الجمعة ١ تموز (يوليو) ٢٠٠٥
بقلم أشرف شهاب

الأب العربي.. الحاضر الغائب عن الأسرة

تنتشر فى العديد من المجتمعات ظاهرة غياب الأب عن أداء دوره الأسري تجاه الزوجة والأولاد أو غياب دوره الاجتماعي لتربية الأبناء وتوجيههم وتربيتهم لينشأوا مواطنين صالحين يخدمون أمتهم فى المستقبل. مراسلنا فى القاهرة أشرف شهاب راح يناقش هذه الظاهرة وكتب عنها التحقيق التالي:

تعانى العديد من الأسر المصرية من غياب الأب عن الأسرة. وغياب الأب هنا لا يعنى فقط أنه مسافر للعمل فى دولة أخرى، أو مدينة أخرى، ولكن من الواضح فى كثير من الأحوال أن الأب يمكن أن يكون متواجدا مع أفراد أسرته، ويعيش معهم فى نفس المنزل، إلا أنه لا يقوم بدوره الطبيعى لأسباب عديدة من بينها أن يكون مشغولا طوال الوقت فى عمله، أو أنه يتسم باللامبالاة تجاه الأسرة، أو أنه يفتقد لعنصر المسئولية فيتواجد فى المنزل وكأنه الحاضر الغائب.

بعض الآباء منشغلون بتوفير لقمة العيش للأسرة، والبعض يكتفى بدوره الذكورى فى عملية الإنجاب ويترك باقى المسئولية على كاهل الزوجة التى تتولى فى هذه الحالة دور الأب والأم فى نفس الوقت.

هل الأب مظلوم أم أنه ضحية للظروف الاقتصادية التى تعانى منها غالبية الأسر العربية؟ لماذا يتخلى الأب عن دوره ويتحول إلى ضيف لساعات قليلة على المنزل؟ ولماذا يتخلى الأب عن هذا الدور الخطير؟ ومن الذى يجب أن يتولى مراقبة الأبناء وتربيتهم والوقوف على مشاكلهم ومتابعتها أولا بأول؟

يقول أحمد حمدى (طالب ثانوى) "والدى يعتبر مجرد مصدر للتمويل للأسرة، فهو لا يقوم بأى دور أكثر من ذلك إلا من وقت لآخر. وعندما يحاول القيام بدوره نجده لا يتجاوز العنف معنا لكى يثبت لنا أنه مازال المسيطر علينا ويحاول تخويفنا والتعدى علينا بالضرب لأتفه الأسباب. ومع ذلك فهو تقريبا لا يتابع أحوال أى منا أنا وإخوتى الثلاثة، ولا يعرف على وجه التحديد فى أى سنة دراسية ندرس، وهل نحن طلاب مجتهدون فى دراستنا أم لا.. وهو يترك هذه المسئوليات والتفاصيل المتعلقة بنا لوالدتى لدرجة أنها هى التى توقع على شهاداتنا وأوراقنا الدراسية، وهى التى تحضر إلى المدرسة لتتابع شئوننا الدراسية، والمدرسة تتعامل معها على أنها ولى أمرنا رغم أن والدى يقيم معنا فى نفس المنزل، فى كثير من الأوقات التى يكون موجودا فيها فى القاهرة إلا أنه يعود إلى المنزل متأخرا وينزل مبكرا إلى عمله حتى أننا لا نراه إلا كل فترة وفترة."

ويجيب أحمد على تساؤلنا بخصوص ظروف عمل والده قائلا: "يعمل والدى كسائق على إحدى الشاحنات التى تقوم بنقل المواد الغذائية من مدينة لأخرى وبالتالى ففترات وجوده فى المنزل ليست كثيرة، وفى بعض السفريات يتغيب لأيام عديدة تصل لأسبوع فى بعض الأحيان. وربما تكون طبيعة عمله هى السبب فى توتره الدائم، وسرعة غضبه لأتفه الأسباب. وربما لهذا السبب أصبحت أنا وإخوتى نكره فترات تواجده فى المنزل، ونتمنى لو أنه يبقى مسافرا طوال الوقت لأن جو البيت يتحول فى فترات وجوده إلى جو متوتر وعصبى.. وسواء كان نائما أو مستيقظا فإنه من الممنوع علينا أن نصدر أى صوت أو أن نستضيف أصدقاءنا فى المنزل، وممنوع علينا الخروج للعب مع الأصدقاء، وممنوعات أخرى كثيرة لا مبرر لها سوى توفير جو من الراحة له بحجة أنه مرهق من كثرة العمل. ومن كثرة هذه المحظورات والممنوعات التى يفرضها وجود الأب فإننا بدأنا نشعر بأن وجوده فى البيت يسبب لنا المضايقات."

أما عن دور الأم فى هذه الحالة فيقول أحمد: "بسبب غياب أبى لفترات طويلة فإن أمى هى التى تتولى متابعتنا فى كل شىء بداية من المذاكرة وصولا إلى شراء احتياجات المنزل وحتى ملابسنا الخاصة. وهى متشددة معنا كثيرا فى متابعة تحركاتنا وتحاول دائما منعنا من الخروج بحجة خوفها علينا. وفى أوقات كثيرة تثور فى وجهنا بسبب وبدون سبب."

ويحكى شريف حسنى (طالب ثانوى) قصة مشابهة لقصة أحمد ولا تختلف عنها سوى فى بعض التفاصيل الصغيرة حيث أن الأب فى هذه الحالة يعمل موظفا حكوميا فى الفترة الصباحية وبعد الظهر يعمل كحارس أمن بإحدى شركات القطاع الخاص، وبسبب ظروف عمل الأب فإنه يعود من عمله الحكومى فى فترة الظهيرة حيث يكون الأبناء مازالوا فى مدارسهم، وينزل إلى عمله المسائى قبل أن يعود الأبناء إلى المنزل، وبالطبع تكون معظم ورديات عمله المسائى ممتدة حتى الساعات الأولى من الصباح فيعود إلى المنزل فى حدود الساعة الواحدة أو الثانية صباحا حيث يكون الأبناء قد استغرقوا فى النوم استعدادا للاستيقاظ مبكرا للذهاب إلى مدارسهم حيث يكون الأب قد استيقظ استعدادا للذهاب لعمله الحكومى. وهذه هى الفترة الوحيدة التى نتقابل مع والدنا فيها لنصف ساعة أو ساعة واحدة على الأكثر
ويكون كل فرد منا مشغولا بالاستعداد للذهاب إلى مدرسته أو عمله.

ويقول شريف: "أنا أشفق على والدى من ظروف عمله القاسية، وسعيه الدائم لتوفير مصدر دخل يساعدنا على مواصلة حياتنا.. ولكننى لا أشعر بأى دور لوالدى فى حياتنا إلا دور صغير جدا لا يتجاوز مجرد السؤال عنا والاطمئنان على أحوالنا بالكلمات فقط، حيث أن وقته لا يسمح له بمتابعة تفاصيل حياتنا، وهو لا يعرف أى شىء عن خصوصيات حياتى أو حياة إخوتى إلا من والدتى التى تحكى له تقريرا عن ما يفعله كل منا".

وينتقد صالح محمد صلاح (موظف) الآباء الذين يقصرون فى مسئولياتهم تجاه أبنائهم قائلا: "إنه مهما كانت مشغوليات الأب فإن الأسرة تبقى هى مسئوليته الأولى التى يجب عليه الحفاظ عليها حتى لا تتفكك ويشعر الأبناء بفقدان سيطرة الأب. وفى هذه الحالة لا يغنى دور الأم التى تكون أقل تشددا فى أغلب الأحوال، وأقل قدرة فى السيطرة على الأبناء، خصوصا إذا وصلوا إلى مرحلة حرجة فى العمر من المراهقة التى تستلزم متابعة مستمرة من الأب. ونظرا لأن الأمهات تكون تجاربهم الحياتية أقل من تجربة الأب فإن الأولاد يمكنهم أن يفلتوا من تحت سيطرتها سواء بالكذب أو اختلاق الأعذار المختلفة حتى يخففوا عن أنفسهم عبء القيود المفروضة عليهم."

وتعليقا على انشغال الآباء بتوفير حياة لائقة لأسرهم يقول صالح: "صحيح أن الكثير من الآباء منشغلين فى أعمالهم إلا أن وجودهم ومتابعتهم المستمرة لأحوال الأسرة يجب أن يكون له اهتمام خاص، وإلا حدث ما لا تحمد عقباه بالنسبة للأولاد.. وحتى للزوجة التى تتحمل عبئا مضاعفا يفوق طاقتها على الاحتمال.. وهناك أسر كثيرة فقدت السيطرة على أبنائها إما بسبب غياب الأب أو بسبب تشدده الزائد عن الحد فى التعامل مع الأولاد."

ويلقى صالح الضوء على نقطة أخرى فى الموضوع فيقول: "فى بعض الحالات يكون الأب مسافرا ولا يهتم سوى بإرسال مبلغ من المال لأسرته كل فترة وأخرى وتكون هذه الأموال سببا فى التدليل الزائد للأبناء مما يفسدهم أيضا، وقد شاهدنا وسمعنا عن حالات كثيرة فى المجتمع المصرى ضاع فيها الأولاد بسبب الإدمان على المخدرات أو التعرف على أصدقاء السوء.. فهل تنفع الأموال فى استعادة ابن مدمن؟ أو مرتكب لجريمة؟ طبعا اللوم الأكبر هنا على الأب الذى يعتقد أن مسئوليته تنحصر فقط فى توفير الأموال للأسرة.. وهذه أكبر غلطة يرتكبها الأب فى حق أبنائه.. وبالتالى أعتقد أن تربية الأبناء ومتابعتهم تكون فى بعض الأحيان أهم بكثير من توفير مستوى معيشى معين.. إذا التوازن مطلوب بين توفير الدخل المناسب للأسرة، ومتابعة أحوال الأسرة حتى يساعد الأب فى غرس القيم النبيلة فى نفوس أبنائه، ومراقبتهم عن كثب على الأقل فى المراحل الحرجة فى حياتهم."

ويرى بعض خبراء علم النفس أن دور الأب مهم وخطير فى حياة الأسرة والأبناء، وأن دور الأم مهم لأنها تلعب دورا فى تخفيف حدة التوتر بين الأب والأبناء بسبب ارتباطها النفسى بهم، وعدم تشددها وقسوتها عليهم بحكم أنها تكون متعاطفة أكثر مع الأبناء.. فالأم تؤدى دورا معادلا نفسيا لدور الأب المعروف عنه أنه يتمتع بمكانة نفسية تتصف بالسيطرة والسلطة والضبط والربط داخل الأسرة.. ومن هنا فليس مقبولا أن تلعب الأم نفس الدورين معا.. وإذا أهمل الأب أسرته وتهاون فى رعايتها يحدث خلل نفسى عن أفراد الأسرة الذين يشعرون أنهم يعيشون فى جو غير صحى نفسيا يمكن أن يؤدى إلى التفكك الأسرى. خصوصا وأن مجتمعاتنا العربية تعتبر مجتمعات ذكورية، يلعب فيها الأب دور القائد، ودور الأم هو إحداث التوازن النفسى المقابل لدور الأب. وإذا كان الأب مشغولا بتوفير لقمة العيش لأبنائه فإن توزيع الأدوار يختل، وتحدث حالة من العزلة النفسية أو الحاجز النفسى بين الأب وبقية أفراد الأسرة الذين يعتبرونه دخيلا عليهم أو ضيفا لساعات معدودة.

إذا المطلوب هو أن يراعى الآباء عملية التوازن النفسى هذه، وأن يسعوا للاهتمام أكثر بأبنائهم، وأسرهم لتحقيق عامل التوازن النفسى للأسرة سواء للأم أو للأبناء، وعدم الاكتفاء بدور الممول أو الضيف، والبحث عن طريقة للتواصل مع الأبناء وإشعارهم أنه موجود فى كل لحظة يحتاجون فيها إليه كقائد لسفينة الأسرة وعدم الاعتماد الكامل على الأمهات فى علمية التربية لأن الطفل السليم هو الطفل الذى ينشأ فى بيئة سليمة وصحية نفسيا وهو ما لا يتحقق سوى بالتوازن بين دور الأم ودور الأب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى