الأربعاء ١٥ أيار (مايو) ٢٠٢٤
بقلم الحسان عشاق

مدير الفضايح... وحمادي الدحش

جلس على الكرسي الوثير تأمل الكنبات المزركشة بألوان قوس قزح، حدج الهاتف الثابت والأقلام و الأوراق الموضوعة بعناية فوق المكتب الكبير، سجل دقات خفيفة على اللوح الخشبي، خمن أن الخشب ثمين، ربما من الاكاجو أو السدر، سحب من المحفظة الكبيرة المكتظة بالملفات، صورة في إطار مذهب، مسح بكم القميص الزجاج اللماع، ابتسم لصورة الزوجة تقبض في حنان على باقة ورد حمراء، افرغ ما تبقى من أمتعة المحفظة السوداء، تمطط وطقطقت العظام، خلع السترة وربطة العنق، تقدم نحو النافذة، طقطقات الحذاء تمزق السكون، شيع بنظرات متفحصة الباحة الواسعة، شجر النخيل يرتفع عاليا في السماء، ثمة عامل منهمك في تشذيب شجيرات الأزهار القليلة، موظفون يلتحقون بالمكاتب، مثنى وثلاث ورباع، آخرون انخرطوا في حوارات هامشية، تحلقوا في دائرة صغيرة، ترتفع الضحكات، يرتفع الكلام في مهب النواح والتباكي على الحوارات المغشوشة مع الإدارة، ممثلو الساكنة يدلفون فرادى، عيونهم ترعى في الفراغ، بعضهم عاش ثلاثة عقود بين المكاتب ممثلا للساكنة، يوقع العقود وشواهد الوفاة، يلبس جميع ألوان الطيف السياسي، بالأمس حضر أول دورة للمجلس، في الجمجمة بقايا من رذاذ الصرخات، مسرحية هزلية أبطالها تلاميذ في الصف الأخير لمدارس النفاق والرياء، الكل يقسم بانه يبتغي الخير لأبناء الوطن الذين يلطمون خدود الانتظار، وقفات احتجاجية يومية تطالبهم بالرحيل، الطريق إلى التنمية مليء بالدموع والشهقات ومشاتل الندم والحسرة.

 ممثلو الشعب أشبه بالجراء… تجد صعوبة في الاختيار لكنهم في الأخير كلاب

 القوة الناخبة من تصنع الأصنام وتظل تعبدها

رآه من بعيد، يشتم ويلعن كأنما يصارع أشباحا، اصطدم معه في أول يوم في المنصب الجديد، حمادي الدحش ذاكرة متنقلة، يحضر جميع الدورات والحفلات، يصفق للوجوه الجديدة ويلعن الوجوه القديمة، يمدحهم في الحضور والغياب،حين ينقطع عنه العليق، يكشر عن أسنان ناصعة البياض مفتول العضلات، صدر بارز وقبضات متينة، طيلة سنوات مارس رياضة حمل الاثقال ومثل المدينة في مسابقات وطنية، فشل في تحقيق الألقاب ولم يحجز بطاقة العبور إلى بلاد العجم، حول مرآب إلى صالة للتدريب،المدخول قليل،ارتمى في أحضان السياسة يلمع الصور المهترئة للصوص المال العام.

يتحرش بهم واحدا واحدا، يسبهم علانية ويهدد بنحرهم من الوريد إلى الوريد ليس لديه ما يخسره، صادفته مرة في حانة المدينة، قدمت له قنينتي جعة، شكرني بإيماءة من الرأس، لعبت الخمرة في الجسد القوي، خلع السترة وظهرت عضلات اليد أشبه بأرانب تستعد للانطلاق، يدندن أغنية ويضرب بالقبضة على المائدة، تهتز القناني والكؤوس، يرسل ضحكات تصدح فوق الأجساد العابسة، سافر على أجنحه أقداح راح من نوع (صحاري) المصنع محليا، معشوق الجماهير الشعبية الحاضر في الأعراس والمواسم واللقاءات الخاصة، مفعول قوي ورخص في الثمن، فكت عقدة اللسان، المفتاح سقط من الجمجمة دفعة واحدة، تحركت كل القوافل من المحاجر، اختلطت الكلمات في الفم زاحفة مبتلعة ضوضاء الخمارة، ازدحمت في المخيلة جيوش الكراهية والحقد على جميع السياسيين بالمدينة العاهرة، اطلق مدفع التبخيس أولى ضرباته، نصب الشعب المغبون أغبى رئيس في تاريخ المغارة، دمية في ايدي القوادين والابقين والمنبوذين، ينتصب واقفا حين شد الانتباه، زعيم سياسي يخطب في الجماهير، صوت الموسيقى يطمس جميع الأصوات، محمد رويشة يتغنى بمشاكل الإنسان (ايناس ايناس مايريخ أثاسيخ إزمان …ريوفين مغسيش إون ا ذتمون...ورذا يتناقسن تصارث خاس الجيب إخوان)، نغمات الوتر ترسل إلى الجماجم شحنات من الرضى والسكينة، يرتفع صوت الشيخات ينغرس في المسام يكتسح المخيلات، الأغاني الأمازيغية تتمسك بالهوية رغم الإهمال والتهميش، الخمارة تزدحم بالباحثين عن لحظات فرح منفلتة من رحم الزمن المر، قعقعات الكؤوس والهمهمات بدأت تخف، العيون مشدودة إلى نافخ الكير وحامل المجامر لممثلي الشعب في المؤسسات الدستورية، يركل الكرسي الخشبي المتهالك، يسقط، يأمر صاحب الخمارة بإعدام الموسيقى، يرفع كاسا عاليا في الهواء، تمتم كلمات باللغة الفرنسية (في صحة الغائبين) يأتيه الرد الإيجابي من السكارى،يترنح في الطريق إلى مقصلة البوح، يرفع نخب حنجرته الملوثة على أنغام الثمالة المستحبة، كل المجالس في الوطن تنزف قيحا، يدبج ذما وسبا من حروف مخصية لأغنية لم تكتب بعد، حمادي الدحش يعترف بانه تاجر في أصوات الناخبين، نظم لقاءات مغشوشة وولائم لشراء الذمم، تآمر ليحصل على المقابل، وعدوه بعمل وحفنة أوراق، تمدد طويلا على قارعة التملق، يريد عملا قارا ليعيل الأبناء، أمطروه وعودا وكذبا، شاهدهم يعلقون بفضله أوسمة الانتصار،الملاعين عزفوا في حضرته على أجراس المستقبل الزاهر، الطماع يفترسه الكذاب المتمرس، حمادي أشبه بفتاة أية في الحسن والجمال لاحقها زير نساء، تغزل في القوام الرشيق و الوجه الملائكي، أدركتها قذيفة ثناء مركزة و سقطت في الفخ في لحظات ضعف وفرطت في العرض والشرف.

تمدد على الكرسي مسترخيا تفترسه أنياب الندم، امتلأت المائدة بأنواع الخمور، سندويتشات من اللحم المفروم وأسياخ اللحم المشوي على نار هادئة في المقاهي المقابلة في الشارع الرئيسي، تساقطت أوراق العطف على جسد مثخن بالغدر في مواسم العطش، ضحية الفقر وقطاع الطرق،يفرغ في الجوف كؤوسا باردة، يزفر زفرات متلاحقة من شدة الحموضة، يدفع في الفم حبات زيتون اسود، يستحضر عشرات الأسماء التي استدرجته للعبة الخبيثة، أدار ذبذبات الراديو وقص على المسامع حكايات الشواذ والخيانات الزوجية في مؤسسة الشعب، التجارة في المناصب،أثار الانتباه في جوقة السكارى، أحاديث الجنس محببة في الدول الفقيرة، وضع فوق المشرحة الموظف الذي رقي إلى مدير المصالح، خيم صمت متقطع، الأسرار التي احتضنها ذات صيف تحرق الآن قطعة قطعة، تحترق كحبات البخور في المجامر الملتهبة، تحمل القرابين إلى آلهة الخمر، نشر في الفضاء تعويذات حب المعرفة، اطلق دودة التشفي وتركها تنخر الأدمغة تثير الأسئلة، العيون جاحظة تنتظر خروج العفريت من القمم.

 انه ليس مديرا للمصالح، بل مديرا للفضايح…

تعالت الضحكات، في العيون يقرا تعويذات التوسل لشرح اكثر دقة،المائدة تمتلأ بالزجاجات الفارغة لكن الثمالة المطلوبة ظلت بعيدة، يحتاج ليترات أخرى من عصير العنب،، ثمة موظفين في المؤسسة الدستورية يتابعون المشهد بلذة، يشيرون للنادل أن يقدم له مزيدا من الخمر، حمادي ضيف فوق العادة حسن المعشر، يلملم حطام الكلام، الموظف القادم من الغيب بفضل توصية رجل من سلالة أبي نواس، امه ربطت علاقة غرامية مع مقربين من أجهزة القرار في المدينة المغتصبة، استقدم المنحرف من مدينة مجاورة، يحمل دزينة من الشموع إلى ضريح الولي الصالح علي بنحمدوش لتفك الأزمة وينال المراد من نبضات الإيمان بالدجالين والمشعوذين وقبور الموتى، موسم سنوي شهير يستقبل عشرات المنحرفين من ربوع الوطن بحثا عن الحرية وإقامة صلاة الاستسقاء السرجية، مند الوهلة الأولى مشى في طريق مزكومة برائحة الميوعة ونبذ للعقل.

سقط بالمظلة في الجماعة الترابية، الزبونية والمحسوبية تسكن صولجان الوطن الذبيح، كل شخص يحتاج إلى عكاز ليضيء مساءات الانتماء إلى الوطن الهارب، سنين يتفرج ويستمع إلى روايات مزدحمة بالغبار، يستمني على مؤخرات المتدربات من تحت قبة الخيال، جميعهن تحرشن به اعتقدن انه فحل قادر على الصهيل في حضرة عري المفاتن،حاورن الغد بأصوات مستجدية ليقوم بالخطوة الأولى، يهرولن كل صباح الواحدة تلو الأخري يطرقن الباب ويسترسلن في نفخ جعبة الكلام، ينثر الرغبة ويشتهي كل الأجساد البضة، ينتظر أن تمطر الغيمة ليقطف من العيون الأهم، عرض الأزياء والمفاتن لم يصبه بالأذى، لاحق موظفة يتيمة الأب، احب الهيكل الخارجي فسقط في المحظور، انفجر انحرافه في الهزيع الأخير من عقد القران،لم يبرح الفعل الحلال حزمة التنهيدات والآهات، المهبل يحتاج إلى لسعات والثعبان مصاب بالخمول، انفتح الجرح القديم، عرفت انه فاشل في معركة الفراش،يجلس على حافة السرير يعصره الوجع،عاود عشرات الأطباء خارج المدينة، ابتلع حبوب الفياغرا لم يجمع سوى فوارغ الطلقات، الانتشاء يحلق بعيدا بالأجنحة العارية فوق ارض عطشى تحتاج إلى زخات المطر، فشل اختبارات المد والجزر يصيبه بالغضب المهيض والمر، ينظر إليها ناثرا العجز في فنجان التناسل، كتب تاريخ اندحاره ورفع راية الاستسلام أمام الجمرة الملتهبة، لا سبيل لترميم الفشل سوى بالكتمان حفاظا على المظاهر و ألا تخدش الصورة في الإدارة، لا يريد أن يفقد السيطرة على الموظفين المشاكسين، يجب أن يظل صوته مسموعا، يخاف أن يتحول إلى أضحوكة بين زملاء العمل، العجز الجنسي والشذوذ لعنة ستطارده أينما حل وارتحل، في الشهر السابع من الجلد لعلعة الحناجر تذمرا وسخطا، تكاشفا وافرغا حملا أثقل سراديب الصدور، كلاهما يبحث عن رسن لإطفاء الألم الداخلي في كرنفال المكاشفة، لا وقت لأقامه صلوات الندب، ابغض الحلال عن الله الطلاق،وقع الاتفاق على عيش الحرية المطلقة،كلاهما يحتاج إلى خبير في السقي بالتنقيط.

لملاحقة التفوق قرب الفاشلين والفاشلات في السنة الأولى من الترقية، ارتفعت معدلات الارتشاء والابتزاز، تزوير الوثائق والموظفين الأشباح، مرافق تستنزف عائداتها، سيارات الشعب تنقل العائلات، طلبيات للمقربين والمقربات، عصابة تقبض على جمرة المسؤولية، تبيع وتشتري في مصالح الناس، افرغ في الجوف أربعة كؤوس متتابعة، سرت القشعريرة في البدن، احمرت منه العيون، حرك الرأس يمنة فيسرة، الحلقة اتسعت شيع الرؤوس المشرئبة، احس انه بطل قومي في مملكة السكارى، اندفع في الكلام الجارح اندفاع ادم إلى الشجرة المحرمة، حين هب تيار الحماسة اقتلع الفرامل من الجذور، يشد الوقت من عنقه، يرقص فرحا فاردا يديه يدق بالحذاء الإسفلت في تناغم موسيقي، حمادي الدحش يرقص متمايلا، التصفيقات تنتزع من الوجوه المتوردة، تزيد من شحنة الهيجان، ترتفع الضحكات وتضمحل التنهيدات، دخل عليه المكتب مرة ووجده يتعطر ويتكحل ويضع مرهم للوجه أمام مرآة نسائية، جن جنونه وصب جام الغضب على السكرتيرة الطويلة التي تشبه في طولها زرافة، رقيقة تقترب من العقد السادس، هرب عنها الزوج وتلقفتها الأيدي الباحثة عن الأحضان الدافئة والمجانية، شك في التصرفات والحركات الأنثوية مند اليوم الأول، شاهد حالات شاذة لغلمان يرتدون تبابين وحمالات نسائية، يضعون احر شفاه، وصباغة الأظافر، يقلدون الفتيات في الكلام والحركات والخطوات، لكنه أبدا لم ير في حياته رجلا سويا يلبس سراويل ضيقة تبرز المؤخرة بشكل لافت للظنون، إنها دعوة صريحة لإسقاط الضحايا، توطدت العلاقة بعد سوء الفهم، يزوره على راس كل شهر ينفحه مبلغا ماليا،دعاه مرة إلى البيت،ركام من الأسئلة يهجم على المخيلة، حمادي فقد الثقة في الآخرين فالرئة مثقلة بغبار الهزائم، كبر سنوات في جحيم عنوسة الوعود، ظل يفكر بصوت مسموع مستحضرا ترسانة الاحتياط، الدعوة إلى البيت تذكرة الدخول إلى لعبة الاسترضاء والبوح، حمادي مسافر دوما على ظهر الاستعطاء،ابتلع الكلام صدى المسافات،انهارت في لحظات خيوط الشك،ركل أنفاس التردد من تحت تعابير الوجه المنقبض، الزوجة تأتي وتجيء في ثوب شفاف،وضعت براد شاي وصحن حلوى،سالت الكلمات في جو متوتر، مدت له كوب شاي منعنع وقطعتي حلوى، انخرطا في حديث طويل عن الحياة الزوجية والفقر وزينة الحياة الدنيا، حرما من الأولاد، طرقا أبواب الأطباء لتخصيب البويضات في المختبرات لكن ولا أمل، حمادي لديه نصف دزينة من الأولاد لكنه فقير.

الزوجة تمسك تلابيب النقاش وتوجهه حيث تريد، تغوص في كل مرة في تهجئة الحرمان الجنسي، تطارد غيوم الاشتهاء في الجسد الرياضي، أدرك بعد أن طبعت أولى اللمسات على الثعبان و أبصمت على حركات التهييج انه مطلوب لإرواء عطش يقضم الأشلاء، الزوج ساكن يشاهد ويبتسم، استسلم وظل تائها في محراب العيون العسلية الوافدة إلى نبضات الفؤاد، قفزت من مكانها وارتمت عليه، اصطادت عصافير شفتيه،رعشات النبض في العيون تتسارع، رفعت نخب الأنوثة في الكف وتحلق به نحو وجنات الشمس، في غرفة النوم كانا عراة، استلقى الزوج على البطن واستلقت على الظهر، حمادي الجحش لا يصدق ما يراه كلاهما يسكن في الصدر المتهدج، مشهد ولا في الخيال، كرع الكأس الأولى والثانية من زجاجة ويسكي، افرغ الباقي في الجوف دفعة واحدة، لم يعد يبصر سوى هذين الجسدين اللذين ينتظران التشحيم وتلقيحا بالماء الأجاج ليعيد إليهما الحيوية والنشاط، أصيب الزوج في الطلقة الثانية بنوبة زحار وانسل مسرعا، بقيت الزوجة وحدها تضحك وترصف جنون الشهقات، تطلق الآهات وتدعوه لسفر آخر على جناح الرعشات، يسمع صوت الصنبور في الحمام، الزوج لازال يفرغ مثانته، سمته الجنس الثلاثي وسماه العهر الثلاثي، فتحت المحفظة وناولته مبلغا ماليا وحقيبة مليئة بالملابس وطلبت منه العودة وطبعت قبلة على الخد، غير بعيد صوت الآذان يصدح عاليا، السكارى من حوله يقرعون الكؤوس، اغلبهم كانوا معه في مقعد الدراسة، الخبثاء من اطلق عليه لقب (الجحش) كانوا في بستان مزدهر بالفواكه الطازجة، يمررون لفافات الحشيش ويشربون أقداح خمرة معتقة(بولبادر) خمر المهمشين والطبقات الكادحة،تلعب الخمرة في الجماجم وتنشب الصراعات الدامية، مرة اعتقلت دورية أمنية رفيقهم في الكفاح الخمري، عرض أمام جلسة الحكم الغاصة بالمتقاضين، ساله القاضي انه متهم بالسكر العلني، صمت برهة وأجاب بانه لم يكن سكرانا مجرد مضمضة صغيرة، انفرجت أسارير القضاة وعم ضحك هستيري في القاعة فاخلي سبيله، في فترة زهو وانشراح ظهر جحش في البستان الوارف الظلال، ظل ينهق بصوت مزعج عكر أمزجة الندماء، تغامزوا وتآمروا، آمروه أن يحمله فوق الظهر أن كانت به قوة كما يدعي، المسافة بعيدة لكن المهمة ليست مستحيلة، بعد تردد استجاب لمطلب الندماء، الخطوات مدفونة في الأرض، يشعر بالعياء والثقل، شجرة التين على بعد مائتي متر أو اكثر، يسمع هسيسا وطقطقات العظام، قطع ربع كيلو متر بمشقة الانفس، سعل اكثر من مرة، العرق يغسله، اظهر علو كعبه في حمل الاثقال،اطلق الجحش قوائمه للريح، جلس ممددا الأقدام المرتجفة إلى الأمام، تنفس الصعداء وظل ساهما، نفض الشعر من فوق الأكتاف،تعالت الضحكات والقهقهات، انفض الجمع باستعادة واقعة حمادي يحمل الجحش، تسرب الحدث إلى الأزقة والشوارع، اختفى الاسم العائلي، واصبح لقب (الدحش) حاضرا في الجماجم، منتشرا كالنار في الهشيم، في الأيام الأولى كان يشعر بالضجر والتذمر والقرف من اللقب ورغبة في العراك.

 سلام سي الدحش…
 الله يلعن لحمار لي ولدك

الشاب يركض بدون اتجاه متفاديا الرشق بالحجارة، تلسع الظهر عشرات اللعنات والتهديد و الوعيد، في الجلسات الخمرية اختفى الاسم، اللامبالاة سلاح قاتل، اسرح في وجه الآخرين رياح النبذ، الغيهم من الذاكرة سيمضون منكصين في جحافل التأوهات، الوتر يلفظ أنفاس وجع المغني الحالم، سكاري يرقصون على جمرات الفضيحة، وحده مدير الفضايح في قفص التراشق، يتمايل على أطراف الألسنة،تلاحقه الدعوات وتركله المعوذات والبسملات، حمادي رسم له النهاية، سيصبح اشهر من نار على علم في الإدارات، ستحتضن سيرته المقاهي وتلاك بالتفصيل الممل، حمادي أتى بالخبر اليقين، نحن نعيش و سط قوم لوط، المدينة تسير بالشواذ.

الهاتف لا يكف عن الرنين، الشاشة اللماعة تكشف أسماء المتصلين، يلقي نظرة ويعيد الهاتف إلى جيب سروال الجينز، منشغل بإطلاق أعيرة نارية في كل الاتجاهات، الخمر فكاك العقد، صاحب الحانة يصفق بيديه معلنا عن موعد الإغلاق، السكارى يغادرون مثنى وثلاث ورباع، يتمايلون، يقبلون في احترام وخشوع راس حمادي، عاشوا معه لحظات من الضحك والمرح والبوح، الصوت بح من كثرة الصراخ، الساعة تشير إلى العاشرة ليلا، لم يبق سوى بضعة أفراد متحلقين على طاولتين.

 استغلوك اسي حمادي
 فعلا

تأوه بشدة، نظر اليهم نظرة خاطفة،مقاسات الوجوه لم تتغير، ظل لهينيهات جاثيا فوق ربوة التفكير، الساقي الجندي المتقاعد يسقي الندماء ويطلب المزيد، صاحب الحانة انخرط مع الزمرة في كرع الكؤوس، بدوره يتعقب خطوات الخلاص، لولا الخمر والدعارة والحشيش لمات نصف السكان غما وهما،الجلسة ستستمر إلى الصباح كما العادة، رائحة الدجاج المحمر وقطع البطاطس والخبز الدافئ تفتح الشهية، يلتهم قطعة دجاج ويدفع في الفم لقما تقطر دسما، مص الأصابع الواحدة تلو الأخرى، دفع في الجوف كاسا يجيش باعين الحيتان، استقام في الجلسة نظر اليهم، فهم انه حان موعد نثر أسرار مكدسة بين الأشلاء، يفتح الجراب ليكتمل المشهد، مدير الفضايح اعتبره مرمم محترف لتمزقات الأجساد، رقم مهم في خصوبة التناسل،تعوي الرغبة المحمومة بين الضلوع يستعجلانه،يرقصان فوق حبال المناشدة، يلبي النداءات بدون تفكير،يسمع عويل الأشلاء، سقطت شعارات الفرسان على مفاتن المحرمات، حاصرته في الأيام الأولى من الصداقة الملغومة أسئلة عميقة، ما يجمع رياضي في كمال الأجسام مع مخنث، عرج النقاش على الزوجة المثيرة للغريزة، ظل ينفي ويدافع عن الرجل الشهم والفاعل للخير،الإجابات الهاربة لا تخيط الدمار المتفجر في النظرات.

يشحذ منجل الحصاد ويمضي في أحضان المراعي، يحمل الغلة إلى حجرة الآهات مستنيرا بفردوس الخيال، يسكن البيدر لعلعات الطلقات، تبتسم التلال العابسة، جلسا على حافة السرير مبتسمين الخدود موردة، الزوج اكثر غبطة وسرور، أوراق الربيع تزدهر من عينيهما،ثلاثة سنوات تحت القصف، الروابط تقوت اكثر، زاراه في المنزل محملين بالهدايا للزوجة والأولاد،تعانق آخر العنقود تمطرها بوابل من القبلات،تمنت من الله أن يرزقها بالخلف،حلم ينمو حافيا تحت قبة الخيال الجامح، جاءت التحاليل أيحابيه، زوجة مدير الفضايح في الشهر الثاني من الحمل،خيم السكون في الخمارة،حمادي يمزق دفاتر السقطة في دماغه.

 انت الأب
 نعم
 عليك المطالبة به
 علي أن أطالب بعشرات الأبناء غير الشرعيين في مواخير المدينة

يتململ في الكرسي يرفرف بالنظرات نحو الباب، تمر في السماء سحابة حبلى، سحب الهاتف النقال من الجيب ركب رقما، خاطب شخصا ما، انتظر دقائق معدودة على ناصية الشارع، أثناء الانتظار احس بفرح طفولي ورغبة عارمة في احتضان الأبناء وتقبيلهم، البوح تكفير عن الذنوب والمعاصي،حمل ثقيل ينزاح عن الصدر، حمله الطاكسي وغاب في الطريق المظلمة.

انتهت بتاريخ 23-12-2018


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى