التجديد وهج الشاعريَّة
عبدالله علي الاقزم - من مواليد (1970) - القطيف - درس اللغة العربية كاتب وشاعر، يكتب لأجل الإنسانية، يؤمن بالتفاعل مع الأخر ثقافيا وفكرياً برؤية شاعرية، وترتكز أدواته الكتابية على ما هو جديد وحداثوي، يقدم قصائده إلى المشهدية الثقافية بفرادة وتميز مدهشين، وتتميز كتاباته بنكهة (كيميائية) وهي خصوصية عبدالله الاقزم، لان القصيدة لديه حالة إنسانية روحية يعيشها ما بين عشق وتصوف فيشرعها خلال فضاءات غير مؤطرة. من هنا كان لنا هذا الحوار مع الكاتب والشاعر عبدالله الاقزم .
يقول الشاعر عبدالله الاقزم:
– أنا لم أذهب إلى الشعر بل هو من جاءني
– الشعر بحرٌ كبير يغسلُ الشاعرُ فيه قلبه
– لا تُوجدُ طريقة مثلى لوهج الشاعريَّة أفضل من التجديد
– أمَّا التفرُّد فلا أسعى إليه من خلال الأنا بل من خلال نحن
– أفضل الكتابة وأنا في حالة استرخاء تام ما بين النوم واليقظة
– الكون كلُّه قائم على لغة التجديد فإذا حاربنا هذه اللغة قتلنا الحياة
– أسلوبي يختلف عن نزار قبَّاني وهذا الكلام ليس من بنات أفكاري
س1- من هو عبدالله علي الاقزم الإنسان أولا، ومن ثم كيف كانت بداياته الأدبية، وكيف جاء إلى عالم الشعر والشعرية..؟
– عبدالله الأقزم الإنسان همُّهُ أن يتواصل مع الإنسان الآخر وأن يُدخل السعادة بقدر ما يستطيع إلى الناس والإنسانيَّة والحياة. بدايتي الأدبيَّة بدأت شرارتها الأولى من جسد القصائد الحسينيِّة والمنابر التي تصدح بعشق محمَّدٍ وعترته الطاهرة في الأفراح والأحزان. أنا لم أذهب إلى الشعر بل هومن جاءني وظلَّ يُدمن في قرع ِ بابي باستمرار. كلَّما ابتعدتُ عنه عاد إليَّ ملتصقاً بظلِّي أكثر من أيِّ وقتٍ مضى. إنَّه قدري أن أصبح شاعراً وأنا سعيدٌ بهذا القدر فالشعر بحرٌ كبير يغسلُ الشاعرُ فيه قلبه والشعرُ الأفق الرَّحبُ للطيران والذوبان على فم الورد الأحمر ومضاجعة رمال الشاطئ والارتقاء نحومعنى أجمل.
س 2 – لماذا على الشاعر أن يحدث أدواته الشعرية وطاقاته الفكرية..؟!
– حتى يواكب نفسه ومحيطه وعالمه وزمانه وإلا فمصير شاعريَّته إلى التآكل والتلف والضَّياع. لا تُوجدُ طريقة مثلى لوهج الشاعريَّة أفضل من التجديد والسعي إلى التجديد أوالمحاولة إلى التجديد فالتجديد عنوان المبدعين الكبار والوقوف عند بيت العنكبوت من دون فكر خلاق سبيل الفاشلين المخضرمين. الكون كلُّه قائم على لغة التجديد فإذا حاربنا هذه اللغة قتلنا الحياة سواء عن قصدٍ أومن دون قصد.في محراب التجديد تستحقُّ الشمسُ أن تشرق من جديد.
س3- كيف كانت لحظة اكتمال القصيدة في داخل عبدالله الاقزم وهل فعلا حصلت..؟؟!
– القصيدة في داخلي ليس لها لحظة للاكتمال ولم أشعر يوماً بهذه اللحظة ولا أريدُ أن َ أشعرَ بهذه اللحظة والذي أشعرُهُ فقط هوأنَّ قصيدتي تتكامل مع قصائدي الأخرى ومع قصائد الشعراء. أنا والشعراء جزيئات تتكامل فيما بينها أنا أؤمن بنظريَّة التكامُل مع الآخر فإذا أبدعتُ وتألَّقتُ فبفضل أقراني من الشعراء أبدعتُ وتألَّقتُ وبفضل وهجهم الشعري ارتقيتُ. أمَّا التفرُّد فلا أسعى إليه من خلال الأنا بل من خلال نحن من خلال الجمع إن أبدعَ أحدُنا فكلُّنا مبدعون وكلُّنا مَنْ فاز بهذا اللقب. فالأنانيَّة الإبداعيَّة في أغلب الأحيان مرضٌ خبيث يجبُ أن تُبتر جذوره من أعماق المحيط.
س 4 - ما تأثير (القطيف) في بلورة تجربة الشاعر عبدالله الاقزم...؟ وما دور المكان في باطن الشاعر..؟
– (القطيف) مدينتي مدينة العلماء والأدباء والفقهاء من ألقابها النجف الصغرى وهي كانت في يوم ٍ من الأيَّام تـُشبه مدينة النجف الكبرى مدينة أمير المؤمنين علي عليها السلام. القطيف هي أمِّي ومرضعتي الحنون. تحت نخيلها السَّمراء تفيَّأتُ ومن عيونها شربتُ وفي حدائقها لعبتُ وفي حاراتها نظرتُ إلى السَّماء نظرة العاشق الولهان وفي يديَّ كتاب الله ونهجُ البلاغة وإلى أرضها سجدتُ سجود العبد الشاكر لله تعالى. القطيف قلادة ذهبيَّة في جيد الخليج. جمالها الساحر أثرى تجربتي الشعريَّة.أمَّا المكان فهوعندي الإنسان والقيم والفضائل. بحضور الجمال الإنساني والقيم الراقية يحضرُ المكان وباختفاء ذلك الجمال المقدَّس يختفي المكان أمامي.
س5- من قصائدك العامودية (المتناثرون... المدارات) بدت لي إنهما تحملان نمطا خاصاً عن كل القصائد التي كتبها " عبدالله الاقزم " لذلك أقول هل هوانكسار روحي، أم هوتأسيس لمذهب المتناجي في كتابة القصيدة..؟
– قصيدة (المتناثرون) قصيدة خرجتْ من أعماق قلبي كتبتُها والجراحاتُ ترسمُ صورها كتبتها والأحزان تنهض مع كلِّ حرفٍ من حروفها وروحي كانت تطيرُ بين نثارها وطوفان أوجاعها هي انكسارٌ كبيرٌ لروحي وشرخٌ دام ٍ لا يُريد أن يلتئم وهي مناجاة في تأسيس مذهب المتناجي. أمَّا قصيدة " مدارات " فهي تختلف عن قصيدتي المتناثرون في لغتها وفي انسيابها وصورها الشعريَّة كانَ همِّي الأكبر في هذه القصيدة هوابتكار صور فريدة من نوعها وقد وفقني الله كثيراً في هذا السعي بشهادة كثير من القراء والنقاد فهاتان القصيدتان منعطفان مهمَّان في حياتي الشعريَّة.وهناك قصائد أخرى شكَّلتْ محطَّات في الرسم البياني لهذا المشوار الطويل.
س6 ) - دعني هنا وستبقى حبي الأول (هما قصيدتان اعتقد إنهما من نمط التفعيلة تعبران عن حالة بوح وهذيان طافح لدى الشاعر عبدالله الاقزم فماذا تقول..؟
– ربَّما هذيان في (دعني هنا) ولكن لا ينطبق هذا مع القصيدة ستبقى حبِّيَ الأوَّل فهذه القصيدة جاءت عن وعي تام لماذا أكتب؟ وعمَّ أكتب؟ وفيمَ أكتب؟ عشتُ تجربة سمعتُها من ها هنا أوهناك فاختمرتْ الفكرة في عقلي وقلبي وروحي فأثمرت (ستبقى حبِّيَ الأوَّل) وكلُّ قصيدة حبٍّ جديدة أوفي رحم الغيب هي حبِّي الأوَّل.
س7- نحس من خلال قراءة قصائدك انك تحت سطوة قصائد الشاعر نزار القباني هل هي صدفة أم هوتأثير غير مباشر أم هي خصوصية الشاعر عبدالله الاقزم، حبذا لوتعطينا فكرة عن هذه..؟
– لستُ تحتَ سطوة الشاعر الكبير نزار قبَّاني والدليل أنني أمتلك بصمتي الخاصَّة بي فأسلوبي يختلف عن نزار قبَّاني وهذا الكلام ليس من بنات أفكاري بل من خلال شهادات أدباء وشعراء كبار ونقاد متمرِّسين. نعم هناك قصائد فيها صدى للشاعر الكبير نزار قباني فالصَّدى شيء والوقوع تحت السَّطوة شيء آخر وهذه الجملة الأخيرة فيها الكثير من المبالغة. فلديَّ مئات القصائد التي لا تشبه نزار في شيء. سأعطيك أمثلة على ذلك قصيدتي " المتناثرون " وقصيدتي " الفولاذيَّة "وقصيدتي " قم يا عراق "وقصيدتي " بسملات على لسان أسئلة عاشقة "وقصيدتي "في محراب الجراح ".....إلخ كلُّها تشهدُ أنني أختلف عن شاعرنا الكبير نزار قبَّاني وأنني لا أقعُ تحت سطوته. متى ما شعرتُ يوماً ما أنني أقعُ تحت سطوة هذا النجم الكبير سأعتزل الشعر فوراً وأقدِّم استقالتي لجماهير الفنِّ الجميل.
س 8- هل الشاعر عبد الله الاقزم أسير طقوس محددة في الكتابة الشعرية أم يأتي إلى محراب القصيدة في غفوة من القدر...؟
– ليس لي طقوسٌ وليس لي وقت محدَّدة للكتابة فأنا أكتبُ ولوكانت الظروف لا تسمحُ بالكتابة.أحياناً تنزلُ عليَّ الكتابة كالغيث المنهمر وأحياناً تتحوَّلُ إلى صحراء قاحلة. أكتب في لحظات الهدوء كما إنني أكتب في وسط الصخب والإزعاج ولكنني أفضل الكتابة وأنا في حالة استرخاء ٍ تام ما بين النوم واليقظة.
س 9 - تنفرد قصائدك بالعمق والإيحاء والجمال،من جانب والوضوح والشفافية من جانب آخر، فما هي مصادر استلهامك الشعري...؟
– المصدر الأوَّل هوالحياة وتجاربُ الناس والملهم الأكبر هوالأنثى وتاء التأنيث والعاطفة التي تسطع في عيون المحبِّين والعشاق.
س10- لقد أصدرت ديوانين هما( من أمطار العشق وخذني إلى معنى الهوى ) كيف كانت الرؤية النقدية لهما..؟
– الأوَّل بشكل ٍعام ٍ جيِّد... أمَّا الثاني فقد حقق قفزة في المستوى واستشفيتُ الأمر من خلال أقراني الشعراء والأدباء الكبار.
س11- من مجاميعك التي لم ترى النور حتى الآن مثل: إلى أين يتجه النيزك،الطريق إلى الجنة،ستبقى حبي الأول ملتهبة، وللحب رياح شمالية،خمس دقائق قبل وصول العاصفة) هل لنا أن نعرف ما هي الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء عدم ظهورها إلى النور..؟؟
– السبب الأكبر هوأنني لم أجد المنتج والموزع فأنا المؤلف وأنا المنتج وأنا الموزع هذه الأدوار أتعبتني كثيراً في تجربتي مع ديواني من أمطار العشق والثاني خذني إلى معنى الهوى. المؤسسات الموجودة التي تتكفل بالإنتاج والتوزيع شروطها لا تعجبني.
س12- لقد اختيرت قصيدتك ( شقَّ السَّماءَ بنوره ) من أفضل القصائد التي قيلت في النبيِّ (ص) ووضعت بين كبار الشعراء العرب الذين قالوا في النبيِّ( ص) على مرِّ العصور ككعب بن زهير وأحمد شوقي والبوصيري، والسيد مصطفى جمال الدين والدكتور الشيخ أحمد الوائلي... إلخ ما وقع هذا التصنيف على ذات عبد الله الاقزم..
– لقد أبكاني كثيراً من أنا حتى أكون بين هؤلاء العمالقة. هذا التصنيف دفعني نحوالوهج الإبداعي أكثر وأكثر من ذي قبل وحمَّلني مسؤولية كبرى.
س13- بماذا تعلق على ما كتب عنك من هذه العبارات في وسائل الإعلام: ( إنه من أساطير الشعر العربي )- (شاعر الأنبياء)..؟
– هي أوسمة لا أستحقها ولكن تضعني أمام أعباء كبيرة للتحدَّي ومواجهة الجبال مهما كانت في قساوتها وجبروتها والسعي الحثيث نحوالقمَّة.وهي أجوبة مُزلزلة لكلِّ من حارب شعري بحسده الكبير
س 14- قيل في الشاعرعبدالله الاقزم كلام مفاداه: انه يذكِّرُنا بروائع الأولين وكأنَّ عنترة بن شدَّاد خرج لنا من غياهب التأريخ ومن عبق الزمان الأوَّل لينشد لنا هذه الرائعة..؟ ألا تعتقد بان قائل هذه العبارة وفي ظل الحداثة الشعرية يريد الإياب بعبدالله الاقزم إلى زمن الجاهلية.
– الرجوع إلى التراث ليس ضد الحداثة كم من نصٍّ قديم أكثر حداثة من أيِّ نصٍّ يكتبه الحداثيُّون. الحداثة مواصلة الماضي بالحاضر في لغة مبدعة مبتكرة متجدِّدة في كلِّ عصر،وهذه المقولة التي أوردتَها أنتَ هنا تفنِّدُ المزاعم التي تقول إنني تحت سطوة الشاعر الكبير نزار قبَّاني وتضربُ بهذه المزاعم عرض الحائط هذا إن بقي هناك حائط.
س15 – أفردت لك الكثير من المنابر ومن المواقع الأدبيِّة والثقافيِّة الالكترونية والورقية صفحاتها للكتابة فيها من الناحية الأخرى إلا ترى معي بان هذا النشر يستهلك طاقة الشاعر الروحية والفكرية إلى أن يصنف بشاعر المستهلك،ماذا يقول عبدالله الاقزم في هذا الموضوع..؟
– في العادة لا أكتب في الشهر إلا نصَّاً واحداً وأشترط على نفسي أن يكون النصُّ أهلاً للنشر وإلا حكمتُ عليه أن لا يُنشر ويظلَّ في الظلِّ أوأرميه إلى سلَّة المهملات.أوأنسفه في اليمِّ نسفاً أوأتركهُ قاعاً صفصفاً. هكذا أتعامل مع شعري. لا مجاملة ولا مُهادنة. يكونُ أولا يكون. فّإذا برز نصٌّ بين أصابعي ولمع وسطع فمكانه أن ُ يُنشرَ في المواقع الأدبيَّة والثقافيَّة الإلكترونيَّة والورقيَّة. بهذه الطريقة لا أستهلك نفسي ومن يشترط عليَّ بنصٍّ غير منشور مِن قبل سأقول له مع السلامة، في أمان الله فقصائدي هي ملك لجميع القراء ومن دون استثناء من أقصى الأرض إلى أقصاها.
س 16- إلى أي مدى استفاد الشاعر عبدالله الاقزم من الحركة النقدية في العالم العربي، وخاصة في تطوير أدواته الشعرية ولكن هل تقبل النقد أصلا..؟!
– أقبل النقد إذا كان هادفاً بناءً ووجودي بين عمالقة الشعر أفادني كثيراً وأثراني وساهم في تطوُّر شعري وازدهاره.أمَّا الحركة النقديَّة في العالم العربي فهي في حالة جزر ٍ في الوقت الراهن. آملُ أن تنهضَ من سباتها العميق وتترك الجلوس بين المقابر لأنني أخشى عليها من موتٍ قادم ٍ قاتم.
س 17 - في نهاية هذا الحوار أرجومنك سيدي الكريم أن تحدثنا قليلا عن مشاريعك الأدبية الحالية منها والقادمة..
– إن شاء الله ديواني الثالث (إلى أين يتجهُ النيزك)؟؟؟ سيرى النور عن قريب.وهناك من الدواوين من ينتظرُ دوره في النشر. مشاريعي الأدبيَّة كثيرة والأيَّام القادمة ستتكفل في إظهارها للناس لكلِّ الناس. في ختام المقابلة لا يسعني إلا أن أشكرك على هذا الحوار الجميل وأشكر القراء الكرام. لك ولهم أحلى الحبِّ وأحلاه. أخوكم المحب عبدالله علي الأقزم..