وداعا..شاعرنا باسم الهيجاوي..!!
كم كنت سعيدا، عندما التقيت أخي الشاعر باسم الهيجاوي، في مدينتنا جنين، وهنأته بالمولودة الوحيدة التي رزقه الله إياها، بعد انتظار دام عقودا طويلة مليئة بالرجاء والأمل والترقب والانتظار. وماذا أسميتها يا باسم؟..أجاب والفرح يكسو وجهه الأسمر: سلمى..!!.
ويبدو أن هذا الاسم الجميل، كان يستهويه، حيث كتب سابقا قصيدة أسماها: (سلمى وأوجاع الحصار)، وواضح هنا أن سلمى هي بلاده المحاصرة فلسطين.
وبعد أن جاءته سلمى الطفلة الوديعة كتب لها مجموعة شعرية خاصة بها، جسد فيها حنينه وشوقه لها، يوما بيوم..ولحظة بلحظة.
ما زلت أذكره شابا أسمر ذا شعر طويل مسترسل، يذرع الشوارع والطرقات، وينثر خواطره ونصوصه الأولى التي كانت تنبيء بميلاد شاعر، له مستقبل واعد.
قرأت له مرة خاطرة تتحدث فيها الأزهار الصفراء والزرقاء والخضراء والحمراء، وتتحاور فيما بينها،حول أمور الحياة المتنوعة.
وتابع باسم مشوار حياته، مع القراءة والكتابة والشعر،وراح ينشر قصائده في الصحف والمجلات الأدبية في فلسطين وخارجها. ونشر مجموعة من الدواوين الشعرية.
جرب المعتقلات وأمضى فيها عدة أعوام، ليخرج منها،وقد زادت حصيلة قراءاته وتجاربه ومؤلفاته.
كان باسم الهيجاوي عنصرا فاعلا في الحركة الثقافية الفلسطينية، على مستوى الوطن، وفي محافظة جنين، وكان يشارك في الأنشطة الثقافية المتنوعة التي كانت تنظمها وزارة الثقافة واتحاد الكتاب. وأسس مركز جنين للثقافة والإعلام وأداره، وصدرت عنه مجلات وكتب أدبية وثقافية، من بينها مجموعة قصصية لي عام ١٩٩٤م.
كنت ألتقيه في مكتبه بجنين، وسط رفوف الكتب والمجلات واللوحات. تعاونتُ معه في إصدار مجموعة من الكتب التي كانت حصادا للجائزة السنوية التي حملت عنوان (جائزة مروان مخيبر للإبداع الأدبي والفني).
كم كنت سعيدا وأنا أقدم له القصائد والخواطر والقصص واللوحات، فيما كان يقوم بترتيبها، وتنسيقها، على شاشة الحاسوب ؛ لتكون معدة بشكل ممتاز للمطبعة، دون أخطاء مطبعية أو فنية أو لغوية.
وكم كان باسم حريصا على إنجاز الكتاب في الوقت المحدد. كان يتصل بي جذلا ويقول: مبارك، الكتاب جاهز، بإمكانك أن تُحضِر سيارتك لتحميل ألف نسخة.
وبُعيْد العصر، كانت سيارتي تتهادى في شارع أبي بكر، لتقف يمينا، حيث يكون باسم منتظرا موعد وصولي الدقيق، فنحمل الكتب معا، وأدفع له ما يترتب على الطباعة والنشر من حقوق، وأغادره مودعا، على أمل أن يكون حاضرا معنا، في حفل توزيع الجوائز، وإشهار الكتاب. وهكذا نشرنا من خلال مركزه الذي يديره الكتب التالية: إشراقات، سنابل خضر، ذاكرة المكان، ووداعا مروان مخيبر.
في السنتين الماضيتين، كان مكتبه حزينا كئيبا، فقد غاب صاحبه، ولم يعد يستقبل فيه زملاءه وأصدقاءه، ولم يعد يقرأ ويتأمل ويكتب؛ بسبب المرض الذي ألم به. آخر مرة رأيت فيها باسما، سلمت عليه، وسألته عن أحواله وصحته، فقال: إنني متعب جدا، وها أنذا بدأت ببرنامج غسيل الكُلى الأسبوعي.
وتمر الأيام، لأقرأ فجأة خبر رحيل الشاعر باسم الهيجاوي.
ذهبت إلى اليامون ؛ لأقدم واجب العزاء، وجلست إلى جانب أخيه الذي حدثني عن شغفه بالقراءة والكتابة منذ صغره، حتى رحيله، وأطلعني على ألمه ومعاناته الشديدة مع المرض، ولا سيما في الفترة الأخيرة، وقال: رغم المعاناة والألم إلا أنه كان مؤمنا وصابرا وحريصا على القيام بواجباته نحو بارئه العظيم. وأضاف: آمل أن أتمكن من جمع نصوصه الشعرية والأدبية كلها، وأن ننشرها ؛حتى يظل أخي الحبيب باسم خالدا تذكره الأجيال.
رحم الله شاعرنا العزيز باسم الهيجاوي، وأسكنه فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون.