الشاعر عبد الناصر صالح
عبد الناصر صالح من أبرز شعراء الارض المحتلة، وله حضوره في الحركة الأدبية الفلسطينية تحت الاحتلال. ولد في طولكرم يوم 12/10/1957، والده هو الشاعر والمناضل الراحل محمد علي الصالح، أحد المكافحين ضد الانتداب البريطاني والذي ربطته علاقات وثيقة بالشعراء الفلسطينيين: ابراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود وعبد الكريم الكرمي (ابو سلمى). انهى دراسته الثانوية في المدرسة الفاضلية بطولكرم، وفي العام 1984 تخرج من كلية التربية وعلم النفس في جامعة النجاح الوطنية.
بدأ عبد الناصر صالح قرض الشعر في جيل مبكر، ونشر نتاجه الشعري في الصحف والمجلات الفلسطينية، منها:«البيادر، الكاتب، الجديد، الغد، الفجر الأدبي، المسيرة،الاتحاد، الشراع، الشعب» وغيرها.
شارك عبد الناصر في مهرجانات الثقافة الفلسطينية في القدس وفي الندوات الأدبية والأمسيات الشعرية في المناطق المحتلة وخارجها. وفي العام 1980 أصدر ديوانه الأول «الفارس الذي قتل قبل المبارزة» وديوانه الثاني «داخل اللحظة الحاسمة» في العام 1981، ثم صدر له «خارطة للفرح» و«المجد ينحني أمامكم» و«نشيد البحر» و«فاكهة الندم» و«مدائن الحضور والغياب».
تعرض عبد الناصر للملاحقة والمطاردة والاعتقال ،وغمد في سجون الاحتلال في معتقل "أنصار 3" في جهنم الصحراء (النقب)، وفي السجن كتب أروع قصائده التي تروي وتحكي قصة الصمود والمعاناة والعزل في الزنزانة ، وتتغنى بالحجارة الفلسطينية وبطولات شعبه وتضحياته في مواجهة الاحتلال ، ومن هذه القصائد "في البدء كان الحجر" التي يقول مطلعها:
في شهر كانون يجيء لنا الخبرالجو مشحون.. يبشر بالمطرمطر على الطرقات يجرف ما تبقى من خطرمطر وينطلق الشررطفل يعبئ بالحجارة صدرهوصبية ترخي ضفيرتهالتهتف باسم عاشقها القمرحجر وتختل الموازين التي سادتبأنظمة التترحجر ، وينتصر البشر
حظي شعر عبد الناصر صالح باعجاب النقاد والكتاب الفلسطينيين في الداخل والخارج، الذين تناولوا مميزات وملامح شعره بالمراجعة والنقد والتحليل والتقريظ، وممن كتبوا عنه وعالجوا نصوصه ودواوينه الشعرية : صبحي شحروري ومحمد الاسعد ويوسف المحمود وابراهيم جوهر وفاروق مواسي وعلي الخليلي ويوسف عبد الكريم الحمدوني ومحمد علوش وكاتب هذه السطور، وسواهم.
يرى يوسف الحمدوني ان عبد الناصر صالح شقيق "يوليوس فوتشيك" يغني للفرح وهو على بعد خطوات من حبل المشنقة لأنه يعرف الطريق ، ولذلك يبشر بالأمل والفرح، رغم الشرخ الاجتماعي والمنعطف السياسي الخطير، ويكتشف ان الدمعة مغطاة بقشرة ناعمة ، فيبكي ويبكي، ولكن ليس بكاء اليائس أو العاجز الذي لا حول له ولا قوة ، بل بكاء الحالم الذي يطرح "نبوءات الزمن المقبل" والطريق معروف وواضح ـ كما يقول.
اختار عبد الناصر صالح منذ البداية الشعر الحر وسيلة للتعبير عما يختلج ويتأجج في نفسه وصدره من ثورة عارمة، وحب لوطنه وارضه ، وعشق للفقراء، وكراهية لأعداء الانسان ومضطهدي شعبه ومحتليه . ومنذ البداية كان متمرداً لأنه عرف ان ما اراد ان يقوله لم يكن من الممكن احتواؤه في الصيغ الشعرية التقليدية القديمة.
وقد جاءت اشعاره المعبرة عن تجربته الانسانية، متحررة من الأشكال الشعرية، منسابة ومتموجة وغزيرة وجارفة، منسجمة مع تناغم الفكرة التي يطرحها وتحملها قصيدته.
وشعر عبد الناصر صالح يعبق بالحرية والثورة وحث الجماهير على النهوض وتحطيم القيود والسلاسل التي تكبلها، وما يميزه هو ثورته على الأوضاع السياسية الفاسدة ، ونقمته على الظلم والقهر والانسحاق والاحتلال والطغاة الظالمين ، وعلى الأوضاع الاجتماعية التي يكتنفها الجهل والفقر والجوع والبؤس الانساني ، ويحرض الشعوب العربية المستكينة ، وينفخ فيها نار الثورة بجرأة وصراحة .. فيقول في قصيدة "البديل":
يا بلاداً تغني على حافة الجرحتلهو على حافة الجرحكالطفلة الواعدةهوذا عهدك، انتفضيثورة، موجة، نجمة عائدةهوذا الموعد الأخضر الانتفاضيأيتها المقلة الشاهدةانت لم يقتلوكولكنهم قتلوا حصاركواحترقوا ـ مثلما احترق الموت ـتحت لهب انتصاركفانتفضي،يا بلاداً تغني على حافة الجرحانت البديل عن الرؤية السائدة
ويكتب عبد الناصر عن الشهداء الذين يبزغ النهار من شرايينهم ، ويكتبون وصاياهم بحبر دمائهم،ولم يغادروا دفء بيوتهم:
هل غادر الشهداء دفء بيوتهمهل ودعوا اطفالهمهل قبلوا زيتونة في السفحأم سروا بأكناف الشوارعهل على اهدابهم حطت طيور الشوق
وهوية عبد الناصر صالح الايديولوجية والطبقية تظهر بشكل جلي وواضح في قصائده، حيث نجده يعتز ويفتخر بانتمائه الى فقراء الارض والوطن ومعذبيه، والدفاع عن مصالح الطبقات الفقيرة الكادحة والمستضعفة.. فيقول:
اقول: خذيني الى وطن في الثلوج البعيدةالقي به وطني،خذيني اليكولا توصدي البحرلا تقطعي المد خلفي،ولا تحجبي الشمس بعد اختفاء النجومخذيني،سألقاك يوماًوتشرق شمس الأجنة في جثث العاشقاتويركض نحو بيوتهم الفقراء
تجربة عبد الناصر صالح الشعرية تعمقت بالممارسة، وابداعه تطور وتميز بالعمق والأصالة، والاقتراب من هموم وقضايا الجماهير ونضالها الثوري الوطني والسياسي والطبقي. وهو شاعر مزيج من الفكرة والارادة والشفافية، والاحساس الواقعي بالحاضر والنظرة المستقبلية المتفائلة، رغم كل شيء.