الأربعاء ٤ نيسان (أبريل) ٢٠١٨
بقلم فاروق مواسي

أوسعتهم سبًّـا

جن جنون المعادين لأبي مازن- الرئيس الفلسطيني لأنه شتم فريدمان- سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، ففريدمان لا يرى غرابة وعجبًا إذا بنى المستوطنون واستعمروا الأراضي الفلسطينية المحتلة، فالأرض هي أرضهم- أي أرض اليهود.

دهش الرئيس الفلسطيني، وقال:

أرضهم؟ أرضهم! ابن الكلب!

وكان أبو مازن قد ذكر شتيمة أخرى خاطب بها ترامب: "يخرب بيتك"!

وانشغل الإعلام الغربي والإسرائيلي بالشتيمتين، وكأنه ليس هناك احتلال ولا ما يحزنون.
أو كأن شتائم ترامب لمدير محطة إعلامية أمريكية "ابن الكلبة" وسواها لا ضرر عليها ولا ضرار.

مع ذلك، فماذا تجدي الشتائم إن كانت الفعلة الشنعاء قد سبقت وتحققت.

تذكرت المثل "أوْسَعْتُهُمْ سَبّاً وَأَوْدَوْا بالإبل"، وقلت: ماذا يجدي أننا نشتم ونشتم ما دام المعتدي قد فعل ما فعل.

ورد في كتاب الميداني (مجمع الأمثال، رقم 4360) شرحًا للمثل أحب أن تطلعوا عليه:

أوْسَعْتُهُمْ سَبّاً وَأَوْدَوْا بالإبل

يُقَال: "وَسِعَه الشيء" أي حاط به، وأوسَعْتُهُ الشيء إذا جعلته يَسَعُه، والمعنى كَثَّرْتُه حتى وَسِعه فهو يقول: كثرت سَبَّهُم فلم أدَعْ منه شيئًا.

وحديثه أن رَجُلاً من العرب أغيرَ على إبله فأخِذَتْ، فلما توارَوا صَعِدَ أكَمَة وجعل يشتمهم، فلما رجع إلى قومه سألوه عن ماله فَقَالَ:

أوْسَعْتُهُم سَبًّا، وأودَوا بالإبل.

قَالَ الشاعر مستخدمًا بعض ألفاظ المثل:

وَصِرْت كَرَاعِي الإبل قَالَ: تَقَسَّمَتْ
فأوْدَى بِهَا غيري وَأوْسَعْتُهُ سَبّا

ويُقَال عن المثل:

إن أول من قَالَ ذلك كعب بن زهير بن أبي سُلْمى، وذلك أن الحارث بن وَرْقاء الصَّيْدَاوي أغار على بنى عبد الله بن غَطَفان واستاق إبلَ زهير وراعيَه.

فَقَالَ زهير في ذلك قصيدته التي أولها:

بَانَ الخَلِيطُ ولَمْ يَأْوُوا لِمَنْ تَرَكُوا
وَزَوَّدُوكَ اشتيِاقَاً أيةً سَلَكُوا؟

(الخليط= المجاور لك في الديار، ولم يأوو= لم يرحموا)

وبعث بها إلى الحارث فلم يردَّ الإبل عليه.

فهجَاه فَقَالَ كعب: أوْسَعْتهم سَبًّا وأوْدَوْا بالإبل،

فذهبت مثلاً يضرب لمن لم يكن عنده إلا الكلام.

أودَوا بالإبل يعني ذهبوا بها، وهناك من يروي المثل: وراحوا بالإبل، أو- وفازوا بالإبل.

(العسكري، جمهرة الأمثال، رقم 111)

يضرب مثلا للرجل يتهدد عدوه، وليس على عدوه منه ضرر.

وورد في كتاب الزمخشري (المُسْتَقصَى، رقم المثل 1828) بأن المثل يُضرب لمن يتوعد وليس على عدوه ضير غير الوعيد بلا إيقاع.

عدت إلى ديوان زُهير بن أبي سُلمى لأقرأ هجائية لزهير سبقت قول المثل (ص 164- الهيئة العامة المصرية)، والهجاء هو لمن سرق إبله مع راعيها يسار:

يا حارِ لا أُرمَينْ منكم بداهية
لم يلقَها سوقةٌ قبلي ولا ملِكُ

(حار- ترخيم حارث، وهو الحارث بن ورقاء الذي سلب الإبل مع راعيها- يسار، السوقة= الرعية)

فاردُد يسارًا ولا تعنُف عليّ ولا
تمعَكْ بعِرضك إن الغادرَ المَعِكُ

(المعْك- المماطلة، فالذي يماطل هو غادر، وكلما مطلتني أهلكت عِرضك)

ليأتِيَنَّك مني منطِقٌ قذِع
باق كما دنَّس القُبْطِيَّةَ الوَدَكُ

يقول: لئن حللت بحيث لا أدركك لأدنسن عرضك كما يدنس الدسم القبطية- أي الثياب البيض المصنوعة في مصر، ومنطقي باق أي يبقى مع الدهر على أفواه الرواة.
..
فلما اكثر من هجائهم وهم لا يكترثون قال له ابنه كعب- كما ذكرت-:

"أوسعهتم سبا وأودَوا بالإبل"- أي ليس عليهم من هجائك إياهم كبير ضرر عند انفسهم، وقد أودوا بإبلك، ذهبوا بها، فأضروا بك.

من الشتائم ما لا يجدي كأنك تسمع جعجعة ولا ترى طِحْنًا، والأمثال الشعبية فطنت إلى ذلك، فقالت عن الكلام بدون فعل "حكي ما عليه جمرك"، "فقع من غير طقع"، وفي الأمثال اللبنانية: ألف دعوة ما مزّقت قميص، وألف زلغوطة ما جوّزت عريس، فالفعل هو الذي ينظر إليه ويحسب حسابه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى