مسرحية موت ذبابة لمحمد الدحروش
تقع مسرحية "موت ذبابة"، للمؤلف المغربي محمد الدحروش في مائة صفحة من الحجم المتوسط، وهي من منشورات جمعية "تطاون أسمير" تطوان- المغرب، الطبعة الأولى من عام 2005، علما أنها كتبت عام 1970. وتتكون المسرحية من فصلين، تستهلهما مقدمة قصيرة للمؤلف الدحروش. تجري أحداث الفصل الأول في ثمانية مناظر/ مشاهد على أطلال مسجد عتيق، في حين ينقسم الفصل الثاني إلى عشرة مناظر تدور فيها الأحداث داخل مستودع لتخزين الخمور. فالمقامان معا، وبعمق التناقض والتنافر القائم بينهما، يضعان القارئ/المتفرج أمام مفارقة أخلاقية صادمة سيكون لدلالاتها الرمزية انعكاس متسق ومتواصل على مجريات النص المسرحي، شكلا ومضمونا. خصوصا وأن الشخصيات الثمانية في المسرحية تشكل في جلها امتدادا تشخيصيا لهذه المفارقة الكبيرة، نظرا لما يطبعها من سلوكيات غريبة تتقاطع فيها مظاهر الخير والشر، التقوى والفجور، العلم والجهل، الفطنة والغباء، والعفة والفساد كما الأمل واليأس.
على هذا الإيقاع المضطرب، يحاول المسرحي محمد الدحروش أن يسلط الأضواء الكاشفة على واقع مريض فاسد، يتوارى خلف أقنعة كلها مزيفة، ليجعل من نصه الدرامي وسيلة كشف نتبين من خلالها كيف من الممكن للإنسان أن يفقد كرامته وروحه وجوهره الإنساني ليصبح عدما، أو "لا شيء"، ينهار ويسقط فيموت كما تموت الحشرات. وعند هذه النقطة تحديدا، تبرز بلاغة العنوان في نص "موت ذبابة"، وكذا بعدها الإيحائي الموصول بموضوعات الفساد الاجتماعي والإفلاس الأخلاقي والفراغ الروحي. ونحن بصدد تقديم قراءة في النص المذكور، سليم جدا في اعتقادي الوقوف لحظة عند مقدمة المؤلف. إذ يعبر محمد الدحروش بشكل واضح وجيز عن قلقه العميق تجاه مشكل الطبقية بشتى أنواعها، وما يولده هذا المشكل من مشاعر الذعر والفزع والرعب والظلم.. في نفسيته. الأمر الذي يفسر طبيعة الرؤية الدرامية لديه، وكذا إمكانية تحديد موقفه الذاتي من كل مظاهر القهر الاجتماعي.
إن الرؤية الدرامية هنا هي، حسبما نفهم من تعبير المؤلف، رؤية استنكارية، فاحصة ومتبصرة، تحركها أحاسيس الاستياء والظلم، مع غياب الرضا والاقتناع بما يجري في واقع طبقي هجرته كل أشكال الخير والعدالة والصلاح. رؤية غاضبة ساخرة تقارب الواقع الإنساني باعتباره بنية طبقية مكونة من جزأين: الجزء العلوي/ "الفوق" والجزء الأسفل/ "التحت". فالعلاقة الجوهرية التي تجمع بين هذين الشقين طالما تتحرك على خط الصراع الطبقي وغالبا ما تكون قائمة في الأساس على الظلم والاستبداد والسيطرة والاستغلال وأشياء أخرى من هذا القبيل.
وبخصوص الموقف الذاتي لدى المؤلف، فلا غرابة أن نجده مفعما ببذور النقد والاحتجاج مع اعتماد نسبة كبيرة من أساليب التهكم والسخرية. فالكاتب يدعو في مقدمته إلى وضع حد لمشكل القهر الاجتماعي، بالتعبير المباشر وبالصراخ "كفى". وهذا ما يفسر أحد أسباب امتلاء النص المسرحي بحضور الكلمة، بعمقها التعبيري وحيويتها اللفظية الناطقة بعامية محلية بسيطة تصل معانيها لكل الناس، بمختلف فئاتهم ومستوياتهم. وما يؤكد حضور الكلمة- باعتبارها عنصرا قويا من عناصر اللغة المسرحية- في العرض موصول كذلك بتوظيف المؤلف لشخصيات حيوية صاخبة يجمع بينها الحوار والجدال أكثر من أي شيء آخر. فالشخصيات في النص، ورغم اختلاف طباعهم وأدوارهم، تلتقي كلها عند نقطة واحدة، التعبير عن الشعور بالقهر ومحاولة الجهر بالـ "كفى" التي أفصح عنها المؤلف في مقدمته، خصوصا وأن هذه الشخصيات كلها تنهض من "الأسفل/ التحت"، وتعيش، عبثا، على إيقاع الأمل في الرقي إلى "الأعلى / الفوق". فهي تخفق في الوصول إلى "فوق" لأنها في واقع الأمر كائنات انتهازية، وصولية، زائفة وهشة. تتلاشى كل أحلامها وآمالها في الرقي لأنها لم تختر سبيل الكرامة الإنسانية، بل فضلت النفاق والكذب والإجرام، مما جعلها تتورط حتما في دائرة ملعونة، أمام ذواتها المنحلة وواقعها الوضيع وحاضرها المختلف تماما عن الماضي، وما كان يزخر به هذا الأمس من قيم وأخلاقيات. وسبب هذا الفشل، في اعتقادي، ليس له ارتباط بما هو مادي صرف، وإنما هو نتيجة طبيعية لعجز هذه الشخوص عن الحفاظ على قيم الماضي، أو بالأحرى، عدم قدرتها على استعادة مجده الروحي والأخلاقي. ويعبر "الفاضل" عن هذا الانهيار الروحي والتراجع الأخلاقي بين الحاضر والماضي بالقول:
– "عهد الكلمات مات... جميع الطرق حلال عليكم إلا الطرق القديمة."- ص. 11
فلا شيء يناسب هذه الشخصيات المنكسرة، في واقع الأمر، سوى أمكنة وأزمنة مهجورة ودنيئة، تغيب عنها شتى مظاهر الخير والمروءة والإنسانية. ومن هذه الزاوية، نتبين البعد الرمزي لعنصري الزمان والمكان في المسرحية. فالمكان يتوزع بين بقايا مسجد قديم مهدم –"خربة"- بجانبه مقبرة مهملة –"مزبلة"- من جهة؛ وبين مستودع لتخزين الخمور من جهة ثانية. والزمان في النص هو زمن الخداع والنفاق والمؤامرات. وفي الصفحة 69 تعبير بليغ لشخصية الرابع عن فكرة المؤامرة. وتتوزع شخصيات مسرحية "موت ذبابة" حسب طباعهم على النحو التالي:
1- الفاضل: متعال، متكبر، يتكلف الثقافة والأناقة والصراحة، انتهازي ونحل.
2- الواحد: متذمر، سريع الغضب، شرس وثائر.
3- الثاني: بليد ومغفل.
4- الثالث: يمثل الجانب السلبي، مع قليل من انعدام الشخصية والذوبان في شخصية الغير.
5- الرابع: نحيل الجسم، عصبي، انتهازي، ثعلبي التصرف.
6- الشيخ: ثري، متقلب، محتال، نفعي، منحل ومنافق.
7- السيدة: متسلطة، عنيدة وصارمة.
8- الحمال: رجل يحمل صناديق زجاجات الخمر، له فلسفته الخاصة في الحياة.
يمكن اعتبار مسرحية "موت ذبابة"، بمثابة كوميديا اجتماعية سوداء، قائمة على مستويات عالية من السخرية والتهكم، وهذا لا يعني أن هدف المؤلف يروم بالدرجة الأولى إثارة الضحك أو خلق أجواء التسلية والترفيه فحسب، وإنما الغاية الأساسية من النص تذكير المتلقي وتحسيسه بالخطر الناجم عن مختلف التحولات الأخلاقية والاجتماعية والمادية التي صارت تطال حياة الأفراد وتؤثر على المجتمع بشكل سلبي خطير. ومن المثير للانتباه أن يختار المؤلف أسلوب الهزل ويجعل منه وعاء دراميا كفيلا باحتواء مختلف أشكال الحضيض والقهر الاجتماعي والانحلال الخلقي، وأعتقد أن شخصيات النص، وبتورطها في شبكة معقدة من الفساد والفراغ الروحي، تفقد كل صفات البطولة والوجاهة الدرامية التي قد تسمح لها بالتحرك واللعب ضمن قالب تراجيدي صرف، فالفاضل يقتل وتبتر أعضاء جثته، ويوضع رأسه في مائدة، والرابع يموت وهو في حالة قصوى من السكر والإحساس بالذنب. هكذا يسقط القاتل والمقتول في حالة تدعو إلى الشماتة والسخرية أكثر مما تدعو إلى الحزن والوقار، سقوط حقير كموت الذباب، على حد تعبير زوجة الرابع ورفاقه -ص: 95، يموتان على هذا النحو الفظيع بعدما عاشا حياة لا تقل دناءة عن عيش الذباب كما عبر عن ذلك الرابع نفسه في ص: 69.
هكذا، فإن فعل الموت في نص محمد الدحروش لا يمثل، في نظري، سقوطا تراجيديا بالمعنى الكلاسيكي المألوف للكلمة، كما يحدده أرسطو في "فن الشعر"، وإنما هو ترتيب طبيعي لسلسلة من الأخطاء والتناقضات أراد الكاتب أن يضع لها حدا باعتماد تصور خاص ومغاير لموضوعه الموت. تصور يقضي بالفصل بين الموت وحرمته ومهابته على نحو تغيب فيه طقوسه الطبيعية كالأسى والألم والحزن والبكاء والحداد والاحترام، لتحل محلها مواقف الاستخفاف واللامبالاة والاحتقار والشماتة والإهانة، وتتعدد الأمثلة في هذه النقطة في الصفحات 42/47 حول موت الفاضل، ومن ص 94/99 فيما يرتبط بموت الرابع.
إن فكرة اعتبار نص مسرحية "موت ذبابة"، كوميديا اجتماعية سوداء، تبدو أكثر جلاء بالنظر إلى استناد الكاتب محمد الدحروش إلى تقنية وضع المشاهد الدرامية في حالة من السخرية ، وهي تقنية قديمة لها حضور متميز في تاريخ المسرح العالمي- والغربي تحديدا، إذ نجدها في أعمال والمسرح الاليزابيتي وكذا في المسرح الحديث كمسرح الطليعة بفرنسا وجماعة مسرح العبث، وبالطبع كل حسب طريقته الخاصة. وتشتغل هذه التقنية على مستوى تقسيم المشهد الدرامي الواحد إلى قسمين. أولهما مسرحي خيالي محض لا تبدي فيه الشخوص الدرامية أدنى اعتبار لتصرفاتها الداعية للسخرية، ودونما مبالاة لوجود جمهور يرقبها. وثانيهما واقعي له ارتباط بالمتلقي وهو يعيش لحظة إدراك مواقف الهزل والسخرية الصادرة عن الممثلين، هذا يعني أن ما يحصل في الركح هو ما ينبغي ألا يحصل في الواقع، وما يبدو طبيعيا للكائن المسرحي هو غير ذلك بالنسبة للمتلقي، والعكس صحيح في كثير من الحالات. ولنا في النص أمثلة كثيرة عن ذلك نذكر منها:
– الرابع يزعم، كذبا، أنه رجل صارم يهابه الكل، يقابله مشهد زوجته المتسلطة عليه إلى حد الاحتقار والسيطرة والتركيع.
– موت الفاضل، الرأس موضوع في مائدة، يقابله حديث عابث عن الموسيقار جورج بيزي وعن تاريخ ولادته.
– الشيخ وهو يظهر كرجل تقي بلحيته البيضاء ولباسه الأبيض وفي يد سبحة يقابله وجود قنينة خمر في حقيقته والكأس في اليد الأخرى.
– "لعن الله حاملها.."، كلام موجه إلى الحمال، يصدر من الشيخ وهو في حالة سكر وكأس الخمر لا يفارق يده.
– الرابع وهو يقف على مرتفع، مؤذنا، في الوقت نفسه، نعلم أنه شخص لا يصلي.
– الرابع، مطروح على الأرض جثة هامدة، ورفاقه من حوله سكارى يسخرون منه، وزوجته تبني له قبرا من صناديق الخمر. وعلى المستوى السينوغرافي، يزخر النص بأبعاد رمزية تبدو واضحة في مختلف جوانب المتن البصري الموزع بين الديكور والملابس بالأساس، ووجود هذه الأبعاد الرمزية في النص يؤكد توفق المؤلف في خلق الالتحام والتوازن بين الشكل والمضمون، إلى درجة يبدو كل عنصر منهما في خدمة الآخر، فمنذ انطلاق العرض، يتم التشديد على فكرة انهيار المؤسسات الأخلاقية والروحية والتربوية بالنظر إلى حالات الدمار والإهمال والإتلاف التي تطال المسجد والمقبرة والمدرسة. وهناك في الفصل الثاني تأكيد ضمني على تراجع دور هذه المؤسسات في الوقت الذي يتم فيه استبدالها بمستودع الخمور، إذ تجتمع فيه- المستودع- مشاهد الموت والدفن والعجز عن قراءة آية واحدة من القرآن الكريم. كما أن لوجود السلم في هذا المشهد دلالات توحي بوجود عالمين الفوق/التحت، مما يؤكد مسألة الطبقية والهرمية، وهناك أبعاد رمزية أخرى لها ارتباط بتوظيف الألوان، خصوصا الأبيض والأسود . فهذان اللونان يدلان في الغالب، كما هو معلوم، على ثنائية الخير والشر، والحسن والقبيح، إذ نجدهما حاضرين بقوة في شخصية الشيخ ،اللحية واللباس والعصا في الأبيض والحقيبة في الأسود. فلون الحقيبة دليل على أن ما يحمله هذا الشيخ له ارتباط بالشر والحرام: مال مسروق وزجاجة خمر. ويمتد رمز اللون على هذا النحو ليشمل نظارات شخصية "الواحد"، المصنوعة من إطار أبيض وزجاج أسود، وهكذا... كما أن للخط الأفقي الذي يضعه "الفاضل" على الخريطة، دلالة واضحة فيما يتعلق بالفوارق المتعددة بين فئات مجتمعية وكونية منشطرة إلى طبقتين "الفوق/التحت" حسب تعبير المؤلف.
محمد الدحروش
من مواليد مدينة تطوان- المغرب، في 13 أبريل سنة 1929 شارك في الحركة المسرحية منذ سنة 1943 ألف أكثر من 37 مسرحية منها:
– "يد الشر" مارس سنة 1950
– "أرض الرجال" أبريل سنة 1969
– "موت ذبابة" مايو سنة 1970
– "الشركة" فبراير سنة 1972
– "الوارثون والدار" سنة 1977
– "القلب الكبير" سنة 1973
– "مناجل أفيسان" سنة 1978
ترجم للمسرح المغربي عن المسرح الإسباني:
– "الدار الكبيرة" La Mal querida, de Jacinto Benavente
– "المحبرة" El Tintero, de Carlos Muñiz
– "خبز الجميع" El Pan de Todos, de Alfonso Sastre
– "ابن رشد" Francisco Javier Pardo Averroes, de
– من مؤسسي فرقة الواحة للتمثيل سنة 1950 المكونة من طلبة مدرسة المعلمين بتطوان
– عضو فرقة المسرح الأدبي بتطوان منذ سنة 1968
– عضو اتحاد كتاب المغرب
– عضو المجلس الوطني للنقابة الوطنية لمحترفي المسرح- المغرب
– شارك في الصحافة المغربية - الإسبانية منذ سنة 1950
– اشتغل مذيعا ومخرجا بإذاعة "راديو درسة" تطوان، من سنة 1951 إلى سنة 1958
مشاركة منتدى
2 حزيران (يونيو) 2013, 12:38, بقلم abdelkabir khouadi
ألتمس منكم ان تمدوني بمسرحية الوارثون والدار للمرحوم الغالي الأستاد محمد دحروش كنت قد قرأت المسرحية عشرون مرة وبدأت أهيا أجواء الأشتغال على هذا النص المسرحي الجميل سنة 1989 بدار الشباب بمدينة الصويرة إلى أن بعض الظروف حالة ذون ذالك وكنت قدحصلة على النص من إحدى المجلات أنداك بعد أن فقدت كل مكتبتي وكانت الحسرة على فقذاني لنص المسرحي كان في درج مكتبة مقر المنظمة انداك منطمة العمل فرع الصويرة أعجبني أسلوب البناء الدرامي عند الكاتب وتقسيم الأبعاد الزمكانية التي وضعها في خانة السنوعرافية بين الدكور والأنارة كان تفاعلي مع النص أنني لم أنسا الكاتب محمد دحروش الذي ألهمني روح البحت المسرحي بمشاركة في المهرجان الوطني لمسرح الهوات 29 بالقنيطرة سنة 1995 لأكتشف منخلأل هذه المدرسة أستاذا أخر هو الزبيز بنبوشة في العمل المسرحي الحقيبة وأيضا نص السقيع ,قراأتي لنص الشرك الدي حصلة عليه منخلأل مجلة الشراع الدي أصدرته في أحد أعدادها إن الراحل أسس لمدرسة تتسم بنمطية التجريد لكن يجمع بين الواقعية يدوب ألامعقول في لون المنطقمن أجل بناء درامي مسترسلا المسكوت عنه في البعدالسنوغرا في ليصنع المشهد الدراهيالمحي إلى الفكرة التي تجعل المتفرج عنصر من المسرحية يكسر البعد الثالث لا الجدار الثالث .............
ملحوضة أ تواجد الآن بآكآدير أشتغل هناك أتمنا الحصول على النصوص المسرحية للمالف غنامكنذلك وعنواني