الاثنين ١٤ تموز (يوليو) ٢٠٠٨
بقلم جميل حمداوي

السينما الأمازيغية بمنطقة الريف

تقديـــــم:

عرفت منطقة الريف في السنوات الأخيرة حركة ثقافية دؤوبة متميزة بكثرة العطاء والإنتاج كما وكيفا بفضل مجهودات أبنائها الغيورين على أرض الأجداد، والمعروفين لدى الجميع بالحنين إلى الجذور، والدفاع عن الكينونة الأصيلة، والتشبث بالهوية الأمازيغية.

ومن دواعي هذه الحركة الثقافية الزاخرة انتشار التعليم في كل أرجاء المنطقة من مستوياته الدنيا إلى مستوياته العليا، دون أن ننسى دور المركب الثقافي بالناظور الذي أعطى نفسا جديدا للفعل الثقافي بالمدينة علاوة على تأسيس الكلية المتعددة الاختصاصات بسلوان التي شرعت في تكوين الطلبة في مجال الحضارة الأمازيغية إلى جانب استحداث مسلك الأمازيغية مؤخرا بجامعة محمد الأول بمدينة وجدة، والذي بدأ يمد منطقة الريف بأطر فاعلة في مجال اللغة والثقافة الأمازيغيتين، دون أن نغض الطرف عن الأثر الإيجابي الذي تركه الاعتراف الرسمي بالأمازيغية في وسط المجتمع الأمازيغي بصفة عامة والمجتمع الريفي بصفة خاصة.

وفعلا، لقد تحققت نهضة أمازيغية كبرى بمنطقة الريف في جميع الفنون والآداب والعلوم والمعارف، وتتمظهر هذه النهضة بكل جلاء في الشعر والمسرح والتشكيل والأزياء والسرديات وتاريخ الريف وأرشفة المقاومة والنقد الأدبي والإعلام والصحافة. بيد أننا مازلنا نعرف صعوبات وتعثرات على المستوى السينمائي بسبب قلة الإمكانيات المادية والمالية ونقص في التكوين الدرامي والسينمائي.

إذا، ماهو واقع السينما الأمازيغية بمنطقة الريف ؟ وماهي آفاقها المستقبلية؟

1/ " صراع القبائل" لعبد الله عاصم أول سيناريو أمازيغي:

ظهر " صراع القبائل" للدكتور عبد الله عاصم (1) سنة 1966 بالدار البيضاء في شكل مخطوطة سينارستية ميزانسينية، وهي تحمل بين طياتها بعدين: البعد التاريخي والبعد السينمائي. وتجري حوادث السيناريو إبان العقد الثاني من القرن العشرين في منطقة الريف الشرقي من المغرب. ويعد هذا العمل السينمائي الريفي في اعتقادنا أول سيناريو أمازيغي بالمغرب، بيد أنه لم يخرج إلى حيز الوجود تمثيلا وإخراجا وإنتاجا وتوزيعا إلى حد الآن لأسباب مادية وتقنية، ولأسباب سياسية تتعلق بوضعية الريف التي مازالت تثير تخوفات السلطة المغربية.

تجسد لنا حبكة السيناريو التاريخية تلك الصراعات القبلية الموجودة بين قبائل منطقة الريف حول أتفه الأسباب كالصراع حول الزعامة والعصبية القبلية والكلأ وماء الشرب.وكانت هذه المنطقة تعرف ببلاد السيبة؛لأنها غير خاضعة لحكم المخزن أو تابعة لسلطة السلطان. وقد جعلتها هذه الوضعية السياسية في دوامة من الغارات والهجمات غير المبررة شرعيا؛ مما كان ينتج عنها سفك الدماء والقتل وتدمير بنيات القبائل من عمران وموارد وبشر.

وهكذا يصور السيناريو ذلك الصراع بين قبيلة مطالسة بقيادة ذي الكلاب وبومدين، وقبيلة الريف بقيادة وموح وأولاده. ومن المعروف تاريخيا أن كلمة الريف كانت لا تطلق إلا على قبائل بني ورياغل، وتمسمان، وبني وليشك، وبني توزين. أما القبائل الأخرى كمطالسة، والقلعية، وكبدانة، فكانت من القبائل الشرقية، ولم تدرج تحت اسم الريف إلا في تاريخ متأخر. ويعني هذا أن هناك حروبا قبلية مثل حروب الريفيين والقلعيين التي لم تنطفىء شعلتها الدامية إلا بدخول المستعمر الأجنبي الذي وحد كل قبائل الريف صفا واحدا لمجابهة العدو الدخيل.

هذا، وقد أشعل الحقد المضمر في نفوس كل من وموح وبومدين وذي الكلاب إلى زهق الأرواح بسبب غطرسة هؤلاء القادة المستبدين، وإسالة الدماء بين الإخوة الجيران دون الاحتكام إلى الوازع الديني أو الضمير الإنساني. وهذا يبين مدى العبث الذي كان تعيشه القبائل الريفية والقلعية في ظل حكم منطق القوة والسيبة؛ إذ كان القوي يأكل الضعيف، فالبقاء – إذا- للأقوى والأصلح بالمفهوم الدارويني للحياة.

لكن حمو سيقوم بدور جبار في نشر السلم ولغة التصالح وإزالة الأحقاد بين هذه القبائل المتناطحة إلى جانب زوجة الأعور التي كان بعلها يحالف مطالسة؛ لأنهم أولا:أصهاره، وثانيا: كانت زوجته شقيقة بومدين. وعندما اشتعلت المعارك بين مطالسة والريف، وشاركت الكلاب في تهييجها وإضرام فتيلها، اضطر حمو إلى نصب الشراك لكل من الأعور وذي الكلاب ووموح من أجل تأديبهم وتوعيتهم حتى يبتعدوا عن خطاب العنف والحرب والقتل واستبداله بخطاب الحوار والسلم والاحتكام إلى منطق القانون والشرع، وتطبيق بنود عقود التصالح وعدم مخالفتها وعدم استخدام الأسلحة بطريقة غير شرعية. وقد سبقت زوجة الأعور حمو إلى حمل رايتها الخضراء لإيقاف هذه الحروب التافهة، وحاولت أن تقنع شقيقها بومدين بعدم الخوض فيها لعواقبها الدنيئة والخطيرة. بيد أن ذا الذئاب كاد أن يقتلها بعد أن أرداها أحد جنوده طريحة على الأرض في جروحها ودمائها؛ مما دفع حمو لإنقاذها وحملها على فرسها متجها بها حيال زوجها الأعور الذي سيجعل من حمو صديقا وفيا له ورجل سلام حقيقي على غرار زوجته.

وفي الأخير، ستحاصر قوات مطالسة والريف بيت حمو مطالبة إياه بإطلاق سراح القائدين موح وذي الكلاب. لكن حمو سيقنعهم بضرورة التخلي عن أسلحتهم والاحتكام إلى لغة السلم والاستعداد لخوض الحرب ضد العدو الأجنبي. ويطلق سراح القائدين بعد أن استجاب الطرفان المتناحران لشروط الهدنة وصك الاتفاق من أجل السلم والأخوة والاتحاد ضد القوات الإسبانية الغازية لقبائل قلعية والريف حيث وصلت إلى مركز أعروي وتزطوطين.

وفي هذا السياق الحربي والوطني، أظهر حمو وموح وذو الكلاب بسالة وشجاعة نادرة في محاربة الجيش الإسباني المتمركز بمنطقة العروي حيث لقنوه درسا لا ينسى في الصمود والتخطيط الحربي والبطولة الجهادية الخارقة، بله عن سياسة التسامح والتخلق بالعفة خاصة حينما ركز السيناريست بكاميراه الثابتة تكبيرا للقطة الفيلمية واقترابا من شخصية حمو لينقل لنا بصريا معاملته الإنسانية الرائعة للحسناء الإسبانية عندما أعادها إلى جيش العدو الذي كانت ترافقه باعتبارها مساعدة طاهية.

ويصدر السيناريست عن رؤية إخراجية وسردية من الخلف لوجود الكاميرا الخلفية وضمير الخطاب والاستقراء الخارجي والداخلي على غرار الروايات التاريخية الكلاسيكية. بيد أن السيناريست لم يستثمر العقدة الرومانسية بشكلها الفني على غرار السيناريوهات الرومانسية الأوربية أو العربية كما في الأفلام التي اعتمدت على سيناريوهات روايات نجيب محفوظ، ويوسف السباعي، وإحسان عبد القدوس، وعبد الحليم عبد الله، وربما هذا راجع في رأيي إلى تقاليد أهل الريف وعفتهم وأنفتهم وابتعادهم عن كل ما يخدش الأخلاق والقيم الأصيلة. كما أن هذه المخطوطة السينارستية تشبه- سينوغرافيا- فيلما دراميا أمريكيا أو ما يسمى بأفلام الويستيرن أو رعاة البقر لتشابه اللوحات واللقطات الحركية السينمائية والفضاءات المجسمة.

ولم يقف السيناريست عند تقطيع المشاهد والوحدات الحركية وترقيمها وتحديد اللقطات الفيلمية فحسب، بل كان يعين طبيعة الكاميرا ومواصفاتها، وحالة المكان والزمان ونوعية الشخوص وكيفية ترجمة الأحداث واقعيا وحركيا. أي إن عبد الله عاصم كتب روايته بطريقة بصرية سينارستية تؤهل عمله ليتحول بهذه المشاهد الكثيرة ليصور في أكثر من ساعتين في بيئة الريف الأمازيغية اعتمادا على فيلم 35 ملم.

ومن المعلوم، أن الدكتور عبد الله عاصم كتب عمله السيناري في 20 شتنبر سنة 1965 وهو في برلين متأثرا في ذلك بمجموعة من المخرجين السينمائيين الألمان. وفي هذه الفترة بالضبط كان مغرما بتتبع المخرجين والفرق المسرحية والسينمائية راغبا في معرفة تقنيات الكتابة السينمائية والمسرحية قصد خلق نصوص سينوغرافية سينمائية مماثلة؛ مما جعل هذه الرواية تخرج عن نطاق السرد الأدبي والوصف الحكائي إلى الكتابة السينمائية لوجود عملية التقطيع( 27 مقطعا أو لوحة سينوغرافية)،علاوة على الإرشادات الدرامية والإخراجية، واللقطات الفيلمية، والمونتاج المتسارع. ( 2) ويعني هذا أن الرواية كتبت بإيقاع سينمائي سريع على غرار أفلام " الأكشان- أكسيون" لوجود لغة واضحة نابضة بالواقعية، وبساطة الإيجاز، واستخدام الصورة السينمائية التي تعوض الصورة البلاغية اللفظية. ويعني هذا كذلك، أن السيناريست يستعمل الصورة اللفظية والصورة البصرية لتشكيل الأحداث المرصودة فيلميا وحركيا. وكنت أتمنى من الكاتب أن يكتب هذه الرواية السينمائية باللغة الأمازيغية لمنطقة الريف بدلا من استخدام اللغة العربية لكي تنسجم الأحداث موضوعيا مع لغة الشخصيات والأفضية الريفية والتصوير السينمائي الحي. والداعي إلى ذلك أن الكاتب يكتب العربية بالأمازيغية ويقع في عيوب الترجمة وثغرات خيانتها. وأنصح الكاتب / السيناريست أن يعيد كتابة هذا السيناريو باللغة المحلية ( الأمازيغية الريفية) لكي تتماثل الأحداث مع لغتها الحقيقية وهويتها الأصلية.

وعلى أي، فإن " صراع القبائل " عبارة عن سيناريو تاريخي هائل يستلزم كثيرا من الممثلين والتقنيات والأطر البشرية والإمكانيات المادية والمالية. كما أنه وثيقة مرجعية صادقة على فترة من فترات تاريخ الريف المعاصر الذي تحول فيه الصراع القبلي الداخلي إلى صراع خارجي لمواجهة الاستعمار باسم الدين والوطنية. كما أن من حسنات هذه الوثيقة أنها كتبت سينمائيا ودراميا قصد التشخيص والتمثيل والإخراج الدرامي. لذا، نطلب من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أو من أية جهة أخرى أن يقوم بإخراج هذا السيناريو الرائع في أقرب الأوقات وتمويله إنتاجا وتوزيعا؛ نظرا لأهمية هذا السيناريو على المستوى التاريخي والتجاري والفني والجمالي.

2- الإرهاصات السينمائية:

لم تظهر السينما الأمازيغية بالريف إلا في السنوات الأخيرة من القرن العشرين وبدايات الألفية الثالثة في شكل إرهاصات درامية أولية شكلت البداية الجنينية للسينما الأمازيغية بمنطقة الريف عبر تصوير أفلام يديو. بيد أن البكرات المصورة كانت تتسم بالضعف والبساطة من حيث السيناريو والتمثيل والإخراج والإنتاج والتصوير كفيلم " ثاغارابوت/ الباخرة" الذي صور زيف الهجرة السرية وسرابها الواهم، وقد مثل فيه كثير من ممثلي مدينة الحسيمة. والتقطت أغلب المشاهد الفيلمية من خلال رؤية خارجية حيث نجد الكاميرا تنتقل بين فضاءين أساسيين وهما: فضاء الحسيمة وفضاء طنجة. واستخدمت في هذا الفيلم اللغة الريفية، وآلات التصوير البسيطة، واللقطات البعيدة الوصفية الممتزجة باللقطات القريبة لتقريب الشخصيات وتجسيد ملامحها الخارجية واستكناه أبعادها النفسية واستقراء أحوالها الاجتماعية.

ويتمثل سينوبسيس الفيلم في تصوير شاب ريفي يرغب في الهجرة إلى الضفة الأخرى لتغيير ظروفه المادية والمعنوية، فيطلب من أسرته مساعدة نقدية. لذا، تضطر الأسرة إلى بيع الأرض وما تملكه من ماشية من أجل إرضاء طلبات الابن وحاجياته. لكن الابن سيقدم كل مالديه من نقود إلى مهرب زائف، فينقله في قارب مع مجموعة من الهاربين الحالمين إلى منطقة مغربية معتقدين أنها إسبانيا الحلم. وفي الأخير، سيكتشف الهاربون حقيقة اللعبة المحبكة، وسيعرفون أنهم كانوا ضحية خداع موهوم من قبل سماسرة الزيف والسراب.

3/ " إمزورن" أول فيـــلم أمازيغي تلفزيوني بالريف:

من المعلوم أن أول فيلم تلفزي أمازيغي ناطق بالريفية هو فيلم:"إمزورن " الذي أنتجته شركة:" دعاء" لفائدة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية. والفيلم من إخراج جمال السويسي الذي أنهى تصويره في 17 يناير من سنة 2008م، وقد صور هذا الفيلم الطويل داخليا وخارجيا ما بين مدينة الحسيمة وبلدة إمزورن.

ويستدعي هذا الفيلم الدرامي الاجتماعي مشاكل أسرية مرتبطة بتداعيات أحداث الزلزال الأخير الذي ضرب مدينة الحسيمة.

ومن الممثلين الأمازيغيين الذين شاركوا في هذا الفيلم نذكر: بطل الفيلم سعيد المرسي، ولويزا بوستاش، وفاروق أزنابط، وطارق الشامي، وسعيد عبيد، وسميرة المصلوحي...

4/ الأفـــــلام القصيرة:

ظهرت مجموعة من الأفلام والأشرطة القصيرة بمنطقة الريف (بمدينة الناظورعلى سبيل التخصيص) ناطقة باللغة العربية أو بالدارجة، وقد سهر على إنجازها الأستاذ عزالدين الوافي. وتتميز هذه الأشرطة القصيرة بكونها أشرطة تربوية، وتخييلية،وتوجيهية، وتجريبية.

ومن أشرطة فيلموغرافيا عزالدين الوافي لابد من استحضار:

  شريط فيديو قصير تجريبي ( فابولا صفر)، جائزة أحسن سرد فيلمي بمهرجان سيدي قاسم سنة 2007م؛
  شريط تربوي قصير(الصورة البلاغية)، سنة 2007م؛
  شريط فيديو قصير(المرآة)، سنة 2007م؛
  شريط فيديو قصير(أبواب الياسمين)، الجائزة الثانية بمهرجان سطات سنة 2008م؛
  شريط فيديو قصير تحسيسي حول السيدا (طعم الفراولة)، سنة 2008م؛
  شريط فيديو قصير خيالي(صمت الصدف)، سنة 2008م؛
  شريط فيديو قصير خيالي (مارشيكا)، سنة 2008م؛
  شريط فيديو قصير(ملح الذاكرة)، سنة 2008م.

وبعد ذلك، برزت مجموعة من الأفلام الأمازيغية القصيرة كالفيلم الذي صورت مشاهده بين الريف وبلجيكا، وهومن إخراج زكريا بقالي، وتشخيص سعيد السعيدي، ومشاركة طلبة مؤسسة السينما ببلجيكا. ويصور الفيلم هجرة ريفي إلى أوربا لأول مرة. وأغلب التقنيين في هذا الفيلم بلجيكيون، كما أن الفيلم من إنتاج شركة إصوراف الأمازيغية الكائنة بأرض المهجر.

هذا، وقد أنجز المخرج سعيد عابد فيلما اجتماعيا قصيرا بعنوان:"حالة من36" يصور زوجا أمازيغيا بمنطقة الريف يتعاطى المخدرات والسموم الفتاكة بشره كبير، فيدمر أسرته الصغيرة بتصرفاته المشينة وسلوكاته المازوشية. ومن ثم، يتحول الفيلم إلى حالة سيكولوجية اجتماعية، وهستريا جنونية، وتمرد عن الواقع الموبوء بالتفاوت الطبقي ناهيك عن كونه ثورة على تناقضات الواقع الاجتماعي.

ويتخذ الفيلم في جوهره طابعا تربويا تحسيسيا على الرغم من أطروحته الاجتماعية السياسية التي تتمثل في إدانة ظاهرة المخدرات في المجتمع الريفي. وتتسم سينوغرافيا الفيلم بالواقعية التسجيلية القائمة على تصوير فظاعة مجتمع المخدرات وانبطاح الشباب فيه قيميا وأخلاقيا. واستعملت في إضاءة الفيلم وتجسيد لقطاته المشهدية أدوات التصوير البسيطة، كما اعتمد على الفضاء المكاني الداخلي(الغرفة) لتصوير المشاهد على ضوء رؤية خارجية محايدة حاولت أن تشوه الممثل الرئيس تشويها كاريكاتوريا وكروتيسكيا بفعل انسياقه وراء عالم المخدرات.

وعلى العموم، فقد أدى عبد الواحد الزوكي دوره أداء جيدا عبر تشخيص شخصية مخيفة مرعبة إلى جانب ثلة من الممثلين الذين كان لهم أول لقاء مع فن التمثيل السينمائي والدرامي. كما لاننسى أن طارق العاطفي هو الذي تكلف بالمونتاج وتركيب اللقطات الفيلمية عبر بكرة سينمائية قصيرة.

ومن الأفلام الأمازيغية القصيرة الجيدة نذكر فيلم" سلام ذ - ديماتان/سلام والضفدع)، ويستغرق في إيقاعه الدرامي الانسيابي ربع ساعة من الاسترسال الزمني والمشهدي. وقد حاز هذا الفيلم القصير على الجائزة الكبرى يوم الأحد22 يونيو 2008م بتطوان ضمن فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان مرتيل السينمائي الذي شاركت في مسابقته34فيلما قصيرا وعشرة أفلام وثائقية من المغرب وإسبانيا وأمريكا اللاتينية. وتترأس اللجنة المكلفة بتقويم أفلام مسابقة المهرجان السيدة أنا أرييطا المعروفة بكونها المديرة العامة لأكاديمية الفنون والعلوم السينمائية بإسبانيا.

ومن المعلوم أن فيلم " سلام ذ- ديميتان" قد عرض قبل ذلك بالمركب الثقافي بمدينة الناظور يوم 09 ماي 2008م، كما عرض في عدة ملتقيات سينمائية كبلجيكا، وتركيا...، وهو من إنتاج شركة ثازيري للإنتاج السمعي البصري التي يديرها الروائي والمسرحي الأمازيغي محمد بوزكو. أما إخراج الفيلم فكان من نصيب محمد أمين بنعمراوي، وتشخيص: سعيد المرسي، والطيب المعاش، ولويزا بوستاش،وعلاء الدين البشيري، ورشيد معطوك، ومصطفى الزروالي...

وقد صرح محمد بوزكو منتج هذا الفيلم القصير لجريدة " الأحداث المغربية" في عددها ليوم الثلاثاء 25/06/2008 بخصوص تتويج فيلمه القصير بالجائزة الكبرى لمهرجان مرتيل السينمائي قائلا:" بأن هذه هي أول مشاركة لهذا الفيلم ضمن مهرجان وطني، وبأن الهدف من وراء إنتاجه هو الرفع من مستوى الممارسة السينمائية في الجهة الشمالية الشرقية، وبالضبط في مدينتي الناظور والحسيمة اللتين ينعدم فيهما الإنتاج السينمائي، والمساهمة في بلورة مشروع سينمائي يراعي شروط الجودة ويرقى بمستوى الذوق ويعكس قيم الفن والجمال".

ويستهل المخرج فيلمه القصير بتقديم لقطة خارجية كبيرة تنقل لنا فضاء المدينة عبر سيارة رونو التي تقل الشخصية الرئيسية في اتجاه فضاء بدوي طبيعي قاحل. وبعد ذلك، يوظف المخرج الكاميرا المتوسطة لينقل لنا فضاء المدرسة الذي آل إلى الخراب والبوار بفعل الإهمال والنسيان.

ومن هنا، تتحول العدسة المتوسطة إلى لقطة قريبة لتنقل لنا صورة سلام وهو يدخل إلى قسم المدرسة الذي كان يدرس فيه، فيتذكر طفولته بعد 25 سنة من الغياب. ثم، يأخذ ورقة ليرسم مدرسته ويدون ذكرياته الحميمية. ويستغل المخرج في هذه اللحظة فلاش باك والعودة إلى الوراء، فينقل لنا عبر التخييل الواقعي سلام وهو طفل صغير داخل فصل الدراسة يتحدث مع صديقه عن الرسوم المتحركة " ديميتان" التي كان يشاهدها على شاشة التلفزة الجزائرية.

وبعد ذلك، ينقل لنا المخرج معاناة الطفل سلام مع أمه التي كانت تطلب منه دائما البحث عن الماء، وتكليفه بحمل قنينة الغاز الثقيلة. بينما هو في أعماقه الوجدانية متعلق بمشاهدة الرسوم المتحركة " ديميتان أو الضفدعة الجميلة". وكانت هذه الرسوم المتحركة تعرض في دكان الحي البعيد عن منزل سلام الخرب. فيجد سلام صعوبات جمة في كيفية التوفيق بين ضروريات المنزل ورغبته في مشاهدة الحلقة الأخيرة من المسلسل الكارتوني ّ ديميتان".

ومن هنا، يبين لنا هذا الفيلم القصير معاناة الطفل الأمازيغي القاصر في عالم البادية وربوعه القاحلة، ويصور لنا أيضا حرمان الطفل من التعلم واللعب ومشاهدة الأفلام المتحركة. ويجسد لنا أثر قسوة الطبيعة القاحلة الجدبة على حياة الطفل الذي يتحمل أعباء الطريق من أجل الحصول على الماء وقضاء حاجيات الأسرة. ويعني هذا أن الطفل يقوم بوظيفة الكبار، ويحرم من التعلم والدراسة واللعب والضحك ومصاحبة أقرانه الأعزاء وأصدقاء سنه.

ومن الناحية الجمالية، فقد انتقل المخرج من اللقطة الكبيرة إلى اللقطة القريبة جدا(لقطة الزوم) عبر المرور بلقطات متوسطة وقريبة من أجل تقديم الفضاء المكاني الخارجي للمدينة والبادية والطبيعة الخصبة والجدبة لينتقل بعد ذلك إلى تقريب الشخصيات وتحديد ملامحها السلوكية والنفسية والجسدية عبر تبئير الأفعال وتجسيدها دراميا. كما يتأرجح التصوير الفيلمي بين الفضاء الداخلي والفضاء الخارجي، وإن كان التصوير الخارجي هو الغالب على هذا الفيلم القصير الرائع.

كما ينماز الفيلم بالرؤية الخارجية، والتصوير الواضح من حيث الرؤية المشهدية، وانتقال الكاميرا بشكل سريع في التقاط اللوحات الفيلمية، واعتماد المونتاج المتقطع القائم على فلاش باك والعودة إلى الحاضر بعد معايشة الماضي واستذكار حلاوته الشيقة وطفولته العذبة وذكرياته المتوهجة.

وعلى أي حال، فالفيلم يتسم بالطابع الاجتماعي وإن كان يحمل رسالة تربوية تحسيسية توجيهية تدعو إلى احترام خصوصيات الطفل الأمازيغي القاصر، والدفاع عن حقه في اللعب والتعلم لتكوين شخصيته الذاتية ذهنيا ووجدانيا وحركيا.

5/ النقـــد السينمائي:

يعد عزالدين الوافي من أهم نقاد السينما بمنطقة الريف، وهو عضو نشيط في اتحاد كتاب المغرب، وعنصر بارز بجمعية نقاد السينما بالمغرب.

هذا، وقد كتب عدة سيناريوهات لأفلام قصيرة، كما ألف عدة كتب حول التلفزيون والإعلام والسينما.

وقد صنف الأستاذ عزالدين الوافي مجموعة من الكتب والدراسات، يمكن حصرها في الكتب التالية:

1- لعبة الظل- لعبة الضوء،منشورات مرايا، الطبعة الأولى 2005م، يضم الكتاب 103 صفحة من الحجم المتوسط، وهو من منشورات مطبعة اقرأ بالناظور؛

2- بنية اللغة السينمائية، الطبعة الأولى سنة2008م، مطبعة اقرأ بالناظور، والكتاب في 122 صفحة من الحجم المتوسط، ويتناول الكتاب اللغة والكتابة الفيلمية، والقصة والحوار والسرد،وكتابة السيناريو.

ومن النقاد السينمائيين الذين ينتمون إلى المنطقة الريفية لابد من ذكر الأستاذ بشير القمري الذي ألف كتابا نقديا حول السينما في 121 صفحة من الحجم المتوسط بعنوان:" دراسات في السينما"، والكتاب من منشورات الزمن لسنة 2004م. بيد أن الكتاب يتناول السينما المغربية والعربية والأمريكية والإيطالية من خلال نموذج فيليني مخرج أفلام الواقعية الجديدة.

كما كتب جميل حمداوي مجموعة من الدراسات والمقالات حول السينما بصفة عامة والسينما الأمازيغية بصفة خاصة. ومن هذه المقالات نذكر مايلي:

  (أدوات الكتابة السينمائية في تخطيط الحبكة السردية)، جريدة المنعطف الثقافي، المغرب، السبت/الأحد 18-19 غشت، 2007م، صص:6-8؛

  ( كيف تكتب السيناريو السينمائي؟)، جريدة الرأي الحر، وجدة، المغرب، الأربعاء 28 نونبر2007م، ص:11؛

  (السيناريو السينمائي... فن يتكئ على الاقتصاد والتوازن والتوقيت)، مجلة جريدة الفنون، الكويت، العدد87، مارس 2008م، صص:38-41؛

  ( مدخل إلى النقد السينمائي المغربي)، جريدة العلم الثقافي، المغرب، الخميس 22 يونيو2006، ص:3؛

  (صراع القبائل لعبد الله عاصم أول سيناريو أمازيغي)، موقع الأكاديمية المغربية للثقافة الأمازيغية،www.jamilrifi.net؛

  (السينما الأمازيغية بمنطقة الريف: واقع وآفاق)،موقع الأكاديمية المغربية للثقافة الأمازيغية،www.jamilrifi.net.

أما السيناريست عبد القادر المنصوري فقد أطر الكثير من الشباب المتعطش إلى الفن السينمائي في منطقة الريف وخاصة في مدينة الناظور، فقدم في ذلك مجموعة من الدروس النظرية والتطبيقية ولاسيما في مجال السيناريو والمونتاج والإخراج السينمائي بكل من أزغنغان ودار الشباب بنفس المدينة، واستطاع أن يكون لنا السيناريست المتميز سعيد عابد تكوينا جيدا.

6/ واقع السينما الريفية:

إذا كانت السينما السوسية بالمغرب قد عرفت انتعاشا فنيا كبيرا كما وكيفا في العقود الأخيرة، فإن السينما الأمازيغية بمنطقة الريف مازالت متعثرة وضعيفة لأسباب ذاتية وموضوعية. وعلى الرغم من هذا التعثر على المستوى السينمائي الذي يمكن تداركه مستقبلا، فإن منطقة الريف تبدو متفوقة تفوقا كبيرا في مجال الآداب والكتابات التاريخية والنقد الأدبي والفنون المسرحية والإعلام الصحفي.

وعليه، فالسينما الأمازيغية بالريف مازالت تعاني على غرار السينما السوسية من ضعف الإمكانيات المادية والمالية ناهيك عن قلة الموارد البشرية المؤهلة تقنيا وفنيا في مجال الفن السابع. كما تشتكي هذه السينما من غياب الدعم سواء من قبل الحكومة الوصية أم من قبل المركز السينمائي المغربي أم من قبل المؤسسات الخاصة. وتعاني أيضا من غياب دعم المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وتفتقر كذلك إلى مراكز التكوين دون أن ننسى مشاكل التوزيع والتسويق، وقلة دور العرض السينمائي، وغياب المستثمرين والشركاء والممولين والمنتجين الذين يمكن الاتكال عليهم لتحقيق نهضة سينمائية إيجابية على الرغم من توفر المنطقة على رؤوس أموال ضخمة تحتل بها المرتبة الثالثة وطنيا بعد الدار البيضاء والرباط.

7/ آفاق السينما الريفية:

على الرغم من وجود مشاكل ومعيقات تحول دون ظهور الصناعة السينمائية بمنطقة الريف، فإنه قد آن الأوان لخلق ثقافة سينمائية بالمنطقة من أجل بلورة قيم جمالية وفنية وذوقية رفيعة المستوى لتكوين أجيال واعية وفاعلة ومنتجة في المستقبل القريب. إذ لايتصورأن يكون هناك مجتمع إنساني لا يعرف السينما وخاصة السينما ذات الطابع الراقي الهادف وإلا اعتبر ذلك المجتمع مجتمعا منحطا ومتخلفا. فالسينما هي التي ترفع من المستوى الثقافي للإنسان، وتهذب أخلاقه، وتحسن قيمه، وتقدم له زادا ثقافيا متنوعا. لذا، اقترح مجموعة من الحلول لتطوير السينما الأمازيغية بمنطقة الريف، ويمكن استجماع تلك الحلول في النقط التالية:

  توفير الإمكانيات المادية والمالية من أجل إحداث انطلاقة سينمائية فعالة بمنطقة الريف؛
  البحث عن مصادر التمويل داخل الوطن وخارجه؛
  الدخول مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في تفاوض مستمر لدعم السينما الريفية؛
  عقد شراكات مع الدول الغربية من أجل تفعيل السينما الريفية ومساعدة منتجيها والساهرين عليها؛
  توفير مراكز التكوين السينمائي؛
  تأطير المخرجين المسرحيين والسينمائيين في مجال الكتابة السينارستية والتصوير والمونتاج والإخراج عبر ورشات تكوينية يسهر عليها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أو مؤسسات سينمائية أخرى؛
  خلق نواد سينمائية وجمعيات الفن السابع وتنشيط الحركة النقدية؛
  الانتقال من الأفلام القصيرة إلى الأفلام الطويلة أو أفلام 35ملم؛
  خلق مهرجانات سينمائية بمنطقة الريف ذات طابع وطني ومتوسطي وعالمي؛
  توفير قاعات العروض السينمائية بالمنطقة للتعريف بالسينما الأمازيغية الريفية؛
  الإكثار من الندوات والملتقيات السينمائية لتقويم السينما الريفية وتوجيهها؛
  الانتقال بالسينما الريفية من مرحلة الهواية والتقليد إلى مرحلة الاحتراف والتطوير والتجريب والمساءلة النقدية قصد الانتقال في المستقبل إلى تأصيل السينما الأمازيغية بشمال أفريقيا؛
  الانفتاح على السينما الأمازيغية المغاربية (السينما الجزائرية على سبيل التمثيل)، والسينما العربية، والسينما الأوربية(الإيطالية والفرنسية مثلا)، وسينما هوليوود، وسينما بوليوود؛
  الإكثار من الشركات السينمائية التي تستهدف إنتاج الأفلام الأمازيغية وتسويقها في الداخل والخارج؛
  طبع الكتب السينمائية التي تنصب على واقع السينما الريفية بالتعريف والتأريخ والدرس والتمحيص من النواحي: الدلالية والفنية والوظيفية.

خاتمــــة:

وعليه، فعلى الرغم من المشاكل التي تتعثر فيها السينما الأمازيغية بالريف من النواحي المادية والمالية والإدارية، وانطلاقها في مرحلة متأخرة جدا بالمقارنة مع السينما الأمازيغية السوسية التي لها أقدمية عشرين سنة من الممارسة والهواية والاحتراف، والسينما الجزائرية التي انطلقت في سنة 1990م مدعومة من قبل مؤسسات الدولة، فإن الآفاق المستقبلية للسينما الأمازيغية بالريف تحمل في طياتها بذور التفاؤل والفرح المعسول والأمل المنشود من خلال الانفتاح على الشراكات الأجنبية دعما وتمويلا وتكوينا وتأطيرا، وإقبال مثقفي المنطقة وشبابها المتعلم على الفن السابع هواية واحترافا وتجريبا، وتأرجح الفنانين بين ممارسة المسرح وأداء الأدوار السينمائية.

وعلى العموم، يلاحظ المرء أن السينما الأمازيغية بالريف مازالت عبارة عن تجارب فنية أولية قائمة على الهواية وحب التعلم وتجريب الإمكانيات المتاحة، إلا أننا على يقين راسخ بأن السينما الأمازيغية بالريف سيكون لها مستقبل كبير وعمر زاهر بفضل سواعد أبناء الريف الغيورين على الثقافة الأمازيغية وهمم مثقفي المنطقة النشيطين. ونحن أيضا متفائلون بما سيؤول إليه الفن السابع في منطقة الريف مع تطور حركتها السينمائية التي انطلقت فعلا بشكل إيجابي مع مجموعة من الفعاليات الأمازيغية المثقفة الواعية أو الهاوية التي خرجت إلى عالم السينما من معطف المسرح.

الهوامش:

1/ الدكتور عبد الله عاصم من مواليد ميضار بالناظور سنة 1941، درس بتطوان ومراكش. تابع دراساته العليا ببلغاريا وفرنسا وحصل على دكتوراه الدولة في العلوم الاقتصادية. وقد مارس المحاماة والتدريس بالتعليم العالي.وله دراسات اقتصادية وفلسفية وإبداعات أدبية.

2/ المونتاج المتسارع:" يستخدم التوليف من أجل التجسيد والمبالغة في إحداث التأثير الخاص بالسرعة المتزايدة في حركة الصور، فمن خلال الإنقاص أو الخفض في طول اللقطات المفردة الخاصة بنشاط معين، سلسلة من المطاردات مثلا، يمكن إضفاء نوع من الإيقاع الخارجي الخاص بالسرعة على إيقاع الفيلم ذاته. ويطلق على عملية التسريع في إيقاع أو سرعة حركة الفيلم من خلال التوليف أو القطع والمونتاج اسم المونتاج المتسارع، وغالبا ما يصاحب ذروة المطاردة التي تتم على الشاشة الاستخدام لمثل هذا النوع من المونتاج"، ص:269 انظر: عصر الصورة للدكتور شاكر عبد الحميد، عالم المعرفة، الكويت، عدد 311، يناير 2005.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى