وسائل الإعلام من الوهم إلى الربح
من الوظائف الأساسية التي يفترض أن تقوم بها وسائل الإعلام، بكافة أنواعها وأشكالها، هي وظائف تربوية ،تثقيفية واخبارية...، تمكن المتلقي من التعرف على أنماط الأفكار والثقافات الأخرى، وخلق نوع من الانفتاح على باقي الحضارات للإطلاع على أوجه الاختلاف والائتلاف فيما بينها.
فمن واجب وسائل الإعلام اخذ المبادرة لتكون أداة لتنوير المجتمع، وتهذيب أخلاقه، بيد أن هذا وللأسف قلما يحدث في أيامنا الحلية، في ظل الغزو الإعلامي الكاسح لوسائل الإعلام والتي تأتي في طليعتها الفضائيات والقنوات التلفزيونية، واحتدام التنافس فيما بينها حول استقطاب اكبر قدر ممكن من المشاهدين، وتحصيل أعلى نسبة من الأرباح المادية، إذ تصل عائدات بعض الفضائيات إلى ما يقارب 23 مليون دولار سنويا.
وإذا كان هذا الرقم الكبير يدل على شيء ما، فانه بلا أدنى شك يدل على الطابع الربحي المحض الذي يهيمن عليها، على حساب القيم والأخلاق التي باتت في خطر، والتي لا يسعنا القول بإزائها سوى أن هذا النوع من الإعلام يعمل على وأدها وتدميرها، وتكريس قيم سلبية بديلة تسعى إلى طمس الهوية، من خلال ما تقدمه من برامج مبتذلة، وفارغة من محتواها الحقيقي على شكل وجبات سريعة وجاهزة، تلغي ملكة التفكير والحس النقدي لدى المتلقي، ناهيك عن الكارثة الكبرى التي تتعلق بالقضاء على التواصل والحوار بين أفراد الأسرة.
فالمشاهد وخصوصا أمام البث المستمر، الذي يمتد على مدار الأربع والعشريين ساعة، بات مجرد متلقي سلبي ومستهلك لكل ما يقدم إليه بدون تمييز، ويصبح عاجزا عن إعمال عقله وذلك يتجلى بوضوح في تراجع نسبة الإقبال على القراءة والكتابة والإبداع.
إن بعض وسائل الإعلام بالفعل تحاول الاستهزاء بالمتلقي والسخرية منه، فهي تقدم له الوهم والأكاذيب، في حين تكسب من ورائه الشيء الكثير، فما معنى أن تكون هناك برامج خاصة بالشعوذة والجنس، إلى جانب البرامج التي تتلاعب بأحلام المشاهدين حيث تعدهم بتغيير حياتهم إلى الأفضل بمجرد اتصال أو رسالة قصي، بالإضافة إلى تلك البرامج التي تدعو إلى الرقص والمرح ونسيان الواقع طيلة الوقت.
إلا أن الحل غير بعيد عن أنظارنا، بل هو بين أيدينا، ويمكننا استعماله متى توفرت لدينا قوة الإرادة والعزيمة، إذ لا يجب ترك الحبل على الغارب، بل يفترض أن تكون هناك مراقبة شاملة لكل ما تشاهده العين وما يتلقاه العقل من معلومات، وهذه مهمة لابد أن يتولاها الآباء، لضمان نمو سوي لأطفالهم، وذلك لا يتأتى إلا عن طريق جرد القنوات المفيدة التي تقدم المعلومات بكل نزاهة وحرفية، وهي قليلة جدا ثم الاحتفاظ بها، و حذف القنوات التي يمكننا تسميتها بالقنوات الطفيلية، والتي لا تفيدنا بقدر ما يمكن أن تخلق لدينا تشويشا في الأفكار.