السبت ٥ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم زكية علال

من يعيد الناس إلى بيوتهم؟!!

في آخر مقال كتبته، وبعد سقوط النظام التونسي وهروب بن علي، قلت أن الدرس لم ينته، لأن الحكام لا يأخذون العبرة من غيرهم ولا يفهمون إلا إذا وقف أمامهم الأستاذ وأعاد الدرس مرات عديدة... الأستاذ هو الشارع الذي نعبّر به مجازا عن الشعب.. هذا الشارع الذي ظل – عبر القرون – يلقن الحكام دروسا في كيفية التعامل معه، لأنه إن لم يحسن معاملته سيجعله مداسا للأرجل ، وسيجعل تاجه كرة تتقاذفها سخرية الأطفال، وسيهوي بعرشه إلى أسفل السافلين..

 كنت – كما كل العرب وكل العالم – أتابع الشارع المصري وهو يهب رجلا واحدا لإسقاط النظام الذي جثم على صدره ثلاثين سنة، عانى فيها الشعب البؤس والفقر وكتْم صوت الآخر.. كنت شبه ثابتة أمام شاشة التلفزيون معظم النهار وجزءا من الليل، أتابع عبر الفضائيات الإخبارية كل التطورات.. أحسست أن الأمر يعنيني أكثر من الرئيس الأمريكي ومن وزيرة الخارجية الأمريكية، وأكثر من أي شخصية أوربية تسارع بإعلان تضامنها مع الشعب الثائر قبل أي جهاز رسمي عربي.. الأمر يعنيني كفرد من هذا الوطن العربي الكبير الذي انقطعت فيه الصلة بين الحاكم والمحكوم مدة قرون.. فالذي يعتلي سدة الحكم يعامل شعبه كرعاع عليهم أن يرضوا بخشاش الأرض، ولا شان لهم بالسياسة ولا بثروات بلدانهم لأنها ملك خاص..
 عند خروج الشعب المصري إلى الشارع كنت أعتقد أن الرئيس حسني مبارك قد استوعب الدرس جيدا، خاصة وأنه لم يمض عليه إلا أيام، والأستاذ – الذي هو الشعب – قد أحسن الشرح، وأكد أن ثورة الشارع لا تنتهي إلا بإسقاط النظام إن كان جائرا، وأن العربي ارتقى بمطالبه ولم يعد يثور من أجل الخبز وتحسين مستوى المعيشة، بل أصبح يطالب بإسقاط النظام الذي تسبب في تدني معيشته والعبث بكرامته.. العربي لم تعد تنطلي عليه الحيلة التي يلجأ إليها الحاكم العربي عندما يحس بلهيب الثورة فيغير بعض الوزراء، وفي أحس الأحوال يأمر بحل الحكومة التي لم تكن تبطش إلا بيده، ليأتي برئيس حكومة جديد يشكل هيكلا حكوميا لا يخرج عن جبة دكتاتوريته..

 كنت أعتقد أن الرئيس المصري المطلوب خلعه سيستوعب الدرس جيدا ولن يستعمل العنف مع المتظاهرين لأن هذا سيزيدهم إصرار على الثورة وعدم الرجوع إلى بيوتهم..

لكن مبارك يعيد السيناريو نفسه للرئيس المخلوع بن علي، ويريد أن يقتل نصف الشعب من أجل أن يبقى هو في مسلطة.. الشعب.. ما الشعب؟!! مجرد أرقام مجهولة ولا يهم كم نلغي وكم نبقي منها !!.. بل تبين أنه أكثر بلاهة من سابقه وهو يقطع عن شعبه كل وسائل الاتصال.. لا هواتف نقالة تشتغل، ولا إنترنت يسمح بالتواصل داخل وخارج مصر.. هذا التصرف جعل صورته كارتونية مثيرة للضحك أمام الرأي العام العالمي !!

 الأكيد أن ما قام به الرئيس التونسي المخلوع والرئيس المصري الذي عُقدت النية على خلعه، من دس عناصر مجرمة وسط المتظاهرين لتخريب الممتلكات العامة والخاصة وزرع الرعب وسط السكان، حيلة أصبحت مكشوفة وظاهرة للرأي العام العربي والعالمي الذي يعرف عنا كل كبيرة وصغيرة.. أبواب السجون تُفتح للصوص والمجرمين ليكون هدفهم خلخلة الثورة وإخراجها في صورة سيئة وباهتة.. لكن هذه الحيلة ما انطلت على الشعبين التونسي والمصري، ونحن نرى الناس هناك يكوّنون لجانا شعبية تقف أمام البيوت والعمارات والمنشآت لحماية الممتلكات العامة والخاصة.. لجان تتكون من أطباء ومهندسين وإطارات ومثقفين ومن كافة شرائح المجتمع.. وهي مبادرة وضعت الثورة في صورتها الصحيحة، فالذي يتظاهر ليس مجرما ولا لصا بل هو رجل محترم يطالب بتغيير نظام لم يعد على مقاس أحلامه وتطلعاته..

والدرس لم ينته..................


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى