نظرية السرقة الأدبية: -براءة اخترع في الأدب-
يموت الأديب في بيته كمداً، وللتناص بين النصوص أشكالُ، يا نصُّ ما لكَ تَخَافُ تَحْليلاً، وَتَكْرَهُ أَنْ تَصْبُو إليك دوالُ، ويا نصُّ ما لكَ كاتبٌ ولا مبدعٌ، وليس للإشكالِ منكَ نوالُ، شِعارهم للنصِّ وقتٌ أطولٌ، وشعارنا طولُ النصِّ أميالُ، وخيرُ الكلامِ ما قلَّ لفظهُ، وشرُّ نصوص الفتى أذيالُ، أو أسمالٌ تُنالُ بها أموالُ، أو مجلسٌ يترأسه محتالُ.
وقتٌ أطول للنص، وشعار الكويتب وقتٌ أقل للنص، والمهم تلطيخ الورقة بالحبر، وعدم تفويت أية فرصة للنشر، والاستحواذ على الصفحات الثقافية واستعمارها واحتلالها بعمود ثابت أو متحرك، وملاحقة مصوري الفضائيات بالولائم والهدايا لعلهم يتعاطفون على الكويتب بلقاءٍ ولو لدقائق، وتطبيقاً لمبدأ(شَيلني وأشيِّلك)الذي أصبح طاغياً بين أدعياء المثقفين: أدعوك إلى مهرجان - أنشرُ لك نصا – أعيرك كتاباً- لكن ما هو الثمن؟
اكتب عني أيَّها الناقد لأفسح لك الفرصة؟ أدخلني رمزاً في قصيدتك أيها الشاعر أو في قصتك أيها القاص ولو بذكر حرفٍ من اسمي لأفسح لك الطريق واختم أوراق مرورك من باب سدنة الثقافة العالي؟وأعرف أديباً دفع مبلغ 300 دينار أصلي لناقودٍ كتبَ عنه.
بعد أنْ قام فرانسوا ليوتار بشرح ما بعد الحداثة لأطفال فرنسا في كتاب منهجي مقرر للصف الأول الابتدائي، يعود بنا الشاعر أحمد عبدالسادة إلى عصر ما قبل السلام عليكم، أي عصر قبل الإسلام، حيث يفتخر الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد الذي عاش بين 60-86 قبل الهجرة بأنَّه لا يسرق الأشعار:
ولا أغيرُ على الأشعارِ أسْرِقُها عنها غَنِيتُ وشرُّ الناسِ من سَرَقا
وأؤكد على قبل الهجرة، أي قبل خمسة عشر قرن، ولا زلنا نحتاج لمن يؤكد لنا أنَّ السرقات الأدبية شيءٌ مقيت. في عدد جريدة الصباح 973 في 9/11/2006 نشر أحد مستعمري الصفحة الثقافية مقالاً بعنوان(السطو الشعري الآيل للفضيحة)كأنَّهُ بهذا المقال قد كشف عن نظريةٍ جديدة في الأدب ستغير اتجاهه عالمياً، وعدد مستعمري الصفحة الثقافية لا يتجاوز الثلاث، في حلفٍ ثقافيٍّ سريّ، لا يعلم إلا الله فحواه، مقالاً كاد يَطْغَى على الصفحة كلها، انظروا إلى أية صفحة ثقافية في العالم لا تكرر اسماً مرتين في يومين متتالين وما ألف ياء الزمان منكم ببعيد، وهو ما كان ليكتشف سرقة الشعرور المتشاعر كاميل صبري لولا أنَّهُ من محبي محمود درويش وعشاقه ويحفظ معظم أشعاره كما أخبرني شخصياً قبل أن يصير قامةً طويلة في الشعر العراقي والعربي ومنظرا لمرحلة ما بعد خلف وراء بعد الحداثة، وداخل نسق السرقات يقول الدكتور الفيلسوف عبدالرحمن بدوي(ومن حسن حظ جيته أنَّهُ ألماني أوربي وليس عربياً وإلاّ لصاح النقاد في وجهه سارق سارق ولَنَعتوا هذا العمل الأدبي العظيم بأنَّه قد سرقه لأنَّهم سيجدون أنَّ هيكل المسرحية هو الهيكل نفسه) وذلك لأنَّ الشاعر الألماني جيته(1749-1832) كان قد سبقه أكثر من 41 نص مسرحي وعشرات الحكايات الشعبية عن أسطورة فاوست، بالإضافة إلى إنَّ الفكرة الرئيسية للنص موجودة في الكتب السماوية الثلاث، وتبدأ بحوار بين الله والشيطان، حول الإنسان المنعَّمْ، وتنتهي بنجاة فاوست في النهاية، كما في العهد القديم سفر أيوب الاصحاح: 42. لكنَّ جيته هذا قضى من عمره ستون عاماً يعدُّ النص وينقح ويزيد ويحذف منه، وكذلك الشاعر والت وايتمان(1819-1892)قضى أربعون عاماً من عمره في كتابة ديوان شعره الوحيد(أوراق العشب)والسيد الشاعر أحمد لم يعمل في صحيفة الصباح بعقد ليستعمرها هو وأقرانه بل للإشراف والتواصل مع مثقفي العراق والعالم أجمع، من خلال نشر نصوصهم أو متابعة نشاطاتهم، ألا يكفي ضياع 35 عاماً في التمجيد والشخصانية النرجسية، ألا نتعظ بمثقفي السلطان الذي رفضتهم حتى مزابل التاريخ، ندين الدكتاتورية ونتدكتر، وتنهانا أمنا عن البغي وتغدو فينا، إذا كان الشعرور المتشاعر السارق الذي قال عنه ابن الحداد الاندلسي 420-480 هــ:
فاحكُمْ لها واقطَعْ لِسَاناً لا يَداً فلسانُ مَنْ سَرَقَ القريضَ يَمِيْنُ
يستحق أن يحجز أكثر من نصف صفحة، فماذا يستحق فحل الشعراء، ألم تكن ملاحظة صغيرة إلى نص محمود درويش تغني عن هذا العناء؟ لوما أمضى الشاعر أحمد صديقي
– سابقاً- وقته في كتابة نص أدبي جديد أو قصيدة وهو لم يكتب قصيدةً واحدة منذ أن عمل في الصباح مستعمراً، أما كان من الأجدر به أن ينشغل ويشغل قرائه بما هو أجدى من المتشاعر كاميل صبري؟ وإذا كانت كل صفحة ستأخذ أكثر من نصف صفحة فهذا إغراء سيشجع الكثير من الشعراء على الالتفات إلى السرقات الأدبية بدلاً من نصوصهم التي تستغرق وقتاً أطول ولا تجد فرصةً للنشر.