الاثنين ٢٢ شباط (فبراير) ٢٠٢١
بقلم حسن عبادي

ندوة «أسرى يكتبون» الرابعة

عقدت مساء السبت 20.02.2021 في العاصمة الأردنية عمّان عبر تطبيق زوم الندوة الرابعة لمبادرة "أسرى يكتبون" التي ترعاها رابطة الكتاب الأردنيين، وخصصت لمناقشة كتاب الأسير أسامة الأشقر "للسجن مذاق آخر"، وأدار الأمسية الأديب صالح حمدوني، متناولاً سيرة الكاتب.

كانت المداخلة الرئيسة للكاتب محمد مشة الذي تناول عنوان الكتاب كعتبة نصيّة، وكذلك الإهداء، وتطرّق لأسلوبه الساخر وظاهرة "العصافير"، وغرف العار داخل السجن، وتحدّث عن ارتباطه بمنار كرسالة تحدٍّ، وكذلك الأمر بالنسبة لتهريب النطف والإصرار على الإنجاب.

أما كلمة الأسير أسامة فقد ألقتها بالنيابة عنه زوجته منار، وأعرب فيها عن شكره لمنحه وغيره من الأسرى متنفّسًا عبر القضبان، وجاء فيها: "إن كتابَ للسجنِ مذاقٌ آخر الذي نتناولُه الآن لم يكن نابعاً من ترفِ الكتابة ولم يأتِ بدافعِ الهوايةِ في التعبيرِ عن مكنوناتِ الذاتِ أو ما تحويه نفسي، بل هو وثيقةٌ ضروريةٌ وهامةٌ لبعضِ ما يحدثُ داخلَ أسوارِ السجونِ التي أردنا توثيقَها وإطلاعَ شعبِنا وشعوبِ العالمِ الحرِّ على بعضِ أشكالِها".

وكانت مداخلة للكاتب أحمد أبو سليم الذي تحدّث بدوره عن تواصله مع أسامة بُعيد مقاطعته للجوائز التطبيعيّة وقرأ رسالة بعثها له الأسير من سجن الجلبوع وردّه عليها.

وشارك في الأمسية كلّ من: الأديب المقدسي محمود شقير، الكاتبة لينا أبو بكر (لندن)، الكاتبة إسراء عبوشي (جنين)، د. ربحي حجازي (عمان)، الأسير المحرّر أمير مخول (حيفا)، الكاتب عامر طهبوب (عمان)، والكاتب شفيق تلولي (غزة).

وفي النهاية تحدّث المحامي الحيفاوي حسن عبادي، وشكر بدوره المنظّمين للندوة، كما تحدّث عن لقائه الأخير بأسامة وأهميّة كتابة حكايا الأسرى وإيصالها لكلّ حدب وصوب ورحّب بمشروع تأسيس مكتبة لأعمال الأسرى الإبداعيّة وترجمتها للغة الإنجليزيّة الذي بادرت له د. لينا أبو بكر.

كان الختام مع وصلة عزف على العود وغناء مع الفنان المبدع كمال خليل.


مشاركة منتدى

  • هكذا قرات

    قراءة في قصيدة " بعثٌ أبيد " للشاعر النصراوي العريق
    مفلح طبعوني ، من ديوان نزيف الظلال .
    .....
    كما الريح لا تعرف حدودا ، ولا تقف امامها حواجز وابواب ، تلقى لها منفذا لتعلن بحضورها تدفُق الحياة ،
    كذا تتدفق الحياة دفقة واحدة من قلب شاعر أرهقة
    الموت وحرّكه الأمل ، لينصر الحياة على الموت ،
    فتفيض بأشجارها ، وأزهارها وأطيارها وسنابلها وأعشابها ، بعنبها وخمرها ، ونبضها الرهيف وحلمها
    الكبير .
    إنه "البعث الابيد"
    " عادت الأيام من عمق الزمان "
    تعبير شاعري يصيب المتلقي بالقشعريرة العذبة والدهشة البليغة .
    فكيف كان لك ايها النصراوي، أن تسحب الايام من عمق وقلب الايام لترسم لنا بأبجديتك المتفردة لوحة لعودة الايام ،عبرَ قصيدةٍ وُلدت لتتحدى المكان ، وتعيش خارج زمانك ؟؟
    " عادت الأيام من عُمقِ الزمان
    تتحدّى كلّ أطياف المكان
    ومصبّات الشُّحوب
    تتشظى فوق أسلاك السُّموم
    مع حروف الأبجديّة
    ولُغاتٍ أجنبية
    ........
    " تسكن الأوجاع أكباد الحنين
    والأماني تتلوى
    فوق أهداب الأنين " ؟
    ...
    وأنت تُخاطب صنوّ روحك ( أم ، أخت ، حبيبة ، صاحبة رفيقة ، ابنة ) وقد جعلتنا نراها ونسمعها مثلك تماما لترمي عليها بعضا من جمال الحلم وثقل السنين ، تُخاطبها وتلجا لها بكل هذا القرب وتأمرها بأمر الحب والدفء ان تُلبي الامر وتجيب النداء .
    أنقذيني ، وخذيني ، امنحيني ، اسكبيني ، اشعليني ،الهبيني ، ظلّليني ، زمّليني ، جدّليني ، قلميني
    أُتركيني ، أَسكريني ، دعيني ، عانقيني ، أُنقشيني ، إقرئيني واحفظيني ، شنفيني ، صومعيني واصلُبيني ،
    أسكُبيني وصلّيني ودعيني ،سمّديني ، عمديني ، طوقيني وازرعيني .واحصُريني، قدّسيني ، شِمّيني
    خصِّبيني ،واغرِّسيني ، لملميني ، أبعِديني ، اسنديني ،
    أعيديني ، ازرّعيني واغزليني ،خمّريني وارشفيني،
    أحرقيني ، رمديني وانثريني ،صهِبيني ، احفظيني ،
    خمريني واحرقيني
    رمديني
    ثم عودي
    واجمعيني
    اجبليني واجعليني
    طينَةَ البعثِ الأبيد!!!
    أيكون شاعرنا من طائفة البائسين الذين يجرون وراء الخيال ، فيبنون لهم في الوهم وطنا ينعمون فيه بعيشة
    صافية هنيةٍ؟؟
    أم أنه حُلْمُ قليلِ الحيلةِ ، يصبو لتحقيقة دون عناء
    ليجعل من محبوبته اليد التي تعمل جاهدة لتحقيق الحلم ؟
    أم انه لا هذا ولا ذاك ؟
    وما هو إلّا إنسان جُبِّلَ بماء الأحزان فتماهى مع وجع التراب ،وضيق المكان وضبابيّة الزمان .
    فانبرى يغرس على طول طريقه بذور خيالاته ، التي ما غرسها ليجني محصولها لنفسه ، فكانت الحبيبة رفيقة
    الدرب ، رائدة العمل .
    وقد صبّ الشاعر هنا أجمل معاني البعث والحياة
    حين سلّم مقاليد العمل للمراة ، وهل من غيرها
    يكون خصبٌ وبعثُ وحياة ؟
    فجاء أمره المُكرر يَهُزُّ أوتار المشاعر ويُشعل قنديل خيال المتلقي ليُسافرَ معه حيث شاء .
    بذكاء المبدع أستطاع الشاعر أن يُزحزح عن نفسه شيئا من أحمال شقائه .
    وبحكمة الشاعر أيقظ الذاكرة الجمعية ، وألْهَبَ المشاعر الوطنية ،حيث أنطَقَ قصيدته حتى نراها كائنًا حيًّا يفيض حيوية .
    ينفعل ،يبكي،يضحك ، يغضب ،يثور . من خلال هذه الافعال الساحرة الجذابة التي حملت ذات الإيقاع الموسيقي الذي ألّفَ بدوره وحدة موسيقية جذابة ، تلينُ وتحتدُّ حسب انسياب الشعر بمعانيه التي جاءت صدى لخلجات روح الشاعر العميقة . فنجدهُ قد استغل الطاقة الايحائية ودلالتها للافعال وللموسيقى ليصل بالمعنى الى ابعد مدى . وقد إستطاع أن يُخرج المدهش من المألوف .
    خطّت هذه المتتالية التصاعدية من الافعال مسيرة كفاح
    وحلم ووجع وامل وجرح وطنٍ يَنْزِفُ ظِلُّهُ !
    فما كان ليتحقق مُرادَ فعلٍ قبل أن يُحققُ سابقه مبتغاه ..( أنقذيني ، وخذيني )
    ...
    "أنقذيني
    من عذابات الحواجز "
    أيّ مُرٍّ سكن طعمُهُ في الترياق والروح ، منذ أن سكنتنا الحواجز ؟ وقد انتصبت بوابات العبور الوطن الواحد
    ليغدو وطنين ؟ لشعب واحد يحمل إسمين ؟
    عرَبٌ واحدة صارت رقميّن ,48,67 ؟!
    وما عداها من حواجز وضعناها لانفسنا بانفسنا !
    "أنقذيني
    من عذابات الحواجز
    وخذيني للشموس الساطعات
    لاغني لعطايا الكبرياء
    مع جموع الأوفياء
    في بلادي "

    والحواجز قد أدمت عذاباته ، يرنو للشمس لا للتسفع والتمتع ، بل ليصنع مجدا للاوفياء في بلاده .
    .....
    "وخذيني
    نحو حيفا
    كي أصلي عند موج العائدينا
    وخذيني
    نحو أحجار المحال"

    حيفا الرحم ، حيفا الولادة ، حيفا البحر ،حيفا الميناء ،
    حيفا الهجرة والرحيل ، حيفا الانتظار ، حيفا العودة
    " خذيني نحو أحجار المحال "
    آهٍ حيفا البداية والبداية ...
    وها هي حيفا تُفتق مواجعه الدفينة المكشوفة الجرح ...
    هو الشوق الحارق للحظة وصل على أرض العذاب ، التي شرب شاعرنا أحزانه من ينابيعها .
    فيا ارض العذاب أنت يا أرضنا ، كيف بنا والحزن كبير كبير ، نُحِبُكِ ولا نحقد عليك ، ونغني فيك للحب وللعشق " وللصبايا الفارعات "
    " أُسكبيني
    شمع عشقٍ للظلام
    واشعليني
    للصبايا الفارعات "

    مسكون بحب الوطن ، مملوء بالثورة ، مشحون بالتحدي والغضب ، يُمسك بيد محبوبته لتغيير وجه هذا الواقع المُر الذي فرضته النكبة على ملامحنا وعلى توقيت شروق شمسنا ومغيبها وعلى صفارة قبطان سُفننا ،
    فلا زالت الصفارات تُنذر بالرحيل ، ولا تُبشر بالعودة -
    فنراه طفلا فلسطينيا هانئًا بحضن أمه وهي تمسح الزيت على صدره ليشفى .
    " مثل طفلٍ في المهاد
    وامسحي الزيت على صدري لأشفى "
    لكن لا يطول الحلم فاذا به طفلٌ بأذرع طويلة يقذف بها الحجارة بوجه المارقينا .
    " قمرُ الورد رجاءُ الأمنيات
    في هبوب الظلمات
    فاقذفيني
    حجرَ الطفلِ بوجه المارقينا "

    وتزدحم المشاعر في صدرة وتهيج ويتحرق عشقا لفلسطين النبض والحب والميلاد ، ويلتاع حسرة
    وشوقًا عمّن سكنت فلسطين دموعهم في ليالي النائحات
    في المنافي والشتات .

    " أنت ميلادي وحبي
    انت اوتاري وقلبي
    انت اغصاني وظلي
    أنت أنفاس حقولي
    وصفاء الكلمات
    في اغاني الحالمات
    وانبلاج الأمنيات
    في مرايا الراحلات
    ودموع الغائبات
    في المنافي "
    ............"

    وما بين عشق وعناق وخصب وسماد ،يرنو الى ذلك الوطن الكبير بقلب كبير، وحب كبير، وحلم كبير .!
    "سمّديني
    في رحابٍ القبُلاتِ
    بشفاهٍ حالماتٍ
    وردةً في الخدِّ الخصيبِ
    عمّديني
    بيانبيع الفرات
    مع رموش الصادقات "
    ....
    في هذه القصيدة العملاقة يُوظّف الشاعر إيحاءات ورموز كثيرة ، يترك مهمة إكتشافها للقارئ المثقف بوجع الوطن .
    يَغْرِسُ ضِحكةً يرويها بدموع من شجن ، لتكون خيرَ علاج للمرارة ...
    "خصّبيني
    بدموع من شجن
    ضحكة ضدَّ المرارة "
    ...
    هذه البسمة روحٌ
    تتعرى
    تتراقص
    تتبرّج
    تتمجّد
    تتعبّد
    تتعمّد
    من شرايين اليقين "
    ....
    بسمةٌ تتعمد من شرايين اليقين ، ذاقت كلّ صنوف القهر
    وألوان العذاب ، عُصارةُ عشق لوطن يأبى الضياع ،
    تلُمعُ كحد السيف في شعاع ، عصيّة على الإنصهار في عزّ الهجير ، أبيّة على الإنكسار أمام ريح عاتيّة تُثير ُ
    " عذابات الصفيح في الصقيع "

    بمثل هذا الايحاء المؤلم البسيط الكثيف يرمي الشاعر الى بيوت المخيمات الواقفة امام الريح الطاغية والعاتية

    " لملميني
    قبلّ صهْدٍ وهجير
    أبعديني
    عن عذابات الصفيح
    في الصقيع "
    .....

    ومع كل التيه والضياع والتشرد
    " لست أدري
    أين عشقي ؟
    أين نجمي ؟
    وترابي للنهاية ؟"
    لا يقف شاعرنا مُقيد الحلم والعزيمة ،
    " ازرعيني
    كثمار المستحيل "
    هو ذا الفلسطيني العائد والباقي
    " كبقاء العنب في الخليل
    ورشف الخمر في قانا الجليل "

    وهنا يعود الشاعر بجمالية مُبهرة من حيث بدأ ،
    حيث عذابات الحواجز وألمها الدفين ، فيقف صلبًا متحديًّا معلنًا حدود فلسطين فهي جسد واحد من روح الخليل وقلب الجليل .
    وفي هذا رمزية أخرى جميلة، لقوة البقاء كقوة بقاء الرواية الدينية وقدسيتها عند مواطني هذه الارض المباركة .
    ’ازرعيني
    كثمار المستحيل
    واغزليني
    شال عطرٍ للجليل
    خمّريني
    مثل طلٍّ فوقَ أعنابِ الخليل
    وارشفيني
    رشف خمرٍ سال في قانا الجليل ’
    .... ......
    وبعد كل حريق رماد يهمد ويتناثر ويضيع
    إلا نار الفلسطيني فهي تخمد ولا تهمد حتى وإن تناثرت ( إشارة للشتات وحق العودة )
    فها هو شاعرنا يختم وحروفه مُفعمة بالامل ، مؤمن بحتمية التاريخ وعدله ، منتظرا بعثٌ أبيد ( وهي صيغة المبالغة من الابد ) والبعث العقائدي يعني الخلق الجديد
    بكل ابعاد هذه الكلمة الروحية والذهنية ، مُعَوّلا على إستيقاظ الذات الفلسطينية ، العربية ، وقد نالها من الصفعات والنكبات والنكسات والهزائم وإصفرّار الربيع
    ما نالها . فتنهض لتعيد بناء مجدها ويكون بعثٌ أبيد
    من طينةٍ أخرى تخمّرت من عنب الخليل وخمر قانا الجليل ،
    وأُحرّقت فوق" تلٍٍّ من ربيع ’وتناثر رمادها ’فوق شطآن الأصيل ’ . فقط طينةٌ بهذه المواصفات تصلُح لأن تُجمع وتُجبّل وتُجعل طينة البعثُ الأبيد لإنسان يحمل المعنى الأجمل والاسمى للإنسانية .
    ( وقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ، آية 12, سورة المؤمنون )
    ’ خمّريني واحرقيني
    رمديني
    ثمُّ عودي
    واجمعيني
    اجبليني واجعليني
    طينة البعثِ الأبيد !!
    .......
    قصيدة كفجر أفلت من قبضة الليل ، حُبلى بثورة سياسية وطنيّة ،تُبشّر بمخاض سعيد، بمفرداتها المغسولة بماء الحياة والمُخضبة بالامل والمعطرة بالتحدي ، صاغها الشاعر من قاموس تراب وحقول سنابل الوطن .

    ...... .......... ............ .......
    أن تقرأ شاعرا من خلال قصائدة امرٌ غاية في الجمال ،
    اما أن تقرأ شاعرا من خلال قصيدة واحدة ،فهو الصدق
    والإبداع .
    وفي هذه القصيدة العملاقة صبّ الطبعوني كل معتقداته وانتماءاته الإنسانية و الفكرية اليسارية والوطنية . فهو من يَحلم بطينة لبعث ابيد لإنسان
    جديد يستحق نبض الانسانية ، وهو من امتد وجعه ليطال دمعة " وردة في الخدّ الخصيب
    عمديني
    بيانبيع الفرات "
    يُدمي قلبه الوطن الكبير وينزف لوعة لالم فلسطين
    كيف لا وهو من قاوم وكافح وسُجن جنبا الى جنب مع رفاق دربه من المناضلين وعلى راسهم القائد الراحل توفيق زياد الذي ربطت الطبعوني به اقوى علاقات الصداقة والوفاء ، وقد كتب فيه
    رثاءً مؤثرا .
    ... ..........
    أن تقرأ قصيدة يَصْدُقُ فيها قول الكثيرين عنه وفيه
    فهذا هو الثراء ،
    فها هو الشاعر الفلسطيني ابن طولكرم عبد الناصر صالح
    والذي قدّم لديوان" نزيف الظلال " يصف شعر الطبعوني
    "بالشلال المنهمر إبداعا وتساؤلات تخلقها حالة التفاعل مع دلالات التعبير النفسي ،بعيدا عن السرد التقليدي "
    والقصيدة التي امامنا خير مثال على صدق هذا الكلام
    من حيث المبنى والشكل والمضمون .
    "شنّفيني بالقصيد
    مثل أشعار البديع
    ردّدي ألحانَ شمسي وصُمودي
    لفصولِ الابدية ’
    ..... ......
    أن تقرأ قصيدة نبضها مقاوم ،كل حرف وحركة فيها تعني المقاومة ، دون رفع او ترديد شعار واحد ، كما ساد بعض الشعر لفترة لا يستهان بها من الزمن ، اذن فانت امام شعر وشاعر مغاير ، ملك تلابيب اللغة ومفاتيحها
    وجعل للايحاء والتلميح قوة سرديّة شاعرية تُحاكي عقل المتلقي ومنطق العصر .
    ويحضرني هنا ما قاله عن الطبعوني الناقد الفلسطيني القدير محمود شقير والذي خصّ شاعرنا بدراسة مميزة في كتاب " الخبز والشعر بعيدا عن البلاط ’حيث قال عن شعره : شعر يحكي قضيتنا بالتلميح لا بالتصريح ، في الوقت الذي لا يبتعد فيه عن الرؤى والمضامين التي يتشكل منها شعر المقاومة في مناطق 48"
    " قلِّميني
    مثل زيتونٍ أثيل
    أتركيني
    مثل شمسٍ فوق وردات السهوب "
    ........ ......
    قصيدة تضوّع من ثناياها عطر الارض ، وهموم وحلم الإنسان ، كيف لا يكون كاتبها شاعر الارض والانسان
    "الذي يسكب مشاعره الانساتية في صور شعرية جميلة
    تعطي القارئ بُعدا فكريا يُثري جمالية القصائد ومضامينها ."
    كما وصفه الدكتور والناقد القدير ابن ميعار المهجرة
    باجمل واصدق الصفات بدراسة ضمّها كتاب" الخبز والشعر بعيدا عن البلاط ايضا "
    " عدت من أمسي
    مع الحلم الجريح
    كحروف الحبّ والودّ الرُّضاب
    عدتُ من موتي شُعاعًا"
    ....... .........
    يُحمّل الطبعوني قصيدته رسالته السياسية كما في كل قصائدة ، حيث اتخذ من الشعر طريقا سياسيا لنشر أراءه الفكرية ، ولم يكن لديه الشعر "فن لاجل الفن "
    فقط كما وصفه الدكتور والناقد القدير رياض كامل
    واتفق معه في رايه عزيز العصا، كاتب وناقد فلسطيني ، بيت لحم الذي قال عنه :
    الطبعوني ، شاعرا سياسيًا رهفًا شفيفًا، ينٍم عما يجول في داخله من أفكار ورؤى تتعلق بالصراع " الهوياتي " " الوجودي " القائم على ارض فلسطين .
    " ازرعيني
    كثمار المستحيل
    واغزليني
    شال عطر للجليل "
    .........
    ولنا ان نرى في القصيدة بوضوح صدق وجمال إجابة الطبعوني ، حين حاوره الشاعر سيمون عيلوطي في إحدى اللقاءات :
    ما هو رأيك في مسيرة الابداع الفلسطينية ؟
    أجاب : كلماتنا الفلسطينية الابداعية تبثّ رائحة عطرها في سهولنا وودياننا، فوق تلالنا وقمم جبالنا، يمتزج مع ازهارنا تتماهى مع أتراحنا وافراحنا."

    "زمّليني
    داخل الحلم الجميل
    بصدى أغنيةٍ
    تأتي من الأفق الرحيب
    مع أسارير الوعيد
    جدّليني
    تاج قمحٍ فوق زفرات المشيب "
    ......... .......
    هو ذا الطبعوني واكثر في قصيدة واحدة ، وهو الغني فكرا واحساسا وابداعا والمُقل نظما ،
    فلم يصدر له الا ثلاثة دواوين
    قصائد معتقة 1999
    عطايا العناق 2011
    نزيف الظلال 2014
    وله أيضا " داجون فلسطين" ( 2015) وهو مجموعة مداخلات وقصائد ألقاها في مناسبات وطنية مختلفة .

    خالدية أبو جبل
    طرعان ، الجليل الفلسطيني
    23شباط 2021

  • هكذا قرات

    قراءة في قصيدة " بعثٌ أبيد " للشاعر النصراوي العريق
    مفلح طبعوني ، من ديوان نزيف الظلال .
    .....
    كما الريح لا تعرف حدودا ، ولا تقف امامها حواجز وابواب ، تلقى لها منفذا لتعلن بحضورها تدفُق الحياة ،
    كذا تتدفق الحياة دفقة واحدة من قلب شاعر أرهقة
    الموت وحرّكه الأمل ، لينصر الحياة على الموت ،
    فتفيض بأشجارها ، وأزهارها وأطيارها وسنابلها وأعشابها ، بعنبها وخمرها ، ونبضها الرهيف وحلمها
    الكبير .
    إنه "البعث الابيد"
    " عادت الأيام من عمق الزمان "
    تعبير شاعري يصيب المتلقي بالقشعريرة العذبة والدهشة البليغة .
    فكيف كان لك ايها النصراوي، أن تسحب الايام من عمق وقلب الايام لترسم لنا بأبجديتك المتفردة لوحة لعودة الايام ،عبرَ قصيدةٍ وُلدت لتتحدى المكان ، وتعيش خارج زمانك ؟؟
    " عادت الأيام من عُمقِ الزمان
    تتحدّى كلّ أطياف المكان
    ومصبّات الشُّحوب
    تتشظى فوق أسلاك السُّموم
    مع حروف الأبجديّة
    ولُغاتٍ أجنبية
    ........
    " تسكن الأوجاع أكباد الحنين
    والأماني تتلوى
    فوق أهداب الأنين " ؟
    ...
    وأنت تُخاطب صنوّ روحك ( أم ، أخت ، حبيبة ، صاحبة رفيقة ، ابنة ) وقد جعلتنا نراها ونسمعها مثلك تماما لترمي عليها بعضا من جمال الحلم وثقل السنين ، تُخاطبها وتلجا لها بكل هذا القرب وتأمرها بأمر الحب والدفء ان تُلبي الامر وتجيب النداء .
    أنقذيني ، وخذيني ، امنحيني ، اسكبيني ، اشعليني ،الهبيني ، ظلّليني ، زمّليني ، جدّليني ، قلميني
    أُتركيني ، أَسكريني ، دعيني ، عانقيني ، أُنقشيني ، إقرئيني واحفظيني ، شنفيني ، صومعيني واصلُبيني ،
    أسكُبيني وصلّيني ودعيني ،سمّديني ، عمديني ، طوقيني وازرعيني .واحصُريني، قدّسيني ، شِمّيني
    خصِّبيني ،واغرِّسيني ، لملميني ، أبعِديني ، اسنديني ،
    أعيديني ، ازرّعيني واغزليني ،خمّريني وارشفيني،
    أحرقيني ، رمديني وانثريني ،صهِبيني ، احفظيني ،
    خمريني واحرقيني
    رمديني
    ثم عودي
    واجمعيني
    اجبليني واجعليني
    طينَةَ البعثِ الأبيد!!!
    أيكون شاعرنا من طائفة البائسين الذين يجرون وراء الخيال ، فيبنون لهم في الوهم وطنا ينعمون فيه بعيشة
    صافية هنيةٍ؟؟
    أم أنه حُلْمُ قليلِ الحيلةِ ، يصبو لتحقيقة دون عناء
    ليجعل من محبوبته اليد التي تعمل جاهدة لتحقيق الحلم ؟
    أم انه لا هذا ولا ذاك ؟
    وما هو إلّا إنسان جُبِّلَ بماء الأحزان فتماهى مع وجع التراب ،وضيق المكان وضبابيّة الزمان .
    فانبرى يغرس على طول طريقه بذور خيالاته ، التي ما غرسها ليجني محصولها لنفسه ، فكانت الحبيبة رفيقة
    الدرب ، رائدة العمل .
    وقد صبّ الشاعر هنا أجمل معاني البعث والحياة
    حين سلّم مقاليد العمل للمراة ، وهل من غيرها
    يكون خصبٌ وبعثُ وحياة ؟
    فجاء أمره المُكرر يَهُزُّ أوتار المشاعر ويُشعل قنديل خيال المتلقي ليُسافرَ معه حيث شاء .
    بذكاء المبدع أستطاع الشاعر أن يُزحزح عن نفسه شيئا من أحمال شقائه .
    وبحكمة الشاعر أيقظ الذاكرة الجمعية ، وألْهَبَ المشاعر الوطنية ،حيث أنطَقَ قصيدته حتى نراها كائنًا حيًّا يفيض حيوية .
    ينفعل ،يبكي،يضحك ، يغضب ،يثور . من خلال هذه الافعال الساحرة الجذابة التي حملت ذات الإيقاع الموسيقي الذي ألّفَ بدوره وحدة موسيقية جذابة ، تلينُ وتحتدُّ حسب انسياب الشعر بمعانيه التي جاءت صدى لخلجات روح الشاعر العميقة . فنجدهُ قد استغل الطاقة الايحائية ودلالتها للافعال وللموسيقى ليصل بالمعنى الى ابعد مدى . وقد إستطاع أن يُخرج المدهش من المألوف .
    خطّت هذه المتتالية التصاعدية من الافعال مسيرة كفاح
    وحلم ووجع وامل وجرح وطنٍ يَنْزِفُ ظِلُّهُ !
    فما كان ليتحقق مُرادَ فعلٍ قبل أن يُحققُ سابقه مبتغاه ..( أنقذيني ، وخذيني )
    ...
    "أنقذيني
    من عذابات الحواجز "
    أيّ مُرٍّ سكن طعمُهُ في الترياق والروح ، منذ أن سكنتنا الحواجز ؟ وقد انتصبت بوابات العبور الوطن الواحد
    ليغدو وطنين ؟ لشعب واحد يحمل إسمين ؟
    عرَبٌ واحدة صارت رقميّن ,48,67 ؟!
    وما عداها من حواجز وضعناها لانفسنا بانفسنا !
    "أنقذيني
    من عذابات الحواجز
    وخذيني للشموس الساطعات
    لاغني لعطايا الكبرياء
    مع جموع الأوفياء
    في بلادي "

    والحواجز قد أدمت عذاباته ، يرنو للشمس لا للتسفع والتمتع ، بل ليصنع مجدا للاوفياء في بلاده .
    .....
    "وخذيني
    نحو حيفا
    كي أصلي عند موج العائدينا
    وخذيني
    نحو أحجار المحال"

    حيفا الرحم ، حيفا الولادة ، حيفا البحر ،حيفا الميناء ،
    حيفا الهجرة والرحيل ، حيفا الانتظار ، حيفا العودة
    " خذيني نحو أحجار المحال "
    آهٍ حيفا البداية والبداية ...
    وها هي حيفا تُفتق مواجعه الدفينة المكشوفة الجرح ...
    هو الشوق الحارق للحظة وصل على أرض العذاب ، التي شرب شاعرنا أحزانه من ينابيعها .
    فيا ارض العذاب أنت يا أرضنا ، كيف بنا والحزن كبير كبير ، نُحِبُكِ ولا نحقد عليك ، ونغني فيك للحب وللعشق " وللصبايا الفارعات "
    " أُسكبيني
    شمع عشقٍ للظلام
    واشعليني
    للصبايا الفارعات "

    مسكون بحب الوطن ، مملوء بالثورة ، مشحون بالتحدي والغضب ، يُمسك بيد محبوبته لتغيير وجه هذا الواقع المُر الذي فرضته النكبة على ملامحنا وعلى توقيت شروق شمسنا ومغيبها وعلى صفارة قبطان سُفننا ،
    فلا زالت الصفارات تُنذر بالرحيل ، ولا تُبشر بالعودة -
    فنراه طفلا فلسطينيا هانئًا بحضن أمه وهي تمسح الزيت على صدره ليشفى .
    " مثل طفلٍ في المهاد
    وامسحي الزيت على صدري لأشفى "
    لكن لا يطول الحلم فاذا به طفلٌ بأذرع طويلة يقذف بها الحجارة بوجه المارقينا .
    " قمرُ الورد رجاءُ الأمنيات
    في هبوب الظلمات
    فاقذفيني
    حجرَ الطفلِ بوجه المارقينا "

    وتزدحم المشاعر في صدرة وتهيج ويتحرق عشقا لفلسطين النبض والحب والميلاد ، ويلتاع حسرة
    وشوقًا عمّن سكنت فلسطين دموعهم في ليالي النائحات
    في المنافي والشتات .

    " أنت ميلادي وحبي
    انت اوتاري وقلبي
    انت اغصاني وظلي
    أنت أنفاس حقولي
    وصفاء الكلمات
    في اغاني الحالمات
    وانبلاج الأمنيات
    في مرايا الراحلات
    ودموع الغائبات
    في المنافي "
    ............"

    وما بين عشق وعناق وخصب وسماد ،يرنو الى ذلك الوطن الكبير بقلب كبير، وحب كبير، وحلم كبير .!
    "سمّديني
    في رحابٍ القبُلاتِ
    بشفاهٍ حالماتٍ
    وردةً في الخدِّ الخصيبِ
    عمّديني
    بيانبيع الفرات
    مع رموش الصادقات "
    ....
    في هذه القصيدة العملاقة يُوظّف الشاعر إيحاءات ورموز كثيرة ، يترك مهمة إكتشافها للقارئ المثقف بوجع الوطن .
    يَغْرِسُ ضِحكةً يرويها بدموع من شجن ، لتكون خيرَ علاج للمرارة ...
    "خصّبيني
    بدموع من شجن
    ضحكة ضدَّ المرارة "
    ...
    هذه البسمة روحٌ
    تتعرى
    تتراقص
    تتبرّج
    تتمجّد
    تتعبّد
    تتعمّد
    من شرايين اليقين "
    ....
    بسمةٌ تتعمد من شرايين اليقين ، ذاقت كلّ صنوف القهر
    وألوان العذاب ، عُصارةُ عشق لوطن يأبى الضياع ،
    تلُمعُ كحد السيف في شعاع ، عصيّة على الإنصهار في عزّ الهجير ، أبيّة على الإنكسار أمام ريح عاتيّة تُثير ُ
    " عذابات الصفيح في الصقيع "

    بمثل هذا الايحاء المؤلم البسيط الكثيف يرمي الشاعر الى بيوت المخيمات الواقفة امام الريح الطاغية والعاتية

    " لملميني
    قبلّ صهْدٍ وهجير
    أبعديني
    عن عذابات الصفيح
    في الصقيع "
    .....

    ومع كل التيه والضياع والتشرد
    " لست أدري
    أين عشقي ؟
    أين نجمي ؟
    وترابي للنهاية ؟"
    لا يقف شاعرنا مُقيد الحلم والعزيمة ،
    " ازرعيني
    كثمار المستحيل "
    هو ذا الفلسطيني العائد والباقي
    " كبقاء العنب في الخليل
    ورشف الخمر في قانا الجليل "

    وهنا يعود الشاعر بجمالية مُبهرة من حيث بدأ ،
    حيث عذابات الحواجز وألمها الدفين ، فيقف صلبًا متحديًّا معلنًا حدود فلسطين فهي جسد واحد من روح الخليل وقلب الجليل .
    وفي هذا رمزية أخرى جميلة، لقوة البقاء كقوة بقاء الرواية الدينية وقدسيتها عند مواطني هذه الارض المباركة .
    ’ازرعيني
    كثمار المستحيل
    واغزليني
    شال عطرٍ للجليل
    خمّريني
    مثل طلٍّ فوقَ أعنابِ الخليل
    وارشفيني
    رشف خمرٍ سال في قانا الجليل ’
    .... ......
    وبعد كل حريق رماد يهمد ويتناثر ويضيع
    إلا نار الفلسطيني فهي تخمد ولا تهمد حتى وإن تناثرت ( إشارة للشتات وحق العودة )
    فها هو شاعرنا يختم وحروفه مُفعمة بالامل ، مؤمن بحتمية التاريخ وعدله ، منتظرا بعثٌ أبيد ( وهي صيغة المبالغة من الابد ) والبعث العقائدي يعني الخلق الجديد
    بكل ابعاد هذه الكلمة الروحية والذهنية ، مُعَوّلا على إستيقاظ الذات الفلسطينية ، العربية ، وقد نالها من الصفعات والنكبات والنكسات والهزائم وإصفرّار الربيع
    ما نالها . فتنهض لتعيد بناء مجدها ويكون بعثٌ أبيد
    من طينةٍ أخرى تخمّرت من عنب الخليل وخمر قانا الجليل ،
    وأُحرّقت فوق" تلٍٍّ من ربيع ’وتناثر رمادها ’فوق شطآن الأصيل ’ . فقط طينةٌ بهذه المواصفات تصلُح لأن تُجمع وتُجبّل وتُجعل طينة البعثُ الأبيد لإنسان يحمل المعنى الأجمل والاسمى للإنسانية .
    ( وقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ، آية 12, سورة المؤمنون )
    ’ خمّريني واحرقيني
    رمديني
    ثمُّ عودي
    واجمعيني
    اجبليني واجعليني
    طينة البعثِ الأبيد !!
    .......
    قصيدة كفجر أفلت من قبضة الليل ، حُبلى بثورة سياسية وطنيّة ،تُبشّر بمخاض سعيد، بمفرداتها المغسولة بماء الحياة والمُخضبة بالامل والمعطرة بالتحدي ، صاغها الشاعر من قاموس تراب وحقول سنابل الوطن .

    ...... .......... ............ .......
    أن تقرأ شاعرا من خلال قصائدة امرٌ غاية في الجمال ،
    اما أن تقرأ شاعرا من خلال قصيدة واحدة ،فهو الصدق
    والإبداع .
    وفي هذه القصيدة العملاقة صبّ الطبعوني كل معتقداته وانتماءاته الإنسانية و الفكرية اليسارية والوطنية . فهو من يَحلم بطينة لبعث ابيد لإنسان
    جديد يستحق نبض الانسانية ، وهو من امتد وجعه ليطال دمعة " وردة في الخدّ الخصيب
    عمديني
    بيانبيع الفرات "
    يُدمي قلبه الوطن الكبير وينزف لوعة لالم فلسطين
    كيف لا وهو من قاوم وكافح وسُجن جنبا الى جنب مع رفاق دربه من المناضلين وعلى راسهم القائد الراحل توفيق زياد الذي ربطت الطبعوني به اقوى علاقات الصداقة والوفاء ، وقد كتب فيه
    رثاءً مؤثرا .
    ... ..........
    أن تقرأ قصيدة يَصْدُقُ فيها قول الكثيرين عنه وفيه
    فهذا هو الثراء ،
    فها هو الشاعر الفلسطيني ابن طولكرم عبد الناصر صالح
    والذي قدّم لديوان" نزيف الظلال " يصف شعر الطبعوني
    "بالشلال المنهمر إبداعا وتساؤلات تخلقها حالة التفاعل مع دلالات التعبير النفسي ،بعيدا عن السرد التقليدي "
    والقصيدة التي امامنا خير مثال على صدق هذا الكلام
    من حيث المبنى والشكل والمضمون .
    "شنّفيني بالقصيد
    مثل أشعار البديع
    ردّدي ألحانَ شمسي وصُمودي
    لفصولِ الابدية ’
    ..... ......
    أن تقرأ قصيدة نبضها مقاوم ،كل حرف وحركة فيها تعني المقاومة ، دون رفع او ترديد شعار واحد ، كما ساد بعض الشعر لفترة لا يستهان بها من الزمن ، اذن فانت امام شعر وشاعر مغاير ، ملك تلابيب اللغة ومفاتيحها
    وجعل للايحاء والتلميح قوة سرديّة شاعرية تُحاكي عقل المتلقي ومنطق العصر .
    ويحضرني هنا ما قاله عن الطبعوني الناقد الفلسطيني القدير محمود شقير والذي خصّ شاعرنا بدراسة مميزة في كتاب " الخبز والشعر بعيدا عن البلاط ’حيث قال عن شعره : شعر يحكي قضيتنا بالتلميح لا بالتصريح ، في الوقت الذي لا يبتعد فيه عن الرؤى والمضامين التي يتشكل منها شعر المقاومة في مناطق 48"
    " قلِّميني
    مثل زيتونٍ أثيل
    أتركيني
    مثل شمسٍ فوق وردات السهوب "
    ........ ......
    قصيدة تضوّع من ثناياها عطر الارض ، وهموم وحلم الإنسان ، كيف لا يكون كاتبها شاعر الارض والانسان
    "الذي يسكب مشاعره الانساتية في صور شعرية جميلة
    تعطي القارئ بُعدا فكريا يُثري جمالية القصائد ومضامينها ."
    كما وصفه الدكتور والناقد القدير ابن ميعار المهجرة
    باجمل واصدق الصفات بدراسة ضمّها كتاب" الخبز والشعر بعيدا عن البلاط ايضا "
    " عدت من أمسي
    مع الحلم الجريح
    كحروف الحبّ والودّ الرُّضاب
    عدتُ من موتي شُعاعًا"
    ....... .........
    يُحمّل الطبعوني قصيدته رسالته السياسية كما في كل قصائدة ، حيث اتخذ من الشعر طريقا سياسيا لنشر أراءه الفكرية ، ولم يكن لديه الشعر "فن لاجل الفن "
    فقط كما وصفه الدكتور والناقد القدير رياض كامل
    واتفق معه في رايه عزيز العصا، كاتب وناقد فلسطيني ، بيت لحم الذي قال عنه :
    الطبعوني ، شاعرا سياسيًا رهفًا شفيفًا، ينٍم عما يجول في داخله من أفكار ورؤى تتعلق بالصراع " الهوياتي " " الوجودي " القائم على ارض فلسطين .
    " ازرعيني
    كثمار المستحيل
    واغزليني
    شال عطر للجليل "
    .........
    ولنا ان نرى في القصيدة بوضوح صدق وجمال إجابة الطبعوني ، حين حاوره الشاعر سيمون عيلوطي في إحدى اللقاءات :
    ما هو رأيك في مسيرة الابداع الفلسطينية ؟
    أجاب : كلماتنا الفلسطينية الابداعية تبثّ رائحة عطرها في سهولنا وودياننا، فوق تلالنا وقمم جبالنا، يمتزج مع ازهارنا تتماهى مع أتراحنا وافراحنا."

    "زمّليني
    داخل الحلم الجميل
    بصدى أغنيةٍ
    تأتي من الأفق الرحيب
    مع أسارير الوعيد
    جدّليني
    تاج قمحٍ فوق زفرات المشيب "
    ......... .......
    هو ذا الطبعوني واكثر في قصيدة واحدة ، وهو الغني فكرا واحساسا وابداعا والمُقل نظما ،
    فلم يصدر له الا ثلاثة دواوين
    قصائد معتقة 1999
    عطايا العناق 2011
    نزيف الظلال 2014
    وله أيضا " داجون فلسطين" ( 2015) وهو مجموعة مداخلات وقصائد ألقاها في مناسبات وطنية مختلفة .

    خالدية أبو جبل
    طرعان ، الجليل الفلسطيني
    23شباط 2021

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى