السبت ٢٨ شباط (فبراير) ٢٠٠٩
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

البيئة في السنة النبوية

إن مفهوم البيئة لم يعد قاصرا علي البيئة المحلية المحيطة بالكائن الحي، بل اتسع المفهوم ليشمل البيئة الإقليمية وكوكب الأرض بأكمله.. فما يحدث في مكان ما علي سطح الأرض يمكن أن يؤثر في مكان آخر بعيد كل البعد، فمثلا تستخدم ماده الكلور فلور و كربون في العديد من الصناعات كصناعة الإيروسولات مثل: البيروسول المستخدم في مقاومة الحشرات.. وطلاء السيارات ومزيلات العرق ومثبتات الشعر وناعة التبريد.. إلخ.

وقد أدى استخدام هذه المادة الى تآكل مادة الأوزون التي تحول دون وصول الأشعة البنفسجية إلى الأرض فتحمي بذلك الكائنات الحية من الآثار الضارة لهذه الأشعة،وقد اكتشف هذا التآكل بالقرب من القطب الجنوبي، أي: على بعد الآف الأميال من أماكن تصنيع الأيروسولات واستخدامها، وقد حوى القرآن الكريم.. المصدر الأول للتشريع.. كل مايتعلق بحياة الكائن الحي وكل شئ يتصل بالإنسان (مافرطنا في الكتاب من شئ) سورة الأنعام الآية (38).

فالموضوعات وردت مجملة في كتاب الله العظيم وتكفلت السنة النبوية ـ المصدر الثاني للتشريع ـ بتفسيرها وتفصيلها.

وقد تعرضت السنة النبوية للبيئة وتطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه لكثير من المشاكل البيئية التي يعاني منها عالم اليوم علي الرغم من أن المشاكل البيئية في عهده صلي الله عليه وسلم لك تكن معقدة بهذه الصورة التي عليها الآن.

ـ تلوث الماء:

من أجل الحفاظ علي صحة البيئة ونظافة الماء الذي هو أساس كل حياة، فقد نهى رسول الله صلي الله عليه وسلم عن تلويث المياه بالبراز والتبول وكل مايضر بصحة الإنسان وكافة المخلوقات.. فقال صلى الله عليه وسلم (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولايغتسل فيه من الجنابة) معالم السنن ـ الجزء الأول.

ويقول صلى الله عليه وسلم (اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد وقارعة الطريق) معالم السنن ـ الجزء الأول.

ـ حفظ الطعام والشراب من التلوث:

حث رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين على العناية بحفظ الطعام والشراب كي لا يتلوث أو يتعرض للتسمم فنهى صلي الله عليه وسلم عن النفخ في آنية الشرب أو التنفس فيها لئلا تنتقل الجراثيم المعدية إلى الآخرين فقد روي عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال (إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء) سنن الترمذي ـ الجزء الثاني.

ـ الحجر الصحي:

كما أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم بالحجر الصحي قبل أربعة عشر قرنا من الزمان حتى لا تنتشر الأمراض المعدية والأوبئة فقد نهى معلم البشرية صلي الله عليه وسلم أن يفر المرء من بلد فيه الطاعون إلى بلد آخر حتي لا ينتقل المرض معه، فقال صلي الله عليه وسلم عن الطاعون (الفار منه كالفار من الزحف ومن صبر فيه كان له أجر الشهيد) الترغيب والترهيب ـ الجزء الثالث.

وقد ورد عن أسامة بن زيد أن النبي صلي الله عليه وسلم ـ ذكر الطاعون فقال (بقية رجز أو عذاب أر سل على طائفة من بني إسرائيل فإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها وإذا وقع بأرض ولستم بها فلا تهبطوا عليها) سنن الترمذي ـ الجزء الثاني.

ـ تربية الكلاب:

نهى رسول الله صلي الله عليه وسلم عن تربية الكلاب لغير غرض لأنها مصدر رئيسي لطفيليات عديده، ومن المعروف أن الكلاب تظهر حبها للإنسان عن طريق اللعق وهنا مكمن الخطر لأنه من المحتمل أن ينزل مع لعابها بعض الطفيليات لذا يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه كلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب) رواه أحمد ومسلم

و قال صلى الله عليه وسلم: (إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً) رواه البخاري و مسلم
و الغسل بالتراب أقوى من الغسل بالماء، لأن التراب يسحب اللعاب و يسحب الفيروسات الموجودة فيه بقوةٍ أكثر من إمرارالماء، أو اليد على جدار الإناء، و ذلك بسبب الفرق في الضغط الحلولي بين السائل (لعاب الكلب) و بين التراب،

ـ تغطية أواني الأكل والشرب:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه رضوان الله عليهم بتغطية أواني الأكل والشرب فقد روى جابر رضي الله عنه: (أمرنا النبي صلي الله عليه وسلم أن نوكي أسقيتنا ونغطي آنيتنا) سنن ابن ماجة.

ـ غرس الأشجار:

حثنا رسول الله صلي الله عليه وسلم علي غرس الأشجار ورعايتها وحمايتها في أي وقت من الزمان فمن غرس شجرة فهي صدقة جارية له، فالأشجار تقلل من نسبة التلوث هذا فضلا عن ظلها وفوائدها الجمة، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (سبع يجرى للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من علم علما أو كرى نهرا أو حفر بئرا أو غرس شجره أو بني مسجدا أو ورَّث مصحفا أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته) الترغيب والترهيب ـ الجزء الخامس.

وقال صلي الله عليه وسلم (مامن مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقه وما سُرق منه له صدقه وما أكل السبع منه فهو له صدقة وما أكلت الطير فهو له صدقة ولا يروه أحد إلا كان له صدقه) صحيح مسلم ـ الجزء الثالث.

ومما جاء في وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه ليزيد بن أبي سفيان عندما بعثه علي رأس جيش إلي الشام (ولا تقطعن شجرا مثمرا ولا تحرقنه ولا تغرقنه) الموطأ للإمام مالك.

ـ حماية الحيوان:

كما اهتمت السنة النبوية بحماية الحيوانات وحسن معاملتها لأنها مسخره للإنسان وفي نفس الوقت تؤدي وظيفتها في البيئة والحياه إلي جانب الإنسان فقد ورد أن رسول الله صلي الله عليه وسلم (نهى عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد) معالم السنن ـ الجزء الرابع.

وذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم: أن أمرأة قد دخلت النار في هرة لأنها حبستها ولم تتطعمها فقال صلي الله عليه وسلم (عُذبت أمرأة في هرة سجنتها حتي ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) صحيح مسلم ـ الجزء الرابع.

وقد دخل رسول الله صلي الله عليه وسلم حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل فلما رأي النبي صلي الله عليه وسلم وزرفت عيناه فأتاه النبي صلي الله عليه وسلم فمسح ذافران فسكت فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: من رب هذا الجمل ؟ لمن هذا الجمل ؟ فجاء فتي من الأنصار فقال: لي يارسول الله، قال أفلا تتق الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه اشتكى إلىَّ أنك تجيعه وتدئبه.

ومن كل ماسبق نخلص إلى أن السنة النبوية نهجت نهجا خاصا في الحفاظ علي البيئة من أجل أن يحيا الإنسان في بيئة سليمة خالية من الأوبئة والأمراض.
هذا وبالله التوفيق.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى