الأربعاء ١٧ آب (أغسطس) ٢٠١٦
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

البطل الأسطورة

مصر كنانة الله فى أرضه فميمها مجد،وصادها صفاء،وراؤها رخاء،ذكرها رب العزة فى كتابه الحكيم المنزل على خير المرسلين محمد صل الله عليه وسلم فى آيات نقرؤها إلى يوم الدين،وجند مصر خير أجناد الأرض،قال العجلوني في كشف الخفاء:عن عمرو بن العاص حدثني عمر أنه سمع رسول الله صل الله عليه وسلم يقول:(إذا فتح الله عليكم مصر بعدي فاتخذوا فيها جنداً كثيفاً، فذلك الجند خير أجناد الأرض) قال أبو بكر:ولِمَ ذاك يا رسول الله ؟ قال:(إنهم في رباط إلى يوم القيامة)،وعمرو بن العاص رضى الله عنه بعد أن نصره الله بفتح مصر قال:(أهل مصر أكرم الاعاجم كلها وأقربهم بالعرب عامة وبقريش خاصة).

الأرض كالعِرض نضحى من أجلها بالمال وبكل العزيز والنفيس لأجل حمايتها وهذا كان يؤمن به ومازال بطلنا الأسطورة عبد الجواد محمد مسعد سويلم والذي تقابلنا معه وحاورناه عن بطولاته المذهلة ،وهذه التفاضيل.

.........................................؟

ولدت يوم 26 أبريل عام 1947 بعزبة أبو عمر التابعة لمركز ومدينة أبو صوير المحطة بمحافظة الإسماعيلية لأسرة تنتمي لقبيلة السماعنة بمركز فاقوس بمحافظة الشرقية وفى العشرينيات من القرن الماضي انتقلت الأسرة للإقامة فى (أبو صوير) المحطة وترتيبي بين إخواني الخامس حيث يكبرني على ثم فايدة ثم عزيزة ثم جودة وبعدي حميدة.

.........................................؟

حرص والدي على إلحاقي بكُتاب الشيخ محمد أبو حجازي بعزبة العسكر أقط المسافة البالغة (5) كيلو مترات من منزلنا للوصول إلى الكتاب لأجل تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم وكنت أرصد كل ما يسترعى انتباهي وأسأل والدي عما لا أستوعبه من مناظر ومشاهدات وقد شاهدت معالم بعض الأشخاص المغايرة للمصريين فقلت لوالدي:من هؤلاء؟ فقال:هؤلاء جنود الاحتلال وهم غرباء وسوف يرحلون في القريب العاجل وفى ذلك الوقت وفى عمري هذا كنت أشعر انني مسئولاً عن مصر وعن الدفاع عنها .

.........................................؟

فى الخامسة من عمري كنت أتابع العمليات الفدائية المصرية ضد قوات الاحتلال البريطاني وكنت أقوم بضرب جنود الاحتلال بالحجارة عن طريق المقلاع الذي صنعته لأجل ذلك فى التاسع والعشرين من شهر نوفمبر عام 1951 شاهدت الشيخ محمد أبو بركات البالغ من العمر (75) سنة وهو مضروبا برصاص جنود الاحتلال ثم استشهد ولذا صممت على الأخذ بثأره إن عاجلا أو آجلا وطلبت من والدي تعليمي الضرب على البندقية حتى أتمكن من الدفاع عن الوطن وحمايته ولبى الوالد مطلبي وكان يأخذني سرا إلى ترعة الإسماعيلية القريبة لمنزلنا ويعلمني تعليما عمليا كيفية الضرب وكنت أقوم بالضرب فى الماء حتى لا تحدث الطلقات أصواتها المعروفة وكان والدي يحصل على الأسلحة من جنود الاحتلال فى محاولة لمنعهم من استخدامها ضد المصريين الأبرياء .

.........................................؟

ذات ليلة وقبل أن أخلد للنوم فكرت فى ضرورة تعطيل القطار الذى يمر بالقرب من منزلنا حاملا جنود الاحتلال وفى اليوم التالى قمت بفك الوصلات الحديدية من القضبان ولكن لصغر سني وضآلة جسمي لم أتمكن من إزاحة القضبان الحديدية بعيداً عن مسارها وانتظرت مرور القطار وعندما جاء القطار فى موعده المحدد ومر دون أن ينقلب حزنت حزنا شديدا لأن محاولتي لم تنجح وذات يوم شاهدت 4 دبابات تقف تحت أشجار الكافور القريبة من منزلنا فذهبت أستطلع الأمر وتقابلت مع الجنود وتحدثت معهم وعرفت أنهم من جنود مصر وشعرت بعلامات التعب المرسومة على وجوههم فذهبت مسرعا إلى المنزل وأخبرت الأسرة فقامت أمي بإعداد الطعام والشراب وقدمته للجنود ثم ساعدتهم فى جمع أفرع الأشجار لتغطية الدبابات حتى لا تكتشفها الطائرات المعادية وفجأة حضرت سيارة عسكرية وهبط منها أحد الضباط الأحرار وتحدث مع الجنود لمدة قليلة ثم قدم شكره لي على شعوري الوطنى ثم انصرف فسألت أحد الجنود:من هذا الضباط؟فقال:هذا حسين الشافعى عضو مجلس قيادة الثورة،وعلى الفور جريت خلف حسين الشافعى وصحت:يا افندم .. يا افندم ..فتوقف حسين الشافعى ..فقلت: حضرتك مع الرئيس جمال عبد الناصر ؟ فقال : نعم،فقلت:بلغ الرئيس جمال عبد الناصر أن عبد الجواد محمد مسعد سويلم يرسل لك السلام فقال حسين الشافعى:والرئيس جمال عبد الناصر يهديك السلام .

.........................................؟

فى هذه الفترة كانت هناك مقاومة مصرية باسلة ضد قوات العدوان الثلاثى وكان يقود رجال الصاعقة فى المقاومة جلال هريدى وإبراهيم الرفاعى وهما من عظماء الصاعقة .

.........................................؟

فى الثامن من شهر مارس عام 1967 طلبت للخدمة العسكرية فلبيت الطلب على الفور لتحقيق أمنيتي وخلال تواجدي مع رفاقي بمنطقة تجنيد التل الكبير لتوزيع المجندين على الأسلحة فوجئت باسمي مع الذين تم توزيعهم على سلاح الحرس الجمهورى نظرا لتكويني الجسمانى السليم وقوامي الرشيق .. وما أن سمت اسمي والسلاح .. دارت به الدنيا فانصرفت مسرعا ولم أهتم بالنداءات ووصلت إلى مكتب أخي على وقلت:أقسم بالله العظيم إن لم ألتحق بسلاح الصاعقة فسوف أغادر المكان نهائيا .. فأندهش على وزملائه من مطلبي وأخبروني أن سلاح الحرس الجمهورى سوف يمكنني من رؤية الرئيس جمال عبد الناصر والملك حسين والملك فيصل والرؤساء والملوك والقاهرة وقصورها فقلت:لقد ولدت لأكون من أبطال الصاعقة فللحرس الجمهورى رجاله وللصاعقة رجالاتها ولكل سلاح رجالاته ومع إصراري تحقق مطلبي وتم تغيير السلاح وهنا سجدت شكرا وحمدا لله تعالى وبكيت من شدة الفرح والسعادة.

.........................................؟

فى مركز التدريب تقابلت مع البطل المقدم جلال محمود فهمى الهريدى مؤسس سلاح الصاعقة .. هذا القائد الفريد كان يسأل كل مجند عن شعوره لتوزيعه على سلاح الصاعقة ومن يخبره بعدم رغبته فى سلاح الصاعقة يقوم على الفور بنقله للسلاح الذى يرغبه وعندما سألني؟ قلت:لقد أنشئت الصاعقة لأجلى

وهنا قام البطل المقدم جلال محمود فهمى الهريدى بتسجيل اسمي فى الأجندة التى معه وفى مركز التدريب كنت فى قمة الانضباط والالتزام وفى التدريبات أصبت الأهداف المحددة بنسبة 100 % مما أسترعى انتباه المقدم بيومى عبد العزيز محمود قائد مركز التدريب ولذا منحني أجازة لمدة 48 ساعة تقديرا لمهارتي .

.........................................؟

فى العشرين من شهر أبريل عام 1967 وصلت إلى كتيبتي ببير تمادا بسيناء واستقبلني البطل الملازم سمير محمود يوسف قائد الفصيلة مع أبطال الفصيلة .. الرقيب أول إبراهيم أبو الخير والرقيب أول سعيد الجيد والرقيب أول عبد القادر رشاد والرقيب أحمد بدوى والجنود الأبطال عبد الفتاح عمران وصابر محمد عوض وأحمد ياسين محمد ومحمد محمد أبو سمرة وعندما تعاملت مع قائدي الملازم سمير محمود يوسف وجدت لمسة التفرد فى المعاملات والتصرفات والقيادة .

.........................................؟

بعد مرور 45 يوما من وصولي إلى الكتيبة قامت إسرائيل فى الخامس من شهر يونيو عام 1967 بالهجوم المفاجىء على مصر وضرب مطاراتها واحتلال سيناء وصدرت الأوامر لجنود مصر بالانسحاب إلى الخطوط الخلفية وخلال عودتي شاهدت جنود إسرائيل وهم يقومون بالمرور على جنود مصر بالدبابات دونما رحمة أو مراعاة للقانون الدولى والأعراف الإنسانية فاختزنت هذه المشاهد والتصرفات الوحشية بداخلي وزاد إصراري على الأخذ بالثأر وتحرير الأرض المحتلة وقررت إما النصر أو الشهادة .. فمن لا يحافظ على تراب مصر لا يستحق التراب،وصلت مع رفاقي إلى الفردان فدار المعلمات ببورسعيد وقد قطعت هذه المسافة البالغة 80 كيلو مترات سيرا .

.........................................؟

الجندى المصرى لم يحارب فى عام 1967 وبالتالى نالت إسرائيل نصرا لاتستحقه ونالت مصر هزيمة

.........................................؟

فى الثلاثين من شهر يونيو عام 1967 وصلت المعلومات من المخابرات الحربية المصرية تفيد أن قوة إسرائيلية مدرعة قوامها 15 دبابة ومدرعة سوف تتحرك فى منتصف الليل من القنطرة شرق لاحتلال بور فؤاد فى الساعة الرابعة فجرا وصدرت الأوامر بالتحرك إلى بور فؤاد والدفاع عنها ومواجهة القوة الإسرائيلية ووضع البطل الرائد السيد الشرقاوى قائد العملية الخطة المناسبة لمواجهة القوات الإسرائيلية ومباغتتها فالمفاجأة نصف النصر،وتواجد كل بطل فى كمينه المحدد فى الساعة الثالثة إلا الثلث من فجر الأول من شهر يوليو .

.........................................؟

جاءت القوة الإسرائيلية فى خيلاء وغرور لدرجة أن كشافات الإضاءة للمدرعات والدبابات كانت مضاءة مما ساعدنا فى تنفيذ مهمتهم فمبجرد دخول الدبابات والمدرعات الإسرائيلية كمائننا والتى تعرف بأرض القتل قمنا بالتعامل وتم تدمير القوة الإسرائيلية بالكامل وفى هذه العملية تمكنت من تدمير مدرعة ودبابة وقتل 18 إسرائيليا وهذه المعركة رفعت الروح المعنوية للعسكرية المصرية والجبهة الداخلية والأمة العربية ولم تفكر إسرائيل مرة أخرى فى الإغارة على بور فؤاد وسميت هذه المعركة بمعركة رأس العش نظراً لوجود محطة للسكة الحديد غرب قناة السويس وتبعد عن أرض المعركة بحوالى 200 مترا والمعركة جرت شرق قناة السويس ولذا سجلت فى التاريخ بمعركة رأس العش وقام البطل الفريق محمد فوزى وزير الحربية بتكريمنا أبطال فى أرض الجبهة وتعد هذه المعركة الأولى التى شاركت فيها على مسرح العمليات.

