السبت ١٩ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم أحمد السرساوي

إلام تشدك عيناك...!

" أين تذهبُ هذا المساءْ؟ "
المدينة مثلكَ .. مثقلةٌ بالهمومِ
وبعضُك لا يستجيبُ لبعضِكَ ..
إلا بشيءٍ من الشك والخوفِ
والنظرةِ القاسيةْ
كل ما في الطريقِ
يحدِّقُ في خطوك المتثاقِلِ
دون سؤالكَ: " من أنتَ يا ذا الغريبُ؟ "
فكلٌ يحثُّ خطاهُ ببعض التوسُّلِ للوقتِ
ألا يفضَّ بكارةَ ما يتبقى من العمرِ
حتى يفوزَ بحفنةِ لهوٍ .. يعودُ بها
ليواريَ سوءةَ ما ماتَ ..
في الليلةِ الماضيةْ
أين تبحثُ عمن يزيحُ غبارَ المسافاتِ عنكَ
وكل الشوارع مكتظة بالفراغِ
من الحبِّ .. والأمنِ ..
واللمسةِ الحانيةْ
سِرْ قليلاً ..
وقلِّبْ وجوهَ الحوانيتِ واللافتاتِ
وأعمدةِ النورِ
والقططِ الباحثاتِ عن القوتِ
والأرجلِ المتعباتِ من الشغلِ طولَ النهارِ
إلامَ تشدُّكَ عيناكَ ..
إلا إلى وجهِ قبحٍ ..
ومُفردةٍ لاهيةْ
هل ستذكرُ حينئذٍ ..
صُورَ الطفلِ ذي السبعِ أعوامَ ..
وهو يطوفُ بأكتافِ أعمامِهِ ..
ليذوقَ رحيقَ التوحُّدِ في جسدٍ واحدٍ ...
وإذا ما توارَى مع الغيمِ حيناً
يعودُ سريعاً لحِضنِ أبيهِ
بِلا حُجَجٍ واهيةْ...؟
ذلكَ الطفلُ .. أينَ مضَى؟
والأبُ الحِضنُ ..
صُورتُهُ نفختْ في فم الموتِ من رُوحِهَا
وأضَاءتْ له الليلَ من عينِها
واستعانتْ على البردِ بالصبرِ
ألقتْ عباءَتَهَا .. وتولَّتْ
لعلكَ تفهمُ بعد سنين الجَوَى ما هِيَ
أين تذهبُ؟
بيتُكَ ليسَ هنا
وشعاعُ الشتاءِ يدقُّ ببابكَ
والريحُ تقتلعُ الحيرةَ المستبدةَ قبل انسحابكَ
والبحرُ يهربُ من ذكرياتكَ
في موجةٍ عاتيةْ
ها هو الليلُ ..
يقرأ وِرْدَ التَّخَلـِّي
على قطعةٍ من قميصِ الأمانِي
ويُلقِي بها في غياباتِ نهرٍ
يفيضُ حنيناً على حلم قلبينِ
ظنَّا بوعدِ المدينةِ خيراً ..
ولكنَّها عن أمانيهما ساهيةْ
هيَ تلكَ المدينةُ .. مثلكَ
مثقلةٌ بالجروحِ
فَسَلْهَا كم السَّاعةُ الآنَ ؟
لابدَّ ترحلُ عنهَا ... وعنكَ
فقدْ حانَ بوحُ الصباحِ .. بعينِ الغروبْ
قَد تشققَ جِلدُ المدينةِ
أخرجَ من بَطنِها جُثثاً هَامداتٍ
تَسَكَّعْنَ في الطرُقاتِ طويلاً
إلى أن تَعَوَّدْنَ عشقَ الهروبْ
جسدُ الليلِ يفضحُ ما كانَ قبلَ الرحيلِ
فَلـُذْ أنتَ بالفجرِ ...
وابعثْ عيونكَ كي تستعيذَ بلونِ النهارِ
فلا زِلتَ في عينِ هذي المدينةِ
مَحضَ غَريبْ ...!
لا عليكَ ..
ولا تنسَ أنكَ ذقتَ رحيقَ التوحدِ
منذُ رجعتَ لحضنِ أبيكَ
فلا تقتل الحُجَجَ الواهيةْ
كلُّ ما في المدينةِ ..
يهربُ منكَ .. إليكَ ...
فكنْ مثلما كنتَ ..
في صورةِ الطفلِ ذي السبعِ أعوامَ
وابدأْ هنا ..
سِرْ قليلاً
وقلِّبْ وجوهَ الحوانيتِ واللافتاتِ
وأعمدةِ النورِ
والقططِ الباحثاتِ عن القوتِ
والأرجلِ المتعباتِ من الشغلِ طولَ النهارِ
وفكِّرْ .. إلامَ تشدُّكَ عيناكَ ..
تعرفْ ...
إلى أينَ تذهبُ هذا المساءْ ...

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى