مـع سَبق الإصـرار...
بعد تأكده من خلو الشارع حتى من سكارى آخر الليل، يخرج إلى ركنٍ قصي غير مزروع من حديقة الدار، يستقبله القمر المتباهي بسنا إكتماله، حركة المِسحاة تسابق لهاث أنفاسه واضطراب نبضات قلبه الأربعيني، يتلفت كل حينٍ عن يمينه وشماله، يتوجس من لحظة مباغتتهم له...
(يجب ألا يجدوا أثرا لشيء، حتى وإن جلبوا معهم كلابهم البوليسية)...
يراكم حبيباته، إحداهن فوق الأخرى في حفرةٍ جاوز عمقها ثلاثة أمتار، بعد أن كفَنهنَ جيدا بأكياس سوداء من التي تستخدم لرمي القمامة وأحكم وثاقها بحبالٍ عقد أطرافها ببعضها جيدا، يجلس قبالة الحفرة المردومة، يدخن سجارةً تلو الأخرى بخرس العبرات المختنقة داخله، يمسح بظهر كفه المعَفر بالتراب جبينه النابض عرَقا حادا ينزوي عند محجري عينيه المحمرين...
يلوِح بسيفه المخضب بالرمال عاليا، ثم يقذفه بعصبية في وجه الظلام، يجرجر خطاه المنهكة نحو الداخل، عند عتبة الباب يتذكر نسيانه دفن أغلى وآخر رواياته، وأكثرها خطورة عليه...