أغرب مهمة قومية تبدأ غداً
"نور – "نور الدين" – "نور الدين علي علي نور الدين" رابعة كلية الصيدلة – جامعة القاهرة – وحيد الوالدين، ومعظم الوقت أعيش بمفردي في شقتنا الفاخرة "بالزمالك" حيث انشغال الوالدين بالعمل والسفر. نعم السفر الذي ينتظرني فور تخرجي مباشرة – السفر إلى الخارج – السفر للدراسة – "سفر سفراً وسافر فهو مسافر،والمسافر خانة "قصر قديم" بالقاهرة القديمة وحجرة "المسافرين" تعني حجرة الضيوف عند أهل الريف، والمرأة السافرة – أي غير محجبة …و…".
أغلقت الكتاب أو بالتحديد المعجم اللغوي الخاص بوالدي الذي يعمل في جامعة الدول العربية، .. واستعدت للنوم الذي بدأ يطرق الجفون – فأسرعت بتلاوة الفاتحة، وآية الكرسي وآواخر سورة البقرة …و…
"من أنت؟ غريب بلاشك!! مظهرك يدل على مخبرك .. هيا أسرع معي إلى رئيس حرس المدينة!! تقدم.." سرت معه ولا أدري أين أنا؟ وكيف جئت إلى هنا .. وتوالت على الأسئلة بين السين، والجيم، وحرصت كل الحرص ألا تكتمل الثلاثية بالنون!!.
"حسناً حسناً يا فتى تعال معي الآن إلى رئيس المدينة في قصره لينظر في شأنك …" وسرت معهم حتى وصلت وأنا مكبل بالحديد ووقفت أمام رئيس المدينة.
"غريب أنت، ملامحك، واسمك، وهيئتك كلها تؤكد بأنك غريب، ولكنك جئت في الوقت المناسب، لأنك بلا شك لست كرجال المدينة المهددة بالانقراض..".
وفهمت القصة المأساوية، حيث الطعام والشراب كلاهما ملوث بفيروس تعقيم الرجال، والسبب قنبلة بيلوجية فيروسية ألقيت على المدينة منذ أعوام ثلاثة – والمصدر مجهول!!.
"ولكني يا سيدي لا أملك الآن مهراً، وابنتك الأميرة "نوّار" لا يكفي مهرها الذهب ولا كنز من حجر كريم .."
وتزوجت الأميرة "نوّار" وأصبحت كلمة السر السحرية التي تتردد على الألسنة "أنت في مهمة قومية .. أعانك الله"
ما أجمل هذه المهمات يا "نور" !! وأغلق باب الجناح الخاص بي – وهممت ببدء المهمة، ولكني شعرت بالجوع "آه آه لا– لا – لا – إني جائع – إني ظمآن أريد الطعام أريد الماء – أرجوك يا أميرة ساعديني حتى لا تتعطل مهمتي القومية." وأخبرتني قبل أن يغشى علي – أن هذا ممنوع على – خوفاً من إصابتي بالعقم مثل رجال المدينة، وسقطت مستيقظاً! – "يا له من حلم عجيب، ومنام غريب، أهكذا تكون النهاية .. لا .. لا .. سأحاول مرة أخرى – ولكن لابد أن أتناول طعاماً جيداً، وشراباً كافياً قبل العودة – يا لها من مغامرة" هكذا قلت لنفسي وأنا أنهض من فراشي واتجهت إلى المطبخ حيث الثلاجة، ولكن للأسف كل الطعام بها غير مطهو اكتفيت بشرب الماء. ونزلت لأشتري الطعام المطلوب "أريد من كل الأصناف التي عندك – جبنا، وحلاوة، ومربى وعسلاً أبيض، وعسلاً أسود، وزيتوناً، و ..الخ. ولا تنسى الخبز – نعم الخبز، وتفضل الحساب.."
سرت في طريقي من محل "السوبر ماركت" تجاه منزلي وأنا أسرع الخطوات ما بين المشي والجري، ولكن في منتصف الطريق استوقفني ضابط دورية الأمن.
"صورتك في البطاقة الشخصية بلا شارب ولا ذقن، وهذا يخالف هيئتك أمامي الآن. عفواً ستضطر للبقاء قليلاً.."
حاولت أن أفسر له السبب، فأنا طالب، وكنت في فترة امتحانات وبالطبع لم يكن أمامي وقت للحلاقة – حيث المذاكرة، والمراجعة "نحن نقوم بمهمة الحفاظ على الأمن. ولو كل فرد في المجتمع ساعدنا على ذلك. لتمتع الجميع بالحرية الشخصية، إننا في مهمة قومية..".
تذكرت في نفسي مهمتي أنا الآخر القومية، وأنا أسمع منه كلامه السابق، وحاولت أن أشعره بأن الوقت قد طال، وبعد اتصال بينه وبين آخر – قرر أن يتركني لأعود لمنزلي – أقصد مهمتي القومية.
"الثانية بعد منتصف الليل – امتلأت البطن بالعسل والجبن واللبن ولم أنس شرب الماء – وتنظيف أسناني جيداً، وفكرت في الحلاقة، ولكن في ابتسامة لنفسي ماكرة قلت "هناك – دعها هناك" وأسرعت في تلاوة آياتي القرآنية – وتأكدت من نومي على جانبي الأيمن، وأن رأسي تجاه القبلة، ودعوت الله بتكميل الحلم – والمهمة القومية هأ - هأ – هأ –
"أخيرا عدت إلى وعيك يا غريب، لقد تحيرت في أمري عندما أغشى عليك – الطعام والشراب خطر عليك. وأنت جائع، وظمآن – لكني لم أخبر أحداً في القصر ..وأخذت أدعو الله لك.."
أحسست بنشاط وحيوية وأنا أنظر إليها .. ولما لا . فالبطن قد امتلأت، والنفس قد ارتوت، و.. يا للعجب أين لحيتي وشاربي؟! إنني لم أحلق هناك وأجلت الأمر حتى أصل إلى هنا "أرى أنك يا غريب شهم وفيك مروءة، وعلى الرغم من إحساسي الأكيد بأن والدي سيزوجك غيري – من أجل إنجاز المهمة القومية إلا أنني سأكتفي بشرف اللقب السامي في حياتي، بأنني زوجتك الأولى.."
تركت بسرعة المرآة، واتجهت إليها، وبدأت أنزع رابطة العنق التي تعقدت بشدة وكدت أخنق نفسي يا له من حظ عاثر، اضطررت في النهاية إلى قصها – ما الذي جعلني أرتدي هذه الملابس قبل نومي؟! ألم تكن ملابس النوم أفضل؟
"سأذهب إلى الحمام ثم أعود، وأرجوك ألا تقترب من أي طعام أو شراب هنا – حتى لا تفشل في المهمة القومية – لن أتأخر.."
وذهبت إلى الحمام بينما أنا مشغول بتبديل ملابسي – وأخيراً انتهيت .. وأسرعت أطرق عليها باب الحمام لتخرج أو ..!! وشغلت نفسي قليلاً بالملابس العجيبة التي أرتد بها و.. "الله أكبر – الله أكبر .. الصلاة خير من النوم .. لا إله إلا الله .."
قمت من نومي على أذان الفجر، وبالطبع لابد لي من أداء الصلاة وما إن انتهيت من الصلاة حتى عدت إلى المنزل مسرعاً لاستكمال الرحلة وهذه المرة ارتديت ملابس غير معقدة تليق بالمهمة.
"أسرعي بالخروج يا أميرة – أسرعي من فضلك – إنني لا أقدر ولا أحتمل أنا أريد .. آه .. أخرجي بسرعة .. ليتني دخلت الحمام قبل الصلاة.."
لقد ظنت في بادئ الأمر أنني أتعجلها من أجل المهمة – لذا كانت تتعمد الدلال ولكن ما إن صرخت حتى خرجت ومن ثَمّ دخلت "يا له من إسهال مفاجئ. ولكن ماذا على أن أفعل والطعام والشراب والحركة السريعة سبب في ذلك الإسهال والآن نبدأ المهمة القومية لنبدأ أيتها الأميرة .. ترررررررررررررن ..
لا – لا – هذا فظيع – فظيع – فظيع. من ضبط هذا المنبه القذر على تلك الساعة، بالذات ألا يمكنك أن تتأخر يا دقيق!! وبلا شعور أخذته بغيظ شديد ورميته بعيداً عني كأني أريد اللحاف بآخر قطار .. ولا يزال يرررررررررررن
قمت من الفراش وألقيت به من النافذة في تمام الثامنة "ماذا دهاك يا نور، ألم تسمع جرس الباب؟ أكنت غريقاً في النوم لهذه الدرجة؟ ولم تستعد للرحلة .. لم تحلق، ولم تبدل ملابسك ولم .. هل أنت متعب؟"
نسيت الرحلة التي اتفقت عليها مع زملائي بمناسبة أول يوم في عطلة نصف العام .. وسريعاً تجهزت، وأقنعت نفسي بنسيان ما حدث لي طوال الليل .. بل قلت لها "هم الذين يحتاجون إلي .. ولا شك أنهم سيأتون إلي.. من أجل المهمة القومية .هأ هأ".
"لا – لا لست نور الدين الذي نعرفه أنت اليوم غريب لا تريد نزول البحر، ولا تريد لعب الكرة، ولا تركز وأنت تلعب الشطرنج، الشئ الوحيد الذي تشاركنا فيه هو الصلاة".
هكذا حدثني أكثر من زميل. وعبثاً حاولت المشاركة ولو تمثيلاً ولكني فشلت لأن هذه المشاركة كانت بلا روح . أترى لأن روحي كانت هناك؟! ولكن من يصدق ما حدث حتى أحكي له!!
تعمدت في رحلة العودة ألا أنام في الحافلة، إنني أريد ادخار النوم إلى الليل – نعم الليل!!.
"عفواً يا غريب لا يمكنك الآن ما تريد – فالقصر على آخره ممتلئ بالزوار - ولابد لنا من النزول لاستقبالهم – الحمد لله أنك قد ارتحت من اسهالك – هيا بدل ملابسك فقد أشرقت الشمس".
حاولت كثيرا أن أفهمها ضرورة البدء في المهمة القومية، لكنها أصرت على رأيها – تبعاً للعادات والتقاليد، والأيام كثيرة "الآن يا "نوّار" وأنت يا "نور الدين" أليس هذا اسمك يا غريب؟ الآن اذهبا إلى الجناح الخاص بكما. واتركا لي الزوار ولكن حذار يا غريب. الطعام والشراب".
صعدنا إلى الجناح الخاص بنا. وبرغم رغبتي في الطعام والشراب إلا أنني قررت الصبر حتى انتهى من تلك البداية المتعثرة جداً .. وحمدت الله أنها لن تذهب إلى الحمام، وأنني برئت من الإسهال و "نور .. نور .. استيقظ يا نور، أهذا ما وعدتنا به ألم تقل لنا أنك ستأتي لاستقبالنا في المطار، انشغلنا عليك وخصوصاً عندما اتصلنا بك على المحمول فإذ به مغلق، وهاتف البيت مشغول. لماذا رفعت السماعة هكذا.."
هكذا تحدثت أمي وهي توقظني في حين تأخر أبي عنها قليلاً بسبب أجرة التاكسي؟ والحقائب التي صعد بها البواب و ..
"نور . ماذا بك؟ أمريض أنت يا بني؟ قم وانظر ماذا أحضرنا لك .. وسوف أحكي لك في الصباح تفاصيل رحلتنا لمؤتمر القضايا القومية…
حتى أنت يا أبي تتحدث عن القضايا والمهمات القومية، الكل حولي يقوم بمهمته القومية – وعندما انهض أنا الآخر لمهمتي القومية يفسدها على من حولي – لا بأس ساعة على السريع وأعود.
"ما أجمل هذا القميص يا أبي، وهذه الساعة يا أمي .. وهذا الحذاء وذاك الجاكت، وتلك النظارة و .. كل شئ جميل، ولكن النوم يناديني وبالتأكيد أنتما في حاجة إليه .. وغداً قصا علي كل التفاصيل"
الثالثة والربع بتوقيت الحلم الجميل .. وقبل النوم تأكدت من شبعي وارتوائي .. وملابسي الغير معقدة، و.. وصلت "أعلم أنك غاضب – ولكن ماذا أفعل وقد أرسل إلى والدي في أمر هام .. وأنت تعلم أن طاعة الوالدين من طاعة الله والآن يا غريب أقصد يا نور الدين – تفضل هذا التاج"
هديتي من أبيها تاج، وهديتها عقد مرصع بالجواهر الثمينة.
حسناً سأشكر أباها عندما أراه على تلك الهدية والآن أبدأ.
"لماذا تبكين الآن؟
أهذا وقت البكاء؟ أنا لا أريد هَدايا بل أريدا هُدايا .. لأنجح في مهمتي القومية.. فهلاً تركت البكاء"
إن العقد ذكرها بأمها التي ماتت منذ سنوات طويلة، إنها وحيدة أبيها. مثلما أنا وحيد والدي – ألا يلتقي الوحيدان؟
"كفاك نوماً ونعاساً يا نور، وقم لتتناول الإفطار معنا يبدوا أنك بالفعل متعب – لأنك لم تستيقظ في الفجر كعادتك أم أنك في خمول وكسل بمناسبة عطلة نصف العام – هأ هأ"
توضأت وصليت الصبح قضاء على غير العادة، وتناولت إفطاري مع أبي وأمي. وفقدت الأمل في العودة إلى النوم إلا ليلاً..
"أغرب ما كان في المؤتمر يا نور، أن هناك تهديد لنا من الأعداء بقنبلة جديدة تسبب العقم للرجال .. وبالطبع كانت المناقشة سرية جداً للغاية خوفاً من تسرب الخبر.."
يا خبر – وأذهب أنا إلى "نوّار" ولكن بلا فائدة أيمكن أن يحدث هذا؟ ولماذا فكروا في الرجال فقط وتركوا النساء؟
ربما تركوا لنا التفكير في هذا ونحن ندبر للرد عليهم وتكون النتيجة رجالنا عواقم، ونساؤهم عواقم .. يا للمصيبة .. يا للكارثة!.
"نور – أين ذهبت يا بني – أنت معنا ولست معنا .- فكرك شارد أتشكو من شئ، هأ هأ لا تخف من تهديد كهذا – فأنت ستسافر إلى الخارج، لتتعلم، وتعمل، وتتزوج، اعتبر الأمر نكتة ولا تخبر أحداً"
نزلت إلى شاطئ النيل وسرت بسيارتي بجواره، وتخيلت نفسي بعد عشرين عاماً، والشوارع فارغة إلا من القليل، وهذا القليل إما كبير في السن، وإما عائد من الخارج مثلي بعد أن أنقذ نفسه.
"أين نذهب؟ وما العمل؟ نتزوج من رجالنا، ولا ننجب، وحرام علينا الزواج من رجال الآخرين، بينما الرجل الصحيح السليم يسعى لمن تنجب له، حتى ولو كانت من نسائهم … لقد وضعت الحرب أوزارها"
هذا ما حكته لي مضيفة الطيران وأنا أسألها عن سبب قلة الركاب وضعف الحركة في المطار، بينما كنت أحمد الله في سري بأنني أنجبت ستة من الأولاد بنين وبنات، وما فعله معي أبي سأفعله معهم "عشرون عاماً في الغربة يا أستاذ – إذاً سيادتك لم تحضر الحرب الأخيرة أقصد الكنسة التي أصابت الرجال، لقد أصبح الزواج الآن للمتعة، والمتعة فقط، ولا عزاء للإنجاب"!
تحسست صندوق المياه الخاص بي، وبطعامي المعلب الجاف كأنني أطمئن على نفسي – الحمد لله تركت أولادي هناك وزوجتي أيضاً.
"والله يا سعادة البيه – كان البواب أيام جدي يملأ العمارة بالأولاد ولكن اليوم السن كبر، والشيخوخة طالت الإنسان العفي..
ونحمد الله أننا رددنا عليهم "بالعروب" الذري – عقم حريمهم"
عدت مسرعاً إلى واقعي الذي أعيش فيه تاركاً الخيال الجامح وما يكتنفه من ضباب، وخصوصاً وأنا وسط الزحام حيث السيارات المكدسة في إشارات المرور، فما زلنا بخير.
"اسمح لي يا أبي أن أعرض عليك رأيي في هذا الموضوع، ما كان ينبغي أبدأ أن يبقي مثل هذا التهديد والوعيد سراً، لابد أن يعرف كل الناس، أكاد أشعر بأنني خائن بعدما عرفت هذا الخبر".
وبرغم ما أكده لي أبي، وساعدته أمي في ذلك بأن مثل هذه الأسرار وقتية، وأن دراستها بصورة سرية يكون أكثر فائدة من أنها لو أذيعت، وانتشرت، برغم كل هذا استمر شعوري بالخيانة.
"حسناً يا أمي – سأغسل أسناني، وأذهب إلى النوم، وغداً إن شاء الله نتناقش في هذا الموضوع الجديد على سمعي – لأنني لا أفكر الآن في أي ارتباط، حتى ولو خطوبة، وكل شئ له أوان .. وهذا أوان نومي".
أسرعت أبدل ملابسي – استعداداً للقاء المهمة القومية، وتأكدت من الأمور الثلاثة . الشبع، والارتواء، وقضاء الحاجة، ولم أبخل على نفسي بالتعطير ثم شرعت في أورادي قبل النوم و ..
"أنت، ما الذي جاء بك إلى هنا؟ لقد تجهزت للمجئ إليك في جناحنا الخاص بنا في القصر، وعزمت عزماً أكيداً على النجاح هذه المرة في المهمة القومية .. ماذا تفعلين؟ قومي لنذهب من هنا بسرعة".
كنت خائفاً وأنا أحدثها من أن يستيقظ أحد والدي" نعم هي زوجتي ولكن لا أحد يعلم منهما بهذا الأمر، نعم هنا أفضل ولكن هناك أأمن لذا أسرعت لأرتدي ملابسي للذهاب بها إلى هناك…
"دعنا نقضي هذه الليلة هنا. وغداً وكل غد نقضيه هناك، أتخاف من أن يعرف والداك أمر زواجنا، ولا تخاف من نظرة الناس وسؤالهم ونحن نسير هكذا في منتصف الليل، ثم إنني متعبة، وأريد الراحة"
استسلمت لرأيها وإن كان الخوف والحذر كلاهما معشعش في قلبي – وكان على أن أهدأ من قبل أن أبدأ – وأغلقت باب حجرتي بالمفتاح. وشرعت فيما هو الآن متاح ولكن..
"نور – نور – افتح الباب يا بني – لماذا أغلقته هكذا بالمفتاح قم فخالتك وأولادها أتوا للزيارة، وكذلك عمك وأولاده – الجميع يسأل عليك هل ستقضي إجازتك في النوم – افتح – افتح.."
فتحت الباب – وبدلت ملابسي ورحبت بالضيوف جميعاً، وجلست صامتاً طول الوقت، ولكن ما باليد حيلة، ولا يزال في الليل بقية وعلى في نهاية السهرة أن أوصل إحدى الأسرتين، وأبي وأمي سيوصلان الأسرة الثانية، اخترت خالتي لأنها الأقرب والأسرع – "الحمد لله لحقنا بك قبل أن تغوص في النوم، ما رأيك؟ ومن تختار؟
ابنة خالتك أم ابنة عمك؟ الطبيبة أم المهندسة؟ لا تتعجل في الرد، وخذ فترة للتفكير .. أريد أن أراك عريساً ويكون لي أحفاد"
سمعت كلامها دون تعليق حيث كنت في عجلة من أمري – لو أنها تعلم أنني بالفعل صرت عريساً لهيأت لي الفرص للمهمة القومية وكيف لها أن ترى أحفاداً، وأنا للأسف متزوج مع إيقاف التنفيذ!.
"ألم أقل لك أن هناك أأمن؟ أخشى الآن أن توقظ أمي أبي لأنني لم أفتح لها الباب، .. وإن تركت الباب مغلقاً هكذا ربما يتطور الأمر وتكبر المشكلة، ولو أنني فتحت الباب لا نكشف أمرنا"
خرجت أنا بسرعة واتجهت إلى والدتي التي كانت بالفعل تحاول أن توقظ والدي، وأعلمتها أنني كنت في سابع نومة ولما استيقظت جئت لأعلم منها سبب طرقها على الباب.
"لا شئ – لا شئ – يا نور – ولكني نسيت أن أخبرك بأننا سنسافر غداً لحضور مؤتمر هام – وطالما أنت في عطلة – فلماذا لا تأتي معنا؟ سنقضي هناك ثلاثة أيام – وبالمرة تفكر في موضوع الخطوبة…"
اعتذرت لها عن السفر، وتحججت برغبتي في البقاء مع أصحابي وفي مرة أخرى أسافر، وبالطبع وعدتها بالتفكير في موضوع الخطوبة ثم استأذنت للذهاب إلى النوم – حسناً أنها حضرت إلى هنا "نوّار – نوّار – أعرفت هذا الخبر أم أنك غرقت في النوم..
استيقظي واسمعي .. الوالد والوالدة في مهمة قومية لمدة ثلاثة أيام إذاً سنكون هنا بلا خوف ولا هلع، ولتحي المهمات القومية – هأ هأ"
فرحت مثلي بالأيام والليالي الثلاثة، ولكنها لم تخبر أحداً في القصر بحضورها إلى – لذا استأذنت في الذهاب والحضور في ليلة الغد وخصوصاً أن الفجر قد اقترب، وأنني سأستيقظ للصلاة – وودعتني "سأفكر – سأفكر في الأمر يا أمي، لا تقلقي علي – وإذا ما اتصلت بي ولم أرد عليك فلا تقلقي – فغالباً ما سوف أكون مع أصدقائي بإذن الله، والحمد لله على نعمة النت، مؤتمر موفق ومهمة قومية مقبولة إن شاء الله"
وما إن ودعتهما – وركبا الطائرة، حتى أسرعت إلى الساونا والجاكوزي – وقمت باتصالات عديدة لأخبر أصدقائي أنني لن أكون في المنزل غالباً، وحملت عند عودتي طعام الأيام الثلاثة .."آه – يا لك من عريس الآن – الحلاقة ميري – ميري والعطور طبيعية مائة في المائة، وهذه العباءة العربية وتحتها الإزار – والأمور الثلاثة – لا – لا – لا يهم فنحن في بيتنا – ولسنا في مدينتهم الملوثة بعقم الرجال والآن استعد"
هكذا قلت لنفسي وأنا أتجهز للقاء الحاسم والحازم ورحت في النوم "نوّار أين أنت يا نوّار لماذا لم تأت حتى الآن.
انتظرك منذ ثلاث ساعات، ولكنك لم تأت عفواً عزيزتي سأضطر للاستيقاظ – ولتسقط المهمة القومية – وبالفعل استيقظت.
مضت الأيام الثلاثة والحال كما هو الحال، بل إنني في الحلم فكرت في الذهاب إليهم، ولكني ضللت الطريق. وتهيأت للعودة إلى حياتي الطبيعية ولكني فشلت.
"بصفتي طبيب نفسي – ورغم غرابة ما تحكيه إلا أن تفسيري له لا يخرج عن كونه رغبات متشابكة داخل النفس، فأنت شاب تحلم بفتاة الأحلام، تشعر وأنت وحيد بالحرية، ولكن سرعان ما تستلذ بقوانين الأسرة – فأنت تريد، ولا تريد – ترغب في الوصول وتخاف منه".
اعتبرت ذلك منه تفسيراً منطقيا – يقتنع به أي عقل، ولكن قلبي لم يقتنع بعد، فكان علي البحث عن تفسير آخر يطمئن له قلبي.
"طالماً أنك تنام على وضوء، وتحافظ على الصلاة في أوقاتها. وليست لك أي علاقات غير بريئة مع الفتيات، فتلك رؤيا صالحة – إن شاء الله تعالى – وإشارتها والله أعلم أنك ستصل لما تريد ولكن عليك بالصبر وتلك الفتاة إما أنها الدنيا – لو كانت تنوي بل الغدر، فاحمد الله على فراقها. وإما أنها من الحور العين، فعليك بزيادة الطاعات لتظفر بها – والله أعلم.
كان كلام شيخ المسجد مريحاً للقلب والعقل معاً، ولكن هذا لم يمنع أمنياتي قبل النوم للوصول إلى نوّار ولكن مع ملاحقة أمي لي بأمر الاختيار، والخطوبة، أخذت هذه الأمنيات تتلاشى ولكن..
"شغلتك في المنام جنية، والله أعلم بالقلوب والنية، ومن يومها وأنت حيران، وشارد وسرحان، اصبر على رزقك يمكن تقابل في البشر حمامة مثلها بينة.."
مع إنني لا أصدق النجوم والطالع، والأبراج، والكف والودع ..الخ.
إلا أن كلام هذه الغجرية التي قابلتني أنا وأصدقائي على شاطئ الإسكندرية ونحن نودع عطلة نصف العام – كان كلامها يبلبل الفكر وجعلني دون قصد مني أبحث عن "نوّار" بين بنات البشر.
"لا ابنة عمي،ولا ابنة خالتي، ولا عيني على إحدى زميلاتي في الكلية دع الأمر يا أمي يأتي في موعده، فكل شئ نصيب، وعموماً سأصف لك من أريدها. وابحثي كيفما شئت . وأنا أوافق عليها فوراً .."
ووصفت لها "نوّار" الفتاة التي قد تكون الدنيا، أو تكون من الحور العين أو تكون جنية، وانشغلت بدراستي حتى نهاية العام ونجحت ثم تخرجت بتفوق. وبدأت استعد للسفر. ولا يزال البحث مستمراً عن "نوّار" "نوّار" البشر.
"تجاربي المبدئية يا أستاذي على هذه المادة أثبتت تأثر الذكور في الفئران دون الإناث بها وأدى الاستمرار في حقنهم إلى عقمهم ولكن النشاط الجنسي من حيث الرغبة والمباشرة طبيعي جداً…"
حصلت على الماجستير – وعدت إلى مصر لفترة استراحة قصيرة حيث وجدت أمي لا تزال تبحث لي عن "نوّار" ولا تزال مؤتمرات أبي كعادتها ساخنة ملتهبة وعلى قدم وساق مشلولة مجمدة كالثلج.
وأوشكت أن أصرف نظري عن "نوّار" ومواصفات "نوّار" ولكن!!
"في حركة خسة ونذالة ومخالفة لكل الأعراف والقوانين والشرعية الدولية ألقى العدو الغاشم قنبلة بيوليوجية تؤدي آثارها إلى عقم الرجال، ولكننا لن نسكت، ولن نستكين بل سنكون لهم بالمرصاد سنرد عليهم – أجل - سنرد عليهم من المحيط إلى الخليج، والله معنا".
أسرعت بالعودة إلى الخارج للحصول على الدكتوراه وهذه المرة أجريت أبحاثي الخاصة جدا بعيداً عن الأعين، ووصلت إلى عقار عقم النساء .. وتذكرت خيالي الجامح فأسميته عقار "العروب الذري" و "نشكر كل جنودنا البواسل، وشعوبنا الأبطال، الذين صمدوا أمام صلف الأعداء، وصبروا، فكان عاقبة الصبر الظفر والنصر فإنهم إن أصابوا رجالنا بالعقم، فقد أصبنا نساءهم به والله أكبر ولله الحمد"
وحصلت على وسام شرف من الدرجة الأولى كتكريم لي على جهودي الحربية، وهكذا عدت إلى المهمة القومية من جديد وبالطبع كان الأغنياء مثلنا يستوردون الطعام والمياه حتى يحتفظ رجالهم بالقدرة على الإنجاب – لذا قررت الزواج.
"أي واحدة يا أمي – أي واحدة – تخيري أنت من تشعرك بالراحة ابنة عمي، أو ابنة خالتي – لا فرق عندي الآن – أو تخيري لي من ترغب في – فزواج العقل يقول – تزوج من تحبك أكثر من حبك لها .."
وتزوجت الاثنتين، لأن رغبة النساء في الإنجاب جعلتهن لا يرفض الزواج من رجل متزوج طالما أنه غير عقيم، سألت نفسي يومها – هل أنا الآن في مهمة قومية أيضاً؟ وابتسمت للإجابة!!.
"نور – نور – نور – أنسيتني يا نور – أنا نوّار – عدت إليك بعد أن أصبحت بلا مأوى 0 مدينتي انقرض أهلها وتفرق من تبقى منها – فجئت إليك – ألست زوجي؟ ولم أصدق عيني حين رايتها ولكن رغبتي في المهمة القومية معها فترت وأصبحت بلا معنى، لذا فررت منها – وأخذت تطاردني في كل حلم وكل منام. وأنا أفر منها بالاستيقاظ أو عدم النوم حتى أصبح النوم بالنسبة لي سجناً أو نقمة أو شراً لابد منه "لا .. لابد أن يتعلم الأولاد في الخارج، فهذا أضمن وأأمن إنهم الآن أمانة، وثروة قومية ماذا نفعل هذا قدر الله، ونحن إنما نفر من قدر الله إلى قدر الله، ورحم الله والدي الذي رسم لي هذا الطريق.."
سافرنا جميعاً وخصوصاً وأنني أعمل أستاذاً بإحدى الجامعات في الخارج وتكاليف المياه والطعام الغير ملوثين ترتفع يوماً بعد يوم . أما هناك فالحياة طبيعية جداً، ورغم أنني أنجبت ستة من الأولاد والبنات إلا أنني كنت أرغب في المزيد.. ولما لا وأنا لم أكمل الخامسة والأربعين بعد – لذا "ملامحك أيتها الفتاة ليست غريبة على – كأنني رأيتك من زمن بعيد، عربية أنت، وكأني بك أعرفك – أعرفك حق المعرفة، ولكنني كبرت وأنت كما أنت في العشرين ربيعاً، عفواً يا فتاتي فأنا لا أقصد الغزل ولا نصب شباك للصيد كما هو معهود هنا – أتقبلين الزواج مني.."
لم تمانع – وأسرعت تخبر أسرتها بالهاتف، ثم أخذت بذراعي نحو السيارة – وأخبرتني بأن أهلها سيلحقون بنا في المركز الإسلامي حيث يعقد قراننا هناك – والحمد لله قانون عدم تعدد الزوجات هنا قد ألغى منذ فترة.
"نوّار – اسمك "نوّار" لا أصدق نفسي – أنت إذا هي أنت "نوّار" البشر، التي كنت أنتظرها منذ زمن بعيد نوّار التي تزوجتها في الحلم، وافتخرت بأنها تحمل اللقب السامي "الزوجة الأولى لي" رحمك الله يا أمي".
هكذا حدثت نفسي وأنا أسمع اسمها من الشيخ الذي يعقد لنا القران، أثناء كتابته البيانات، حتى أنني غبت عن وعي ولم أدر غير أن اسمها "نوّار" وتم زواجنا.
"من يصدق، من يتصور، أن ما يحدث في الحقيقة أيسر من الحلم ومن الخيال، فأنا في عنفوان الشباب تزوجت في الحلم من "نوّار" ولكن ظل زواجي منها مع إيقاف التنفيذ".
تغيرت فرحتي فجأة وأصبحت نشوتي سراباً، وهي تخبرني هي الأخرى عن الواقع الذي هو أغرب من الخيال، حيث تجمع في شقة واحدة، وحجرة واحدة، بل وسرير واحد، العدوان اللدودان وقالت وهي تسعى إلى كالأفعى "أليس خيارنا وخياركم السلام"
"لا يا عزيزتي – بل أقصد لا يا أفعتي – لست أنا الذي أقع في هذا الفخ، مهمتى القومية لا .. ولن تكون إلا لوطني فقط الآن فقط قد علمت تفسير الحلم القديم، والمطاردة والمراوغة"
ضحكت بشدة، وبكت شدة وهي تخبرني بأنها هي الأخرى إنما بحثت عني، من أجل المهمة القومية، فالنساء هناك عواقم والقليلات الفارات إلى الخارج عليهن تنفيذ المهمة القومية بنجاح.
"يا للكارثة – يا للمصيبة – أبنائي منك يكونون على ديني مثلي، ويحملون جنسيتك أنت – لا – لا – لن يكون – انقرضوا وانقرضوا وانقرضوا فانقراضكم خير للجميع – من اليوم سيكون خياري هو انقراضكم – أتفهمين".
الطلاق سيجعلني أخسر كثيراً من أموالي، فليس أمامي الآن إلا إرغامها على طلب الطلاق في مقابل تنازلها لي عن كل شئ.. وكان هذا الأمر تفسيراً واقعياً لأحلامي الأخيرة معها – وتم الطلاق بعد سنوات ثلاثة من الزواج.
"الآن استعد لسماع مضيفة الطيران، ثم سائق التاكسي ثم البواب"
هكذا قلت لنفسي وأنا استعد للنزول إلى الوطن في إجازة قصيرة وكان ذلك بعد عشرين عاماً في الغربة .. الآن حقاً استحق لقب "غريب" واتجهت إلى المطار.
"أهلاً بك في أرض السلام، أرض "نوّار" عفواً يا "غريب" ستبدأ مهمتك القومية الآن بزواج أو من غير زواج ستبدأ الآن.
صرخت فيهم جميعاً، رافضاً ما يعرضون على من هدايا ومال وأسرعت أحاول الفرار منهم والهروب بعيداً عنهم فأسرعوا وألقوا بي في طائرة أخرى .. وأيقنت ساعتها تفسير الحلم – حلم المهمة القومية.