الخميس ٢٧ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم أحمد منير يوسف

ازدواج النظرة في أخطاء الجنسين

يُقال أن مجتمعنا العربي ازدواجي النظرة في رؤيته وتعامله بالنسبة للرجل والمرأة، حيث تتباين أحكامه الاجتماعية بين أخطاء الرجل والمرأة بشكل كبير وواضح تصل الى حد الظلم والاجحاف في كثير من الاحيان .

فلقد اعتاد البعض أوفلنقل ( المجتمع ) على أن ينظر لأخطاء الذكور بمنظار اكثر تسامحا من نظرته الى أخطاء الأناث، فضلا عن تباين مفهوم الخطأ لدرجة قد يصبح معها الخطأ أمرا طبيعيا بل قد يكون محمودا اذا كان يخص الذكر، ويُصبح هوعينه جريمة لا تُغتفر اذا ارتكبته الانثى .
وربما من ابسط الامثلة الصغيرة على ذلك هي صورة ذلك الشاب الذي يحظى بعلاقات كثيرة مع الفتيات، حيث يُنظر اليه على أنه شاب اجتماعي ومنفتح وسوي، بينما الحال يختلف كثيرا بالنسبة للفتاة اذا قامت بنفس الامر!

لا نُنكر أن هذا الامر حاصل فعلا في مجتمعنا أوفلنقل في مجتمعاتنا العربية كافة بشكل عام،
أما اسباب ذلك فهي كثيرة بلا شك، ولكن في نفس الوقت لا نستطيع القاء المسؤولية في ذلك على جهة معينة، فهذه المشكلة أصبحت ثقافة عامة يتبناها المجتمع ككل، لدرجة أن المرأة نفسها أصبحت تُطلق ذات الاحكام على نفسها وتنظر الى نفسها بنفس المنظار المزدوج الذي تشكومنه،

لكن ما لايختلف عليه أحد أن من أهم تلك الاسباب هوبلا شك الابتعاد عن بعض تعاليم الدين وقيمه، واستبدال العديد من قيمنا الاجتماعية وعاداتنا وتقاليدنا الاصلية بأخرى مستوردة أقل ما يمكن أن يُقال عنها أنها لا تتناسب ومجتمعاتنا وثقافتنا.

الان – بالنسبة للشرع، فلا خلاف في أن وجود هذه النظرة المزدوجة مرفوض دينيا، فالإسلام لم يفرق أبدا بين الرجل والمرأة في الرؤية والتعامل، فكلاهما كائن بشري مكلف بنفس الفروض، والاختلاف الوحيد يكمن في وظيفة كل منها في هذه الحياة، حيث أن دور كل منهما يأتي مكملا لدور الآخر ليتساعد الاثنين في النتيجة لبلوغ الهدف الرئيسي الذي وجدا من اجله الا وهوعبادة الله و اعمار الارض وخلافتها ، وكما أن الدين جعل الحلال واحدا والحرام واحد، وطالب الطرفين بالالتزام بنفس التعاليم والتشريعات، فإنه قد جعل أيضا العقاب واحدا على الأثنين وجعل الثواب واحدا أيضا، فلا يوجد في الدين ازدواجية في العقاب والثواب، اوازدواجية في التعامل مع العاصي تبعا لجنسه.

وكل من يقول بغير هذا فهوبلا شك جاهلا بأمور دينه، بحاجة الى إعادة تقييم لفهمه وتفكيره.

حاولت جاهدا أن أفهم و أفسر أسباب هذه النظرة المزدوجة بإعتباري أحد أفراد هذا المجتمع ، فخلصت الى النتيجة التالية :

اذا نظرنا الى طبيعة تلك الاخطاء التي نتكلم عنها - نجد أن هذه النظرة المزدوجة لا تظهر غالبا الا عند الاخطاء التي تتعلق بمسألة الشرف والعلاقات بين الجنسين،

وهنا نجد الازدواجية في التعامل تظهر بشكل غير منطقي في كثير من الاحيان،

أما أسباب ذلك فحاولت أن الخصها في عدة نقاط:

أولا - أن مسؤولية المرأة في مجتمعاتنا بشكل عام يتحملها الرجل بشكل كامل، فالمرأة قبل أن تتزوج تقع مسؤوليها على ابيها واخوتها، وبعد أن تتزوج تنتقل هذه المسؤولية الى زوجها وأولادها،

فعمليا لا يوجد لها استقلالية في أي مرحلة من مراحل حياتها، ومن هنا فإن أي خطأ سترتكبه ستعود آثاره السلبية على المسؤولين عنها،

وهنا اضرب مثلا ، فلوتم توقيف إمرأة في أحد أقسام الشرطة مثلا، نرى أنه يتم الاتصال مع الاب اوالزوج اوالابن اوالاخ، ويتم اعتبار ان هذه المرأة هي مسؤولية هذا الرجل وتابعة له، وأنه مسؤول عنها بشكل مباشر ويتحمل نتائج أخطائها، بينما لا يحصل هذا في حال تم توقيف رجل مثلا في قسم للشرطة.

اذا خلاصة هذه النقطة ان الرجل هوالمسؤول الاول ( حسب وجهة نظر المجتمع ) عن المرأة وبالتالي فإن أي خطأ ترتكبه هذه المرأة سيمتد تأثيره ليشمل عدة أشخاص ويؤثر عليهم، أما الرجل فهومسؤول عن نفسه وخطاؤه لن يكون له نفس التأثير وربما لن يؤثر الا عليه فقط وليس على أي شخص آخر.

وهنا أحب أن أشير الى ان هذه النظرة ليست موجودة عندنا كعرب فقط، بل هي موجودة في جميع المجتمعات التي لا تزال تحافظ على النظام الاسري فيها، كبعض دول أسيا وبعض دول اميركا اللاتينة وافريقيا، بينما نجد انعدام هذه الظاهرة في المجتمعات الغربية وذلك بسبب غياب النظام الاسري أولا، ولأن المرأة تعتبر عندهم كيان مستقل اجتماعيا وماديا ثانيا، بمعنى أن لا مسؤولية لاحد تجاه المرأة الا نفسها .

ثانيا - القيم التي تمثلها المرأة في المجتمع العربي:

المرأة في مجتمعاتنا الشرقية وعلى الرغم من أنها تعاني من بعض الظلم إلا أن لها مكانة خاصة ( حتى لولم يتم الحديث عن ذلك صراحة )، فهي تمثل الطهر والعفة و الملجأ،

لذلك - فعلى قدر محبتك لشخص ما، تكون صدمتك به أكبر عندما يرتكب خطأ معين، وبما أن المرأة عندنا تمثل كافة القيم الجميلة كالطهر والعفة والبراءة والتضحية والامومة، فإن أي خدش بسيط للمراة التي تحمل تلك القيم سيحمل نتائج كارثية،

بمعنى أن المجتمع لن يحتمل أن تقوم المرأة التي تمثل كل تلك القيم ( من وجهة نظره ) أن تقع في الخطأ، خاصة الأخطاء التي تمس تلك القيم بشكل مباشر، فهولا يُحاسب المرأة ( كشخص ) على ارتكابها للخطأ بل يُحاسبها على تفريطها وخدشها لكل تلك القيم الهامة التي تمثلها.

ثالثا - ميل المرأة لتحكيم عواطفها اكثر من عقلها ( في معظم الاحيان ) يجعلها في نظر المجتمع سريعة الوقوع في الخطأ اكثر من الرجل الذي غالبا ما تكون قراراته مستندة الى دراسة عقلية بعيدة عن العواطف،

وكمحاولة لمنع ( سرعة الخطأ ) ، فإنه يتم تطبيق عقوبة شديدة على المرأة المخطئة ( ربما لا تتناسب هذه العقوبة في كثير من الاحيان مع حجم ذلك الخطأ وتتسم بالشدة والاجحاف )، وذلك لهدفين:

الهدف الاول هوجعل المرأة تفكر مليا قبل ارتكاب اي خطأ،
أما الهدف الثاني فحتى تكون عبرة لغيرها لردعهم عن ارتكاب نفس الاخطاء،

أي أن شدة العقوبة هي لحماية المرأة نفسها وحماية الأخريات من الوقوع في الخطأ.

وأخيرا لا ادري إذا كانت تلك الاسباب مقنعة فعلا لتبرير هذه الازدواجية في النظرة لكني اعتقد ان الاسباب في المحصلة هي من باب الخوف والحرص والمحبة والاعتزاز بالمرأة ، وليس بسبب اعتبار أن المرأة مخلوقا من الدرجة الثانية لا سمح الله،

قد تكون بعض تلك المبررات خاطئة بلاشك، وتفتقر الى وجود الثقة في المرأة وعقليتها وكيانها، لكني أعتقد أنه وبالرغم من كل عيوب مجتمعنا في هذه الناحية الا أن الوضع افضل بكثير من نظرة المجتمع الغربي للمرأة وتعامله معها،

تلك النظرة التي تعبر المرأة مجرد سلعة للعرض، وعنصر للانتاج المادي والمتعة فقط، ينتهي دورها بإنتهاء قدرتها على العمل والامتاع ، لتُرمى كغيرها من النساء الأخريات في الشارع أوفي دار للعجزة في أحسن الحالات .

مجتمعنا رغم بعض سلبياته الا أنه يحمل الكثير من الايجابيات التي يتمناها الاخرون والتي ربما لا نشعر بوجودها لاننا نعيش في ظلها، فالانسان لا يشعر بالنعمة الا اذا فقدها، و كما يقول الشاعر : وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدرُ .

لذلك فمن الافضل بدل أن نهاجم مجتمعنا وننسلخ عن عاداتنا وقيمنا أن نتمسك بهذه القيم وبكل ما عندنا ونحاول أن نصلح السلبيات الموجودة، لا أن نرفض المجتمع ككل كما يفعل البعض.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى