هبة الشباب الفلسطينية.. وتحديات المرحلة الراهنة...!!
مر أكثر من ثلاثة عقود على ما يسمى بـ"المفاوضات"الفلسطينية – الاسرائيلية، دون التوصل لحل لقضايا الحل النهائي في القضية الفلسطينية، والمتمثلة بالقدس وقضية اللاجئين والدولة والحدود والمستوطنات. ووصلت الأمور كلها إلى طريق مسدود ودخل الطرفان في مرحلة من الضبابية السياسية، أو كما يقولون في السياسة إلى طريق مسدود !!.
من هنا بدأ الشعب الفلسطيني، وخاصة الشباب يضيق ذرعا بكل ما يُشاع حول اجراءات عملية التسوية مع العدو الاسرائيلي، وفقد المصداقية بينه وبين قيادته التي لم تثمر تحركاتها أي إنجاز على أرض الواقع، بل كشفت القيادة المتنفذة بالقرار الفلسطيني عن عجزها وسوء إدارتها للأمانة بل تساوقها مع مخططات الاحتلال الذي يتوسع بالاستيطان، ويزداد أكثر بعمليات القتل الميداني لأبسط الأسباب، والاعتقال التعسفي وهدم البيوت، وسلب الأرض والمياه والحصار وغير ذلك من إجراءات الاحتلال الاجرامية والارهابية بحق الفلسطينيين وممتلكاتهم، وصلت إلى قطع أشجار الزيتون وتخريب المحصول. فهبت جموع الشباب الفلسطيني في وجه الاحتلال لتحرك ما لم تستطع القيادة تحريكه، ولو على الأقل لفت انتباه العالم إلى القضية الفلسطينية بعد أن سرقت الحروب المنتشرة هنا وهناك الأضواء عن فلسطين وأهلها الصامدين المقاومين للاحتلال منذ أكثر من (75) عاماً.
ولا شك في ان القضية المركزية التي تشغل التفكير الشعبي الفلسطيني، وتستحوذ على جل اهتمامه، تتمثل في البحث عن افضل السبل العملية، واكثرها فاعلية لدعم استمرار النضال الفلسطيني على ارض فلسطين، التي يخوضها الشعب الفلسطيني المقاوم بتصميم لا يعرف الكلل وبعزيمة لا تلين، واستعداد كبير للبذل والعطاء في ميدان الاستشهاد من اجل دحر الاحتلال الصهيوني عن أرض فلسطين التاريخية.
واذا كان من حقنا ان نطالب ابطال هذه الهبة الوطنية من هؤلاء الشباب، الاستمرار في انفجارهم بوجه الاحتلال، وتصعيد هذا الانفجار والحاق الهزيمة بالمحتل الصهيوني، فان من اولى واجباتنا تجاههم، العمل على توفير كل متطلبات هذا الاستمرار من دعم مادي ومعنوي، سياسي واقتصادي واعلامي، وتعزيز قدرتهم الفعلية على التعايش مع مقاومتهم الباسلة كنمط حياة نضالية ستستمر الى ان تتحرر الارض الفلسطينية المحتلة، ويتمكن الشعب الفلسطيني من ممارسة سيادته الكاملة على أرضه.
ونستطيع ان نقول بكل ثقة ان الكثير من العوامل الموضوعية والذاتية لهذه الهبة تؤكد على استمراريتها وتجاوزها لعوائق الاجهاض، وبشهادة العدو الصهيوني المدجج بترسانة الاسلحة الاميركية المتطورة والحقد الاسود، واهم هذه العوامل:
١- الاحساس الهائل لدى الجماهير الفلسطينية بالثقة بالنفس والانجازات التي تحققت، مما يشكل المحرك الرئيسي لهذه الجماهير، ويدفعها للاستمرار، خاصة وان التطورات السياسية على الصعيدين الفلسطيني والعربي في ظل الهجمة الصهيونية والإرهاب الدولي على سورية العربية تؤكد سلامة المسيرة وتعمق هذا الشعور الكفاحي لدى الجماهير وتشحذ هممها.
٢- اعتراف غالبية دول العالم، بما في ذلك المعسكر الاسرائيلي، بتصدر القضية الفلسطينية للموقف، وتعاظم التأكيد العالمي للنضال والمقاومة الفلسطينية، وتفجر مشاعر الاحترام لشعبنا الفلسطيني في العالم، والتعاطف مع معاناته، في الوقت الذي تتسع فيه مظاهر الادانة الدولية للسياسة الاسرائيلية وحليفتها الولايات المتحدة الاميركية التي تكيل بمكيالين.
٣- تعمق مظاهر واشكال المقاومة الفلسطينية التي ابدعتها هبة الشباب الفلسطيني الحالية في مخيمات وقرى الضفة الغربية، وتبلور مجتمع جديد في الاراضي المحتلة، الا وهو مجتمع الشباب والشابات، بما فيها من تعزيز للتلاحم الاجتماعي والوطني بين الفئات وافراد المجتمع، وتعاظم روح التضحية، والانضباط الشعبي والحس العالي بالمسؤولية، وارتفاع مستوى الوعي السياسي ووعي المقاومة الباسلة. بل ويمكن القول ان الجماهير الفلسطينية عبرت خلال الأشهر الستة المنصرمة عن مدرسة نضالية تربوية هائلة في مخيمات وقرى الأراضي الفلسطينية المحتلة، امتدت إلى أراضي فلسطين المغتصبة منذ ١٩٤٨، في التصدي لتعسف سلطات الاحتلال الصهيوني، وفي الصمود امام حرب الاحتلال الاقتصادية والاجتماعية، واستطاع الشباب الفلسطيني أن يكدس رصيداً هائلاً من التجربة النضالية في مقارعة الاحتلال تدفع في طريق الاستمرار بانتفاضة قادمة للشباب وأهاليهم وتصعيدها.
٤- يسود الاحساس لدى كافة فئات الشعب الفلسطيني في الاراضي الفلسطينية المحتلة، ان حجم التضحيات (عدد الشهداء والجرحى والمعتقلين)، التي قدمت منذ اندلاع هبة الشباب الفلسطيني المقاوم، لا تسمح بأي حال من الاحوال بالتوقف، ذلك ان اي توقف سيعرض كل هذه المكاسب وكل تلك التضحيات للضياع. لذلك، فان الربط لدى الجماهير الشعبية بين ما تم تحقيقه وبين التصميم على الاستمرار في درب هذه الهبة لتكون انتفاضة وثورة في وجه المحتل، هو قوي، وتزداد تعمقاً مشاعر الكراهية للاحتلال، وينمو الاحساس بدنو اجله.
٥- احساس الجماهير الفلسطينية في الاراضي المحتلة بتعاظم اثر هبة شباب فلسطين المقاوم، على تطور المواقف تجاه القضية الفلسطينية، عربياً ودولياً واسرائيلياً، ومن ثم ادراك تلك الجماهير بحسها الثوري الرفيع ان استمرار تحقيق الانجازات وتطويرها على مستوى القضية الفلسطينية، مرتبط بشكل وثيق باستمرار وتصعيد وتيرة هذه الهبة الوطنية الشعبية.
وحسب المراقبين للأوضاع المتفجرة في داخل مخيمات وقرى الاراضي الفلسطينية المحتلة، فان الانتفاضة تنمو وتتفجر عند كافة فئات شعبنا وفي كافة مواقع العمل الوطني في الضفة الغربية، حيث تعود شمولية هبة الشباب الفلسطينية على المستوى الجغرافي والاجتماعي للأسباب التالية:
١- لقد وصلت مرحلة التحرر الوطني لدى الشعب الفلسطيني الى مستوى جديد من النهوض والتجذر، دفع الى ساحات المقاومة بقوى فلسطينية شابة من الشباب والفتيات، يتمتعون بروح التضحية ولا يهابون الموت، ويمدون بأجسادهم جسوراً قوية ومتينة كأساس من النضال الوطني الفلسطيني العام، وذلك عن طريق التصدي المباشر لسلطات الاحتلال الصهيوني كمهمة كبرى واساسية على طريق تحقيق الاستقلال الوطني.
٢- ادركت الجماهير الفلسطينية، بحكم تجربتها النضالية العريقة اولوية مطلب قيام الدولة الفلسطينية المستقلة فعلياً، على اية طروحات ومشاريع تسووية اخرى، واحست عبر تضحياتها بأن هذا المطلب واقعي ولا مبالغة فيه، وان تحقيقه ممكن، ما دام الشعب الفلسطيني يتصدى بجسده لغطرسة الاحتلال ومن يسانده. وبالتالي فقد ادرك ابناء الشعب الفلسطيني ان كل مكسب يتحقق على طريق المقاومة هو مكسب للجميع في كافة الساحات، وانه يقرب ساعة الحق الفلسطيني.
وعليه، فان المرحلة التاريخية الحاسمة التي تمر بها منطقتنا العربية والإسلامية، وقضيتها المركزية - قضية فلسطين – وهي قضية الأمة جمعاء، تتطلب جهوداً فلسطينية وعربية وإسلامية مكثفة ومتواصلة لبرمجة الاطر العامة لأهداف واولويات دعم هبة الشباب الفلسطينية وتصعيد وتائرها، ودعم الصمود الفلسطيني المقاوم للخطر الصهيوني الزاحف تجاه امتنا العربية والإسلامية برمتها لتحقيق الامن القومي لهذه الأمة.
ولا بدّ من العمل على خلق تحولات كبيرة في انجازات هذه الهبة الوطنية، على المستويين الداخلي والخارجي معاً، مما يجعلنا نثق بأننا امام حرب شعبية فلسطينية لمواجهة الاحتلال الصهيوني، على قاعدة استمرارية الهبة الشبابية وتواصلها وتصعيدها حتى انجاز الاهداف الوطنية المشروعة المتمثلة بإزالة الاحتلال عن أرض فلسطين كاملة.