.........................................؟

بعد معركة رأس العش بدأت إسرائيل في تنفيذ المواقع الهندسية على الضفة الشرقية لقناة السويس وفى أواخر شهر أغسطس من عام 1967 تم تكليفي بتدمير أحد البدوزارات الإسرائيلية الموجودة فى منطقة الكاب بشرق قناة السويس وفى الساعة الثانية عشرة ظهرا بدأت في تنفيذ مهمتي وتمكنت من تدمير البدوزر أثناء قيامه بإنشاء المواقع الهندسية الإسرائيلية كما دمرت أيضاً عربة جيب وقتل من بداخلها .

.........................................؟

فى أوائل شهر أكتوبر عام 1967 رصدت المخابرات الحربية المصرية بعض المعدات الإسرائيلية فى شرق قناة السويس مابين المنطقة الواقعة بين الكاب ورأس العش والتى تعرف بمنطقة 18 يونيه وكانت تلك المعدات تستخدم فى إنشاء المواقع الهندسية ولذا تم تكليفي مع ورفاقي بضرب هذه المعدات وفى الساعة العاشرة صباحا هجمت على المعدات الإسرائيلية بأسلحة الأربجية ودمرت مدرعة بالإضافة لبلدوزر وفى الحادى والعشرين من نفس الشهر كنت فوق مبنى دار المعلمات ببور سعيد لمتابعة الموقف فشاهدت بمنظاري الزوارق الصاروخية المصرية وهى تقوم بإغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات فى دقائق معدودة .. وكانت الخسائر الإسرائيلية فادحة لدرجة أن إسرائيل أرسلت رسالة لمصر عن طريق الجنرال أوربو قائد الأمم المتحدة ترجو فيها القوات البحرية المصرية بالكف عن أطلاق النار والمعاونة فى إنقاذ غرق المدمرة إيلات التى كانت تبلغ حمولتها 25500 طن وطاقهما 200 فرد وتعد ثلث القوة البحرية الإسرائيلية .

.........................................؟

فى شهر أغسطس عام 1968 تم رصد بعض القوات الإسرائيلية خلال قيامها بالتدريبات فى وضح النهار على أرض سيناء المحتلة وعند حلول الليل تدخل خنادقها وصدرت الأوامر لنا بتدمير أكبر قدر من هذه القوات الموجودة بمنطقة الطاسة والتى تبعد عن قناة السويس بحوالى 30 كيلو مترات وتحركنا بقيادة البطل الملازم أول سمير محمود يوسف وفى الموعد المحدد كان الانقضاض على القوات الإسرائيلية وكانت عقارب الساعة تشير للثالثة ليلا وبدأ كل بطل فى تنفيذ مهامه وقمت بوضع 5 عبوات ناسفة أسفل 5 دبابات إسرائيلية بالقرب من مواتيرها وثم توصيل المتفجرات بالدائرة الأساسية بمعرفة البطل الرقيب أول إبراهيم أبو الخير وسارعنا بالهروب لمسافة 10 كيلو مترات وانفجرت 16 دبابة من 25 وكان نصيبي 5 دبابات .

.........................................؟

فى العشرين من شهر يوليه عام 1969 قررت القيادة المصرية تكليف مجموعة من أبطال الصاعقة بالهجوم على منطقة شئون إدارية إستراتيجية لإسرائيل فى شرق التينة على بعد 35 كيلو مترات من قناة السويس وتدميرها وفى هذه المنطقة قامت إسرائيل ببناء مجموعة من مخازن الذخيرة والتعيينات والوقود وتمد المواقع بالأسلحة والاحتياجات اللازمة وقد قامت القوات المسلحة المصرية بضربها بالطيران والمدفعية ولكن الضربات لم تؤثر فيها نظرا لعمقها الشديد أسفل الأرض ولذا تم تكليف أبطال الصاعقة بالهجوم عليها وتدميرها وبعد اختيار مجموعة الأبطال لمحت على وجه أحد الزملاء القلق وعدم الاستعداد النفسي فتحدث مع قائد العملية وطلب اشتراكي بدلا من زميلي هذا فوافق القائد وقرر اشتراكي فى العملية وتم تقسيمنا 3 مجموعات كل واحدة تضم 6 ولكل مجموعة مهامها وقائدها وتحركنا وسط المخاطر وقطعنا مسافة 35 كيلو مترات في 8 ساعات وكانت تحركاتنا وفقا لتوقيتات معينة ومحددة ووصلنا للهدف وتقدم من زملائي اثنين لموقع الأفراد الذى كان مُضاءً وتسللا بالقرب من الجنديين الإسرائيليين المكلفين بالحراسة وكانا فى نوم عميق وجهاز الراديو يذيع أغنية لأم كلثوم وتم قتلهما ثم هجمنا واقتحمنا موقع الأفراد وقتلنا من بداخله وأسر من كان ينام على السرير الأول لأنه من المتعارف عليه أنه سيكون القائد وتقدمت نحو مخزن الأسلحة المحدد لي فوجدته مغلقا فكسرته بالبلطة التى معي ودخلت المخزن وعلى الجانب الآخر كان كل بطل من أبطال المجموعة يقوم بدوره فى المخازن العشر الأخرى ومن ينتهى من مهمته يسارع للتجمع فى نقطة التأمين وبدأت فى وضع العبوات الناسفة وتثبيتها وبعد أن انتهيت من مهمتي لحقت برفاقي وبدأ فى تنفيذ مهمة أخرى وبعد أن انتهيت منها نهضت مسرعا لرفاقي الذين سبقوني وانتظروني فى المكان المحدد للتجمع ثم انصرفنا وقطعنا 22 كيلو مترا من رحلة العودة وانفجرت مخازن الأسلحة وأحدثت زلزالا فى المنطقة وقدرت خسائر إسرائيل نتاج تدمير هذه المنطقة بحوالى 40 مليون دولار وقتئذ .

.........................................؟

قامت الطائرات الإسرائيلية بالبحث عننا وصدرت الأوامر بعمل التشكيل الدفاعى الدائرى وقبل أن ينتهى الأمر رصدتني طائرة إسرائيلية وبدأت فى الضرب علي بالصواريخ ولكن راوغت الطيار ولذا اختفى بطائرته لثوان ثم أطلق صاروخه بالقرب مني فأنفجر وأحدث زوبعة رملية كثيفة وأصابت شظاياه جسمي الذى طار فى الهواء ثم سقطت على الأرض مغشيا وبعد فترة قليلة استجمعت قواي ونظرت حولي فلم أجد أحدا وحاولت التحرك فاكتشفت أن يدي اليمنى لا تتحرك فنظرت يمنة ويسرى فوجدت بعض الأشلاء الإنسانية الممزقة فجال بخاطري استشهاد بعض رفاقي فَهمَمت بالنهوض ولكنني لم أستطيع واكتشفت بتر ساقي اليمنى وأيضا اليسرى وهنا أيقنن أن الساقين لي وانتظرت رفاقي بعض الوقت ولكنهم لم يحضروا فتوقعت استشهادهم أو عودتهم لموقعهم ففكرت فى ضرب نفسي بنيران سلاحي حتى لا أقع أسيرا فى أيدى إسرائيل ومن ثم أكون خطراً على رفاقي والقوات المسلحة ومصر ونطق بشهادة التوحيد ثم ضغطت على زناد سلاحي ولكن الطلقات لم تخرج نظراً لدخول الرمال فى السلاح .

.........................................؟

حضر رفاقي لمكاني وقاموا بربط الجروح لوقف نزيف الدم وانطلقوا بي للشاطىء الآخر لقناة السويس وعندما وصلوا للتينة بالقرب من قناة السويس قام الملازم أول الطبيب المختص بعمل الإسعافات الأولية وتعليق محلول الملح لي وقيل للبطل النقيب سمير محمود يوسف قائد الوحدة : لابد من نقلي بمدرعة لمستشفى بور سعيد العسكرى لسرعة إسعافي وإلا فسوف أفارق الحياة بعد 4 ساعات فقال البطل النقيب سمير محمود يوسف:إذا أتينا بمدرعة فسوف ترصدها القوات الإسرائيلية الموجودة فى الضفة الشرقية للقناة وتدمرها ومن ثم سوف نخسر المدرعة ذات الثمن الباهظ وسائقها والبطل عبد الجواد أيضا ولذا لزم علينا التضحية بشخص واحد فقط ،هذا الكلام لم يغضبني بل وجدته قمة الحكمة وسرعة البديهة والفطنة..
وهنا اقترح البطل نبيل نائب القائد سمير محمود يوسف بقيام رفاقي بحملي والتحرك سيراً على الأقدام إلى المستشفى وتحفظنا عناية الله تعالى .

.........................................؟

بالفعل قام الأبطال الجنود عبد الفتاح عمران وصابر عوض وأحمد ياسين بحمليعلى نقالة الميدان وتوجهوا بي للمستشفى ببورسعيد والذى يبعد حوالى 25 كيلو مترات وسط عاصفة من الضرب النيرانى الإسرائيلى وخلال رحلة المسير تعرضنا للاستشهاد أكثر من مائة مرة ولكنهم وصلنا للمستشفى بمعجزة إلهية أعجزت الأعداء .

.........................................؟

علم الرئيس جمال عبد الناصر بهذه العملية التى أحدثت ردود الأفعال المتباينة ففى مصر والدول العربية الفرح والسعادة وإعادة الثقة .. وفى إسرائيل الهلع والفزع والخسارة الكبيرة وقام الرئيس جمال عبد الناصر بصحبة الفريق محمد فوزى بزيارتي فى المستشفى و صافحني وتناقش معي حول دوري فى العملية وأخبرت البطل الرئيس أنني سوف أخرج من المستشفى للجبهة وهنا تنزلت الدموع من عينىّ الرئيس جمال عبد الناصر وقال للفريق محمد فوزى : طالما هذه الروح موجودة فسوف ننتصر بإذن الله تعالى .

.........................................؟

بقيت في مستشفى الحلمية العسكرى مدة 3 شهور ثم انتقلت إلى مركز تأهيل المحاربين بالعجوزة لتركيب الأطراف الصناعية .

.........................................؟

قام الرائد أحمد أنور الذي يعد من أمهر صناع الأطراف الصناعية بتصنيع وتركيب الأطراف الصناعية لي مما جعلني أمشي مثل الفرد العادي تماما وقرر مستشفى الحلمية العسكري إعطاء شهر أجازة لي ثم العرض للرفت من الخدمة العسكرية ولكن بعد تركيب الأطراف الصناعية تذكرت وعدي مع الرئيس جمال عبد الناصر فقررت عدم الذهاب لمنزلنا وسارعت بالذهاب إلى وحدتي الموجودة في جبهة القتال وعندما وصلت استقبلني الزملاء من الضباط والجنود بالفرح والسعادة وكان في مقدمتهم النقيب سمير محمود يوسف الذي استفسر عن سبب حضوري للوحدة؟فقلت:حضرت هنا لمواصلة واجبي نحو وطني ولن أخرج إلا في حالتين فقط وهما تحرير سيناء أو استشهادي .. فمصر ملك الجميع والدفاع عن الوطن فرض عين على كل إنسان يعيش على أرض هذا الوطن ..وهنا بكى النقيب سمير محمود يوسف وقام باحتضاني وسمح بتواجده بالوحدة .

.........................................؟

في السابع من شهر يوليو عام 1970 وخلال تواجدي بالوحدة استرجعت ما سجلته ذاكرتي من احتلال إسرائيل لسيناء وأفعالها الإجرامية ضد جنود مصر في عام 1967 وضربها مصنع الصناعات المعدنية بأبي زعبل في شهر فبراير عام 1970 ومدرسة الأطفال في بحر البقر في الثامن من شهر أبريل عام 1970 فقررت الأخذ بثأري الشخصي وثأر الشهداء الأبرار ورصد البطل مدرعة إسرائيلية كانت تقوم بإحضار جنود الحراسة لأحد المواقع التي تبعد عن وحدتنا بحوالي 3 كيلو مترات وسجلت بذاكرتي موعد حضورها وانصرافها وفي الوقت المحدد انتظرتها حتى دخلت المرمى المؤثر ورددت قول الله تعالى ( وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) سورة يس الآية 9 ،وقوله تعالى ( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) سورة الأنفال الآية 17،وأطلقت دانة من مدفعي الهاون والغير مخصص على الإطلاق للضرب على الدبابات والمدرعات وما هي إلا ثوان معدودة حتى انفجرت المدرعة في معجزة وسابقة لم تحدث من قبل وتم تدمير المدرعة وقتل من بداخلها وعددهم 23 .

.........................................؟

قام البطل النقيب سمير محمود يوسف بتهنئتي على بطولتي هذه والمعجزة التي حققتها عمليا وعلم الرئيس جمال عبد الناصر بذلك فطلب مقابلتي في قصر القبة وقام بتكريمي بحضور سعد الدين الشاذلي قائد سلاح الصاعقة .

.........................................؟

خلال معارك الاستنزاف التى بدأت فى الأول من شهر يوليو عام 1967 واستمرت حتى ليلة الثامن من شهر أغسطس عام 1970 أى ( 3 ) سنوات و ( 37) يوما سجلت سجلات الشرف بطولاتي بآيات الفخر والعزة والكرامة والفداء فقد قمت بـ (18) عملية عبور خلف وداخل الخطوط الإسرائيلية ودمرت 16 إسرائيلية و(11) مدرعة و( 2 ) بلدوزر و( 2 ) عربة جيب وأتوبيسا كما تمكنت مع رفاقي من تدمير ( 6) طائرات إسرائيلية بمطار المليز .

.........................................؟

أعد الجندى المصرى الوحيد الذى تم تكريمه من رؤساء مصر وأيضا الجندى الوحيد على المستوى العالمى الذى قاتل وهو مصاب بنسبة عجز 100 % وأطلقت علي وكالات الأنباء ووسائل الأعلام العديد من الألقاب ومنها الشهيد الحى وبطل معارك الاستنزاف وشيخ المحاربين وأقربها لقلبي الشهيد الحى لأن نصف جسمي بين ثرى التراب الطاهر فى مقابر الشهداء ببور سعيد،وكتب عني الأديب الصحفي والمؤرخ إبراهيم خليل إبراهيم كتابه الجميل البطل الأسطورة .

.........................................؟

فى الثامن والعشرين من شهر نوفمبر عام 1974 تزوجت من هدى عبد الرحيم ورزقنا الله من الأبناء بإيمان ومحمد وأسامة وإسلام ونور الإسلام وجمال وشيماء وهما توأمان ويحفظان القرآن الكريم .

.........................................؟

أقول إلى الشباب : مهر تحرير سيناء الحبيبة كان أغلى من الأموال والذهب وهذا المهر تمثل في أرواح الشهداء والأبطال الذين قطعت من أجسادهم بعض الأجزاء حتى لاتقتطع من أرض الوطن ذرة رمل واحدة ،فحافظوا على هذا النصر العظيم وأعملوا لأجل مصر الحبيبة .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى