الثلاثاء ٢٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٠
بقلم مصطفى أدمين

الإحساس بالوحدة

يمكنُ لي أن أتعايشَ في بعض الساعات مع الإحساس بالوحدة وما يُرافقها من ألم نفسي وتأزّم فكري؛ لكن من المستحيل أن أعيشَ الوحدةَ لأيّام وشهور؛ في هذه الحال ستتحوّل الوحدةُ من إكراه ظرفي إلى مرض مُزمن.

الوحدةُ بمعناها المرضي لا وجودَ لها في بلداننا، لأنّ تراثَنا الفكري يُناهضُ هذا الإحساس الكريه، بالممارسة الدينية والمبادئ الأخلاقية والاجتماعية.

قد تجِدُ أشخاصاً في فرنسا، أمريكا، أو روسيا يُعانون من الشعور بالوحدة، فتراهُم يُدمنون بيوتَهم والمخدِّرات، لكنك لن تجِدَ في بلداننا أشخاصاً يُعانونَها بهذا الشكل الفظيع.

في بلداننا ما زال هناك اعتبار للأسرة والجيران والأصدقاء وزملاء العمل؛ هولاء الناس يعتقدون أنّ من واجبهم إخراج الشخص الذي يعاني من الشعور بالوحدة من وحدتِه، خوفاً عليه منها، وربّما خوفا من انتقال عدواها.

بعضُ الناس يشعرون بالوحدة بسبب ظروفهم المِهْنِية أو وضعيتهم الاجتماعية:عُمّال الليل، السجناء، اليتامى، الأمّهات العازبات... لكنّهم فئة اجتماعية قليلة من المجتمع، وما إن تتحوّل أوضاعُهم حتّى تراهم يرحِّبون بالحياة الاجتماعية في مجموع مظاهرها.

في بعض الحالات والأحيان، نحتاج إلى التوحُّد مع ذواتِنا في وحدة مُؤقّتة لأجل أن نراجع أوراقَنا، أخطاءَنا، مبادئَنا، مواقفنا، مساراتِنا... وهذا حال الشخص العابث الذي صحا ضميرُه، الأب المقصّر في حقوق زوجتِه وأطفاله، الشخص المتمادي في المخدِّرات، السياسي النزيه، الأديب الحقيقي، الفنّانُ الذي أتعبتْهُ الشهرة...

هنا، يمكن لنا التمييز بين الوحدة والعزلة والعزل؛ فالوحدة إكراه، والعزلة اختيار يهدف إلى تحقيق مّا عمل، وهي قريبة من الاعتكاف، في حين يُعتبر العزل تنفيذا لقرار إداري أو اجتماعي في حقّ شخص خالف القوانين أو الأعراف.

من أصعب أشكال الوحدة، تلك التي نشعر بها ونحنُ محاطون بأعز الناس لدينا، بسبب مشكل نعتقد أن لا أحد يستطيع إخراجَنا منه.

وأصعب منها بشكل مطلق، الشعور بها ونحن وسط حشود الناس، وما نحن مرضى أو لدينا مشاكل، سوى القلق الوجودي أو الشعور بالغربة وعدم الانتماء إلى الوطن؛ وذلك بسبب هيمنة التسيُّب السياسي، والقمع بمختلف أشكاله، والرغبة المغبونة في رؤية الوطن على أحسن حال.

أن يمتلك وطني ثروات هائلة وقدرات عظيمة تؤهله إلى العُلا والتقدّم، ومع ذلك أراهُ يتقهقر ويُشعرني بالهزيمة المُستدامة وبلا جدوى نضالاتي الوطنية؛ أمرٌ من أمور القهر الذي يفرض عليّ الاعتزال والشعور بالوحدة والعزل وحتى الإقالة.

وتبقى الوحدة، العزلة، العزل، الإقالة، الاعتكاف، التعكيف... أسماءً لنفس المسمى:"المعاناة".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى