

هكذا تَحدَّثتْ جين هيبوتِرْن
(جين هيبوترن هي صديقة الرّسّام والنّحّات الإيطالي أميديو موديجلياني (١٨٨٤ ـ ١٩٢٠) الذي عاش ومات في فرنسا فقيراً ومريضاً بذات الصَّدْر لأنّ لوحاته لم تكن تُدرّ عليه عائداً يُذْكرْ، في الوقت الذي حقق معاصروه الأقل منه موهبة ثرواتٍ هائلة من رسومهم. كان ذا نزعةٍ تجديدية أصيلة بقيت محلّ خلاف وخصومات بينه وبين بيكاسّو الذي كان أوّل من صَفَّقَ له حين فازت لوحة أميديو بالجائزة الكُبرى في إحدى المُسابقات التي شارك فيها بيكاسّو وكبار معاصريه من الرسّامين بلوحاتهم. أنجب أميديو وجين فتاة أسمياها «جين» أيضاً. بعد وفاته بيومين انتحرت جين هيبوترن بإلقاء نفسها من الطابق الخامس في البناية التي تقيم فيها. ماتت جين هيبوترن وهي تحمل في بطنها جنيناً من أميديو لم يُقَدّرْ له أن يَرَى النّور)
ثَمَّةَ طِفْلٌ في بَطْنيروحٌ أُخْرَى..لكنّي فارغَةٌ.. فارغَةٌإلاّ من حُزْنيوتَفاهَةِ شَأني..!!في قَلْبي رَيْحانَةوصَدَى أغْنيةٍ لحبيبٍأجْهلُ عُنوانَهْ..!!في صَدْري جُعْبَةُ أسْرارْلكنّي لا أمْلكُ تَرَفَ البَوْحفصديقةُ عُمري..دَيْدَنُها النِّسْيانُوتَغْييرُ شَريحةِ هاتِفِها المَحْمولْ..!!في جَيْبي بَقْشيشٌ للنّادلْلكنّي لا أمْلِكُ ثَمنَ المَشْروبْ..!!في رَأسي سَلَّةُ أفْكارٍ طازِجَةٍأو ساذجَةٍ.. لا فَرقْ..!!عن بَشَرٍ أحْياءْوأناسٍ سُعَداءْعَنْ حَمَلٍ يَرْعَى بجوارِ الذّئْب..!!أحْمِلُ فَوْقَ الكَتِفَيْنرَأسي وتَفاهاتٍ أخْرَى..!!أحْملُ بين الكَفَّيْن..رَفْشاً..وأهمُّ بنَبْشِ القَبْرلكنّي لا أعْرفُ من أيْن..أبْتَدئُ الحَفْر..!!أحْفَظُ مُنْذ نعومةِ أظْفاريأسْفارَ المَلِكِ الضِّليلْ•أحْملُ فَوْقَ جبينيوَشْماً لغُرابٍ يَحْفُرُ في الأرْضلِيواري سَوْأةَ قابيلْ..!!أعْملُ نادِلَةً في مَقْهَى..أو موديلاًّ لِصعاليكِ الرَّسّامينْأتَعَرَّى بالسّاعاتِلِقاءَ عَشاءٍ طَيِّبْأو كَأسِ نَبيذٍ يُدْفئُ قَلبي المَقْرورْفي لَيْل الحاناتْ..!!الأبْيَضُ والأسْوَدُ صِنْوانْفكلا الكَذِبَيْن دواءٌ نَتَعاطاهلِبَعْضِ الوَقْتأخْشَى ما أخْشاهُأنْ تَتحوّلَ كِذْبَتيَ الحَمْقاءُلإدْمانْ..!!سألوني عَنْكَ ـ حَبيبي ـ قُلْت:سِكّيرٌ مُدْمِنْ..وفقيرٌ مُعْدَمْسألوني أكْثَرَ.. قُلْتُ:وزيرُ نساءٍ أيْضاً..ومريضٌ بالسُّلِّ المُزْمِنْ..!!لَكنّي مَعَه..أمْتلِكُ العالَمْ..!!سألوني عَنْكَ حَبيبي..قالوا إنَّ البَشرَ تَشابَه في أعْيُننافَصِفيه لنا.. قُلْت:هو "أورورا"الفَجْرُ القُطْبيُّ اللاّمِعْهو سَيِّدُ ألوانِ الكَوْنِ بِغَيْرِ مُنازِعْ..!!ما حاجَةُ أيُّ امْرأةٍ لخَزائنِ قارونْأو حِكْمةِ سُقْراطْوفَتاها..يَمْنَحُها ما تَحْتاجُ إليْه..؟!أعْرفُ أنّي حَمْقاءٌوالعالَمَ مَسْكونٌ بالوَحْشَةِأعرفُ أيضاً أنّ وجوه النّاسْكالخَزَفِ المَصْقولْخاليةٌ من كُلّ مَلامحْلكنْ..هَلْ كان ضَروريّاً أن تَخْلع نَعْلَيْكـ صَبيحة ذاك اليَوْمِ ـوتَمْضي عَنّي في صَمْتٍ..؟!دون وداعٍأو حَتَّى وَعْدٍ بِلِقاءْ..؟!هَلْ تَعْرفُ ماذا يُشْبه أن تحملَ في أحشائكَطِفْلاً لَنْ يَخْرُجَ للنّورْ..؟يُشْبه أعْمَى يَرْسمُ وَجْهاً لامْرأةٍ حَسْناءْلا يُبْصِرُها أحَدٌ غَيْره..!!المَثلُ القائلُ "لا تُعْطِ السّكّينَ لطفْلٍ"يَعْني ألاّ تضَعَ القوَّةَ والمالْفي أيْدي الأوغادْ..!!بيكاسّو..هل يَعْصِمُ شَبَعٌ مِنْ جوعْ..؟!عاشِرْ كُلَّ نِساءِ الأرْضِتَلَذَّذْ بمذاقِ نَبيذِك هذا الفاخِرْوتَجاوَزْ حَدَّ الشَّبَعِ إلى التُّخْمةلَنْ تُدْرك يَوْماً سِرَّ النَّشْوَةلَنْ تَبْلُغَ ماءَ اليُنْبوعْ..!!بيكاسّو..شَيْخَ البُلَداءْ..هَلْ تَعْرفُ مَعْنى أن يَرْحَلَ فَنّانٌفي رَيْعانِ شَبابِه..؟!يَعْني أنَّ العالَمَ ـ عالَمَكمْ ـما عادَ مكاناً للسُّكْنَىفالمَوْت..لا يُدْرِكُ إلاّ الأحْياءْ..!!بيكاسّو..ذَكَرَ البَطِّ المَمْلوءَ بِدُهْنٍ وغَثاثاتٍ أخْرَى..سيطولُ بكَ العُمْرُ كثيراًحَتَّى يُصْبِحَ يَوْماً مَكْروراً وثَقيلالِكنْ.. هَلْ تَعْلَمْ..؟!حين تُوافيكَ مَنِيَّتُكَ أخيراًسَيَظَلُّ اسْمُ أميدْيو موديجيلياني..آخرَ ما يَتَرَدّدُ فَوْقَ شِفاهِكْ..!!يُنْبئني الورَقُ السّاقِطُ في أيْلولْوالمَطَرُ الخافقُ فوق زُجاجِ النّافذة شِتاءًأنّي أحْتاجُ لمِدْفأةٍ ودِثارٍ صوفيٍّ وحِساءٍ ساخنْأحْتاجُ لرأسٍ خاوٍ إلاّ من طَيْفِ حَبيبٍفَوْقَ وِسادٍ مُبْتَلٍّ بدموعْ..!!أعرفُ أنَّ سقوطَ امْرأةٍ حُبْلىمن نافِذَةٍ مُرْتَفعةفوق الإسْفَلْت البارِدِشَيْءٌ مُؤْلِمْلكنّ صِياحَ الدَّركيّ الفَظِّ غليظِ الصَّوتْومُواءَ القِطَّةِ بَحْثاً عَنْ ذَكَرٍ شارِدْلَنْ يَطْرُدَ عَنّي شَبَحَ المَوْت..!!ـ يا هذا القادِم من بَعْديهَلْ تُتْقِنُ مِثْلي فَنَّ الرّسْمِ أو النَّحْتِ أو العَزْفِ على النّايْ..؟!ـ لا..يُشْجيني صَوْتُ الأرْغولِويُلْهمني تَرْتيلُ الشّيْخ مُحَمَّدْ صِدّيق المِنْشاويوَقْعَ خُطايْنَحْو المَجْهولْ..؟!يا هذا القادم من بَعْديلا تَبْكِ لأجْلي..لا تَبْكِ لأجْلي بَعْد اليَوْموإذا غلَبَتْكَ دموعُكَ يَوْماًفَتَذَكَّرْ..أنَّكَ ـ بَعْد ـلَمْ تَكْتُبْ مَرْثيتي..!!
• الإشارة هنا إلى امْرئ القَيْس.
مشاركة منتدى
24 تشرين الأول (أكتوبر) 2012, 16:48, بقلم محمود عرفات
الله.. الله.. الله. ما هذا النص المبدع الفواح بالألم واليأس. لست فى حالة تسمح لى بالاستطراد؛ فالنص بالغ الجمال.. موغل فى الإيلام. تحياتى.
21 كانون الأول (ديسمبر) 2012, 17:29, بقلم نَجْوَى المَطَرْ
هُنا صراخٌ لا يزعُجُ المستمعِين
ويُتعِبُ الموسقى..
ثمّة جمال يزيدُ على الجهاتِ الأربعة
أرَانِي ضيّعتها كلّها
مُسدّد..