أدب الأطفال بالمغرب
من المعروف أن أغلب الدراسات النقدية بالمغرب قد انصبت على شعر الكبار، فأهملت شعر الصغار من أطفال وفتيان. ولاغرو أنها لم تهتم أيضا بالأناشيد والمحفوظات الشعرية الوطنية، كما لم نجد دراسات جادة توثق المشهد الشعري الطفولي أرشفة وتأريخا وتوثيقا ودراسة وتقويما باستثناء بعض الدراسات المحدودة التي تعد على الأصابع والتي اهتمت كثيرا بالجانب الببليوغرافي1، ولم تهتم كذلك بالمحتويات والأشكال الفنية والجمالية في شعر الأطفال. وهنا، أتحدث عما هو مطبوع ومنشور في الساحة الثقافية المغربية، ولا أتحدث عن أبحاث الإجازة ورسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه التي مازالت مخطوطة في رفوف الكليات والجامعات المغربية والعربية والأجنبية تنتظر من يخرجها إلى حيز الوجود.
لكننا نجد في مجال السرديات كتابا قيما يعد في رأيي من أجود الكتب الأكاديمية الجادة في قصص الأطفال بالمغرب بصفة خاصة والعالم العربي بصفة عامة ألا وهو كتاب أستاذنا الدكتور محمد أنقار " قصص الأطفال بالمغرب" 2 الذي اعتمد فيه على مناهج نقدية حديثة ومعاصرة من خلال الجمع بين الجانب التوثيقي والجانب التحليلي على ضوء منهجية بنيوية سردية موضوعية صارمة ومتماسكة اتساقا وانسجاما مع الانفتاح على المنهجين التاريخي والفني، دون أن ننسى كذلك كتاب عبد الهادي الزوهري" تحليل الخطاب في حكاية الأطفال" 3 الذي بدوره استعمل فيه تقنيات البنيوية السردية من أجل التحكم في بنبات الحكايات الطفلية المدروسة قصة وخطابا. وهناك كتاب آخر في مجال شعر الطفل للأستاذ العربي بنجلون، هذا الإنسان الذي أعطى الكثير لأدب الطفل بالمغرب إبداعا وتوثيقا وتحليلا وتنظيرا، ويمكن اعتباره في رأينا من الدارسين الرواد لأدب الطفل إلى جانب الدكتور محمد أنقار، وهذا الكتاب المقصود بقولنا هو:" شعر الأطفال(دراسات مشتركة)"4 الذي صدر في طبعته الأولى سنة 1988م.
إذا، ماهو تاريخ شعر الطفل بالمغرب في علاقته بالأناشيد والمحفوظات الشعرية؟ وماهي خصائصهما الموضوعية والفنية؟ وماهي أهم الكتابات التي اهتمت بشعر الطفل توثيقا ودراسة وتحليلا؟
1- تاريخ شعر الطفل بالمغرب:
من المعروف أن من أهم الشعراء المغاربة الذين اهتموا بكتابة شعر الطفل لابد من ذكر : علال الفاسي، ومحمد بن محمد الربيع، وعبد الله كنون، وأحمد عبد السلام البقالي، وعلي الصقلي، والعربي بن جلون، ومحمد علي الرباوي، ومحمد لقاح، وجميل حمداوي...
ويمكن الحديث في شعر الطفل عن ثلاثة أجيال متداخلة ومتكاملة فنيا وجماليا، وهذه الأجيال هي:
* جيل التأسيس والريادة مع علال الفاسي وعبد الله كنون ومحمد بن محمد الربيع؛
* جيل الترسيخ والتثبيت مع العربي بن جلون، وعلي الصقلي، وأحمد عبد السلام البقالي، ومحمد علي الرباوي، ومحمد لقاح؛
* جيل الإتباع والاستمرار الذي ظهر إبداعيا مع سنوات الألفية الثالثة، ومنهم على سبيل التمثيل لا الحصر: جميل حمداوي صاحب ديوان" ليحيا السلام...!" الذي حاز على الجائزة التشجيعية للأدب الإسلامي بمدينة وجدة سنة 2005م...
ويمكن القول بأن تدوين شعر الطفل بدأ على حد اعتقادنا في فترة الخمسين من القرن العشرين مع ديوان" المختار" لـمحمد بن محمد الربيع، ويقع هذا الكتاب في ستة أجزاء، وقد طبع في تطوان للمرة الثانية سنة 1954م. وقد تابع أحمد عبد السلام البقالي طبع مجموعة من الدواوين الشعرية في سنوات الستين من القرن العشرين منها كتاب " أيامنا الخضراء" الذي طبع في المطبعة الملكية بالرباط، في طبعته الأولى سنة 1976م، ويتضمن الكتاب في داخله ديوان الصغار.
ومن الدواوين الشعرية الأخرى التي أصدرها أحمد عبد السلام البقالي نجد: ديوان" لن تقف المسيرة" الذي طبعته مطبعة عكاظ، بالرباط سنة 1990م، وديوان " نار المخيم" الذي نشر في طبعته الأولى سنة 1990م، وديوان" رسائل حب".
هذا، وقد ظهرت دواوين شعرية كثيرة للأطفال في سنوات الثمانين كديوان عبد الله كنون " شعر للأطفال" الذي نشر بطنجة سنة 1981م، كما ألف الأستاذ علي الصقلي مجموعة من دواوين الأطفال سنة 1982م أصبحت فما بعد كتبا مقررة في المنهاج الدراسي في إعداديات التعليم المغربي في مادة " المحفوظات" بصفة خاصة، ومن أهم دواوينه الشعرية الطفلية: " ألف...باء"، و" أنغام طائرة"، و" من أغاني البراعم"، و" ريحان ألحان"، و"مسامير ومزامير".
أما علال الفاسي فقد ألف بعض الدواوين الشعرية الخاصة بالأطفال، وقد صدرت بعد وفاته ما بين 1982و1985م، ومنها:" رياض الأطفال"، و" أساطير مغربية ومعربة".
وقد أنهى العربي بن جلون مسيرته الإبداعية الطفولية بكتابة الشعر بعد أن كتب لفترة طويلة القصة والمسرحية والرواية والببليوغرافيا والدراسة النقدية والأدبية، فأنتج لنا في عقد الثمانين ما بين 1987و1989م مجموعة من الدواوين الشعرية الموجهة للأطفال، من بينها ديوان" أنغام الطفولة " سنة 1987م، و" أقرأ وألون" سنة 1988م، و" حتى الشعر يغني" سنة 1988م.
وإذا كان شعر الأطفال مركزه هو الغرب المغربي مابين فاس وطنجة والقنيطرة والدار البيضاء والرباط، فإن الشرق، (وجدة- الناظور)، قد أوجد شعراء يهتمون بالطفل إنشادا وتقصيدا وكتابة وإبداعا كمحمد لقاح في ديوانه الشعري" سأفتح باب فؤادي" الذي طبع بدار الجسور بوجدة سنة 1988م، وتبعه في ذلك الشاعر محمد علي الرباوي بديوانه الشعري" عصافير الصباح" الذي أصدرته المطبعة المركزية بوجدة في طبعته الأولى سنة 1987م، ثم أعيدت طباعته مرة أخرى بمطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء سنة 1989م، وأصدر بعدهما جميل حمداوي ديوانه الشعري الطفولي" ليحيا السلام...!"، الذي ظهرت طبعته الأولى سنة 2005م عن مطبعة بن عزوز بالناظور.
2- تاريخ النشيد بالمغرب:
من المعلوم أن الأناشيد بالمغرب لم تعرف إلا في فترة الحماية الأجنبية على المغرب(1912-1956م)، وبالضبط في العقد الثاني من القرن العشرين ليزدهر في العقد الرابع مع ظهور الأحزاب السياسية والمنظمات الكشفية والجمعيات الرياضية وانتشار المدارس التعليمية. ومن هنا، يمكن الحديث عن النشيد الوطني، والنشيد الديني، والنشيد المدرسي، والنشيد السياسي، والنشيد الكشفي، والنشيد الرياضي، والنشيد " الجمعوي"، والنشيد الإصلاحي، والنشيد القومي، والنشيد الإنساني والكوني...
والنشيد كما يقول الدكتور إبراهيم السولامي في كتابه" الشعر الوطني المغربي في عهد الحماية":" لون جديد من ألوان التعبير في الشعر الوطني المغربي، عرف في العقد الثاني من هذا القرن، ولكن النظام السياسي المستحدث في العقد الرابع هو الذي مكن للنشيد من أن ينتشر انتشارا واسعا بين الناس لسهولة ألفاظه، والتصاق موضوعه بالقطاع الاجتماعي الخاص المتمثل في الجمعية والخلية والمنظمة، أو القطاع العام للأمة بأكملها. فالناس لم يعرفوا الجمعيات الأدبية والخلايا السياسية، والمنظمات الكشفية، والرياضية، في أسلوبها الحديث ذي الغاية المرتبطة بالنشاط الوطني العام إلا بعد التنظيم السياسي.
وهكذا، أصبح للمدارس أناشيدها الحاثة على الاجتهاد وحب الوطن، وللكشفية أناشيدها الداعية للجرأة والإقدام، وللحزب نشيد أو أكثر للتحميس والوحدة.
بيد أن الأناشيد كانت تقتصر أحيانا على أحداث معينة مثل: حرب الريف، وقضية الظهير البربري، بينما تخوض أناشيد أخرى في التغني بالوطن وتحبيبه للقلوب. ومن الأناشيد ما يلهج بحب الملك وتمجيده، وقد يلف مديحه بذكر آمال الوطن وترقبه ليوم النصر بقيادة الملك رمز الوحدة.
فالأناشيد يمكن معالجتها في إطار شعر الأحداث، والعرشيات والتغني بالوطن، وفي إطار الشعر الإصلاحي لأنها تنادي أحيانا بالحث على العلم، وتدعو إلى الوحدة، وتمجيد الماضي."5
ومن هنا، فأول نشيد عرفه المغاربة كان سنة 1919م مع (نشيد الشباب) لمحمد الجزولي 6:
زمان المجد هل لك أن تعـودا | |
وتنثر فــوق مغربنا بنودا | |
نمجـــــــد في تحيتها الجدودا | |
آيات نخلــــــــدها نشيــدا |
وبعد ذلك، يتعرف المغاربة" نشيد الريف" سنة 1930م، ومطلعه كالتالي 7:
اليوم هيوا للحروب هيـــوا | |
ونرجـــع للبلاد ظــافرينا | |
أقائلا سل التاريــخ يملــي | |
بأننا نحن خير الثائــرينا |
هذا، وسيوظف النشيد من قبل الشعراء والمنشدين المغاربة في تأدية الأدوار الوطنية والسياسية والحزبية والجمعوية والكشفية والدينية من أجل محاربة العدو والتخلص منه. وسيستمر أيضا بعد الاستقلال في تأجيج حماس المواطنين وتوعيتهم حزبيا وسياسيا وتنويرهم ثقافيا وتعليميا. ومن ثم، فقد كان النشيد فعلا أداة ثورية وقناة للتأطير والتوعية والتثقيف والتسلية والترفيه.
ومن أهم الشعراء الذين اهتموا بشعر النشيد نذكر: محمد الجزولي، ومحمد مكوار، وعلال الفاسي، وأحمد أبوعقيل، ومحمد أحمد الإدريسي، وعبد الكريم بن ثابت، وعلي الصقلي، ومحمد العربي الآسفي، وأبا بكر بناني، ومحمد المكي الناصري، وعلي الصقلي، ومحمد القري، والتهامي الوزاني، والمهدي الريش، وعبد الله كنون، وعبد العلي الفرطاج، ومحمد علي الرباوي، وعبد الكريم أبو ياسر، ومحمد الطوبي، ومحمد ركانة، ومحمد عياد، ومحمد شجاع، وأحمد عبد السلام البقالي، والعربي بن جلون، وأحمد بنهاري، وجميل حمداوي، وسعيد ساجد الكرواني...
بيد أن أهم المجموعات النشيدية التي وصلتنا مطبوعة نذكر ديوان" أناشيد قومية" لعبد السلام الغازي الذي طبع بتطوان سنة 1943م، ومن الطبيعي بمكان أن يجمع الديوان بين أناشيد الصغار والكبار على حد سواء.
وفي فترة الخمسينيات من القرن العشرين وخاصة سنة 1958م، سيطبع محمد أحمد الإدريسي ديوانه النشيدي الأول " سمير الشباب" في مطبعة الشمال الإفريقي بالرباط. بينما نلتقي في فترة الستينيات مع كتاب" الأناشيد المدرسية" لعبد الرحيم الكتاني الذي تم نشره بمطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء سنة 1963م.
ومع امتداد سنوات الثمانين نجد مجموعة من الأناشيد ككتاب" الأناشيد المدرسية" لعبد العلي الفرطاج الصادر عن المطبعة الملكية بالرباط سنة 1980م؛ وكتاب" أناشيد وطنية" لعلال الفاسي الذي نشرته مطبعة الرسالة بالرباط سنة 1983م، وكتاب" أناشيد للأطفال" لمحمد ركانة الصادر عن مطبعة الأندلس بالقنيطرة سنة 1983م؛ وكتاب" أناشيد عهد الكفاح" لمحمد بنعياد ومحمد شجاع الذي صدر عن مطبعة المعارف بالرباط سنة 1984م،، وكتاب" أناشيد وأغاريد " لأحمد عبد السلام البقالي الصادر بالرباط سنة 1986م...
وإذا كانت سنوات الثمانين فترة خصبة لشعر الأناشيد المطبوعة والمنشورة، فإن فترة التسعينيات هي أيضا فترة ازدهار ونشاط نشيدي، إذ نجد مجموعة من الإبداعات النشيدية مثل: "المختار في المحفوظات والأناشيد" لأحمد أبوعقيل الصادر عن مطبعة الاتحاد بالدار البيضاء سنة 1993م؛ وكتاب " أناشيد وترانيم للأطفال" لعبد الكريم أبو ياسر الصادر عن مطبعة تافوكت بورزازات سنة 1997م؛ وكتاب" ممتع الأطفال" لأحمد بنهاري الصادر سنة 1998م، وديوان" طفولة الوردة" لمحمد الطوبي المنشور بالقنيطرة سنة 1996م؛وسلسلة " أناشيد البراعم " لعلي الصقلي التي نشرت بالمكتبة العبيكان الموجودة بالمملكة العربية السعودية وبالضبط في مدينة الرياض سنة 1996م. ومن بين الأناشيد التي تضمنتها السلسلة نذكر: خير كتاب، وأذن الصبح، وأنا عنتر، وهيا حملي، وبطل الألعاب.
وقد تكلفت وزارة الشبيبة والرياضة المغربية بنشر مجموعة من الأناشيد التربوية ككتاب " أناشيد الطفولة " سنة 1994م، و"تطبيقات الأناشيد والألعاب " في سبعة أجزاء، وذلك سنة 1996م...
وإذا انتقلنا إلى الألفية الثالثة فإننا نجد بعض المجموعات النشيدية كديوان" ليحيا السلام...! " لجميل حمداوي الصادر بالناظور سنة 2005م؛ وديوان" نوارس الربيع " لسعيد ساجد الكرواني الصادر عن مكتبة سلمى الثقافية بتطوان سنة 2007م، و" أناشيد وطنية" لعبد الصمد بلكبير المنشور ضمن إصدارات مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء سنة2007م...
بيد أن هناك مجموعة من الدواوين الشعرية الموجهة للكبار تحمل فوق غلافها الخارجي عنوان" النشيد "، ولكن لاعلاقة لها لامن قريب ولا من بعيد بنشيد الطفل؛ لطابعها الرمزي ومنحاها التجريدي وعمق صورها على المستوى البلاغي مادامت أنها مجموعات شعرية موجهة للقراء من صنف الشباب والكبار.
ومن أهم هذه الدواوين الشعرية التي تحمل صفة النشيد ولا علاقة لها بالنشيد الطفولي نستحضر العناوين التالية: " أناشيد الضباب- 1988م" لبنيونس ماجن، و" إيقاعات نشيد العشق- 2008م" لرشيد سوسان، و" الأناشيد والمراثي- 1995م" لعبد الرحمن بوعلي، و" نشيد الغرباء- 1981م" لـمحمد بنعمارة، و" وقت لجسد النشيد- 2003م" لمحمد الطوبي، و" أناشيد ذات لحن خال- 1962م" لمحمد العلمي، و" أناشيد للحرية والوطن- 1986م " لمحمد الهلالي، و" النشيد السري- قصائد البوح- 1995م" للمهدي حاضي الحمياني...
ويلاحظ أيضا أن ثمة أعمالا لم توثق بشكل دقيق ومضبوط مثل : "الأناشيد الوطنية الكبرى"، و" المجموعة الكبرى من الأناشيد الوطنية" التي صدرت عن مطبعة الجامعة بالدار البيضاء في طبعتها الأولى سنة 1957م، كما نجد مجموعة" أناشيد النصر" بدون صاحبها مع العلم أن المجموعة قد صدرت عن مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء في طبعتها الأولى سنة 1962م، وهناك" أناشيد وطنية " لعلال الواصلي طبعت بالبيضاء، ولكن بدون تحديد لتاريخ الطبع والنشر.
3- الخصائص الموضوعية والفنية:
كل من يتصفح أدب الطفل شعرا ونشيدا، فإنه سيفاجأ بأن هذا الأدب قد تناول منذ ظهوره إبان فترة الاستعمار مواضيع شتى متنوعة ومتفرقة لاتخرج في عمومها عن الشعر الوطني والسياسي والاجتماعي والإصلاحي والديني والتربوي والحزبي. وقد عايش جميع الأحداث التي عرفها المغرب كثورة الريف التي تزعمها محمد بن عبد الكريم الخطابي، والظهير البربري لسنة 1930م، وظهور الأحزاب الوطنية، والتغني بالعرش، والإشادة بأمجاد الكفاح الوطني من أجل المطالبة بالاستقلال، والتغني بثورة الشعب والملك، ورصد حركات التحرر العربي من جراء التواجد الاستعماري، والعزف على ترانيم الشعر القومي والإنساني.
هذا، وقد كان شعر الطفل ونشيده يحملان في طياتهما طابع الجهاد والاستشهاد والنفي والاغتراب والاعتقال والتحدي والكفاح والصمود والالتزام بالثورة وتغيير الواقع السائد من أجل استبداله بواقع أفضل قوامه التحرر والانعتاق والعيش في ظل حياة الكرامة والأنفة والمجد والسؤدد مع التشبث بأصالة الحضارة العربية الإسلامية وتاريخها الأمجد الأنصع.
وبعد الاستقلال، أصبح الشعر والنشيد مرتبطين أيما ارتباط بالحزب والمناسبات الوطنية والتنظيم الكشفي والرياضي، كما استعملا بكثرة في التنشيط المدرسي والتربوي والمخيمي وتدريس مادة المحفوظات والنصوص الأدبية. كما اقترنا أفضل اقتران بالوطن والراية مثل: النشيد الوطني المغربي" منبت الأحرار" الذي ألفه الشاعر المغربي علال الصقلي:
منبـــــــــت الأحـــرار | |
مشـــــــرق الأنـــــــــوار | |
منتدى السؤدد وحماه | |
دمت منتداه وحمــــــــــاه | |
عشــت للأوطــــــــان | |
للعـــــــلا عنــــــــــــــوان | |
ملء كــــــــــل جنــان | |
ذكــــــرى كـل لســـــــــــان | |
بالــــــروح، بالجسـد | |
هــب فتــــاك، لبـى نــــداك | |
في فــــمي وفي دمي | |
هــــــــواك ثــار، نور ونار | |
إخـــــــــــــــوتي هـيا | |
للعـــــــــلا سعيــــــــــــــا | |
نشهــــــــــــــد الدنيـا | |
أنا هنــــــــا نحـــــــــــــيــا |
بشعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــار:
اللـــــــــــه الوطـــــن الملــــــــك
وقد انصب هذا الشعر والنشيد على تناول مواضيع الطبيعة كالفصول الأربعة، وتناول قصص الحيوانات أنسنة وتشخيصا على غرار شعر أحمد شوقي وعثمان جلال، كما ركزا ريشتيهما على المدرسة بكل مكوناتها الإدارية والتعليمية مع الدفاع عن اللغة العربية أيما دفاع واستماتة على غرار قصيدة " اللغة العربية" لحافظ إبراهيم، كما تناولا شعر المناسبات الدينية والوطنية والقضايا القومية والإنسانية دون نسيان المواضيع المحلية والجهوية واللعبية.
وإذا انتقلنا إلى المستوى النفي والجمالي، فقد استعان الشعراء بأشكال وأبنية متعددة ومتنوعة كالشكل العمودي الموحد القافية، وشكل الموشح المتعدد الأقفال والأغصان والأسماط والأبيات والأدوار، وشكل المقاطع المتنوعة القوافي تثليثا وتربيعا وتخميسا، وشكل القصيدة التفعيلية القائمة على الأسطر والأشطر الشعرية المتنوعة من حيث الروي والقافية والتفعيلة، وشكل القصيدة النثرية المتحررة من كل شيء.
وتمتاز لغة النشيد بوضوح العبارة، ونصاعة الكلمة، وصفاء البيان، وفصاحة اللفظة، وبساطة الجملة، وإشراق الأسلوب، وروعة الأداء، وتنغيم العبارات، وقصر الفواصل، وتوازي التراكيب، وتخفيف الإيقاع سكونا ووقفا.
كما يلتجئ الشاعر إلى الإكثار من ظاهرة التكرار اللفظي والمعنوي والصرفي والنحوي، وتنويع الجمل إخبارا وإنشاء، واستعمال التوازي تجانسا وتطابقا، والميل إلى التوازن الصوتي والصرفي والتركيبي، علاوة على توظيف البحور الخليلية الصافية واستعمال المجزوء منها قصد تخفيف النشيد وترنيمه ترديدا وتنبيرا وموسقة كتوظيف البحر المتقارب، والرمل، والهزج، والوافر، والكامل، والمتدارك، والرجز مع تنويع القوافي في شعر المقاطع، واستعمال السكون والوقف لتوفير الجرس الموسيقى وتنغيمه أداء وإلقاء.
وهناك مجموعة من الدواوين الطفلية التي تتجاوز المباشرة التقريرية والوضوح الموضوعي إلى استخدام بلاغة التشخيص والاستعارة والأنسة والتشبه والمجاز والرمز كما في ديوان" نوارس الربيع" لسعيد ساجد الكرواني8 على سبيل التمثيل.
خاتمـــة:
يلاحظ الدارس الذي يتناول أشعار الأطفال وأناشيدهم بالمغرب بأن هناك قلة الإصدارات بالمقارنة مع إبداع الكبار، وأيضا بالمقارنة مع القصص والروايات والمسرحيات المخصصة للطفل المغربي؛ ربما قد يكون السبب في ذلك أن الشعر والنشيد يتطلبان مجهودا أكبر من المجهود الذي يبذل في كتابة القصة والرواية والمسرحية. كما يستلزم هذان الفنان الشعريان المعرفة التامة بالعروض والبلاغة والنحو وآليات اللغة العربية وفقهها، كما يتطلبان أناة وروية في الإبداع مراعاة للطفل من النواحي النفسية والتربوية والنغمية.
وإلى جانب الببليوغرافيات التي اهتمت بالنشيد كببليوغرافية العربي بن جلون9، وببليوغرافية لطيفة الهدراتي10، فقد صدر مؤخرا كتاب قيم لعبد الصمد بلكبير يجمع فيه الأناشيد المغربية والعربية، والكتاب من منشورات مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء سنة 2007م، والكتاب في الحقيقة إضافة نوعية للمكتبة الطفلية المغربية في مجال النشيد الغنائي.
وعليه، فشعر الطفل ونشيده في الحقيقة سيبقيان في حاجة ماسة إلى التوثيق والجمع والأرشفة والتحليل والمدارسة المضمونية والفنية.
المصادر والمراجع:
1- الدكتور إبراهيم السولامي: الشعر الوطني المغربي في عهد الحماية، دار الثقافة بالدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1974م، صص:149-150؛2- سعيد ساجد الكرواني: نوارس الربيع، مكتبة سلمى الثقافية، الطبعة الأولى سنة 2007م؛3- العربي بن جلون: أدبيات الطفل المغربي: ببليوغرافيا عامة، مطبعة المعارف بالرباط، الطبعة الأولى سنة 1991م؛4- العربي بن جلون: شعر الأطفال(دراسات مشتركة)، الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة، الطبعة الأولى سنة 1988م؛5- عبد الهادي الزوهري: تحليل الخطاب في حكاية الأطفال، مطبعة فيديبرانت، الطبعة الأولى سنة 2003م؛6- لطيفة الهدراتي وعبد الله مدغري علوي وعبد الفتاح الحجمري وزهور كرام: أدب الطفل والشباب بالمغرب: دراسات وببليوغرافيا، مطبعة صايح كرياسيون ش.م.م، الطبعة الأولى2001م.7- الدكتور محمد أنقار: قصص الأطفال بالمغرب، منشورات جامعة عبد المالك السعدي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، تطوان، الطبعة الأولى سنة 1998م؛