نظرةٌ في (شَــرفِ العربـيـة)
صدر كتاب ( في شرف العربية ) من سلسلة الكتاب الأمة القطرية ، العدد 42 لسنة 1415 هـ ،للدكتور إبراهيم السامرائي .
وقد تحدث عن العربية ذاكراً سبب تطورها وبقائها ، ذلك لأنها كانت لغة التنزيل ( القرآن ) وما شُرفت إلا به ، وأن اختيار العربية لتكون لغة التنزيل ولتكون لغة خطاب الله الأخير للبشر له دلالاته من أكثر من وجه .
وإذا كانت الرسالة الإسلامية هي الخاتمة للرسالات ، وأن من لوازم الخاتمية الخلود ، والخلود يعني التجرد من قيود الزمان والمكان ، والقدرة على العطاء في كل زمان ومكان ، أدركنا خلود هذه اللغة وسعتها ، واستعابها لمتطلبات كل زمان ومكان ، وأنها كانت لغة العالم لقرون مضت .
ذكر الأستاذ السامرائي في بداية حديثه عن المعجم القرآني الذي يجمع الألفاظ والمصطلحات الإسلامية ، وهذا مشروع فذ وجميل إذ قام به الأستاذ وعرض في كتابه ما يقرب من مائتي كلمة في صفحة 53 ـ 57 .
وسنعرض صفحة من هذه الصفحات :
الأصل اللغوي المصطلح المعنى القرآني__________________ ___________جحم الجحيم صفة من صفات النار ، شدة الحرارة ولهيب النارالحارقة .جزي الجزاء مقابل الفعل الذي يقوم به الإنسان إن خيراً فخيروإن شراً فشر.الجزية المال الذي يعقد عليه الكتابي الذمة مع المسلمين .جن الجن صنف من خلق الله ، خلقهم من نار ، وأسكنهمالأرض يرون الإنس ، والإنس لا يرونهم منهمالمسلمون ومنهم القاسطون .الجنة الدار التي أعدها الله عزوجل في الآخرة لعباده المتقينفي الدنيا .جهد الجهاد كل مايستطيع المسلم أن يبذله من جهد في سبيلإعلاء كلمة الله .في سبيل الله المجال المحدد لهدف الجهاد في الإسلام .جهل الجاهلية الإعراض عن دين الله ، وعدم إتباع آياته والإحتكام لأوامره .جهم جهنم الأرجح أنها كلمة غير عربية في الأصل وهي الصفةالغالبة للنار .حج الحج القصد الى بيت الله الحرام ، عبادة لله وحده في وقتمحدد ، لأداء مناسك محددة بآداب محددة .
ولي ملاحظات وددت أن أقولها عليه :
ـ ذكر المسجد في باب سجد وعرّفه بأنه المسجد الحرام في مكة المكرمة ص 62 .
أقول : مجيء لفظ المسجد مطلقاً لايعني المسجد الحرام إلا إذا جاء موصوفاً بـ ( المسجد الحرام ) أما تعريف المسجد فهو الذي يسجد فيه أو هو كل مكان يتعبد فيه وهو مصلى الجماعات .
ـ جاء في ذكر الصلاة قال هي : الركن الثاني من أركان الإسلام ص 64 .
والأفضل أن نقول : هي : أقوال وأفعال تبتدئ بالتكبير وتنتهي بالتسليم وفيها ركوع وسجود وهي الركن الثاني من أركان الإسلام .
ـ قال في الصور : ارتبط الصور في القرآن الكريم بالنفخ ... ص 65 .
وتعريف الصور في السنة هو قرنٌ عظيم ، وأن عظم دائرة فيه لعرض السموات و الأرض ينفخ فيه ثلاث نفخات ، نفخة الفزع ، ونفخة الصعق ، ونفخة القيام ، هذا ما رواه أبو يعلى و البيهقي .
ـ قال العبيد : هم المعرضون عن طاعة الله أما العباد فهم المطيعون لله ص 66 .
والعبيد له معنيان أولاً : هم الرقيق ، وثانياً ، هم المطيعون لله جبراً والعباد : المطيعونا ومنه حديث ( إنا عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك .... ) فالعباد داخلون في لفظ العبيد وليس العكس .
وجاء في التعريف ( المعروف ) هو خلق إسلامي عام ومقياس إيماني دقيق ، يحدد به المسلم الخير من الشر ... ص 66 .
والمعروف : اسم جامع لكل ما عُرفمن طاعة الله للتقرب إليه ، والإحسان الى الناس .
ـ والفسق : هو الخروج من الدين ص 69 .
والمعروف أن الخروج من الدين هو الردّة أو الكفر وليس الفسق ، والفسق هو : العصيان
والترك لأمر من أوامر الله ، أو الخروج عن طاعة الله في أمر ما .
ـ قال في ( الكسب ) هو القيام بعمل يسيءالى الإنسان ويسبب له الهلاك والشر ... ص 71 .
الكسب : هو الطلب والسعي في طلب الرزق و المعيشة وفي الآيات بمعنى العمل مطلقاً ، بل إن الكسب جاء في الخير ، ويقابله الاكتساب في الشر في قوله تعالى : (( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت )) البقرة 286 ، فكيف يكون الكسب هو ما يسبب الهلاك للإنسان؟
ـ قال في ( المطر ) هو نقمة من الله على الكافرين يرسله الله عقاباً للأمم الكافرة ، ص 71.
فهل تدخل الزلازل والريح و الصواعق في تعريف المطر ؟ فالمطر هو ما ينزل من السماء من ماء وحجر وضفادع وغيره وهو نقمة من الله عقاباً للأمم الكافرة .
ـ وعرف ( الموت ) هو الكفر والبعد عن طريق الله والعيش تحت تحكم الأهواء ص 72 .
الموت : ضد الحياة وهوانقطاع الروح أو خروجها وجاء بمعان هي :
1ـ زوال العقل والحركة في الحديث (( الحمدلله الذي أحيانل بعدما أماتنا )) فسمي النوم موتاً لزوال العقل والحركة تشبيهاً لا تحقيقاً .
2ـ زوال القوة النامية ومنه قوله تعالى : (( يحي الأرض بعد موتها )) .
3ـ زوال القوة العاقلة وهي الجهالة ومنه قوله تعالى : (( أوَ من كان ميتاً فأحييناه )) ، فلم يأت تعريف الموت بالكفر بالقرآن والسنة .
ـ وقال في ( المنكر ) هو الشيء المرفوض غير المستساغ الذي يأباه المسلم في ضوء نشأته وتربيته على قواعد الدين ص 37 .
فهل كل ما ينكره المسلم هو المنكر ؟
فالمنكر اسم جامع لكل ما يكرهه الله وينهى عنه ، فحينئذٍ يكون مقياس المنكر الشرع وليس المسلم ، فكل ما أنكره الشرع هو منكر وليس كل ما أنكره المسلم منكراً .
و ( النجوى ) هي التسارّ لإيقاع الشر ص 72 .
فالنجوى هي السر بين إثنين أو أكثر أو هي التسار وقد تكون في الخير كقوله تعالى : (( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس )) النساء 114 ، وقد تكون في الشر .
ـ ذكر الأشهر الحرُم الثابتة في الإسلام قال هي : ( ذو القعدة ، ذو الحجة ، محرم ، صفر ) ص 72 . والشهر الرابع هو رجب وليس صفر .
جاء تحت باب ( حَرَب ) لفظ المحراب فقط ويمكن أن نضيف إليها لفظ دار الحرب ، وهي الدار الذي يقام فيها الإسلام .
وتبقى فكرة المعجم القرآني فخراً للأستاذ إبراهيم السامرائي فهو صاحبها و حاديها .
نعود الى بداية فصل في مقدمة المعجم القرآني إذ أشار السامرائي أن الدرس القرآني ، أدى الى إنشاء العلوم ( وليس علوم العربية إلا شيئاً من هذا الفيض ... ومن علوم العربية هذا علم النحو ، فقد نشأ بعد الاطلاع على هذا الدرس القرآني ، وكأني أريد أن أقول : أن شيوع اللحن هو السبب الذي دعا الى أن يُهرع أهل العلم لوضع ضوابط تعين العربين على دفع غائلة هذا الذي تسرب في اللسان العربي ... ) ص 36 .
وأقول : إنّ السامرائي قد أقرّ أن اللحن هو سبب نشوء علم النحو لما ثبت تأريخياً ـقا ل به ( دراسات في اللغة ) ص 47 هذا أولاً .
ثانياً : ثمّ فصل بين اللحن و الدرس القرآني ونفي أحدهما وأثبت الآخر ؟
فاللحن قد وقع في القرآن كما هو مشهور في قراءة ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) فاطر 28 ، برفع لفظ الجلالة ( الله ) أو قراءة ( أنّ الله بريء من المشركين ورسوله ) التوبة 27 ، بجر رسوله وأن هذا الأمر هو الذي دفع علياً أن يأمر أبا الأسود الدؤلي لوضع للنحو تمنع اللحن في كتاب الله ( وقيل: إنّ حادثة كهذه أدت الى وضع النحو ) الكشاف للزمخشري 2/72 .
إذن فاللحن في القرآن هو الذي دفع أهل العلم لوضع النحو وليس لحن العامة حين قال أحدهم عصاتي بدلاً من عصاي ، إذن يمكن أن يقال للملحن قل عصاي ولا تقل عصاتي وانتهى الأمر .
أما قوله : الدرس القرآني هو السبب في وضع النحو ، ويعني به تعدد أقوال العلماء لتعدد أنماط القول في القرآن ، فالدرس القرآني هو مرحلة أخرى لتطور علم النحو ولنشوء العلوم كالبلاغة وكتب الإعراب وغيرها .
وقد يكون اللحن هو السبب للدرس القرآني وأقصد به العناية بالقرآن لغةً و نحواً .
وخلاصة القول: إنّ اللحن قد وقع في القرآن فهرع العلماء لوضع علم النحو خشيةً على كتاب الله ، ويمكن أن نسمي ذلك الدرس القرآني ، فلا فصل بين معالجة اللحن والدرس القرآني ، فلا فصل بين معالجة اللحن والدرس القرآني .
إذا قلنا: إنّ الدرس القرآني هو تعدد أقوال العلماء لأن في القرآن أنماطاً من وجوه القول ، فذلك أمرٌ لاينكر إلا أنه حصل بعد وقوع اللحن في كتاب الله ولا نفي بينهما .
ثمّ ذكر جملة مسائل ليشير أن المتقدمين لم يهتموا فاضناهم المسير ، وأظلم عليهم السبيل ، فأضاعوا الدليل على الحجة البيضاء ... ص 38 .
ومن هذه المواد الفعل ( أتى ) في قوله تعالى : (( اذهبوا بقميصي هذا فالقوه على وجه أبي يأت بصيراً )) يوسف 93 .
قال : إن القدماء قد أغفلوا هذا الفعل ولم يحملوه على أفعال النواسخ ولـمّ لم يحملوا عليها الفعل إنقلب ... ص 39 .
أقول : لقد أشار إليه بعض النحاة ومنهم :
الزمخشري ، قال صاحب الإعراب القرآن ( واختار الزمخشري أن يكون خبراً ليأت على تضمنه معنى يصير بصيراً ويشهد له (( فارتد بصيراً )) يوسف 93 ... ) ، فلم يغفل عنه أهل اللغة ، بالإضافة الى القاعدة العامة في كان أو كاد وأخواتها .
ومنها الفعل ( أراد ) في قوله تعالى : (( فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه ... ) الكهف 93 .
يقول : أن ( أراد ) فيه دلالة خاصة فهو لايعني الإرادة وإنما يدل على ما يدل عليه الفعلان يكاد أو يوشك ... ولكنهم غفلوا عنه ... ص 40 .
أولاً : إن النحاة وإن لم يذكروا هذا الفعل انه على شاكلة ( كاد ) ، فقد قالوا أن الفعل ( كان ) أو ما جاء بمعناه يعمل عمل كان وأصبح من أفعال النواسخ ، وكذلك ( كاد ) وما جاء بمعناها يعمل عمله ويصبح من أخوات ( كاد ) .
فقولنا مثلاً ( انقلب قرداً ) و ( قرداً ) يمكن أن يعرب حالاً ، ويمكن أن يعرب خبراً لانقلب لأنه تضمن معنى صار ، وهكذا بالنسبة للفعل أراد وأتى وغيرهما .
وقال الرازي : وقال بعضهم في قوله تعالى : ( أكاد أخفيها ) أريد أخفيها ، فكما وضع يريد موضع يكاد في قوله تعالى : ( يريد أن ينقض ) وضع ( أكاد ) موضع ( أريد ) .
وأنشد الأخفش :
كادت وكدت وتلك خير إرادة لدعاو من لهو الصبابة ما مضى
ولم يغفل عنه أهل اللغة أيضاً .
ثانياً : أنه أدخل الفعل ( أتى ) في أفعال المقاربة ثمّ أخرجها منها بقوله : والذي أراه أن مرفوعها فاعل كسائر الأفعال في العربية ، واما التالي له وهو ( أن والفعل ) فزيادتها تقتضيها معنى المقاربة ، وهذا لايختلف عن ( أن والفعل ) بعد أفعال الطلب نحوه طلب ورغب ... فتقول طلب الرجل أن يشارك ... ص 41 .
إن مساوة الفعل ( كاد ) في قولنا : كاد زيد يموت ، يترتب عليه أمور منها :
1ـ أن أفعال ( كاد و أوشك و كَرب ) أفعال مخصوصة تدل على قرب وقوع الفعل ، جاء في الكتاب ، ( وهذه الحروف ( الأفعال ) التي هي للتقريب الأمور شبيهة بعضها ببعض ، ولها نحو ليس لغيرها من الأفعال ) .
وليس معنى المقاربة في ( أن والفعل ) كما ذكر المؤلف أعلاه ، وإنما في الأفعال ذاتها .
وقوله : زيادة تقتضيها معنى المقاربة ( زيادة أن والفعل ) فماذا يقصد بالزيادة ؟ فالزيادة في النحو هو ما يمكن أن يستغنى عنه ويؤتى به للتوكيد كحروف الجر نحو ما جاء من أحد ، و ( ما ربك بظلام للعبيد ) فالباء ومن حرفا جر زائدان يفيدان التوكيد ، فإن أراد معنى الزيادة هذه فإن والفعل ليست زائدة ، وإن أراد بالزيادة هي الفضلة فإن ( إن والفعل ) في قولنا كاد زيد أن يموت ، ليست فضلة لأنها خبر للفعل كاد فهي عمدة وليست فضلة .
2ـ قولنا ( طلب الرجل أن يشارك ) فإن الفعل هنا يؤول بمصدر صريح فنقول : طلب الرجل المشاركة .
أما قولنا ( كاد زيد أن يموت ) فإن ( إن والفعل ) لاتؤول بمصدر ، إذ لايصح أن نقول ( كاد زيد موتاً ) ، ولهذا وقع النحاة في أشكال إعرابي في جملة ( كاد زيد أن يموت ) أو جملة ( عسى زيدٌ أن يذهب ) ، لأنه لايصح الإخبار عن الذات بالمصدر ، ثمّ تعددت الأوجه الإعرابية للجمل أعلاه .
وماذا يقال وخبر كاد لايقترن بأن في الغالب فتقول كاد زيد يموت، و أوشك المطر يهطلُ ؟ إن كانت المقاربة عنده في ( أن والفعل ) فأين المقاربة في هذه الجمل وقد حُذفت ( أن ) منها ؟
3ـ ولو كانت ( كاد وأخواتها ) أفعالاً كسائر الأفعال ، فلمَ صح قولنا : كادوا يلعبون ، ولم يصح أن نقول أرادوا يلعبون ؟ أو أراد يلعب : لأنه لايصح دخول الفعل على الفعل مباشرة .
4ـ قد تأتي كان وأخواتها ، وكاد وأخواتها تامة أحياناً إذا اكتفت بمرفوعها ( الفاعل ) كقولنا : صار الأمر ، أي حصل ، فصار هنا تامة والأمر فاعل ، لا كما يراد التعميم في ( الأخوات كاد ) كلها . د.أيّوب جِرْجيس العطيّة