ابرز سمات أدب الحرب العبري
المقدمة
إن الحقيقة الثابتة التي لازمت الاستيطان اليهودي في فلسطين منذ بدء الهجرات اليهودية عام 1882، هي أن المجتمع اليهودي عاش حالة من الحرب المستمرة مع الأقطار العربية استمرت عقودا طويلة من الزمن ما زالت آثارها باقية حتى الآن عبر استمرار مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي أو من خلال بقاء حالة التوتر قائمة على الحدود مع الأقطار العربية التي لم توقع على اتفاقية سلام مع إسرائيل..
وبالرغم من إن هذه الحروب كانت تقطعها من حين لآخر فترات من التوقف أو الهدنات أو وقف إطلاق النار أو الاتفاقيات المؤقتة، إلا إن هذا لم يؤدِ على الإطلاق إلى جعل المجتمع اليهودي في فلسطين يعيش حالة من السلام المستقر، وحتى لو لم يكن هناك تهديد جدي للأمن الإسرائيلي، فان إسرائيل تستعد بين حرب وأخرى لخوض حرب جديدة..
الحرب وتقسيم التاريخ الإسرائيلي
إن التاريخ الأدبي والاقتصادي والاجتماعي يتم تقسيمه وفقا للحروب وتواريخ نشوبها، وهذه الحروب هي الخطوط الحمراء القوية التي ينتهي عندها جيل ويبدأ بها جيل وعصر جديد(1)، ففي إسرائيل تتدفق الاصطلاحات والتعبيرات المرتبطة بهذه الحرب أو تلك كعلامة مميزة لكل شيء، فهناك جيل أدباء حرب 1948 وهناك أدب حرب 1967 وأدب حرب تشرين،وهناك الاقتصاد الإسرائيلي بين حرب سيناء 1956 وحرب حزيران 1967، والمسرح الإسرائيلي بين الحربين الأخيرتين.. الخ (2 )..
لقد أصبحت الحرب هي الوسيلة الواضحة جدا من اجل التصنيف ووضع الفواصل،وقد انعكست هذه الظاهرة الملازمة على نفسية المستوطنين اليهود داخل فلسطين المحتلة وبخاصة أولئك الذين ولدوا فيها والذين يطلق عليهم الصباريم، بحيث إن من يتأمل مناخهم النفسي يصطدم على الفور بمساحة معترف بها هي الحرب،التي لازمت الجيل الصباري منذ ولادته حتى الوقت الحاضر وستظل تلازمه باعتبارها المأزق الرئيس الذي وضعته فيه الحركة الصهيونية وإسرائيل وسط المحيط العربي الرافض لمقومات هذا الوجود..
فهذه الحرب، بانتصاراتها وخسائرها، بذراها وأعماقها السحيقة،هي واقع دائم يعيش فيه المستوطن اليهودي، إنها موجودة في وعيه حتى لو كانت الحدود هادئة نوعا ما، وهي كامنة في داخله كالبركان الذي يوشك على الانفجار بين لحظة وأخرى ليجتاح نظام حياته اليومية أو كالذكريات المختبئة في المغارات المظلمة، إنها ارض مر عليها كل يهودي ولم يعد كثيرون منها..
سمات أدب الحرب العبري
وحيث أن الأدب- كما مر بنا ذكره- هو انعكاس لواقع مجتمع معين،فمن خلال تتبع الوضع داخل إسرائيل منذ قيامها ( غير الشرعي وغير القانوني) عام 1948 وحتى يومنا هذا،نـــــــــــستطيع أن ندرك دون أدنى شـــــــــــك حقيقة كون هذه ( الدولة ) كياناً قائماً على الحرب والعنف والقتل،وان هذه( الدولة ) تعيش حالة من الصراع الدائم من اجل البقاء والاستمرار وفرض الوجود، والإرادة، وهذا يفسر دخولها حروبا كثيرة منذ تأسيسها حتى الآن وانسجاما مع هذه الحالة ظهرت في إسرائيل عدة أنواع من أدب الحرب مستندة إلى تواريخها وهو ما تحدثنا عنه في دراسات سابقة،واستنادا إلى ذلك يمكن ملاحظة بعض السمات التي تميز بها أدب الحرب العبري منذ عام 1948 فصاعدا وأبرزها :
1. إن معظم أدباء هذه المرحلة هم من مواليد فلسطين،وكانوا بمثابة الرواد لثقافة عنصرية عدوانية متبلورة تختلف اختلافـا جذريا عن ثقافة الجيتو(3) اليهودي فـي شرق أوربا التي نشأ فيها أدب الأجيال اليهودية السابقة من أبناء الهجرات الأولى والثانية والثالثة،والذين اهتموا بوصف القيم والمبادئ الصهيونية،وقد حصل جيل الأبناء،على حد تعبير النقاد العبريين،على هذه القيم جاهـزة وتربوا،خلال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين،فـي أحضان لغة عبرية حديثة وعلى أسس تقاليد أدبية سواء كانت مترجمة أو مكتوبة بلغة عبرية،وقد ولد معظم هؤلاء الأدباء مع نهاية الحرب العالـــمية الأولى ومنهم س. يزهار (4)، يغئال موسينزون (5) وموشيه شامير (6) وغيرهم..
2. اعتبار الحرب من المواضيع الرئيسة التي وضعها الأدباء العبريون في مقدمة سلم أولوياتهم مثلما فعل س. يزهار وشامير وغيرهم..
3. اختـلاف أسلـوب تعليـم هـذه المرحلـة عـن أسلـوب تعليـم أدبـاء الهجـرات اليهوديـة،حيث كان الأسلـوب التعليمـي الذي تربـى عليـه أبناء الهجــرات اليهوديـة هـو الحيدر(7 ) وبيت همـدراش(8) واليشيبا (9 )، أما التعليم الذي تلقاه الأدباء من مواليد فلسطين فقد كان يقوم أساساً على عرض علماني للعهد القديم ودراسات مبسطة للتلمود وفق رؤية معاصرة ودراسات تمجيدية لفترات الزهو في التاريخ اليهودي القديم مع دراسات للعلوم الحديثة العلمانية..
4. اعتماد وصف الطبيعـة كجزء لا يتجزأ مـن النثر وكان للطبيعة وعناصرها وتأثيرها على البيئة العسكرية دور رمزي في تلك الأعمال النثرية..
5. اتجـاه الكتاب والأدباء العبريين،بين حربي 1948 و1967، بصـورة خاصة لتصـوير العربي في أبشع صورة متأثرين بذلك بمـا تركته العمليات الفدائية الفلسطينية مـن آثار على اغلب السكان اليهود وبالتخوف مما تسميه المصادر الإسرائيلية اعتداءات الدول العربية على ( الكيان الناشئ)....
6. بروز تيارات النقد الأدبي المعبرة عن الواقع الثقافي العبري في فلسطين خلال تلك الفترة،وكان التيار الأول مـن تيارات النقـد الأدبي ممثلا للنقد اليسار الماركسي،وكان يدعو إلـى نبذ تناول الفرد وتحبيذ التعبير عن الجماعة،وفي المقابل كان هناك التيار النقدي المحافظ الذي نظـر إلى الأدب العبري- ومنه دب الحرب- في تلك الفترة نظرة مختلفة تماما،وكان على رأسه الناقد باروخ كورتسفيـل اعتباراً مـن نهايات الأربعينيات وحتـى الخمسينيـات ومنتصف الستينيات، وقد أصبح نقد كورتسفيل أكثر جدية تجاه الفكـر الصهيوني عندما تصدى لبحث الظواهـر الثقافية في إسرائيل،وعلى عكـس نقاد اليسار الذين طالبوا الأدباء بان يكيفـوا أنفسهم مـع تطلعاتهم، نجد كورتسفيل لا يؤمـن بأي إصلاح لان الأدب العبري في نظره هو حالة سلبية لا يمكن تقويمها،لان الصهيونيـة ذاتها تنحى هذا المنحى،وذلك لانعـدام الثقة فـي الحل الصهيوني العلمانـي وانعدام الثقة فـي الأدب النثري الذي كتب مـن واقع الأيديولوجية الصهيونية..
7. اعتبار الحياة في الكيبوتس(10 ) محوراً رئيسياً للعديد من النتاجات الأدبية في تلك الفترة..
8. كان جو الخوف وعدم الاستقرار النفسي والاجتماعي هو من الملامح البارزة
في الكثير مـن أعمال القصاصين العبريين أمثال عاموس عـوز(11) وأبراهام بن
يهوشوع(12)..
إن هذه السمات تعبر بمجملها عن فلسفة الحرب اليهودية وبالتالي فهي تعكس طبيعة الصور والاتجاهات الأيديولوجية الصهيونية للأدب العبري الحديث/ المعاصر- ومنه أدب الحرب- والتزام هذا الأدب بالفكر اليهودي الصهيوني والدعوة إلى تحقيق أهدافه...
من هنا فان أدب الحرب العبري يعد واحداً من أهم المصادر المعرفية في إستحصال المعلومات عن التكوينات الداخلية للمجتمع الإسرائيلي، والتي يصعب في أحيان كثيرة متابعتها وكشفها من خلال المصادر المعروفة والمباشرة، من كتابات سياسية واجتماعية وفلسفية... الخ وذلك لان الكتابات الأدبية العبرية تزودنا بالمعلومات المطلوبة في اتجاهات ثلاث :
الأول: التعرف على الواقع الاجتماعي والأنماط النفسية والاجتماعية السائدة في التجمع اليهودي..
الثاني: الوقوف على طبيعة الحالة العسكرية وروح العسكريتاريا لدى المستوطنين اليهود داخل فلسطين المحتلة..
الثالث: استقراء القيم الرسمية الإسرائيلية التي تبثها الأيديولوجية السائدة في الأعمال الأدبية العبرية بشكل عام، الأمر الذي يمكننا من دراسة واقع الصراع المهيمن على المجتمع الإسرائيلي من كافة جوانبه من ناحية وعلاقته بالطرف الآخر من ناحية ثانية..
أركان أدب الحرب العبري
بناء على ما تقدم فان ابرز أركان أدب الحرب العبري،والتي تعكس الاتجاه الفلسفي الصهيوني في عموم هذا الأدب،هي :
1. الحرب عمل مقدس وحتمي..
2. تبرير العنف والانتقام..
3. البطولة..
4. الهجرة والاستيطان أو ما يسميه الأدب العبري العودة إلى ارض الميعاد..
5. إحياء التراث اليهودي و اللغة العبرية..
6. تشويه صورة الإنسان العربي ومعالم الشخصية العربية..
7.. الاضطهاد..
8. الجيتو..
9. القومية اليهودية..
10. التضليل..
11. العنصرية..
هذا باختصار شديد ما أردنا توضيحه عن ابرز سمات ادب الحرب العبري،أما عن أركان أدب الحرب العبري فقد تم تناول البعض منها ونشـره ( ومنها الانتقام في أدب الحرب العبري وصورة العربي في أدب الحرب العبري ) في حين سنتاول باقي الأركان في دراسات لاحقة بإذن الله ونشرها تباعا...
[1]