفيت ساقه المكسورة؟

وماذا عن جارتنا الحمامة صباح.. نعم أعرف أنها وحيدة وصغيرة ولكن إلى متى ستطعمينها من الطعام الذي تحلقين النهار كله كي تجدينه؟ ليس ذنبنا أن الصقر أكل أمها!

ردت الأم محبات بتعجب: ماذا عنهما يا بهنس؟

قال بهنس بحزن شديد «الطعام الذي تعطيه لها نحن أولى به.. الوقت الذي تقضينه في مساعدة الآخرين أنا أولى به. أنت تظلميني يا أمي.. هم يسرقون اهتمامك وقلبك مني»

سألته أمه: هل نمت يومًا جائعًا؟ هل أسأت إليك يا صغيري بالقول أو الفعل؟

«لا يا أمي»

قالت له: لماذا إذن تفكر بأنانية يا صغيري؟ لماذا إيثار النفس؟

لا أريدك أن تصبح طماعًا أو أنانيًا.. أريدك أن تحب الآخرين كما تحب نفسك.. وستعرف ذات يوم قيمة عمل الخير دون انتظار أجر أو ثواب..

ابتسم بهنس وقال لأمه «أتمنى ذلك يا أمى»

احتضنت الحمامة محبات صغيرها بجناحيها، وودعته قبل أن تطير بعيدًا كي تجمع طعام اليوم...

بعد منتصف اليوم.. هبت عاصفة باردة على الغابة، هرب منها الأسد إلى عرينه.. والثعلب إلى غاره والسنجاب إلى جوف شجرته..

مر الوقت بطيئًا، ولم ترجع محبات إلى عشها السعيد وصغيرها بهنس الذي كان يرتعد من البرد والجوع والخوف.

اشتدت العاصفة في اليوم الثاني وخلعت عش محبات الذي بداخله بهنس ورمت به على الأرض.
خرج بهنس من العش ليجد ثعبان الغابة الضخم أمامه، فسأله خائفًا «ماذا تريد مني؟»
ضحك الثعبان بشدة وقال : لا شيء، سأتناولك على الغداء في هذا اليوم العاصف البارد لا أكثر..

اقترب الثعبان من بهنس لكي يأكله..

وفي لمح البصر، وجد السيدة بطة أمامه، صرخت فيه بغضب: ألا تعرف من هذا، إن أمه أنقذت ابنتي.
سمع الثعبان صوت السيد سناجيبو خلفه: إنه فرخ الحمامة المحبة للخير محبات، التي أحضرت لي الدواء وأنقذت حياتي..

خاف الثعبان خوفًا شديدًا، وزحف بعيدًا بسرعة.

احتضنت السيدة بطة والسيد سناجيبو بهنس الخائف والجائع..

قال لهما «هدمت العاصفة عش أمي السعيد يا سيدة بطة، أصبحت شريدًا يا سيد سناجيبو، لا أعرف أين سأعيش حتى ترجع أمي التي لا أعرف مصيرها»

تناهى إلى سمع الجميع صوت الحمامة الصغيرة صباح من الأعلى «عشي هو عشك وعش أمك يا بهنس، ربما مت منذ وقت طويل لولا اعتناء أمك بي بعد وفاة أمي»

ساعدت السيدة بطة والسيد سناجيبو بهنس على الصعود لعش جارته صباح أعلى الشجرة..
كان بهنس يفكر أثناء ذلك فيما قاله عن بطة وسنجاب وصباح وندم بشدة على تفكيره الأناني وكلماته القاسية..

أعطته صباح نصف ثمرة تفاح ليأكلها، وأكلت النصف الآخر وهما يبتسمان..

أتى الليل، وتذكر بهنس أمه محبات وبكى كثيرًا لأنه لا يعرف مصيرها وسط هذه العاصفة الباردة.
في هذه اللحظة سمع تغريد العندليب ذي الصوت الرخيم.. أصغى بهنس بعمق لتغريده الخلاب وهو ينظر إلى القمر المنير، ونام أقل حزنًا بينما يدعو لأمه..

في الصباح، اندهش بهنس عندما وجد أمه محبات بجانبه، احتضنته بشدة وهي تقول له: سامحني يا صغيري.. لقد قضيت اليومين الماضيين في كهف هربًا من العاصفة.
بكي بهنس وهو يحكي لأمه كل شيء حدث معه منذ فراقها عنه.

«لقد كنتِ محقة يا أمي، إيثار النفس مرض.. وعدم التفكير بالآخرين مرض.. لقد رأيت بعيني قيمة عمل الخير دون انتظار أجر أو ثواب.. من يصنع الخير يا أمي، يرجع إليه ولو بعد حين»

قالت له أمه: هل تعرف الآن لماذا يسمون عشي في الغابة، العش السعيد؟

رد بهنس سعيدًا «نعم يا أمي.. العش السعيد هو العش المُشيد على صنع الخير وحب الآخرين.. وعش كهذا لا تهدمه ألف عاصفة باردة».

= انتهت =

قصة للأطفال

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى