الأحد ٢١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم أسامة كمال

أروى صالح

أبلغ ما فى حياتها لحظة موتها. اختارت النهاية وارتطم جسدها بأسفلت الشوارع، التى كانت يوماً شوارع غضب، وشوارع ثورة، وشوارع عبور النشيد الى السماء....
 هل للحياة رائحة واحدة ....؟ ..
ربما نختلف أونتفق، لكن وحدها ( أروى ) تنسمت رائحة واحدة للحياة، وميّزت أريجها المبلل بمعنى الحرية، وتعطرت بعطر نفذ من نوافذ الحالمين الى قبة الجامعة، ومن أوراق العاشقين الى هدير أصوات الطلاب تحت دقات ساعتها العتيقة ... ...
كانت أروى تحلم .. فقط تحلم .. لكن أحلامها غامت في الماء، واختفت فيها وجوه زكرياتها، وزالت عنها الأقنعة المزيفة واحداً وراء الآخر .. وبقت وحدها فى وحدة الغياب، غياب الهواء الملون بألوان الوطن، وألق العيون فى عبورها من باب الجامعة الى ساحات الشوارع ...
 هل فى حياة كل منا لحظة ضوء ...؟
هكذا كانت حياة أروى، فلحظة ضوئها، كانت لحظة خروج الطلاب من أجل الحرية والوطن .. وظلت طوال عمرها القصير ترنوبعينيها لمتابعة هذا الضوء، الذى خفت وغاب بين السحائب، فاختارت أن تغيب معه، لأنه سر وجودها، وسبب تنفسها للصباح .

ربما كانت تزرع فى شرفة سقوطها صبّارة أيامها، وتناجيها عن انتظارها للغروب .. ربما رأت الناس فى لحظة موتها، وقد مروا بأقدامهم بجانب جسدها المسجى، دون أن يدروا أن جسدها ينزف حزناً وأوجاعاً، وأنها سنبلة نبتت فى الفراغ، وانتظرت بجانبها صعود السنابل، لكنها بقت وحدها تهدهد أيامها، وتتلوكتاب موتها أمام الراحلين، الذين تلظوا بأرق الأحلام.

تنسمت أروى رائحة واحدة للحياة، لكننا لم نتنسم اى شىء، لأن أيامنا بلا رائحة، لأن عطر الحياة عاد مرة أخرى ليغرق فى البحر، ونحن فى انتظار عودته رغم طول الغياب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى