محمد المر
ولد محمد المر عام 1955 في مدينة دبي . بدأ تحصيله الدراسي منذ مرحلة مبكرة من حياته . ثم أصابته " حرفة الأدب في وقت مبكر تمثلت في ولعه بإنتاجيات الحرف المكتوب وبعد ذلك بدأت بكتابة الخربشات البدائية في مواضيع التعبير و الإنشاء وفي مقالات و مساهمات الصحافة المدرسية .
وبعد عودته إلى الإمارات من الولايات المتحدة الأمريكية حيث انهي دراسته الجامعية في جامعة " سيرا كيوس" بدأ يساهم في صحافة الإمارات علي شكل مقالات و قصص قصيرة . فقد تأثر في كتابته للقصة بتراث السرد العربي الشعبي المتمثل في ملاحم الأميرة ذات الهمة و سيف بن ذي اليزن و تغريبة بني هلال وعنترة بن شداد و ألف ليلة و ليلة و غيرها و عمل رئيسا لندوة الثقافة و العلوم في دبي .
اعتبر محمد المر الكتابات الأولى سواء كانت قصصية أم صحافية تقع في مجال المغامرة فإذا سمع الكاتب في بداية مشواره كلمة تشجيع رقص فرحا وإذا قرأ كلمات نقد ابتأس منها و خيمت عليه الكآبة وبعد النشر في الصحافة تأتي خطوة النشر في كتاب وهذه الخطوة لها وساوسها أيضا و لكن مرت تلك الخطوات بسلام .فقد نشرت له الأقاصيص المبكرة في جريدة " البيان " و جريدة " الخليج" وفي باقي المطبوعات الإماراتية و العربية . و ظهرت أول مجموعة قصصية له عن دار البيان للمطبوعات و النشر وكانت بعنوان " حب من نوع آخر".وقد صمم غلاف المجموعة إلى أن بلغ عددها 13 مجموعة كان آخرها بعنوان " فيضان القلب " .
كما ترجمت له مجموعتان من قصصه القصيرة إلى اللغة الإنجليزية الأولى بعنوان أقاصيص من دبي والثانية بعنوان " غمزة الموناليزا ".كما كتب لعدة سنوات مقالاته الصحافية في أعمدة في الصحف و المجلات . مثال جريدة " البيان " ، " حديث الاثنين " ، " الخليج "، " أوراق الأحد" ، مجلة " الأسرة العصرية ".
محمد المر كاتب أدب رحلات من طراز رفيع حيث يعتبر الشاب العربي الأبرز الذي تطرق إلى هذا النوع من الأدب ، فهو يذهب دائما بعقل صاف تماما إلى محاورة أمكنة رحلاته و زياراته يقرأ المكان الجديد من داخله يتأمله ، يلتق نبضه و يرصد الحياة بعين مجهزة بالمعرفة و شهوة الاكتشاف.
يتميز محمد المر بصدق مضمره فهو منذ طفولته وهو يتردد علي أقدم المكتبات في دبي ويتعرف علي ألف ليلة و ليلة و كليلة ودمنة و عنترة العبسي و المتنبي ثم أخذ يقترب شيئا فشيئا من الشعر النبطي ويتعشق لغته المحلية كما أنه يجيد اللغة الإنجليزية في العمق كما أنه كان يقرأ للكتاب الأجانب ومن أمثلة ذلك تشارلز ديكنز و اربست همنغواي و غيرهم فقد كان لأبيه الأثر الكبير لتردده علي تلك المكتبات الشخصية في الإمارات وتحتوي في غالبيتها علي أمهات الكتب و المراجع الأدبية و التاريخية العربية كما أنه يقرأ الكتب الأجنبية غير معتمدا علي ترجمتها فمحمد المر نموذج لا يقل عن أولئك الكتاب الأجانب المشهورين المشهورين حيث قرأ كتب تراث و استوعبها حفظ مروياتها و اطلع علي العلوم الحديثة و أحاط بمعظمها فكون مخزونا معرفيا أفاد منه في كتاباته فهو يجمع بين معارف الأقدمين و المحدثين فساعدته قراءاته المتعددة منذ نعومة أظافره التي لازمته لتكون جزءا من حياته اليومية يمارسها كما يمارسها الآخرون . وهذا يعتبر مؤشرا كبيرا علي ثقافته الرحبة الواسعة من ادعاء ولا مبالغة حيث يتضح ذلك من خلال حواراته بأنه يكثر من الإستشهادات الأدبية الغربية.
أسلوبه لكتابة القصة:
فكل إجازة أو رحلة لمحمد لا تذهب سدى فكأن السفر بالنسبة له مكتبه مشرعة علي البعيد فهو يقوم بتقريب ثقافة الأخر من ثقافتنا العربية، فنجده دائما منشغل بحشد مادته القصصية التي اعتمد في أسلوبها على :
الروائية في أرشيف ذاكرته لكنه لا يتخذ منه سندا رئيسيا فهو يقص و يروي رحلاته و مشاهداته بلغة الأديب الصحافي البارع في التفريق بين المادة الصحافية و المادة الإبداعية.
وعند إنجازه لقصة قصيرة يكون حريصا علي عدم خروجه من حدود الإمارات و بالذات من حدود دبي ، فموضوعه شبه جاهز دائما لغته جاهزة ، بمعنى إنها لغة حاضرة في وعيه الإبداعي فإن جملته سهلة بسيطة مقروءة تستحوذ علي قارئها أنه يكتب من داخلك .. من داخل حياتك .. و حياته.
ويتناول البيت لا أسوار البيت كما أنه يتناول حركة وجدان الإنسان و أقامته في يومه ويقيس نبض الحزن و الفرح و الخسارة و البهجة و الألم لدى الإنسان.
والملاحظ استخدامه الشكل القصصي المقالي في أعماله الأولى و الشكل القصصي المغلق في أعماله الوسطي .
ويتميز المر بأنه يرسم أغلب شخصياته القصصية من الخارج كما أنها تتوزع بين الأنماط الفقيرة و المتوسطة في مستواها المادي و كلا من النمطين له همومه و تطلعاته كما أن شخصياته يشبهها أحيانا بالإنسان الآلي الذي لا يتحرك إلا في مسارات مبرمجة سلفا .
و محمد المر واقعي وتميز بجوهره الواقعي الصادق فهو دائما يدافع عن لغته و أسلوبه بثقة عالية حيث يقول في معرض حديثه عن أجواء إحدى مجموعاته القصصية : " عبارة عن حكايات تتناول مجتمع الإمارات ، تعاملهم مع التغيرات حكايات عن كرههم و فزعهم وعقدهم و حكايات عن الذاكرة الجماعية وحكايات عن ناس بوسطاء في الحقيقة تتكلم عن رهبة الموت وعن مرور الأيام وعن مفارقات العيش في مدن الغوص و البترول و الرمال فهو شديد الاهتمام و التركيز على تصوير المكان و الزمان الإماراتي .
ولا يتجه محمد المر في كتابته لقصصه إلى المبالغات و المغامرات اللغوية المصحوبة بالتغريب بل يكتب بصدق و تلقائية ، فأسلوبه يقوم علي بنية حكائية مطروحة بوضوح شديد في بيئته وفي مجال قلمه القصصي .
ومقدرته على القص الواقعي حتى يمكننا القول إن قصصه الطويلة هي روايات قصيرة لما تتضمنه من شروط روائية فنية من حيث حركة الشخوص بزمن النص ورصد الأمكنة و معالجة الحدث و حبكة الصراع.
يميل المر في أسلوبه أيضا إلى الكلاسيكية الراقية البعيدة عن التسطيح و الارتجال حيث تلاحظ في مجموعاته القصصية إنها غنية بالوقائع و المعلومات وحصيلة ذلك فقد ترجمت له مختارات من قصصه وقدمت للغرب .
كما أن الملاحظ أن محمد المر حذا على نهج الكتاب الأوروبيين بمحليته الإبداعية فهو ابن محليته و ابن مكانه وبيئته ومن خلال هذه " البنوة " اصبح محمد المر من المعروفين من الكتاب العرب للشرق و الغرب.
وهو يمتلك الكثير من أدوات الجدل و يستوعب تماما عناصر القص الحديث متخذا من هذا الاستيعاب شمولية ثقافية جديرة بالاحترام .
ومحمد المر نجده في قصصه :
1. يتمتع بتدفق لغته و انسيابها و موهبته وأصالته الإبداعية .
2. حياً في غزارته الأخاذة سهلا في تفاعله مع فنه.
3. قصصه يوجد بها وضوح شديد للجيل الشاب ذي العلاقات الاجتماعية الجديدة و اهتمام خاص بالجانب النسوي من هذا الجيل وما يعتمل في دخيلته من أسئلة الحب و الزواج و العلاقات العامة .
4. يهتم في معظم قصصه بنماذجه البشرية وتوضيح حالاتها من ضيق ومرض . مثال " الواجب- منولوغ - نظرة إلى البحر – هذيان الديسك ".
5. يتميز عالمه القصصي بأنه عالم يملك صاحبه رؤيا فنية إيجابية متماسكة ذات مضمون انتقادي إصلاحي .
6. تصوير الواقع تصويرا فوتوغرافيا حيا دون أن يقع في مجانية السرد المباشر .
7. يبتعد عن التجريد و يبتعد عن التدخل الواعي في مسار الأحداث .
8. يرسم الملامح الجغرافية و البشرية لمدينة دبي.
9. اعتمد علي أسلوب التكرار في بعض قصصه فهو لا يعني تكرار الكلمات و الجمل فحسب و إنما تكرار المواقف . مثال قصة " القرار الخطير " .
وأيضاً فمحمد المر يسرد قصصه بأسلوب ساخر ينسجم مع الرؤية الأخلاقية العربية إلى الساقطة واستخدامه أسلوب التعظيم و التحقير في بعض قصصه .
مؤلفاته:
أصدر أولى مجموعاته القصصية "حب من نوع آخر" عام1982.
وصدرت أعماله القصصية الكاملة في ثلاثة مجلدات عن دار العودة في بيروت عام 1992.
وبعدها صدرت الطبعة الأولي من مجموعته القصصية " سحابة صيف" عن مطابع البيان التجارية في دبي ثم صدرت الطبعة الأولي من مجموعته الأخيرة " فيضان قلب" عن المطابع نفسها عام 2000.
ترجمت بعض قصصه إلي لغات عالمية، ومنها ما ترجمه المستعرب الإنجليزي بيتر كلارك من مختارات جمعها كتاب " قصص دبوية" وصدر عن دار فوريست في لندن عام 1991.
جمع مقالاته الصحفية في عدة كتب منها: آ مال وطنية 1997، عجائب الدنيا 1998 و حول العالم في 22 يوما 1998 .
جملة إصدارا ته بلغت ثلاث عشرة مجموعة حتى الآن .
من مصادر تجربته و مراجعها الرئيسة:
1. ثقافة المكان للدكتور رمضان بسطاويسي، دائرة الثقافة و الإعلام في الشارقة 1998.
2. الظواهر الاجتماعية في القصة الإماراتية لبدر عبد الملك، دار الكنوز الأدبية في بيروت 1995.
3. فن القصة القصيرة لمحمد محيي الدين مينو، منطقة دبي التعليمية 2000.
4. مدخل إلى القصة القصيرة الإماراتية للدكتور الرشيد بو شعير اتحاد أدباء وكتاب الإمارات في الشارقة.
و يمكننا القول بـأن قصص محمد المر قد شكلت وثيقة فنية في الإمارات . فقد استطاع برصانته و ثقته الثقافية و المعرفية أن يؤرخ بالأدب لمدينة اسمها " دبي " وجعل من الواقعية في المنطقة تيارا مستعادا في قلب الحداثة المتداولة.
المادة مأخوذة بتصرف من :
1. يوسف أبو لوز . شجرة الكلام وجوه ثقافية وأدبية من الإمارات . ـ الإمارات: دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر ، 2000.
2. أخبار العرب .