أدب الطفل بين الواقع والمستقبل
من الملاحظ أننا فى تعاملنا مع أدب الطفل، سواء كان فى الإعلام أو النشر، ما زلنا أسرى لمفاهيم تقليدية قديمة، فما زلنا نبحث عن المغزى الأخلاقى للقصص المكتوب، وكأنه هو أساس الكتابة للطفل، ولعل أكثر الشواهد دليلا على هذا الأمر، هو سؤال المذيعات للأطفال الدائم الطرح: ماذا تعلمتم من القصة؟ بل إنهن لا يعطونه فرصة للتعبير عن ذاته، بل يقطعونه دائما، ويظهر هذا الأمر فى كافة برنامج الأطفال التليفزيونية، فنكون أمام دمى لا تنطق إلا بما نريد.
ولا يعنى ذلك أن أدب الطفل لا يجب أن يحمل قيمة ما أى كان نوعها: اجتماعية، فنية، ثقافية.. إلخ، وإنما يعنى أن الهدف الحقيقى لكافة الفنون المقدمة للطفل هى المتعة وخلق شخصية مبتكرة تطور وسائل المعرفة وتنظمها.
تعددت وسائل المعرفة الآن، فنحن الآن نحيا عصرا مختلفا. عصر التعلم أى عصر كيفية البحث الذاتى عن المعلومة، وليس تشريبها للطفل بالتلقين أو بالمباشرة فذلك يخلق طفلا مجدب الخيال غير مبتكر، ويصبه فى قالب المتلقى الذى يستجيب فقط، ولا يفكر فى كيفية تطوير المعلومة وخلق أفق جديد.
فمع كل المحاولات الجادة لتطوير المكتبات والجهود الرائعة وافتتاح المكتبات، وتشجيع القراءة، ما زالت العملية التربوية للطفل والإبداعية تدار بنفس المنطق القديم، فما زال الطفل يمضى فى مدرسته طوال النهار حتى العصر تقريبا ويعود إلى المنزل محملا بالواجبات بقية يومه، فلا يعيش طفولته، ولا يجد وقتا للقراءة الحرة، ولا للتمتع بالموسيقى والفنون الأخرى.
وتنحصر آمال الآباء فى حصول الطفل على أعلى الدرجات الدراسية مما يتطلب منه الحفظ، ودفن إمكاناته فى التلقى، فلا يهتمون بقراءة الطفل الحرة التى تنمى مواهبه، ولا بتلقيه للفنون المختلفة، فيتكالبون على الدورس الخصوصية توهما منهم أنها السبيل الوحيد للتفوق، ولكنه التفوق الخاضع الذى يدمر شخصية الطفل. فالكتاب والقراءة الحرة عنصر أساسى فى العملية التربوية، إذ هى المدخل الحقيقى لتكوين الشخصية المستقلة، وتنمية القدرة على التفكير والإبداع، والتفوق الدراسى المصاحب بالفهم والاستيعاب والإبداع. فإذا ما قمنا بعمل إحصائية مبدئية لنسبة شراء الآباء لكتب الطفل مقارنة بما يدفعه الآباء من أجل الدروس الخصوصية سنجد أن نسبة شراء الكتب ستكون أقل بكثير من (واحد فى المائة) مما يدفع فى الدروس الخصوصية. فالبيت كما يعلم الجميع وكما تؤكد كافة الدراسات النفسية والاجتماعية الأساس الأول لخلق شخصية الطفل، ثم المدرسة، ثم وسائل الإعلام الأخرى.
والكتابة للطفل من أصعب أنواع الكتابات، وتتحكم فيها عوامل كثيرة، منها السن العمرى، فكل سن له طريقة فى الكتابة والرسوم والإخراج الفنى، والحق أنه من واقع تجربتى فى الكتابة والترجمة وورش الحكى للأطفال، ومراقبتى لكافة أشكال الكتابة المطروحة على الساحة ألاحظ فى كثير من الأحيان انفصال كتب الطفل عن حياته الخاصة، إما لعدم الاهتمام بالإخراج الفنى للكتب، وإما لقدم الموضوعات وحصرها فى مجالات ضيقة، وكأنها تكرر نفسها بطرق مختلفة، وإما لفقدها التفاعل مع الطفل وذلك بالكتابة المباشرة عن القيم التى يجب أن يتحلى بها الطفل.
ولا يعنى ذلك عدم وجود بعض التجارب المتميزة والخاصة لبعض كتاب الأطفال، ولا إنكار الجهود الخاصة لبعض دور النشر ولكنها إلى الآن ما زالت جهود ضيقة تحتاج المزيد من الجهد والتعاون من كافة المؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية.
وقد لاحظت شيئا هاما فى معارض الطفل، وهو أن المدرسين والقائمين على العملية التربوية لا يتواجدون فى هذه المعارض إلا البعض القليل الذين يزرون المعرض بتكليف من المدرسة فيقومون بزيارة المعرض بمصاحبة الأطفال وكأنها واجب ثقيل، ولا تتاح لهم الفرصة لمتابعة الجديد من الكتب فى المعرض، بينما فى معرض بولونيا مثلا فإن كل رواده من الناشرين والمدرسين والقائمين على العملية التربوية والتعليمية للطفل.
ومن الأشياء المؤسفة والمحزنة فى ذات الوقت عدم وجود مكتبات بيع خاصة لقصص الأطفال وكتبهم، فكثير من تلك المكتبات تحولت إلى محلات "خردوات"، فالآباء لا يعرفون من أين يشترون كتبا للأطفال فيشترونها من بائعى الجرائد و"السوبر ماركت".
وأعتقد أن هناك عدة وسائل لتطوير الوضع الآن لأدب الطفل، ومنها الاعتماد على تقنية فاعلية الكتاب مع الطفل بجعل الكتاب وحدة للفنون المختلفة من الرسم والموسيقى والكتابة الجميلة واللعب والعرائس والكرتون، فيكون الكتاب بمثابة المحفز للطفل الذى يستثير شوقه وغرائزه الفطرية للفنون، وينميها، بحيث يصبح الكتاب هو البذرة الأولى وليست النهائية، بتحويل كتب الأطفال إلى ورش فنية تنتقل إلى المدارس بكتبها وموسيقاها ورسومها وعرائسها، وتمثيلها من قبل الأطفال، أو مع خيال الظل، بشرط أن تكون تلك الورشة من صنع الأطفال، ويكون الكتاب القصصى المؤلف هو محور تلك الورشة، فيصبح من خلالها الكتاب بقصته عدة قصص وعدة رسوم وعدة قطع موسيقية وعدد من العرائس وعروض فنية متكاملة، وبالطبع لابد أن تتبنى المؤسسات ووزارات التربية تلك الفكرة لكى تتم.
وجدير بالذكر الآن التحدث عن مجلات الطفل فهى من أهم مظاهر الكتابة للطفل، فما زالت مجلات الطفل فى العالم العربى محدودة العدد والرؤية، ففى الخارج هناك مجلات لكافة الأعمار حتى عمر ما قبل المدرسة، وذلك الأمر يحتاج أيضا لدراسة خاصة يطرح فيها سؤال هام: لماذا لا يرتبط الطفل العربى فى كل مرحلة من عمره بمجلة خاصة يحرص عليها؟ ويمكن من خلال التفاعل بين الطفل والمجلة خلق شخصية كرتونية عربية تعمق روح الهوية الوطنية داخل الطفل العربى.
فبهذه الوسائل نحبب الطفل فى القراءة والمعرفة فتكون جزءا من حياته، وليست كائنا منفصلا عنه، وتكون المكتبة جزءا من المنزل وليست ديكورا، وذلك يتطلب نشر الوعى بين الآباء، وأعتقد أن من أهم الشخصيات التربوية المشرف على المكتبة العامة بالمدرسة، إذ أنه ليس حارس على الكتب، بل يجب أن يكون شخصا مميزا ذا صفات خاصة تساعده على التعامل مع الطفل، فيحببه فى القراءة، ويخلق بداخله الشوق الدائم للمعرفة، والخلق والابتكار.
ويجب التعاون بين كافة المؤسسات الإعلامية والتعليمية والثقافية فى دعم كتب الطفل، والخروج عن مفهوم التلقى المباشر، والبعد عن الأسئلة الساذجة من قبيل: ماذا تعلمت من القصة؟ وماذا أحببته فى هذه القصة؟ وغيرها من أسئلة انتهى زمنها، واستبدالها بأسئلة جادة حول كيفية البحث عن المعلومة والمتعة والفن. والبعد عن السطحية فى مواجهة الأمور، وتنمية قدرة الطفل على الخلق والتفكير والابتكار بدلا من الحشو المدمر للعقول.