مرايا الوعى و تواشج الانسياب فى مجموعة (( همس النوايا ))
اسمها : فاطمة بوزيان – كاتبة و قاصة مغربية فى عمر الزهور
– وصلنى منها بالبريد مجموعتها القصصية " همس النوايا " و هى مطبوعة عام 2001 بمساهمة من المجلس الإقليمى للرياضة و الثقافة و الشؤون الاجتماعية بمدينة الحسيمة بالمغرب الشقيق و المجموعة صادرة عن شركة بابل للطباعة و النشر بالمغرب
– يشمل الكتاب و الذى من القطع المتوسط عدد أربع و عشرين قصة قصيرة و هى على النحو التالي :
– ( طحين ليلة شبه بيضاء – إحالات صباحية – مسودات قضية – بيض بلدى – الذى صار أذنا – لقطات بالأبيض و الأسود – جنة الضفة الأخرى – بياضيات البياض – أثناء شرب القهوة - عائد و لكن – همس النوايا – قمر الليل – تداعيات غارقة فى العتمة )
– صباح الخير – أمشى ، فى شوارع جسدى يمشى البحر – شبق الأوراق – إدراك – استدلال – ككل المرات ، مع اختلاف كبير – عراء المرايا – سعد حى السعد – كما تطير العصافير – ما كان مؤجلاً و بقى ...
– المتعة التى أجدها فى كتابات " فاطمة بوزيان " ، حين استسلم إلى قراءتها ، تقترب من المتعة التى أجدها فى قراءة كتابتها الجملية و الفريدة أحيانا ، و لا فارق كبيرا بين اُثنين ، ففاطمة بوزيان القاصة التى تكتب هى فاطمة بوزيان الحكاءة التى تحكى لك من قلبها ، فلا نملك سوى الإنصات إليها ، و الاندماج فى العوالم المذهلة التى تقودك إليها ، و التى لا يمكن أن تجد لها مثيلاً إلا فى كتابتها ، و لا أجد بين كاتبات المغرب المعاصرات ، هذه السنوات ، من يضارع فاطمة بوزيان فى بلاغة القص التى ترد فتنة المتلقى على الشفهي و العكس صحيح بالقدر نفسه ، فتدنى بين الطرفين إلى حال من الاتحاد ، حال يمكن أن يتحول الحكي الكتابي إلى فن ، عصري تماماً ، و القص الكتابي إلى سرد عضوى شفهى ، يستثمر الإمكانات الشفاهية للحكي على مستوى العلاقة بالقارئ و الموروث الذى يجمعه بالكاتب .
– و آية ذلك ما نراه فى كتابتها من إمكان أن ننطق الجملة المكتوبة نطقاً عامياً ، أو فصيحًا ، دون أن يتأثر المعنى أو يختل ، ومن غير أن نضطر إلى تغيير كبير فى الكلمات و التراكيب و فى الوقت نفسه تمتزج الكلمات و التراكيب العامية بالفصحى فى المكتوب امتزاجاً يستقر باللغة العامية ، و يضفي على الفصحى سلاسة الجمل الشعبى وعفويته .
– و يحدث ذلك فى المنطقة الإبداعية التى تتحاور فيها الأنواع ، و تتآلف اللهجات ، و تتقارب المتباعدات ، و تعثر المختلفات على ما يجمع بينها فى علاقات مفاجئة من القرب فتنقش الكتابة على الصفحات سهلة ممتنعة ، غاوية مغوية ، تفضى بالقارئ إلى عوالم زاخرة بالإحساسات البصرية والسمعية و الشمية و اللمسية و الذوقية التى تصوغ للقص علاقاته التخيلية و التخييلية فى الوقت نفسه ، أى تلك العلاقات التى تدفع القارئ إلى أن يكون طرفًا فاعلاً فى عملية استقبال القص شفاهة و كتابة ومجموعة " همس النوايا " تنطلق من خلال رؤية تجريبية فى القص ، و اللغة هى محورها ، و أساس جماليات نصوصها ، و يكمن المضمون التى تجسد الكاتبة فاطمة بوزيان من خلال رؤى رمزية و غرائبية و انطباعية حول الواقع بما يحمل من تأزمات ، و ممارسات مهترئة ، و ايضا بعض هواجس الذات ، و بوح الأنثى بما يحتويه عالمها من تجارب خاصة و المجموعة تحتوى على عدد لا بأس به من قصص يتراوح حجمها ما بين صفحة أو عدة صفحات ففى قصة " همس النوايا " التى تحمل اسم المجموعة تلح الأسئلة ، و تتوارد علاقات الاستفهام على وعى الساردة لتفصح عن الذات التى يدور حولها تساؤلات فى كل الاتجاهات ، و ما هى " همس النوايا " هذه التى يسمع إليها كلما حدث شئ غير مألوف فى الناحية .
– " ها هو ينطقها بالتعلثم الذى تمرن عليه ، السيد ( م ) واقف من ان المرأة تثنى بالرجل الخجول
– مساء الخير
– سألها عن أحوالها – سألته عن أحواله ، قالت إنها عادية ، قال لا جديد تحت الشمس
– متى أراك ؟
– مستحيل ، أنت تعرف التقاليد
– ألم تخرجى مع أحد من قبل ؟
– شهقت فى غضب بلهجة حادة صرخت 0000
– اسمع يا أستاذ ، إذا كنت قد قبلت فكرة التعارف فلا يعنى هذا أنى من النوع إياه ! ص 40 ، 41 من قصة " همس النوايا "
– إن هذه التساؤلات التى تطرحها الكاتبة فى هذا النص ، قد يتواجد فى نصوص أخرى ، و لكن بطريقة مغايرة ، و لكننى اعتبره هو عتبة النصوص كلها :
– " تقدمت إليه سيدة ، سألته عن الثمن ، أجاب فشهقت :
– لاوه واش هذا بيض و لا آفوكا ؟
– لم يفهم و قال :
– راه بلدى مش رومى 0000
– من قصة " بيض بلدى " ص 21
– تجسد الكاتبة خلال ألف عام تمر على خيالات ربما تجسد الواقع / ربما هى استعادة للماضى فى ظلال الحاضر ، إن خيالات العائد تحمل معها هواجس الأمل .
– إن العبثية التى تخترق بها فاطمة بوزيان نصوصها ، و الغموض الذى يلف هذه النصوص برموز تعبر بها عن مضامين و قضايا الواقع ، و لكن من خلال لحظات تأزم تجتاح الإنسان فى كل وقت وفى كل مكان ، و هموماً نجده فى قصص " صحيحة ليلة شبه بيضاء "
– " أثناء شرب القهوة " – قمر الليل – ما كان مؤجلاً و بقى "
– و تعد مجموعة " همس النوايا " من المجموعات القصصية التى تطرح التساؤلات و الحوارات معبرة عن هواجس الذات ، و عن الواقع الملغز فى الأحيان .
– لذا فنحن ننتظر منها ولادة مجموعتها القصصية الثانية كى تحتفل بصك شهادة ميلادها جميعها و التى ننتظرها بلهفة و شوق عارم 0000
– نحن ننتظر من القاصة المغربية فاطمة بوزيان الكثير خاصة أن مجموعتها هذى تحمل بعض الجوانب الإنسانية المطلة من النسيج العام لقصص المجموعة ، وبعض الجوانب بها رامزة لبعض المفارقات السياسية و الاجتماعية المعبرة عن واقع ما يدور فى الحياة من جوانب متهرئة و زيف و قهر اجتماعى .
– لقد حرصت الكاتبة على ألا تطل بنفسها من خلال السرد و تركت النصوص تشى بما تحمل من رؤى و أفكار ومضامين تعبر عن مدلول ما يدور فى الحياة و الواقع من ممارسات ، كما أنها حملت الشكل فى بعض النصوص جوانب غرائبية فى التعبير الغرض منها تجسيد الرمز ومحاولة بلورة الرؤية فى واقعية يسيطر عليها بعض الغموض الموظف داخل بعض النصوص لإبراز بعض سلبيات المجتمع وتهرئاته ، و لاشك أن التكثيف و التقطير فى التعبير القصصى الذى احتفت به فاطمة بوزيان قد جاء متوافقاً فى بعض النصوص مع ما يحمل من رؤى و دلالات ، بينما فى اعتقادى قد جانبها الصواب ، فى بعض النصوص التى كانت تحتاج إلى استطراد فى العرض ، و كان بتر الحديث بنهائية غير متوقعة فى بعض هذه النصوص قد أفقد الحدث بعضاً من بريقه و لمعانه ، و اعتقد أن هذا الاستطراد و تعميق الحدث أكثر من ذلك سيكون للوصول به إلى منطقة الإقناع والتأويل خاصة فى النصوص التى تحمل جوانب إنسانية فى مضمونها العام ، و التى تتشكل فى الوقت نفسه من رؤى عبثية فى الشكل القصصى للنص .
– إن مجموعة " همس النوايا " للقاصة المغربية فاطمة بوزيان زاخرة باللقطات القصصية لمواقف إنسانية حميمة ، تفيض بالدفء البشري الذى يغمر وجدان تلك الشخصيات المفرقة فى إنسانيتها و التى تختارها فاطمة بوزيان بحس أنثوى يتلفت إلى المعانى الكامنة فى داخل كل منا ، و التى تحرك بشكل عفوى تصرفاتنا و تحكم مواقفنا و تصدر ردود أفعالنا .
– و هنا نرى الرؤية أكثر عمقاً فى مجموعة " همس النوايا " لفاطمة بوزيان ، و التجريد أكثر تعميقاً ، و الاكتناز أقوى ، حيث تمتزج لغة المجاز بلغة الواقع ، و لعل هذا النمط للكاتبة تبقى عليه قريحة المبدعة فندرك كنه الرعد و البرق فى جماليات قصص " همس النوايا "