دراسة فى أدب رانيا حسين أمين للطفل
كتاب حكايات فرحانة من الكتب التي أثارت ضجة تلك الأيام الأخيرة وردا على من لم يقرأ القصة أو أولها طبقا لمصالح أو بشكل حرفي أقوم بعمل هذا المقال عن فنية هذا الكتاب والمعلومات عنه فالكتاب نشر عام 1998 أى منذ أكثر من عشر سنوات ودخل مكتبات الوزارة منذ عام 2000، ونشر في مكتبة الأسرة عام 2004، إذن لم يصنع من أجل المعونة الأمريكية.
لذا أرى أهمية تناول هذا الكتاب فنيا والتعريف بكاتبته.
رانيا حسين أمين كاتبة لقصص الطفل، فهى تكتب وترسم كتبها، فتكون كتبها تصورا كاملا لما تريد فهو نتاج خاص لها، بل إنها تقدم اقتراحا من خلال الرسوم بالشكل الطباعى المناسب للكتب، وتركز رانيا فى كتابتها على المرحلة الثانية لأدب الطفل من سن 4-7 فى كافة كتابتها فهى السن الحرجة للطفل التى تتسرب فيها كافة الأمور التى تلقاها عبر حياته وتكون شخصيته واستجابته للعالم، وتلك المرحلة تحتاج فنانا خاصا يستطيع التقاط المناطق التى تمس حياة الطفل وعلاقاته بالأشياء من حوله.
وقد ابتكرت رانيا حسين أمين شخصية فتاة صغيرة "خمس سنوات" كبطلة لقصصها وهى فتاة سمراء جعداء الشعر محبة للحياة منطلقة شجاعة واثقة من نفسها، ومن تلك الصفات كان اسمها "فرحانة"، وتقابل فرحانة فى كتب رانيا سواء كانت فى سلسلة "حكايات فرحانة"، (12 كتاب) أو حكاية حب صغيرة مجموعة من المواقف الخاصة يمكن أن يتعرض لها الطفل فى حياته الصغيرة، وتظل شخصية "الأم، والأب" بل الأم خاصة هى المحور الثانى لحكايات فرحانة بل إنها كثيرا ما يتعلم الولدان منها وكذلك فإن شخصية فرحانة انعكاس لتعامل والديها معها، فالعلاقة بينهما علاقة جدلية ما بين الشد والجذب وكل منهما يرى الآخر بحب ويحاول فهمه والتواصل معه، وأحيانا يكون هذا المحور لشخصيات أخرى مثل زملائها، أو المكان مثل المتحف.
وتلك الحكايات تعكس المشكلات التى يقابلها الطفل، ومن يتعاملون معه، وتجعل الآباء والمدرسين يرون حقيقة تلك المواقف، فالقصص بها جانب تربوى للكبار وليس للصغار، فى طريقة التعامل مع الطفل ورؤيته وإدراكه للأشياء.
وتدور قصص فرحانة فى عوالم الطفل الصغيرة: غرفة نومه، أحلامه، منزله، المدرسة، أو فى رحلات خارجية لأماكن، مثل: المتحف.
تعالج كتب فرحانة موضوعات حية يتعرض لها الطفل كل يوم، ولعل من أهمها مشكلة مجئ طفل جديد للأسرة، وكثيرا ما تنتج مشاكل عند الطفل عند حدوث ذلك، فيصاب بالغيرة وأحيانا الكراهية لهذا الأخ الجديد الذى يستلب منه حنان وحب والديه، وتعرض رانيا حل تلك المشكلة من خلال طريقة تعامل الأم فى هذا الموقف خاصة عندما تصدم فرحانة بأن هذا الطفل الذى تنتظره لا يلعب معها بل يبكى طوال الوقت، ويكون الحل مشاركة فرحانة فى مشكلة رعاية هذا الطفل الصغير بهدهدته والاهتمام به حتى يكبر.
ومن المشكلات الهامة التى تعالجها تلك الكتب مشكلة الشكل ففرحانة مثلا تتنمنى أن تمثل دور سندريلا فى مسرحية ستعرض بمدرستها، ولكن شكلها لا يتناسب مع الدور فيتضح فى نهاية القصة تلاقى فرحانة مع سندريلا فى حبها للناس وحبهم لها.
وتركز القصص كذلك على الموانع أو العوائق التى تجعل الطفل منطويا وغير قادر على التعبير عن نفسه، فغالبا ما يكون العائق اجتماعيا مثل الخجل، كما فى قصة "فرحانة تعلم نورا الشجاعة" فنورا تلميذة مجدة ولكنها خجولة تخشى من التعبير عن ذاتها لذا فهى تصمت بالرغم من معرفتها الإجابة الصحيحة عن أسئلة المدرسة، ولا تستطيع الدفاع عن نفسها أو الإعلان عما تحب، وترى فرحانة أن الحل أن نقول ما نريد بصوت واضح ما دمنا لا نؤذى الآخرين.
وأحيانا يكون المانع الخوف من الخطأ الذى يصل بالطفل إلى الكذب وذلك كما فى حكاية: فرحانة تقول الحقيقة" حيث تخاف فرحانة من الاعتراف بخطئها الصغير وهو كسر كوب الماء، ولكنها تعترف بذلك عندما ترى الكبار يخطئون أيضا ويكسر الأب الكوب، وهكذا نرى تركيز رانيا على الجانب الاجتماعى فى رؤية العالم فالإنسان سواء كبيرا أو صغيرا إنسان يمكن أن يخطئ ويتعلم من الخطأ.
وأحيانا يكون العائق فى عدم فهم الكبار لمشكلة حرية الطفل ورغبته فى فعل ما يريد "فرحانة وملابس السهرة" أو "فرحانة عيد ميلاد بابا" فالقصتين تناولا عادات اجتماعية فى الاحتفال سواء فى عيد الميلاد أو الحفل، ففي قصة عيد ميلاد بابا تعبر فرحانة عن شعورها اتجاه والدها بطريقتها الخاصة، ولوعى الأب فإنه لا يحرجها بل يتقبل منها محاولتها البسيطة لعمل التورتة وتحتفل العائلة جميعها بشكل مختلف. أم قصة "فرحانة وملابس السهرة" التى أثارت الضجة فهى تعتمد على التعليم بالعكس ففعل الخطأ من خلال الإضحاك والمفارقة يعمل على تشغيل عقل الطفل ومعرفة الصواب دون الإلحاح عليه بشكل مباشر مثلما علم "بلقز" لسنوات طويلة الأطفال ما عليهم فعله بالضحك على فعله الخاطئ فرد فعل الجميع لخلع فرحانة ملابسها لكرهها للملابس التقليدية يجعل الطفل يدرك أن لكل مكان ما يناسبه من الملبس أو غيره.
وأحيانا تتعارض رغبات الطفل بما يريده الآباء كما فى قصة "فرحانة تبحث عن كتابها" فالأم تريد تنظيم الحجرة وفرحانة تريد اللعب وعمل مسرحية ولكن تتلاقى الرغبتان فى أنه لا يمكن عمل أى عمل دون نظام وترتيب ويحدث ذلك بشكل تلقائى دون تعنت من الأم. وتعرض القصص لصفات ورغبات الطفل من الأنانية أحيانا أو الرغبة فى الانطلاق وروح المغامرة، فى قصص "تدخل لوحة جوجان، تتشاجر مع صديقتها، تلعب كرة القدم، وتلك الصفات كما تعرضها القصص صفات جميلة ولكن المهم طريقة التعامل معها فلا يجب كبتها أو التعامل معها بعنف بل تركها للتفاعل والتعامل اليومى الذى ينقح تلك الصفات ويهذبها وتجعل الطفل يستطيع من خلالها التعامل مع الأصدقاء والأشياء من حوله وبخاصة الفنون.
وقصص فرحانة كما لاحظنا من العرض السابق قصص تعتمد على اللغة السهلة الميسرة صاحبة الجملة القصيرة التى يستطيع الطفل سمعها وفهمها بيسر، تلك الجمل الاسمية النابعة مفرداتها من ألفاظ الطفل ومشاهداته وأماكنه اليومية، وكثيرا ما تبرز الشخصيات الأخرى فى القصص فتكون هى المحورية وتتبادل مع فرحانة دور البطولة مثل شخصية نورا صديقتها فى "تعلم نورا الشجاعة" ولكن فرحانة صاحبة المبادرة وحل المشكلة، وتعتمد القصص على الحوار القصير بين الشخصيات "فرحانة" بشكل رئيسي والأم أو الأب أو الأصدقاء سواء فى الواقع أو الحلم.
فالقصص تدور فى عوالم فرحانة برؤية فرحانة وعينيها وإشارات جسدها ورغبتها التى تسعى دائما المؤلفة أن تتلاقى فى النهاية مع الكبار دون إخفاق لها، فالقصص تلفت نظرنا إلى أن بالرغم من مشاكسة الأطفال فكثيرا بها أشياء لا نعيها إلا عندما نقبلها ونتعامل معها بروح سمحة.
والرسوم فى قصص فرحانة رسوم معبرة عن الحدث المحكى تعطى كافة الشخصيات مساحاتها المستلزمة داخل القصة دون زيادة مهتمة بأدق التفاصيل الصغيرة للشخصيات فلا تتكرر بها أى انحناءة أو زاوية أو منظور، وهى رسوم دقيقة تشعر إزاءها أن فرحانة نفسها من رسمتها، فهى قصص تعتمد على السرد السهل، ذي الحوار الدرامى الذى يصعد الحدث، ثم ينفرج مع إطلالة نور من فرحانة، فهى قصص يمكن أن تحكى للصغار أو يقرأها الطفل بنفسه، وهى نموذج جميل لنصوص مرحلة قليلة الإنتاج من كاتبى قصص الطفل.