محفوظ عبد الرحمن: أرفض أن تتحول الكتابة إلى حرفة
مسلسل "بوابة الحلوانى"، فيلم "ناصر 56"، مسلسل "أم كلثوم".. من منا لم يشاهد هذه الأعمال أو لم يسمع عنها على الأقل؟ وراء هذه الأعمال يقف الكاتب المبدع محفوظ عبد الرحمن كواحد من عمالقة الكتاب الذين تسحر أقلامهم الوجدان، وتجبر المشاهدين على الالتصاق بمقاعدهم لمتابعة الأحداث التى تتوالى دون أن يفقد المشاهد اهتمامه بها. مراسلنا فى القاهرة أشرف محمود التقى الكاتب الكبير، ودار بينهما الحوار التالى:
ديوان العرب: نريد فى بداية اللقاء أن نعرف كيف يختار الكاتب أن يكون كاتبا؟
محفوظ عبد الرحمن: القضية أكبر من مجرد قرار بأن يكون الإنسان كاتبا أو أن يتجه لأى مجال آخر من مجالات الإبداع. فاختيار الكتابة لا بد أن يكون مبينا على مجموعة من القواعد والأسس التى تتحكم فيها عناصر أخرى مثل النشأة، والهواية. وأنا شخصيا بدأت المسألة عندى منذ طفولتى حيث نشأت فى بيت به مكتبة ضخمة تضم مجموعة من أمهات الكتب، وكانت مصادر المعرفة متاحة أمامى ومتنوعة ما بين الكتب والمجلات والجرائد. وفى البداية كنت حريصا على متابعة المجلات التى كانت تصدر فى ذلك الوقت مثل مجلة "الإثنين"، ومجلة "المصور". وأعجبتنى تلك المجلات لدرجة أننى قمت بعمل مجلة خاصة بى ووزعت نسخا منها على الأهل والأقارب. وكانت هذه هى البداية فى طريق الكتابة. وبعدها بدأت أكتب الشعر، ولكننى اكتشفت أننى لا اصلح للشعر، فهجرته. وقررت بعدها الاتجاه لمجال القصة لأنها لم تكن تحتاج منى مجهودا فى الحفظ كما هو الحال مع الشعر. ونشرت أولى قصصى وأنا فى الثانية والعشرين من عمرى، وكان عنوان تلك القصة "كلاب".
ديوان العرب: كانت دراستك فى مجال التاريخ، فلماذا لم تفكر فى دعم مواهبك فى الكتابة عبر الدراسة فى قسم اللغة العربية بكلية الآداب على سبيل المثال؟
محفوظ عبد الرحمن: الحقيقة أننى عندما دخلت للدراسة فى الكلية كانت أفكارى غير واضحة عن ما أريده لمستقبلى. صحيح أننى كنت أكتب القصة، ولكننى كنت أعشق علم النفس والفلسفة. ولهذا اخترت الدراسة بكلية الآداب. ولكننى لم أدخل القسم الذى كنت أرغب فيه بسبب أن درجاتى فى الفلسفة وعلم النفس كانت ضعيفة. ورفضت الدراسة فى قسم اللغة العربية لأننى لم أكن أنوى احتراف الأدب، فقد كنت أعتبر المسألة مجرد هواية، ومازلت. وبالتالى قررت دراسة التاريخ. وقد أفادتنى هذه الدراسة جدا وأسهمت فى تكوين ثقافتى وانعكست فى كتاباتى.
ديوان العرب: وماذا فعلت بعد التخرج من الكلية؟
محفوظ عبد الرحمن: فكرت فى العمل فى الصحافة. وبالفعل عملت لفترة فى دار الهلال، وكنت أرغب فى الانضمام لنقابة الصحفيين. ولكننى واجهت عقبة كبيرة وقتها حيث أننى لم أكن عضوا فى الاتحاد الإشتراكى الذى كانت العضوية فيه شرطا لدخول نقابة الصحفيين. ومن يومها قررت تغيير مسار حياتى مرة أخرى وتقدمت للعمل بقسم الوثائق التاريخية بوزارة الثقافة. أى العمل فى نفس تخصصى الدراسى الأصلى.
ديوان العرب: أليس غريبا على كاتب فيلم "ناصر 56" أنه لم يكن عضوا فى الاتحاد الإشتراكى، رغم أن المعروف عنك أنك ناصرى النزعة؟
محفوظ عبد الرحمن: ليس غريبا لأننى كنت طوال عمرى أحب أن أكون مستقلا عن كافة الاتجاهات السياسية. ولهذا لم أكن راغبا فى الانضمام للاتحاد الإشتراكى، وفى نفس الوقت لا يعنى هذه أننى لم أحب عبد الناصر أو لم أحب وطنى. كما أننى لا أدعى أننى ناصرى.. ولكن بعد كتاباتى المتعددة، وخصوصا بعد فيلم ناصر 56 وجدت البعض يصفوننى بأننى ناصرى.
ديوان العرب: إذا كيف تحول الموظف محفوظ عبد الرحمن من قسم الوثائق التاريخية إلى الكتابة؟
محفوظ عبد الرحمن: لم تستمر علاقتى بقسم الوثائق التاريخية طويلا، فقد كنت أراسل الصحف والمجلات وأنا موظف. وعندها التقطنى المرحوم سعد الدين وهبة للعمل معه فى مجلة "السينما" التى كانت تصدرها الوزارة وقتها تحت إشرافه. ومن هنا انتقلت من قسم الوثائق إلى إدارة المجلات. وفى تلك الفترة أيضا التقيت بالكاتب الكبير يحيى حقى، وشجعنى هو وسعد الدين وهبة على مواصلة الكتابة. وأعتقد أن هذا من حسن حظى لأن الإثنين كانا يشجعان الأدباء الشباب، وكانت لهما قدرة كبيرة على اكتشاف المواهب، وتشجيعها حتى تخرج إلى النور. وهو توجه نفتقده الآن للأسف الشديد.
ديوان العرب: ولماذا لم تحترف الكتابة من وقتها؟
محفوظ عبد الرحمن: أنا لا أعتبر ان الكتابة تحتاج إلى إحتراف. ولا أحب ان تتحول الكتابة إلى مهنة أو وظيفة لكسب لقمة العيش. الكتابة بالنسبة لى هواية وما زلت أصر على أن الأسلوب الأنسب هو أن يبقى الكاتب هاويا.
ديوان العرب: وما هو الفارق فى هذه الحالة؟
محفوظ عبد الرحمن: الهاوى يكتب ما يريد وقتما يريد دون أى ضغوط أو محددات. ومن هنا فإننى لا أكتب فى موضوع إلا إذا كنت مستمتعا به بالفعل. وهذا لا يمكن أن يتوفر فى حالة الاحتراف. وأنا أعتبر أن الكتابة عبارة عن إشباع ذاتى، عبارة عن عملية مزاجية لا تخضع للضغوط ولا للشروط التى تخضع لها الكتابة الإحترافية.
ديوان العرب: ولكن هذه الرغبة فى الاستمتاع بما تكتبه تقلل من انتاجك الإبداعى.
محفوظ عبد الرحمن: خير لى أن أكتب عملا أو عملين فقط ويكون مستواهما جيدا من أن أكتب كثيرا دون أن يشعر أى شخص بجدوى ما أكتبه. فالكتابة أيضا فعل له هدف. وهدفى هو التأثير فى الناس. وهذا التأثير لا يحدث بالتراكم الكمى أو بغزارة الإنتاج بل يحدث من خلال الكتابة القوية المؤثرة حتى لو كانت قليلة. والقاعدة هى الكيف لا الكم. وهذا اختيار أيضا. أن تكتب بغزارة دون أن يشعر بك أحد حتى تكسب أكثر، أو أن تحافظ على مستوى إبداعك، ولا تلفت للربح المادى، و أن تكسب إحترام الناس.
ديوان العرب: كان لديك مشروع للكتابة عن عبد الحليم حافظ أسوة بما فعلته من تأريخ لحياة كوكب الشرق الراحلة أم كلثوم.
محفوظ عبد الرحمن: نعم. والمشروع ما زال قائما. عبد الحليم حافظ قيمة فنية وتاريخية لا تقل عن أم كلثوم أو عن أى واحد من عظماء مصر. فهو مطرب يؤرخ لجيل كامل ويمثل عصر الثورة بأكمله. وكما كانت أم كلثوم إبنة ثورة 1919 فإن عبد الحليم حافظ هو إبن ثورة يوليه 52. وقصة حياته مليئة بالتفاصيل والأحداث الدرامية الغنية التى تشجع أى كاتب على تناولها، وكتابتها. أضف إلى ذلك أنه يتمتع بشعبية عريضة بين الجماهير حتى يومنا هذا، وما زال البعض يعتبرونه النجم المفضل لديهم.
ديوان العرب: متى بدأت علاقتك بالدراما التليفزيونية؟
محفوظ عبد الرحمن: منذ حوالى 40 عاما طلب من المخرج إبراهيم الصحن أن أكتب له سهرة تليفزيونية. وبالفعل تم إخراج السهرة بعنوان " ليس غدا"، وقام ببطولتها حسن البارودى وتوفيق الدقن وماجدة الخطيب. ولكن أول مسلسل لى عرضه التليفزيون كان عن حياة "عبد الله النديم" فى عام 1970. وتوالت بعدها أعمالى للتليفزيون.
ديوان العرب: وهل كتبت للمسرح؟
محفوظ عبد الرحمن: نعم. أكتب بانتظام للمسرح.
ديوان العرب: ومتى بدأت الكتابة للمسرح؟
محفوظ عبد الرحمن: منذ أكثر من عشرين عاما. كتبت خلالها حوالى 12 مسرحية. بل إننى حصلت على جائزة مهرجان دمشق المسرحى عام 1976 عن مسرحية قدمتها عام 1975 باسم "حفلة على الخازوق".
ديوان العرب: وما هى آخر أعمالك المسرحية؟
محفوظ عبد الرحمن: مسرحية "بلقيس"، وسيتم عرضها قريبا على خشبة المسرح إن شاء الله.
ديوان العرب: من الواضح فعلا أن دراستك للتاريخ قد تركت أثرها البالغ عليك.
محفوظ عبد الرحمن: أنا عاشق للتاريخ. وأعتبر أن الكتابات التاريخية مغامرة صعبة لا يستطيع أن يخوض غمارها إلا شخص متمرس ومتمكن من أدواته وبشرط أن يكون عاشقا للتاريخ، وحساس تجاه الشخصيات التى يتناولها حتى لا يخرج العمل مشوها.