الأحد ٩ حزيران (يونيو) ٢٠٢٤
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

هدى العجيمي أم الأدباء الشبان

الإذاعية هدى العجيمي من مواليد 24 يوليو عام 1936 من مواليد في بور سعيد وواصلت تعليمها وبعد حصولها على شهادة الثانوية العامة التحقت بكلية الآداب (قسم اللغة العربية) جامعة القاهرة وعندما دخلت الإذاعة لأول مرة في بداية الستينيات لم تدخلها لكي تصبح مذيعة ولكن دخلتها بعد أن اجتازت امتحان البرامج الإخبارية فعندما كانت في انتظار إعلان نتيجة الليسانس نشرت الصحف إعلانا من الإذاعة والبرامج الإخبارية عن حاجتهم لمحررين لنشرة الأخبار في الراديو وفي نفس الوقت مترجمين وكتاب تعليقات سياسية فتقدمت إلى هذا الامتحان ثم ظهرت النتيجة ونجحت وحصلت على الليسانس وذهبت إلى امتحان الإذاعة في مقرها 4 شارع الشريفين وكان مبني ماسبيرو ما يزال في طور البناء واجتازت الامتحان التحريري بما فيه من صعوبة بالغة مثل الترجمة وكتابة تعليق سياسي وتحرير إحدى النشرات ومعلومات عامة وتبعه لقاء شخصي مع أبرز قيادات الأخبار في الإذاعة في وقتها وامتحان شفهي وكانت هدى العجيمي الأولى على آلالاف الذين تقدموا للامتحان ومعها أربعة من الشباب فقط.

تم قبول هدى العجيمي في قسم الأخبار الإذاعبة وبعد عام من عملها في قسم الاستماع السياسي دخلت امتحانا آخر أعلنت عنه الإذاعة لطلب مذيعين واستمر هذا الامتحان ثلاثة أشهر وكان يبدأ بامتحان تحريري يقيمه ديوان الموظفين وهو أصعب كثيرا مما سبقه ومن ينجح فيه ينتقل إلى امتحان شفهي في الإذاعة نفسها يقف أمام عمالقة الإذاعة.

قبل أن تقف هدى العجيمي أمام اللجنة المشكلة من إذاعيين كبار كانت تجلس في الاستراحة مع عدد كبير من الشباب والشابات وكلهم على درجة كبيرة من التوتر ويطلقون الشائعات حول مدى صعوبة الامتحان مما أدخل الخوف إلى قلبها خصوصا عندما قال أحدهم إن رئيس الإذاعة عبد الحميد الحديدي يوجه أسئلة غريبة فهو مولع بالجغرافيا ويسأل عن الأماكن وهنا كانت المأساة حيث أن هدى العجيمي في القاهرة كمغتربة ولا تعرف شوارعها ولا ميادينها فكانت من البيت إلى الجامعة فقط ولو سألها عن ميدان الفلكي مثلا لما أجابت وعندما جاء دورها للمثول أمام اللجنة توجست وتوقعت الرسوب لا محالة لكن عندما دخلت اللجنة وذكرت اسمها بادرها الدكتور مهدي علام بالتحية وقال (أهلا يا ست هدى.. هل تعرفين من هى الست هدى في حياتنا الثفافية؟) فأجابت بثقة شديدة : نعم أعرفها .. الست هدى هى مسرحية شعرية كتبها أمير الشعراء أحمد شوقي وهى مسرحية فكاهية عن سيدة مزواجة تزوجت تسع مرات وظلت تحكي بقية القصة التي كانت قد قرأتها من قبل وتعرفت علي أشعارها وقيمتها الفنية وكانت إجابتها سريعة وواثقة وكاملة بحيث أن أحدا لم يسألها عن شيء بعدها بل مجرد قراءة نصين أحدهما لغة عربية والآخر بالإنجليزية ونجحت هدى العجيمي وكانت الفتاة الوحيدة التي فازت بالوظيفة مع 19 شابا كلهم من الرجال وبعد ذلك تقابلوا مع رئيس الإذاعة وتم توزيع الجميع على أقسام العمل الإذاعي حيث وزع بعض الشباب أصحاب الأصوات القوية المميزة على قسم المذيعين لقراءة نشرات الأخبار أما هدى العجيمي فقد عقدت لها لجنة استماع خاصة شارك فيها الإذاعي جلال معوض وعندما سمعها قام بتوزيعها على برامج المنوعات فبكت وهنا فسر لها الموقف ونوعية الأصوات بالنسبة للميكروفون وقال: هل تعرفين آمال فهمي المذيعة الشهيرة ؟ هى في قسم المنوعات الذي اخترته لك ثم طلب الإذاعي عبد الحميد الحديدي أن تذهب إلى الإذاعية صفية المهندس مديرة المنوعات ومقابلتها وبالفعل ذهبت إلى مكتبها الموجود في عمارة مجاورة بشارع صغير يفصل ما بين ستوديوهات الإذاعة في علوي وشارع الشريفين استاجرتها الإذاعة لكي تصبح مكاتب للقيادات الإذاعية وعندما وصلت هدى العجيمي إلى مكتب صفية المهندس وجدتها بصحبة الإذاعية عواطف البدري واستقبلتها بابتسامة صافية وبعد وقت من هذا اللقاء الجميل لم تصدر صفية المهندس أي قرار رسمي بل اصطحبت هدى من يدها إلى إحدى الغرف وأشارت إلى مكتب صغير وقالت هذا هو مكتبك وفي صباح اليوم التالي فوجئت بالإذاعي المأمون أبو شوشة يزورها وقدم لها وردة حمراء.

عام ١٩٥٩ فكرت صفية المهندس في تطوير برامج المرأة فاستحدثت شكلا جديدا للبرنامج يجمع ما بين المنوعات والبرامج الاجتماعية وأطلقت عليه اسم ( إلى ربات البيوت ) وبدأت هدى العجيمي تقدم بعض فقرات البرنامج وبعد ذلك أسندت إليها إخراج أطول مسلسل إذاعي وهو عيلة مرزوق أفندي.

يوم 13 أغسطس عام 1965 كانت الإذاعية هدى العجيمي تسجل حلقة في استوديو 10 بالإذاعة وخلال التسجيل تسلل فأر صغير إلى الاستوديو وبمجرد أن وقع نظرها عليه تملكها الخوف وصرخت بأعلى صوت: فار .. فار ..

أسرع مهندس الصوت إلى الاستديو وبدأ رحلة مطاردة الفأر الصغير وبعد دقائق تمكن مهندس الصوت من اصطياد الفأر الذي أثار الذعر وأرداه قتيلا بعدها هدأت الإذاعية هدى العجيمي واستأنفت تسجيل برنامجها.

الإذاعية هدى العجيمي في بداية عام 1971 حصلت على بعثة إلى ألمانيا للدرسة في معهد برلين للدراما والتدريب في برامج الشباب بالإذاعة الألمانية وبعد عودتها قدمت برنامج زهور وبراعم الذي كان نواة لبرنامجها مع الأدباء الشبان كما كان أيضًا نافذة للمواهب الشابة لعرض أعمالهم الأدبية علي الجمهور ومن خلال هذا البرنامج الذي جاء تتويجًا لأعمالها البرامجية والذي استمر قرابة 25 عامًا قدمت فيه رسمًا تفصيليًا لخريطة الحركة الأدبية في أنحاء الجمهورية ولا يمكن نسيان دور هذا البرنامج في حياة الكثيرين من المبدعين وكنت أحدهم وقد وجدت كل الدعم من الإذاعية القديرة هدى العجيمي وقد أطلق على الإذاعية القديرة هدى العجيمي أم الأدباء الشباب وراعية المواهب الأدبية.

اختيرت الإذاعية هدى العجيمي عضوة بمجلس إدارة اتحاد كتاب مصر من عام 1997 وحتي 2001 وحصلت على العديد من الجوائز والتكريمات منها : جائزة صندوق الأمم المتحدة للسكان عن أحسن تغطية إعلامية لمؤتمر المرأة في بكين وجائزة أحسن برنامج إذاعي عن استطلاع رئيس الإذاعة والتليفزيون حول البرامج الأجتماعية كما حصلت على دبلوم من إذاعة كولونيا عام 1985 وجائزة صندوق الأمم المتحدة للمرأة عن أحسن تغطية إعلامية إذاعية لمؤتمر المرأة في بكين عام 1995.

الإذاعية القديرة هدى العجيمي قدمت للمكتبة العربية بعض مؤلفاتها القيمة وحظيت بالحب والتقدير .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى