السبت ٢٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
غسان جواد في حوار مع عناية جابر:
بقلم عناية جابر

هناك شعراء فاسدون ونقاد فاسدون وقارئ فاسد

عن السفير اللبنانية

غسان جواد شاعر لبناني شاب له ثلاث مجموعات شعرية أولها «وأنا ظلك» 1997 ثم «تمرين على الاختفاء» 2004 وقد لاقى هذا الاصدار ترحيباً نقدياً وثناء، الى جديد جواد الشعري الصادر عن «دار النهضة» تحت عنوان «ضوء بين حياتين». يكتب جواد من قلب فكرته عن الشعر، واختلاطه باليومي والسينما والوسائط البصرية، بلغة تتكثف حيث يجب التكثيف، وتروي في احيان، بما للشعر او القصيدة الحديثة من حرية في انفتاحها على كافة أساليب التعبير. عن جديده كان هذا الحوار:

 في مجموعتك الجديدة «ضوء بين حياتين» الصادرة عن دار النهضة العربية، ما هي الاضافات التي عملت على ادخالها بالمقارنة مع مجموعتك السابقة «تمرين على الاختفاء»؟
 لا شك في أن خيطا رفيعا يربط تجارب الشعراء بعضها ببعض حتى ولو اشتغل الشاعر في عمله الجديد على مناخات مختلفة، اظن بأن ثمة علاقة ما تربط «ضوء بن حياتين» بالمجموعة التي سبقته، وذلك من خلال جسور شعرية ولغوية واستخدامات فنية خاصة. لكن الاضافة او المحاولة التي أراها في المجموعة الجديدة، تكمن في اكثر من مسار وأكثر من اتجاه. بعضه عملت عليه بوعي، وبعضه الآخر جاء هكذا ومن دون تصميم، اقصد هنا الموضوع وسبل مقاربته فنيا وشعريا، في «تمرين على الاختفاء» الذي نال قسطا جيدا من الترحيب في الاوساط النقدية الجدية والمحترمة، عملت على الحذف والاختزال، وعلى الفتح الصعب لمساحات جديدة في المخيلة، كنت اكتب وأعمل على جمل مصفاة دقيقة شعرية وفنية، حتى أنا في داخلي كنت مشدوداً في تلك المرحلة، مثلما هي القصيدة آنذاك لديّ، كانت مشدودة ولكن عاطفية، توحي بالعصاب والعنف مع وضوح تام للحضور والرقة والدفء، اما تجربة «ضوء بين حياتين» فقد كانت تجربة اكثر ارتياحا بالنسبة اليّ، من حيث علاقتي مع نفسي، ومن حيث علاقتي مع اللغة. اللغة في هذه المجموعة بحسب ظني اكثر انفلاشا وتغطية لرغبة واسعة في التعبير. الصورة أقل قسوة واكثر جدة وحداثة. أظنه بحثا عن الضوء بالفعل، وإذا كان «تمرين على الاختفاء» هو شعر العتمة والعزلة والتوحد والداخل، فإن «ضوء بين حياتين» هو رحلة البحث عن الضوء والصباح والشمس، حتى ان المرأة في هذه المجموعة اوضح واكثر حضورا. في السابق كنت اخاطب النساء جميعا ولم اكن اعرف الى اية واحدة منهن اكتب، في المجموعة الجديدة اتحدث الى امرأة مضاءة واضحة معلومة بالنسبة لديّ، وتمثل عنصراً مثالياً من عناصر الكتابة الشعرية.
الى تلك المعالم الجديدة التي حاولت العمل عليها في المجموعة الجديدة. ثمة امر آخر اشير إليه على سبيل الكلام. من غير رغبة في اقناع احد وخصوصا اولئك الذين يقرأون الشعر كمن يأكل سندويشا سريعا على الطريق. فيما كنت اعمل على القصائد الاخيرة في المجموعة لم يكن يشغل بالي الوفاء للنموذج او للمثال او لما يسمى النقد، في الكثير من القصائد كانت رغبتي في اكمال الكلام ناقصة، كنت اريد لجمل شعرية بعينها البقاء ناقصة. لان الكمال في الشعر يعني الموت، كمال الجملة الشعرية يعني انتهاء رمزيتها وعلاقتها الملتبسة بالعالم، كمال الشعر موته، وكل نقص هو إصرار على الحياة. في هذا المعنى كانت رغبتي في ان تعيش القصائد اكثر مما ينبغي تطغى على النموذج، وترفض الكمال، هنا ايضا يصبح النقص مرادفاً للخلود والكمال مرادفا للموت، اما الخلود والكمال معاً فيعنيان الضحك بالنسبة إليّ.
النقد متطفل
 ذكرت النقد «الجدي والمحترم» في اكثر من موقع في اجابتك كيف هي علاقتك بالنقد وكيف تفاعلت مع الآراء النقدية تجاه مجموعتك الجديدة؟
 انطباعي الشخصي عن بعض النقد انه متطفل ويصدر نحو الشعر والشعراء من موقع دوني. وربما من عقد نقص ما. اظن ان العلاقة بين النقد والشعر هي علاقة تكاملية. لكن شرطها الاول وجود الشعر حتى يتسنى للناقد ان يقول ما لديه. في ظني ان النقد الجاد والمحترم هو نص ابداعي في حد ذاته، يكون موازيا للشعر من حيث القيمة الفنية، وهذا ليس متوفراً كثيراً في المناخ الثقافي العام. والنقاد الذين يمكن الوثوق بهم وبرأيهم قلة. هنالك بعض الفساد من جهة النقد وعلاقته بالشعر. ويقوم غالبا على علاقات شخصية سلبا او ايجابا. وقد وصلت الى مرحلة من الشعور بالرتابة في معظم النصوص النقدية التي أراها، ثمة شعراء فاسدون ونقاد فاسدون، وكذلك قارئ فاسد. قارئ لا يعرف ماذا يريد ولا من يريد ان يقرأ، هذا القارئ «إن وجد» قد يتحول الى شاعر في وقت من الاوقات. وذلك بالنظر الى كل تلك الفوضى التي تعم العلاقات الشعرية ـ النقدية.
كما انني احمل بعض المسؤولية لاصحاب المنابر الثقافية الذين يسهلون قدرة البعض على تناول اي شيء بأقل الادوات النقدية وابسط مفرداتها البديهية.
 حين تتحدث عن الضوء والعتمة، وعن النقص والكمال تبدو انك تقيم علاقات ثنائية في شعرك، ما هو مبنى القصيدة لديك؟
 الحياة بالنسبة اليّ لا تقوم على الثنائيات فقط، انها تلعثم وترد ومزيج من كل شيء. في الاصل لست قادراً على النظر الى الاشياء بتصنيف محدد، ابيض اسود، بشاعة جمال حب ، كره... في كل ذلك ثمة تداخل واكثر، ثمة تشابك واختلال وقد يكون النظر السطحي الى الاشياء يحيلها الى ثنائيات، اما عمقها فهو وقوف مضطرب وقلق امام الاشياء، وحيال تصنيفها والدخول منها في لغة العالم.
احاول بناء جسور شفوية بين الكتابة والكتابة، حين الكلام او الحكي هو اقرب الى التعبير السلس من الجملة المقعرة والمكتوبة بيد صعبة وذهن ثقيل، احيانا التقديم والتأخير في بعض الجمل ينم بالنسبة اليّ عن تجريب. والنظر الى الصورة الشعرية في اكثر من شكل، غير ان الصدق في التعبير، وعدم خداعه القارئ. كانت من الامور التي عملت عليها بوعي في المجموعة الجديدة، الصدق يخرج الى الورق حياً وحاراً، ويبقى كذلك حتى يصل الى القارئ ويبث فيه هذه الحرارة، وهنا لا اربط الصدق بالبراءة بل اربطه بالحقيقة والحقيقة ليست بريئة في اغلب الظن.
الترويج
 أنت شاعر وفي الوقت نفسه تعمل في «الميديا» والصورة البصرية والتلفزة، هل تميل الى الترويج لاعمالك الشعرية في صلب عملك نفسه، اي عبر الشاشة الصغيرة المقابلات، الندوات وسوى ذلك.
 لم لا؟؟ الشاعر الذي يقرأ قصائده في امسية شعرية الا يروّج ويسوق لشعره؟ والا لماذا يقرأ في الاساس؟! ثم لماذا ينشر الشعر في الاصل؟؟ اظن ان الادوات البصرية والتلفزة منابر مفتوحة للشاعر لكي يصل الى اكبر قدر ممكن من المتلقين الذين يحبون الشعر، أنا مع جماهيرية الشعر، وضد سقوطه في الشعبوية والمباشرة. لذا لا ارفض اي دعوة يوجهها زميل صحافي اليّ لكي اتحدث عن كتابي وشعري.
أما من ناحية اخرى فقد استفدت كثيرا من عملي في التلفزيون في الكتابة نفسها. عملت وراء الكاميرا فترة طويلة، وكان ذلك العمل يتيح لي النظر الى الاشياء بعين واسعة ولديها القدرة على الدخول والخروج الى المواقف والمواضيع بمرونة وبآلية سهلة ومدهشة. كذلك المونتاج او الحذف، المونتاج في التلفزيون هو رمي المشاهد الضعيفة واعادة بناء الفيلم بقوة ومؤثرات جيدة وممتعة. هذه التقنية استفدت منها في بناء القصيدة، استعملتها بوعي وبغير وعي ايضا.

الكاميرا تسحب الجسد نحو بيوت وعقول واذهان الآخرين، استغرب سلبية بعض الشعراء تجاه الكاميرا والميديا بشكل عام، أفهم أن الشخصية الشعرية هي شخصية قلقة وخجولة عموما، ولكن أرى ان الشعر يخرج من مركز الآن التي تدغدغها الصورة، وتستسلم امامها اجمالا.

 من شعراء جيلك او غير جيلك تأنس الى عبارته الشعرية... وهل أنت ممن يجدون عبارتهم الشعرية في الروايات، الافلام احيانا ام تذهب الى الشعر من كتب الشعر نفسها؟
 احب تجارب كثيرة لشعراء من جيلي ومن غير جيلي. ذكرت هذه الاسماء كثيراً وفي اكثر من موقع، لا اريد تكرار هذه الاسماء كي لا نقع في خطأ سقوط اي منها فذلك أمر شخصي، امر شخصي ايضا ان احب شاعراً ولا احب كتابة شاعر آخر.
لكن عموماً اجد ان ابناء جيلي في معظمهم يكتبون قصائد جيدة ويضيفون الى المشهد الشعري العربي لمعات رائعة، البعض ممن يقال انهم في جيلنا غير موهوبين ويدعون الشعرية وهذا حقهم. الزمن كفيل بفرز التجارب. والمشاريع الشعرية التي تصمد سوف تبقى دون منّة من احد، كتابات بعض اصدقائي تحرضني على الكتابة، اعترف بأن فيديل سبيتي واحد من اكثر الذين يحرضونني على الكتابة الشعرية، احب كيف يدخل الى الشعر من منافذ لطالما ظننتها مغلقة واعتقد انه من أبرز شعراء جيلنا. حين نكون في جلسة معاً وبعد ان يقرأ عليّ ما يكتبه اشعر بعد ذلك برغبة في الكتابة، من نافل القول ان تجربة ناظم السيد تعجبني، العلاقة الشخصية بيننا اكبر من الشعر على ما اعتقد.

لكن إذا كان لي ان اتحدث عنه كشاعر اظن انه الاكثر جدية واشتغالا. وان شعره جميل وصاف وجديد.
مصادري الشعرية متعددة، الروايات نعم كذلك الافلام السينمائية، الافلام بالنسبة اليّ حبوب مهدئة، او ربما شجرة اقطف عنها بعض الجمل واعيد صياغتها في مساحة جديدة قد تكون هي الشعر.

أما الشعر فأنا اقرأ كل ما في مكتبتي من كتب مترجمة او لشعراء عرب ولبنانيين. قد تتحول هذه القراءة الى روافد جدية لقصيدتي ولما لا؟؟ فالشعر تفاعل وليس انقطاعا. انه يتطلب العزلة لكتابته فقط. اما العزلة عن التجارب فتوقع الشاعر في مقتل. اذهب الى الشعر من عدة نوافذ، احيانا تمر امامي امرأة تقطع الشارع في حين اكون في سيارتي. قد تعني لي مشية او ملابس هذه المرأة شيئا، فأفكر فيه قليلا وبعدها احوله الى ما يشبه الشعر، الافلام الوثائقية كذلك، انها رحلة مجنونة في عالم صعب واكثر تعقيداً مما نظن. الافلام الوثائقية قصائد مصورة.

عن السفير اللبنانية

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى