الجمعة ١٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨

منه...إليها

عفاف خلف
لم يقتلوه
فقط
اغتاله الذئب
ودم النبؤات
وأبيضت عيون
الحزن
عاماً إثر عام
أيها البحر الساكن فينا
علمنا
ابتلاع الشفق
وشهيق الاغنيات
يعقوب
أنكرك بنوك
حين شُّبه لهم
عرق النبوة
فيك

ما جدوى أن يغوص الإنسان في هذا الركام الهائل من الأوراق وسلاسل الأحداث، والأشلاء والدماء والقرون والأزمان الغابرة، كي ينقل تاريخاً من أعماق الزمن والأرض والإنسان، إلى مرآة على شكل ورقة بيضاء، أو تساؤل على هيئة لغة أو ضربة سيف؟؟

ما هو الحافز الذي يستفز السؤال كي يطلق من ظلمات الحبر صهيلاً لخيل كنعان العتيقة وبروقاً تتوالد وتخفر كالزيتون؟ وأغاني " باريش " المعبود القمري الكنعاني لحبيبته الساحرة "نكال"، هل هذا التاريخ هو الحنين الشخصي إلى الروح الكلية للتجدد منها والإرتقاء الحي بها؟

فإذا كان هذا صحيحاً فإن كل الآثار والمعطيات التاريخية التي حصل عليها المنقبون في فلسطين لا تتجاوز حشوداً من اخبار ومعلومات يعوزها الترابط والتعاقب لأن معظم تاريخنا القديم ما زال في باطن الأرض، أرضنا التي ترضخ تحت وطأة احتلال نادر في التاريخ.

ونقول التاريخ لأنه لايحتل قشرة الأرض فقط، بل يريد احتلال ذاكرتنا الجماعية، ويريد احتلال حنين الروح الأزلية فينا، يدمغنا بعلاماته الفارقة، فلا نتحرك إلا ضمن مساحة القيد فقط، فتنحبس الانفاس من قهرٍ وغل، أو من رضوخٍ واستسلام.

فإذا كنا نفتقر إلى الأسانيد التي نرتكز عليها لنكتب تاريخنا القديم، فإن للواقع حضوراً تاريخياً من طراز محّدد لأنه يشّكل حضور وهموم الروح الكلية لشخصية شعبنا، ويشير إلى أعمق الحوافز الإنسانية لوجدانه الحضاري ولمسيرته العظيمة على تراب الأزمنة والتاريخ.

هذا التاريخ الذي أجهض أجنتنا، ذات اغتيالٍ واعٍ. وأقول يا فاطمة هو الوعي/ الحد الذي ننحدر به حتى نهايتنا النيّرة، طلقتنا المؤودة، وإن شئتِ طفلتنا المؤودة بحبلنا السري، ذات الحبل الذي يغذيها، سلب منها الحياة.

وأؤمن رغم انطباق اللحد، يوماً - وسيأتي- يا فاطمة ستمتشقنا الرايات عنفوان شعب تحدى الطغيان، يوماً ستنزفنا الشوارع، وتخرج الطرقات للقاءنا، وتزغرد الامهات وتهزج الصبايا، يوماً سيحملنا الوطن وسام عز مثلما حملناه جرحاً ينزفنا شهيد إثر شهيد.

شهيد ما أروعها من كلمة، إن الأرض التي أعشق تفتح ذراعين من عبق، وتضمني إلى صدرها، أرى المدى واخوتي الشهداء، بدمائنا نصنع أكليل غار يطوق جبين الوطن، ربما الموتى لا يعودون، ولكن أؤمن بأن الشهداء سيعودون يوماً، يشيرون بأصابعهم إلى مواطن الوجع، تضيء قناديل عيونهم، تنغرس في صدر كل واحدٍ فينا كرماحٍ تنهل الحقيقة من القلب.

فاطمة، يا لون الحنّاء الوردي المخضب، يا رائحة الأرض بعد روائها الأول، أيتها المعجونة فيّ حتى لتكادين تحملين ملامحي هأنذا عدتُ يا غالية... كما الزعتر البري.. أحمل رائحتك.. ورطوبة التراب.. تنشقي الوجع حتى الدوار.

لا تبدأي مواسم الرثاء ولا تقبلي مراسيم العزاء، ارفعي الرأس بعزٍ وشموخ، قولي لهم سأعود دائماً، لا الأسود يغريني بالموت، ولا كل تصريحات الموت، دائماً سأشهر وجهي الآخر، وأنهض من جديد، تكذيباً حياً على افتراءتهم، قولي لمن سيحيا بعدنا بأن الرصاصة لا تخون من يحملها قلباً وقالباً، قولي لهم أننا لا ولن ننتهي، وبأننا كما الدم ننضح حباً للوطن، إقرعي في ضمائرهم والهيبيهم بسياط السؤال، هل تكفي العتمة تبريراً لننام؟

أمانة عليك يا فاطمة أن تحفظي اسماءنا وملامح وجوهنا، نحن الذين أسمونا صور، لا تضعينا ملصقاً على حائط النسيان، حتى لو كان الحائط بحجم وطن وهبنا لأجله الدماء، ضعينا في رقبتك دماً يفور يطالب بالثأر، ستعود قطرات دمائنا مارداً ينتفض من جديد، ويموت من جديد، ويعاود النهوض إلى آبد الآباد، ولن ننتهي، لا تتوقفي عن الصلاة، ونحن لن نتوقف عن الحلم، لنا فضاء سنصله يوماً، ولنا أرض لابد ان تكون لنا، وستكون.

لتبكي السماء، ولتلفظ الأرض أحمرها، عند ميلاد الشهداء، أما أنت فلا تبكي يا فاطمة، فالدمع يتنزل برداً يطفئ جمر الروح المتوقدة، ولا أريد لجمرنا أن ينطفئ، سنستعر مرة أخرى وستأتين إليّ عروساً في يوم الزفاف، وسيكون عرسنا ميلادٌ دائم للحياة.

عفاف خلف

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى