الثلاثاء ٢١ شباط (فبراير) ٢٠١٢
بقلم صالح الشاعر

وسائل تطوير اللغة العربية خارج الجامعة

الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله سيِّدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمَّا بعد:

فإنَّه مِمَّا تقبله العقول السليمة أنَّ اللغات ملك للمتكلِّمين بها، وما دام الأمر كذلك فيجب على مَن ملك شيئًا أن يقوم بتطويره وصيانته ورعايته، ولا سيَّما أنَّ اللُّغة "وعاءُ الفكر"، كما قال الفيلسوف هيجل، كما أنَّها أداةٌ للتعبير والتَّواصل، "يعبِّر بها كلُّ قومٍ عن أغراضهم"، كما قال العلاَّمة ابن جنِّي، مِمَّا يجعلها إحدى وسائل تطوير المجتمعات.

موضوع البحث:

يدور البحث حول بعض الوسائل العمليَّة المهمَّة الَّتي إذا أُخِذ بها، وجرى التَّعاون في مجالها بين الجامعات والجهات الأخرى، فلعلَّ ذلك سيكون ـ بإذن الله ـ من أسباب النُّهوض بالعربيَّة وآدابها، وتحويلها إلى لغة خطاب حيَّة.

وليس المراد من عنوان البحث تهميش دور الجامعات، إنَّما المراد إخراجُها من حال الانكفاء على ذاتها، وضمُّ دورها إلى جهات أخرى تقوِّيها، وتمنحها الفاعليَّة، وتعظِّم تأثيرها.

خطة البحث:

وينقسم البحث ـ بصفة عامَّة ـ إلى تمهيد، تحدثت فيه عن معنى التطوير ولماذا قُيِّد في العنوان بكونه خارج الجامعة، بالإضافة إلى ثلاثة مباحث، هي:

التطوير عن طريق وسائل الإعلام.

التطوير عن طريق الجهات الحكومية.

التطوير عن طريق التجمعات الشعبية.

وليس حصر البحث في تلك المباحث الثَّلاثة ضربًّا من التحكُّم أو الحجر، ولكن بدا لي أنَّ مسألة (تكوين اللُّغة والتَّأثير فيها) تخضع لعدَّة أمور بالإضافة إلى التَّعليم، لعلَّ من أهمِّ تلك الأمور:

البيت، وهو مكان نشأة الطفل حيث يتعلَّم فيه اللُّغة من أبيه وأمِّه.

وسائل الإعلام الَّتي تتلقَّى الطفل منذ فترة سنِّيَّة مبكِّرة، حيث تؤثِّر على لغته عن طريق برامج الأطفال، والقنوات المخصَّصة لهم، ويستمرُّ تأثيرها في الإنسان على اختلاف مراحل عمره، عن طريق الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئيَّة.

الوزارات الحكوميَّة والجهات ذات السيادة، حيث تمثِّل قوَّتها وتأثيرها على المجتمع عاملاً مهمًّا في كل المجالات، بحيث إذا فُقِد هذا العامل لم تفلح الجامعات والمراكز العلميَّة في إحداث تأثيرٍ على المجتمع.

وتوازي تلك القوة الحكومية: قوة التجمعات والنوادي الشعبية، في حال انتشار الوعي بين المواطنين، وهذا يسوقُ إلى الحديثِ إلى وسائل الإعلام، إنَّ انتشار الوعي يعتمد عليها، ويعظم تأثيرها في سلوكيات الناس وأفكارهم.

أمَّا البيت فقد ضعف تأثيره في الوقت الحالي لعدَّة أسباب، أهمُّها عدم وعي الآباء والأمهات بضرورة النَّشأة اللغويَّة السَّليمة، وانخفاض تأثيرهم التَّربوي على الطفل لصالح القنوات الفضائية والإنترنت، وانشغالهم بالسعي وراء لقمة العيش في ظلِّ الظروف الاقتصادية المتردِّية، فتبقى العوامل الثلاثة الأخرى هي المؤثِّرة بشكل كبير.

المقصود بالتطوير:

والمقصود بكلمة (تطوير) في العنوان نقل اللُّغة العربيَّة من حال الجمود إلى حال الحركة، ومن التحديد والانغلاق إلى الانتشار والانفتاح؛ لتمتدَّ عبر الأزمنة، وتُتداول عبر الألسنة، ونشر الصحيح منها وتحجيم تشعُّب اللهجات وطغيانها على اللُّغة الفصيحة.

لماذا التطوير خارج الجامعة ؟

تبيِّن الإحصائيات الحديثة أنَّ عدد الجامعات العربيَّة يتجاوز في الوقت الحالي (240 جامعة) (#)، ومع ذلك العدد المهول فقد أثبتت المشاهدة أن وجود اللُّغة العربيَّة داخل الجامعات ضعيف في عدد كبير من الدول العربيَّة، وحتى في تلك الدول التي تتمتع اللُّغة فيها بوجود قوي ونشاط كبير فإن ذلك النشاط يظل محصورًا في نطاق الجامعة لا يتعدَّاها، وذلك يؤدي إلى أن يكون المستفيدون بأي نشاط أو تطوير علمي أو لغوي ـ إن وُجد ـ هم فئة أساتذة الجامعات، والذين "لا تزيد نسبتهم في العالم العربي عن أربعة من كل عشرة آلاف (0,04 %)" (#) ، وفئة طلاَّب الجامعات الذين "لا تزيد نسبتهم عن (1,25%) من عدد السكان(#).

كما تشير البحوث إلى حقيقة مفزعة هي " أن الكثير من الأساتذة والخريجين يهجرون العلم مباشرةً بعد التخرج، علمًا بأنَّ معظم المعلومات الَّتي يحصل عليها الطالب في الجامعة تصاب بالإهلاك خلال خمس سنوات بعد التخرج ، وربما في زمن أقصر في بعض الاختصاصات"(#)، وذلك على حسب ما يجدُّ من بحوث علميَّة قد تلغي ـ بصفة كلِّيَّة أو جزئيَّة ـ ما درسه الخرِّيج؛ حيث إنَّ عجلة العلم لا تتوقَّف، وسقفه لا يكفُّ عن الارتفاع.

من هنا كان لِزامًا أن تخرج اللُّغة العربيَّة خارج هذا النطاق لتؤدِّي دورها الأساسي؛ حيث إنَّ قوَّة اللُّغة في التزام أهلها بها، وتحطيم الحدود أول خطوات التطوير، وكيف نطمح أن نطوِّر لغةً ما إذا كنَّا نحاصرها ونحدِّد وجودها بالقيود المصطنعة؟

أهم نتائج البحث:

وقد أظهر البحث عدَّة نتائج، منها:

أهمِّيَّة امتداد النَّشاط اللُّغوي خارج نطاق الجامعة؛ نظرًا لقلَّة عدد منسوبي الجامعات من طلاَّب وأساتذة، وانخفاض تأثير النشاط داخل الجامعة تبعًا لذلك.

أنَّ المناهج الدِّراسيَّة المعتمدة في كلِّيَّات الإعلام مسؤولة بشكل مباشر عن ضعف اللغة العربيَّة في وسائل الإعلام.

أنَّ انعزال الصحافة عن المؤسَّسات العلميَّة اللغويَّة أدَّى إلى انحدار مستواها اللُّغويِّ، مع كونها من أهمِّ وسائل التأثير في اللغة لدى المجتمع.

أنَّ غياب القوانين الخاصَّة بحماية اللُّغة العربيَّة ـ سواء من ناحية التَّشريع أو من ناحية التَّنفيذ ـ سببٌ في الفوضى اللُّغويَّة السَّائدة، وبخاصَّةٍ في مجال الإعلان.

توصيات البحث:

أما التوصيات التي ذكرها الباحث في سبيل تطير اللغة العربية فهي:

وضع منهجٍ لغويٍّ يكون مقرَّرًا على جميع التَّخصُّصات في جميع الكلِّيَّات، بحيث يساهم في تقوية السَّليقة اللُّغويَّة لدى خريجي الجامعات.

تعديل مناهج كلِّيَّات الإعلام، وإقرار إدخال اللُّغة العربيَّة إليها بكثافة، بحيث تكون مواد اللُّغة العربيَّة في تلك الكليات إحدى معايير الجودة.

تعديل مناهج أقسام اللغة العربيَّة أيضًا، بوضع مقرَّرات تربط الطالب بالمجتمع وفئاته المختلفة، وتسهم في تأهيله لسوق العمل، ومن المقررات المقترحة: الأخطاء اللغوية الشائعة، وقرارات مجامع اللغة العربية.

عناية الهيئات الإذاعية بتقديم عدد مكثَّف من البرامج الَّتي تُعنى بشؤون اللُّغة العربيَّة، والحرص على جعلها على مستوى رفيع.

ربط المؤسَّسات الصحفية بمجامع اللُّغة العربيَّة، عن طريق مكتب اتِّصال لغوي يتولَّى تعميم ما يستجدُّ من قرارات المجامع، ويضع دورات خاصَّة بالصحفيِّين تركِّز على الأخطاء اللغوية الشائعة وردِّها إلى الصواب، وكذلك العناية بالترجمة السليمة.

تنظيم مهنة (المراجع اللغوي) وما يشابهها، وإنشاء نقابة خاصة بها؛ لتحقيق ذلك التنظيم بضوابطه المعتمدة، وحماية المهنة من الدخلاء، وحفظ الحقوق للمشتغلين بها؛ تشجيعًا للمؤهَّلين وأصحاب السليقة اللغوية العاملين في ذلك المجال.

تفعيل الرقابة اللغوية على الأعمال الفنية، وخاصة التَّاريخية المقدَّمة باللُّغة العربيَّة، الَّتي تحتوي على نصوص من القرآن الكريم.

تفعيل التعاون بين أقسام اللُّغة العربيَّة في الجامعات من ناحية، والهيئات الرسمية للدولة ووسائل الإعلام، عن طريق عدد من الوسائل، منها:

إنشاء مكتب لغوي في كل جهة من تلك الجهات، يتولَّى مهمة التدقيق اللغوي للمستندات الرسمية الصادرة، على غرار المكاتب الإعلامية.

إجراء دورات تهدف إلى تنمية الملكة اللغوية لمنسوبي تلك الجهات، من الناحية الصوتية لتنمية فصاحة اللسان، ومن الناحية الكتابية لتقليل حجم الأخطاء الإملائية والأسلوبية.
ج. إنشاء لجان تختصُّ بتدقيق اللوحات الإعلانية، والإشراف على محلات الخطاطين والرسامين والمصممين، برسوم ميسَّرة، بحيث تشكِّل تلك الرسوم موردًا يموِّل ما ورد في البند (أ) والبند (ج) المذكورَين.

الاستفادة من قوانين حماية اللُّغة العربيَّة المعطَّلة، وسن تشريعات وقوانين مشابهة لها صفة النفاذ، بحيث تكون مخالفتها جريمةً يعاقب عليها القانون.

إنشاء لجان خاصة بالمحافظة على سلامة اللُّغة، تكون لها صفة الضبط القضائي(#)، لتنفيذ القانون، وبخاصَّةٍ فيما يتعلَّق بأسماء المحلات والشوارع، وكذلك الأمر في تسجيل العلامات التجارية لدى الجهات المختصَّة، وبحيث تكون الغرامات المفروضة على المخالفة جزءًا من تمويل البنود المذكورة في التوصية رقم: (7) الآنفة الذِّكر.

التشديد في تطبيق الشروط الواجب توافرها في ممارسي مهنة النشر، حيث ينصُّ قانون اتحاد الناشرين المصريين على اشتراط حصول الراغب في ممارسة مهنة النَّشر على مؤهل عال، وأن يكون من المشتغلين بالتأليف أو الترجمة أو الصحافة، وأن يكون له إنتاج علمي (#)، إلاَّ أن تلك الشروط في الغالب تُتجاوَز ولا يُلتفَت إليها.

العناية بتعيين مدرسي اللُّغة العربيَّة على أسس علمية منهجية، وتحسين أوضاعهم بما يمكِّنهم من رفع الأداء الوظيفي وتطوير العملية التعليمية.

تفعيل برامج التثقيف والترفيه المتعلِّقة باللُّغة العربيَّة، عن طريق المهرجانات المختلفة.
زيادة المسابقات التي تخدم أدب اللُّغة العربيَّة، وتغطيتها إعلاميًّا بشكلٍ مكثَّف.

إقامة دورة مفتوحة المدة في جميع النوادي الأدبية؛ تهدف إلى سلامة اللُّغة العربيَّة والتوعية بأثرها وأهميتها.

والحمد لله أوَّلاً وآخرًا،،،


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى