الاثنين ٢٧ آب (أغسطس) ٢٠١٢
بقلم إيمان أحمد

من حقّي أن أتزوج رجلا أسود


"ومتى كان العمل صادرًا عن العلم الصحيح كان هو العمل الصالح المؤدي إلى السعادة، وكم من مُحَصِّلٍ لصور كثيرة من المعلومات خازن لها في دماغه ليعرضها في أوقات معلومة، لا تفيده هذه الصور التي تسمى علما في التمييز بين الحقائق و الأوهام، لأنها لم تتمكن في النفس تمكنا يجعل لها سلطانًا على الإرادة، و إنما هي تصورات وخيالات تغيب عند العمل وتحضر عند المراء و الجدل."

  [1]

تمامًا كالحقوقي الذي يدافع عن حقوق الإنسان ويحارب ضد العنصرية على أساس اللون؛ فصيحَ اللسان بليغ البيان؛ عندما تريد ابنته الزواج من رجل أسود؛ ينسى كُلَّ ما كان يقوله ويدعو إليه في لمح البصر؛ ويعود لأصله الأوَّل: الرجل العنصري الذي يرفض أن تتزوج ابنته الرجل الأسود لأنها بيضاء، أبوها أبيض وأمّها بيضاء.

أصله الأول الذي كان مختبئًا، لأنّه لم يدخل في مواجهة حقيقية مع أفكاره على أرض الواقع، والكلام سهلٌ ولا أدلَّ على ذلك من كثرة الخطباء وقلّة الدين، وكثرة الداعين إلى العدل مع كثرة الفساد، وكثرة المناهضين للظلم مع كثرة المظلومين، وكثرة المطربين وقلّة الطرب ولو جلستُ أعدّد للغد لن أنتهي، وحده الامتحان العملي في الحياة يرينا إن كان الإنسان يعتقد حقًا بما يقول، و"الاعتقاد" كلمة قوية لا نعطيها حقّها، فنقول دائمًا في حديثنا اليومي "أعتقد بكذا وكذا" بمعنى "أظنّ بكذا وكذا". بينما لا يجوز استخدام الكلمة إلا في الأشياء التي نعتقد بها اعتقادًا راسخًا لا يخالجه ذرة شكّ. فأقول: أعتقد أنّ الله موجود، وأنّ الجنّة حق، والنار حقّ.. مثلا.


العلم الصالح وحده هو الذي يؤدي للسعادة لأنَّه يخلق تناسقًا بين ما يؤمن به الفرد وبين ممارساته اليومية فلا يجد تناقضًا يسبب له ربكةً نفسية أو عقلية تبقى في اللاشعور وتظهر عليه، يراها من حوله ولا يراها لأنّه صار أعمى البصيرة يوم قرّر أنه قويّ بما يكفي ليعتقد بشيء ويمارس شيئًا آخر. وهل معظم الكائنات المريضة نفسيًا والمؤذية اجتماعيًا في حياتنا إلا مرضى بالتناقض؟ الرجل الذي يحلّ لنفسه كل المحرمات فيمشي يرى أنّ الجميع مثله ولا يثق بأحد فينزل لعناته على الجميع ولا يستطيع أن يعيش مع أحد ولا أن يعيش معه أحد؛ وهذا أشهر الأمثلة؛ وغيرها الكثير.

ما فائدة العلم إن كان يُربِحُ صاحبه كلّ المناظرات ويُخسِرَه حياته؟ وما فائدته إن كان يشار لصاحبه بالبنان بينما يشير هو إلى نفسه بالّلعان؟

العلم الذي يجعل لك سلطانًا على إرادتك.. هو العلم الحقيقي. الذي يجعل لعقلك سلطانًا على قلبِك .. هو العِلم الحقيقي. العلم الذي يجعلك تتحرّى الحقيقة من أعدائك قبل أصدقائك - لأنّك لن تعادي إلا أعداء العلم، وهم ليس لديهم حقائق أصلا – هو العلم الحقيقي؛ فعندما تعلم أنَّ الغضب سيء؛ وتترك نفسك على عنانها تتحكم فيك وقت غضبك فأنت لم تعلم شيئًا؛ فقط عندما تسيطر على نفسك وقت غضبك تكون قد "علمت" أنّ الغضب سيء.

وحين تبارك زواج ابنتك من رجلٍ أسود؛ وقتها فقط تكون صاحب علم صحيح. لا تصورات وخيالات كفقاعات الأطفال الملونة التي تختفي تمامًا فور أن يكبروا.


[1الإمام محمد عبده


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى