الجمعة ٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٥
بقلم سمر إبراهيم

سوق الكتاب في الوطن العربي

عند دراسة سوق الكتاب بوجه عام أو كتاب الطفل بوجه خاص لابد لنا أن نقر أولا أن قلة المعلومات التوثيقية وعدم توفرها يؤثر على طبيعة الدراسة وتجعل مهمة الباحث صعبة وتجعله يعتمد على الظواهر العامة ذات المؤشرات أو الدلالات الواضحة، ومن تلك الظواهر الخاصة بموضوعنا زيادة اهتمام دور النشر العربية بنشر كتب الأطفال وخاصة فى السنوات الأخيرة فإذا ما أخذنا مصر كنموذج نلاحظ من البيلوجرافيا الوطنية المصرية الصادرة عن مركز أبحاث الطفل أن إجمالى الكتب المنشورة لأدب الطفل من عام 1950 إلى 1980 هو 2587 كتابا بينما من عام 1996 إلى عام 2004 هو 6611 كتابا أى أن الإنتاج فى خمس سنوات بلغ ثلاث أضعاف ما أنتج فى ثلاثين عاما. والغنى عن الذكر وضوح قلتها إذا ما قورنت بالإنتاج العالمى.
وتوضح الدراسة لتلك البيلوجرافيا الصادرة عن مركز أبحاث الطفل التى توقفت عند عام 1995 وكذلك النشرات السنوية لدار الكتب والوثائق أن أغلب الكتب المنشورة فى أدب الطفل كتب دينية، وقصص مأخوذة سواء عن التراث العالمى أو العربى، ونلاحظ كذلك نقص الكتب العلمية والكتب المتوجهة للطفل فى سن الحضانة أو ما قبلها وكذلك وكتب الخيال العلمى، وكذلك الكتب الموجهة للأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة، وإننا نعتبر هذا مؤشر ثقافى هام سنوضحه فيما بعد خلال الدراسة.
وسنتناول فى تلك الورقة نقاطا محددة وهى:
مشاكل سوق الطفل.
آثار تلك المشاكل على المنتج.
أسباب أزمة السوق
مقترحات لحل الأزمة.

أسباب أزمة سوق كتاب الطفل:
من البديهى أن كتاب الطفل هو أحد الروافد الهامة لسبل المعرفة التى تعانى أزمة حقيقية ترجع لطبيعية تكوين المجتمعات العربية السياسية والثقافية والاقتصادية. فمن الناحية الثقافية واكتساب المعرفة، فالمجتمعات العربية تعانى من حالة تردى فى نوعية التعليم، والبنية المؤسسية القائمة على البحث، وانتشار الأمية، وعدم اكتمال المنظومة العلمية، وعدم تعود الطفل العربى على عادة القراءة، وقلة المكتبات العامة.
وسيطرة النمط السياسى الأبوى الذى يكرس لصنف محدد من المعرفة ويفتقر إلى مقتضيات الكفاءة، فتوضع الكفاءات مقيدة بمجموعة من القيود السياسية والثقافية التى تحد منها وتجعلها بمرور الوقت تفقد فعاليتها، فإذا ما أضفنا قيود التحريم والحد من حرية الفنان والنظر لأدب الطفل على أنه أدب تعليمى وعظى تتضح طبيعة المشكلة يجب أن يحتوى موعظة محددة، مما ألجا الكتاب إلى الوعظ المباشر فى أحيان كثيرة فينفر القراء الصغار من قراءتها.
مشاكل سوق الكتاب:
فسوق الكتاب يقابله عدة صعوبات أولها قلة العائد الربحى البسيط فى تلك الصناعة بسبب فرض الضرائب الباهظة وغلاء مستلزمات الطباعة.
والمشكلة الثانية سوء التوزيع وضعف القدرات التوزيعية التى ينتج عنها بشكل أساسى أن تصبح المدارس هى السوق الأول لشراء الكتاب مما يفرض طابعا خاصا على الكتب المنشورة مستمد من مسئولى الشراء للوزارات العربية التى تنظر لأدب الطفل على أنه بوق وعظى. ويلاحظ ذلك إذا ما توبعت الكتب المنشورة والفائزة عن المؤسسات الثقافية بالوطن العربى، وهذا ما يؤثر سلبيا على جودة كتاب الطفل وطبيعته بل إنه يؤثر سلبيا على الطفل ذاته وفى عدم مواكبته لعصره والكتب الصادرة عن الغرب مثلا وعن متابعته للنظريات العلمية الحديثة وعلى رؤيته للعالم.
بل إن الناشر كثيرا ما يوضع فى مأزق فكثيرا ما يريد إنتاج كتب خاصة ذات مستو فنى عالٍ وهذا يعنى بالطبع زيادة التكلفة، أو النشر لموضوعات فى سن ما قبل الحضانة مثلا فلا يجد سوقا جيدا للبيع فيتوقف عن هذا الإنتاج أو يعتبر نفسه وكأنه ينتج فى سوق خيرى.
والمشكلة الثالثة والهامة هى القرصنة فقوانين النشر والحرية الفكرية فى الوطن العربى لا تزال فى حالة اضطراب حاد بالرغم من كل التعديلات القائمة عليها فمثلا ليس هناك ما يمنع المؤلف من نشر جزء من الكتاب فى جريدة أو مجلة، بل إن الكتاب يمكن استغلال أى جزء من الكتاب فى أكثر من مطبوعة، ولن نتحدث عن قرصنة مؤسسات الميديا فأشكالها عديدة، بالإضافة إلى صعوبة الإجراءات القانونية والإدارية الخاصة بهذه المسألة التى تضر بالناشر والكاتب على السواء والناتجة عن عدم كفاية الوعى الثقافى بطبيعة صناعة النشر وطبيعة العلاقة بين المؤلف والناشر.
الحلول المقترحة:
كما لاحظنا أن الأسباب السابق ذكرها للأزمة أثرت على التوزيع وبالتالى على جودة الكتاب وطبيعته لذا نرى:
أ‌- تشجيع القراءة واعتبارها عادة من مستلزمات الحياة ربما بالمسابقات لأحسن قارئ أو بالتوجه للمدارس وعمل يوم كل شهر للقراءة.
ب‌- إلغاء الضرائب على كتاب الطفل والرسوم الجمركية على الكتب المستوردة.
ت‌- التعاون بين المؤسسات الحكومية ودور النشر بالدعم لكتاب الطفل الجيد فيعرض على المؤسسة ثم تتولى الوزارة شراء الكميات المطلوبة من الكتب، ولكن بالتعاون بين إدارات وزارة الثقافة والتعليم والإعلام معا وبلجنة محايدة من كبار مثقفى الدول العربية حتى يخرج الاختيار عن المفهوم الوعظى التعليمى.
ث‌- إتاحة الكتب الأجنبية من المؤسسات الأجنبية بكمية أكبر وبقدر أكبر من التعاون.
ج‌- فتح أسواق جديدة مفتوحة عبر الدول العربية.
ح‌- عمل مركز أبحاث عربى تابع لجامعة الدول العربية مهمته الرصد والتوثيق لطبيعة الكتب المنشورة للطفل بالمفهوم الواسع لرصد الناقص ومحاولة إمداد السوق به.
خ‌- الربط بين الكتاب وكافة الوسائل المساعدة له (العرائس، الرسوم، الحكى بالشرائط، أسطوانات الكمبيوتر.. إلخ، بتبنى الوزرات والمؤسسات لتحويل كتب الطفل لورش داخل المدارس تعود الطفل على القراءة، وإخراج القدرات الفنية كامنة داخله.
وأخيرا لا نستطيع أن نقول أن سوق كتاب الطفل فى الوطن العربى يعانى أزمة حقيقية لن تنتهى إلا بتحرر المؤسسات من العقليات الجامدة والبحث عن سبل علمية جديدة لبحث قضايا السوق. وتلك الأزمة لا تعود آثارها على الطفل وحده بل على المجتمعات ذاتها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى