نَزَعَ الْبَرِيقَ
مِنْ أفْوَاهِ الْأَزِقَةِ
الْمُتْعَبَةْ
سَارَ يَهْذِي خَلْفَ ظِلِي
ويَرْسُمُ دَوَائِرَ
مَجْدُولَةً بِدَمِي
كَاهِنٌ يَعِظُ وَجْهَ النَهَارِ
وَيُلَمْلِمُ فِي صَدْرِهِ
أرْصِفَةَ لَيلِي
وَأنَا أُقَاتِلُ الصَمْتَ حَتَى يَرْحَلَ
مِنَ الشُقُوقِ الْمُتَكَاسِلَةْ
عَارِيَا أَسْبَحُ فِي سَرَابٍ مُوَشَّى
بِقَاعَاتٍ خَاوِيَةْ
وَحْدِي أُقَاوِمُ الْأَلْسُنَ الْمُلْقَاةَ
عَلَى هَوَامِشِ دَفَاتِرِي الصَاخِبَةْ
الْجُوقَةُ تَعْزِفُ ذَاتَ رُكُوعٍ
فِي خَلْفِيةِ مَشْهَدٍ مُلَونٍ
بِتَقْدِيسِ الْفِرْعَونِ الْمُمْدَدْ
تَنْمُو تَحْتَ السِيقَانِ أَقْدَامٌ
تَرْتَكِبُ الرَكْضَ
فِي أَحْرَاشٍ تَهْذِي
تَقُولُ غَيمَةٌ يُعَانِقُهَا اللَيلُ:
إنَ الْمَطَرَ يَسْكُنُ عِنْدَنَا
وَقَدْ رَأينَاهُ الْيَومَ مُكْتَئِباً
بِضْعُ قَطَرَاتٍ فَرَرْنَ مِنَ الْبَيتِ
وَذَهَبْنَ إلَى السُوقِ الْمُتَهَاوِيةْ
الْحَانَةُ تَرْقُصُ ابْتِهَاجاً
بِعَودَةِ الْحَرَائِقِ الْمُتَوَارِيّةْ
وَجَاءَ طَيفٌ
مِنْ أقْصَى الْجُرْحِ يَقُولُ :
كَفَاكَ مَا أشْعَلْتَ
أخَذْتَ كُلَ الْمَاءِ
وَأودَعْتَ لَدَينَا
كُلَ النَارِ
يُشِيرُ الذِئْبُ بِمَا تَبَقَى لَهُ
مِنْ الْأصَابِعِ الْبَذِيئَةْ
يُصَوّبُ إلَى مَسَامِعِي قَيظاً
مَمْهُوراً بِأنْيَابٍ لا تَشْبَعُ :
الْفَرِيسَةُ لا تَنْضُبُ
وَالْبَيدَرُ مَازَالَ يَعِجُ
بِالسَنَابِلِ الْيَافِعَةْ
مَا رَأيتَ مِنْ خُبْزٍ
فِي حُلْمِكَ الْمُتَعَجِلِ
لَيسَ لَكَ
كَيفَ تَحْلُمُ بِخُبْزِي؟
تِلْكَ آخِرُ سُطُورِ الْحُلْمِ
انْسِجُهَا لَكَ كَابُوساً
يُمْطِرُكَ بِلَهَبِي
تَفُورُ أَوعِيةُ الطُوفَانِ
خَلْفَ دَمِي
تَمُوجُ بِحَارٌ مُتَرَامِيةُ الصَرَخَاتِ :
هَيهَاتَ يَا بْنَ الْفِرْعَونِ
لَنْ يَسْكُنَنِي كَابُوسُكَ
أنَا مَنْ يُسَطِرُ الْحُلْمَ
وَمَا عَلَيكَ غَيرَ قِرَاءَتَهُ