نتذكّر جبران ليحيا لبنان، ونتذكّر لبنان ليحيا جبران
"جبران أخي ورفيقي: إن للشهرة يومًا وللحزن يومًا، والباقي للبنان" (أمين الريحاني).
"لقد اجتمعنا هنا لا لنمجّد إنسانًا مات، بل لنتمجّد بإنسان حيّ" (ميخائيل نعيمه).
"وإذا ماتت "دمعة وابتسامة" وأخواتها، فلا تموت كلمات جبران، وإنني لأراها تنبعث يومًا بعد يوم من مراقدها لأننا نجد في تأليفه ما يعزينا في محنتنا وما يدفعنا إلى العمل بنصائحه لنصيب الأهداف التي تنصبها الأحوال الراهنة أمام أعيننا" (مارون عبود).
* * *
في مثل هذا اليوم (10 نيسان) منذ خمسة وسبعين عامًا، مات جبران. وفي مثل هذا اليوم يجدر بنا أن نسأل: "هل قمنا بواجب الوفاء تجاه من كان وفيًا للبنان في كل ما فعل وكتب"؟ لقد ترك لنا وللعالم إرثًا إنسانيًا خالدًا من فكره ورسومه. كان لبنان محور حياة جبران، وفي مثل هذا اليوم (10 نيسان) نتذكر جبران ليحيا لبنان، ونتذكّر لبنان ليحيا جبران، فكما قال أمين الريحاني (وكان جبران يعتبره معلمًا وأستاذًا له): "إنَّ للشهرة يومًا، وللحزن يومًا، والباقي للبنان".
* * *
إن دور الشاعر "كلسان ينطق باسم أمته وصوت يعبر عن مشاعرها" إنما هو تقليد وعُرف يمثلهما العظماء من أمثال الشاعر الألماني غوته والشاعر الإيرلندي ييتس. وجبران (رغم أنه قضّى جلّ حياته بعد سن البلوغ تقريباً في أميركا) ظلّت روح وطنه لبنان تسيطر على خياله وتؤثر في حياته. ولعل أقرب نظير ومثال في هذا السياق هو جيمس جويس (المولود قبل أحد عشر شهراً من جبران) إذ أضفت غربته الاختيارية مزيداً من الحدّة على الطابع الإيرلندي لكتاباته. ولم يغفل جبران الدَّين الكبير المستحقّ عليه لأميركا. وفيما كان يحض المغتربين من أبناء وطنه اللبنانيين على الاعتراف بذلك الدَّين، كان يشدّد على ألاّ يشعروا بالرهبة والمهابة من منجزات حققتها البلاد التي اختاروها وطناً ثانياً لهم: "قفوا أمام أبراج نيويورك وواشنطن وشيكاغو وسان فرانسيسكو وقولوا في قلوبكم: "نحن من سلالة شعب بنى دمشق وجبيل وصور وصيدا وأنطاكية، ونحن هنا كي نبني معكم. كونوا فخورين بكونكم أميركيين وافتخروا أيضًا بأن آباءكم وأمهاتكم أتوا من أرض وضع الله عليها يده الرحيمة ورفع فيها رسله".
ومع نمو سمعة جبران واتساع شهرته، استحوذ عليه الحنين إلى وطنه الأول لبنان، وأصبح هاجساً يؤرّقه، وغالباً ما ظهر وتبدّى كلما خط بقلمه على الورق. فحتى حين لم يكن لبنان مباشراً في فكره أو هدفاً، كان ينتهج أسلوباً فريداً من الفكر والتعبير اللبناني. فمنذ 1908 كتب لصديقه أمين غريّب المسافر من أميركا إلى لبنان، محملاً رسالته مطلباً نابعاً من القلب: "... عندما تكون يا أمين في مكان جميل، أو بين أدباء أفاضل، أو بجانب خرائب قديمة، أو على قمة جبل عالٍ، أُلفظ اسمي همسًا فتسير نحوك روحي وترفرف حولك وتتمتع معك بالحياة وبكل ما في الحياة من المعاني الخفية. أُذكرني يا أمين عندما ترى الشمس طالعة من وراء صنين أو من وراء فم الميزاب، واذكرني عندما ترى الشمس جانحة نحو الغروب وقد وشحت الطلول والأودية بنقاب أحمر كأنها تذرف لفراق لبنان الدماء بدلاً من الدموع، واذكرني عندما ترى رعاة المواشي جالسين في ظلال الأشجار ينفخون بشبّاباتهم ويملأون البرية الهادئة بالأنغام مثلما فعل أبولون عندما نفته الآلهة إلى هذا العالم، واذكرني عندما ترى الصبايا الحاملات على أكتافهن آنية الماء، واذكرني عندما ترى القروي اللبناني يفلح الارض أمام عين الشمس وقد كلّلت قطرات العرق جبينه وألوت المتاعب ظهره، واذكرني عندما تسمع الأغاني والأناشيد التي سكبتها الطبيعة في قلوب اللبنانيين، تلك الأغاني المنسوجة من خيوط أشعة القمر، الممزوجة برائحة الوادي، المنسوجة مع نسيمات الأرز، واذكرني عندما يدعوك الناس إلى الحفلات الأدبية والاجتماعية لأن ذكري عندئذٍ يعيد إلى نفسك رسوم محبتي لك، وشوقي إليك يجعل لكلامك معاني مزدوجة ولخطاباتك تأثيرات روحية. المحبة والشوق يا أمين بداية ونهاية أعمالنا".
تجاربه العديدة (من خلال اتصاله بتاريخ بلاده وأساطير الريف المحيط بمسقط رأسه) كانت العامل الأول في شحذ خياله وإثارة كوامن نفسه. وهو في إحدى قصائده المبكرة ("مناجاة أرواح") أشار إلى حضارات متعاقبة صاغت لبنان ورسمت معالمه الثقافية: "سَرَت في الأودية أخيلة الأجيال الغابرة، وحامت على الروابي أرواح الملوك والأنبياء، فانثنت فكرتي نحو مسارح الذكرى وأرتني عظائم الكلدانيين وفخامة الآشوريين ونبالة العرب". وفي القصيدة ذاتها يصف الطبيعة التي أحبها وألهمته: "ردّدت على مسامعي نشيد سليمان ورنّات قيثارة داوود وأغاني الموصلي".
وما ورد في الكتاب المقدّس من ذكر للبنان وأرزه ترك في نفس جبران أثراً أكبر مما تركه أي كتاب آخر. فهو نشأ مسيحياً مارونياً، ومن أسلوب لغته الإنكليزية في "النبي" و"يسوع ابن الإنسان" وسواهما نماذج من أسلوب الكتاب المقدّس اعتمده الملك جيمس. وفي الكتاب المقدّس (بعهديه القديم والجديد) اسم لبنان، موطن جبران، رمزاً للجمال، وفي "نشيد الأناشيد" وصف جمال الحبيب (5: 15) "طلعته كلبنان. فتى كالأرز" (أي ملامحه جميلة كلبنان وعظمته كالأرز). وفي المزمور (104: 16): "أشجار الرب تشبه أرْز لبنان الذي نصبه". وفي "يسوع ابن الإنسان" يورد جبران على لسان المسيح قولاً أنطقه به الشاعر اليوناني رومانوس: "كثيراً ما رأيته ينحني كي يلمس نصال الأعشاب، وسمعته في قلبي يقول: "أيتها الأشياء الصغيرة الخضراء، ستكونين معي في مملكتي كأشجار بلوط بيسان وأرز لبنان".
إن في تراث كل أمة وحياً من أساطير البطولة: للإيرلنديين شخصية البطل كوهالين الذي يمثّل اسمه وأفعاله الباهرة رمزاً للوعي الوطني والطموح. ولا يهم إذا كان كوهالين شخصية حقيقية أم مجرد أسطورة من نسج الخيال، بل الأهم ما يمثله بالنسبة لإيرلندا. وعند جبران كان يسوع المسيح بطله الخالد الذي جسّد أعظم مناقب البطولة والشهامة وكانت سيرة يسوع عنده أسطورة حقيقية عاشها ذاك القائد المعلم المرشد لأولئك الذين بشروا برسالة المحبة المثلى، ومات على الصليب في سبيل ما آمن به رافضاً أن يحارب الجهل والتعصّب بغير أسلحة السلام. تلك الروح الميثولوجية الأسطورية تشرّبها جبران إضافة إلى تأثره برؤية صوفية جاء بها الإسلام لتآلف الأديان وتخطّي حواجز أقامها البشر بينهم. فالمصطفى، نبي جبران، يجمع بين ملامح من شخصية يسوع ابن الإنسان وسمات تميّز شخصية "الإنسان الكامل" أسمى ما صاغته الحضارة الإسلامية من نموذج للشخصية الإنسانية. ومعظم ما كتبه جبران يوحّد بين تعاليم هذين الدينين العظيمين. وفي آثاره الكتابية نقطة التلاقي الأدبي والفلسفي بين الدينين، كما لبنان مركز التقائهما الاجتماعي والجغرافي. وفي مقال "إلى المسلمين من شاعر مسيحي" أكَّد جبران إيمانه بالوحدة والاتحاد في التنوع والاختلاف: "أنا مسيحيّ ولي فخر بذلك، لكنني أهوى النبي العربي وأكبّر اسمه وأحب مجد الإسلام وأخشى زواله. أنا أجلّ القرآن لكنني أزدري من يتخذ القرآن وسيلة لإحباط مساعي المسلمين، وأمتهن الذين يتخذون الإنجيل وسيلة للتحكم برقاب المسيحيين. خذوها يا مسلمون كلمة من مسيحي أسكن "يسوع" في شطر من حشاشته و"محمدًا" في الشطر الآخر ...". وهكذا كل فهم حقيقي لجبران يعتمد على الإدراك الكامل لتداخل التأثير الثقافي والأدبي المثري في تبادله، وكان لبنان عرينه التقليدي وساحته.
عقد جبران في حياته عدداً كبيراً من الصداقات الحميمة، لكنه لم يستثمر أياً منها بالقوة والكثافة والصلة الروحية كما في مراسلته مع الأديبة اللبنانية مي زياده في مصر. بالنسبة له كانت لبنان، وشوقه إليها وحنينه إلى لبنان كان توقاً واحداً عبر عنه في رسالته إليها عام 1919 إذ أخبرها بأن حنينه إلى وطنه يكاد أن يدمّره. وبعد عامين كتب لها: "هل أنت ذاهبة وحدك إلى لبنان؟ آه، متى أعود أنا إلى لبنان؟". وعام 1923 أرسل إليها بطاقة بريدية تحمل صورة مونت لافاييت (ولاية نيوهامشر) وكتب عليها: "كان هذا الوادي في الصيف الغابر يذكرني بأودية لبنان الشمالي. لا أعرف عيشًا أهنأ من عيش الأودية. أحبُ الأودية يا ماري في الشتاء، ونحن أمام موقد، ورائحة عود السرو المحروق تملأ البيت، والسماء تنثر الثلوج خارجًا، والريح تتلاعب بها، وقناديل الجليد مدلاة وراء زجاج النوافذ، وصوت النهر البعيد وصوت العاصفة البيضاء يتآلفان في مسامعنا. ولكن إذا لم تكن صغيرتي المحبوبة قريبة مني فلا كان الوادي، ولا الثلج، ولا رائحة عود السرو، ولا بلّور قناديل الجليد ولا أنشودة النهر، ولا هيبة العاصفة! بُعدًا "لها كلها" إذا كانت صغيرتي المباركة بعيدة عنها وعني".
قبل أشهر قليلة من وفاته كتب جبران إلى صديقه فليكس فارس: "أريد أن أذهب إلى لبنان وأبقى ذاهباً". لكنّ أمنيته لم تتحقق إلا بعد وفاته، فانتقل جثماناً إلى بيروت (آب 1931) ودفن في دير مار سركيس قرب مسقط رأسه بشرّي، ليصبح الدير معلماً وطنياً ومزاراً لشاعر لبنان الكبير وتذكاراً دائماً بِمُثُل ومبادئ يمثلها لبنان وطالما اعتز بها جبران.
في مقال "صوت الشاعر" كتب جبران: "أحبّ مسقط رأسي ببعض محبّتي لبلادي، وأحبّ بلادي بقسم من محبّتي لأرض وطني، وأحبّ الأرض بكليتي لأنّها مرتع الإنسانيّة روح الألوهيّة على الأرض. الإنسانيّة المقدّسة روح الألوهيّة على الأرض. تلك الإنسانيّة الواقفة بين الخرائب". وما زالت دعوة جبران إلى الوحدة والتآخي منتشرة في كل مكان، وإيمانه بالعلاقة الروحية والماديّة التي تربطنا بأمنا الأرض ما فتئ يدعونا إلى الدفاع عن البيئة التي تمنحنا الحياة. فهو أدرك الملامح والصفات المميزة لوطنه وتاريخه، ووجدها حية محتفظة بقوتها وفاعليتها كما فعل غيره من الشعراء العظام. وفي عالمنا الذي تمزقه اليوم الصراعات، حاجة ملحة متعاظمة لإسماع صوت جبران: "ما أكثر ما تكون نفوسُكم ساحةَ قتال تشنّه عقولُكم ونُهاكم على عواطفكم وشهواتكم. أتمنّى أن أحلّ في نفوسكم صانع سلام فأشّع الوحدة بين عناصركم المتنافرة وأردّ تنافسها إلى وئام وتوافق وأنغام. ولكن هيهات أن يُتاح لي ذلك إلاّ إذا كنتم أنتم أنفسكم صنّاع سلام بل عشّّاقًا لجملة عناصركم".
كتب مخائيل نعيمة موحياً بأن صديقه جبران جاء لإحياء ما في نفوسنا من نبلٍ وإبداع: "ولحكمة أجهلها وتجهلونها كانت العربية لغته. كأني بالعين التي تبصر كلّ حاجة أبصرت ما في حياتنا الروحية من قحط فأرسلت لنا هذه السحابة المباركة تمطرنا بعض بركاتها. من شاء أن يرى في ذلك مفخرة فليكن له ما شاء. أما أنا فأكبر على بقعة عطشى من الأرض أن تفاخر سواها ببطل أرسلته لها السماء، وأوثر أن أقول: "أللهم أجعلنا مستحقين هذه العطية فيما نستحق سواها".
إن رسالة جبران ظلّت مرادفة على الدوام رسالة لبنان. فلا يظنّن أحد أو يتخيل أن لبنان العنف الذي صورته وسائل الإعلام بين 1976 و1989 هي صورة لبنان الحقيقية. كان لبنان فترتئذٍ ضحية تجاذب القوى الدولية ونفوذ تأثيرات سياسية حوّلته ساحة معركة بديلة لصراعاتها. أما صورة لبنان الحقيقية وضميره الملتزم فهما اللذان في أعمال جبران الذي دأب في كتاباته كما في لوحاته ورسومه على تأكيد مبادئ المحبة الشاملة والصداقة الخالصة والوحدة والتعايش السلمي والتآلف والإحترام بين الأديان والمذاهب، وجميعها اعتبرها جبران أساساً ضرورياً لبناء نظام عالمي جديد.
إن جبران مواطن عالمي: رجل من الشرق حمل عنصر الروحانية إلى الغرب، ورجلٌ من الغرب فهم معنى الحرية والديمقراطية والمساواة بكل معانيها وخاصة المساواة الكاملة بين النساء والرجال. وعلى صعيد النتاج الفردي تبقى آثار جبران مثالاً مشعًا على ثمار محتملة تنتج عن اندماج الحضارات والثقافات وعن تآلف الأديان والمذاهب في روح من الوحدة والتآخي وحسن النيّة، وفي هذا شعار العولمة والعالم يخطو خطواته الأولى في هذه الألفية الثالثة. واذا جاز لنا أن نصف جبران اليوم بأنه "شاعر العولمة" فالعولمة كما فهمها جبران غير ما يظنه أهل السياسة والاقتصاد: العالم المتوحد الذي حلم به جبران قائم على العدل والاتحاد والسلام، وحقيقة ذلك العالم روحيّة في جوهرها، عالم تتوازن فيه مطالب القلب والعقل، والايمان والمنطق، وقيم الروح ومتطلبات التكنولوجيا الحديثة في مسيرة الانسانية نحو التطور والارتقاء. ان مكانة جبران وأهميته تتطوران مع مرور الزمن. ورغم رحيله عام 1931 ومرور خمسة وسبعين عامًا على وفاته، ما زالت رسالته تحتفط بالصفاء الفكري والروحي وبالمغزى الأخلاقي اللذين انطوت عليها في مرحلة عطائه الفكري. وهو أكد في ما أنتجه فكره النيّر على قيم ومبادئ إنسانية عامة تجمعنا كجنس بشري واحد، وأكّد على ضرورة الوئام في العيش مع البيئة الطبيعية وعلى خلود الروح وعلى إيمان صادق في مستقبل العالم الانساني وفي اتحاده الروحي حتى يتمكن من تشييد اتحاده العضوي والمادي: "أنت أخي، وكلانا روح واحد قدوس كلّي. أنت مماثلي لأننا سجينا جسدين جبلا من طينة واحدة. أنت إنسان وأنا أحببتك يا أخي: ساجدًا في جامعك وراكعًا في هيكلك ومصليًا في كنيستك. أنت وأنا أبناء دين واحد هو الروح، وزعماء فروع هذا الدين أصابع ملتصقة في يد الأُلوهية المشيرة إلى كمال النفس".
10 نيسان: 75 عاماً على غياب جبران
ولادة "الاتحاد العالمي لدراسة حياة جبران وآثاره"
"ليس جبران في حاجة إلى من يُخلِّد ذكره في الحجر أو البرونز أو سواهما. فهو أخلد منهما كإنسان، وأبقى أثراً كشاعر وفنان. ولا نفع له أو لسواه من نصب يقوم في ساحة من مدينة فيُمسي على التمادي مَحطّة للعصافير ومصيدة للغبار. واذا كان المقصود من كل ذلك "تكريم" جبران فأجمل ما "نكَرِّمه" به هو نشْر أدبه وفنّه بين الناس. ذاك أمرأُ على قلبه بما لا يقاس، وذاك ما أنفق حياته لأجله. إنّ تَماثيلَ تقيمُها روحه في أرواح الناس لأعظم وأروع من تَماثيلَ يقيمها له الناس في ساحات المدن وعلى قوارع الطرق" (ميخائيل نعيمه).
في الذكرى السنوية لغياب جبران خليل جبران (10 نيسان 1931) ومرور ثلاثة أرباع القرن (75 عاماً) على غيابه)، أعلن "منبر جبران للأبحاث والدراسات" في "مركز أبحاث التراث" لدى جامعة ميريلاند (كولدج بارك - ولاية ميرلاند الأميركية) عن ولادة "الاتحاد العالمي لدراسة حياة جبران وآثاره" ويباشر أعماله هذا الشهر مع ذكرى جبران.
وستشهد هذه السنة الجبرانية أنشطةً وفعاليات متنوّعة حول جبران في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ولبنان، ينظّمها الاتحاد مع مؤلفين وباحثين وأكاديميين وأدباء وعلماء ونقاد وجامعيين وفنانين مسرحيين وتشكيليين وذوي صلة معنيين بِجبران سيرةً ونتاجاً، يشكّل مَجموعهم جسم هذا الاتحاد الذي يسعى الى "حث الأقلام على دراسة سيرة جبران وآثاره الكتابية والتشكيلية عبر مُحاضرات وندوات ولقاءات وأعمال مسرحية وتشكيلية ومنشورات ودوريات ومؤلفات وترجمات،... وإحصاءات ترصد حضور جبران في المكتبات العامة والخاصة والجامعية وفي جميع اللغات المنقولة إليها مؤلفاته".
ومع الإعلان عن ولادة الاتحاد ستوجّه لجنته التنفيذية رسائل الى الجامعات والمؤسسات المختصة والوزارات المعنية في جميع دول العالم لاستقطاب أعلام لديها ترشحهم لعضوية الاتحاد. وتسهيلاً لهذا العمل المركزي سيشكل الاتحاد مجلسه الاستشاري العالَمي ولجانه الوطنية في كل بلد من العالم، وتكون كل لجنة منها مسؤولة عن تنشيط العمل الجبراني في البلد، ورابطة العقد مع رئاسة الاتحاد المركزية في "منبر جبران للأبحاث والدراسات" لدى جامعة ميريلاند.
سيتولى الاتحاد جمع الدراسات الصادرة عن الإرث الجبراني (في الولايات المتحدة ولبنان وأفريقيا وآسيا وأستراليا وكندا وبريطانيا وسائر أوروبا) وتلك المرشحة للصدور بعد تأسيس اللجان الوطنية التابعة للاتحاد في كل بلد، خصوصاً في أوساط الجامعات والكليات والمعاهد والهيئات الأدبية والثقافية التي تعنى بأنشطة الآداب والفنون.
وسيركز الاتحاد في أنشطته ومؤتمراته على "أثر أعمال جبران في الحوار بين الحضارات، وحقوق الإنسان، والمصالحة بين الشعوب طريقاً الى احترام الأديان، والأُسس الأخلاقية والروحية للمجتمع الدولي، انطلاقاً من كون جبران في كتاباته يختزن تأثيرات غنية استقاها من المسيحية والإسلام، من أجواء الشعراء الصوفيين العرب، من مناخات الأدب الأميركي والإنكليزي والشرق أقصَويّ، ومن المحيط الفني الذي عاشه في باريس ونيويورك. فإنما بتلك المنابع لفكره ومصادره، يبقى جبران حتى اليوم رمزاً لتوحيد رؤية الشعوب الى احترام حقوق الفرد والجماعة في مرافق الحياة الخاصة والعامة، وهو ما يؤدي الى نَمَطٍ من الحياة جديدٍ متحررٍ من الأزمات والنّزاعات". وإضافة الى تراث جبران، يرمي الاتحاد الى البحث في آثار أمين الريحاني وميخائيل نعيمة واعتبارهما شريكيه في إقامة منبر عالَمي سعى الى خلق جسور التفاهم بين الأديان والثقافات.
مع ذكرى جبران هذا العام (10 نيسان) يعلن الاتحاد نظامه الداخلي وهو من21 مادة تتناول أهدافه (أبرزُها تشجيع وضع الدراسات عن جبران) وشروط الانضمام إليه (أفراداً ومؤسسات)، واللجان التنفيذية المركزية والوطنية والفرعية، وجدول اللقاءات الاستثنائية والسنوية، ومبادئ التصويت والانتخاب، وأموراً تشريعية وتنظيمية تضمن عمله وأنشطته وبرامجه الراهنة والمستقبلية. ويلحظ النظام الداخلي ضرورة التعاون الكامل مع لجنة جبران الوطنية اللبنانية والتشاوُر معها حول أنشطة الاتحاد في لبنان.
ولتأمين العمل في هذا الاتحاد، تَم تَحديدُ إقليمَين عالَمِيَّين له: "إقليم الولايات المتحدة والغرب" يرأَسه الباحث الأُستاذ الدكتور سهيل بشروئي (مؤسس ورئيس "منبر جبران" في "مركز أبحاث التراث" لدى جامعة ميريلاند)، و"إقليم لبنان والمشرق" يرأسه مدير مركز التراث اللبناني في الجامعة اللبنانية الأميركية الشاعر هنري زغيب الذي يسافر آخر هذا الشهر الى جامعة ميريلاند للمشاركة في وضع الخطط التنفيذية لتحقيق أهداف الإتحاد وبرامِجه.