الأحد ٢٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٧
بقلم مرسلي لعرج

السينما أداة للإيديولوجيا

إذا كان الاختراع السينماتوغرافي يؤرخ له بنهاية القرن التاسع عشر، فإن السينما مثلما نعلم اليوم ولدت حقا في قلب الحرب العالمية الأولى، ولا سيما مع إنتاج فيلم ميلاد أمة (1915) للمخرج الأمريكي د.و.غريفيث والذي اعتبر كمبدع للغة السينماتوغرافية (1). فالصدفة مقلقة: انفجار 14-18 كان أيضا نقطة بداية الهيمنة الامريكية وصاعقة الثورة الروسية، والقول أيضا بأنها وراء النظام العالمي الجديد والصراع ما بين الرأسمالية والشيوعية، ومن ثم الى تصور أن الفن السابع ووسائط الاعلام والاتصال الجماهيرية هي وسيلة قوية للإيديولوجيا إن وجدت، ولا تستطيع أن تـبقى غير مبالية بالرهانات الإيديولوجية الكبرى لهذا القرن.

بحق لاحظ ميتز أن الفيلم ولسبب وحيد يجب دائما أن يختار ما يجب أن يظهر وما لا يظهر، بتحويل العالم إلى خطاب (2). هذا هو الواقع: فأي فيلم هو سياسي، حتى تلك التي تبدو ظاهريا حيادية، وذلك لأنه إذا كانت السينما فنا فهي أيضا صناعة وممارسة اجتماعية، وما بعدها أداة قوية للدعاية.

وبفضل تأميم الصناعة شجع لينين إنتاج الأفلام الدعائية، وأعطى ذلك ولادة أحد المدارس الأكثر خصوبة وابتكارا للأفلام الصامتة، ففيلم كـ’’السفينة الحربية بوتمكين’’ لـ’سرغاي ايزنشتاين’ (1925) والذي اعتبر لعقود من الزمن كـأجمل فيلم في العالم، ومارس كذلك لعقود من الزمن تأثيرا معتبرا في جميع أنحاء العالم، وأصبح سفيرا دائما للنظام الشيوعي الشاب خارج حدود الاتحاد السوفياتي.

على الرغم من أن الرقابة كانت مفروضة في كل مكان في ألمانيا النازية، فإن السينما بالمثل وظفت وسخرت بكل هدوء وبعقلانية لخدمة نوايا الرايخ الثالث.

وهذا أمر ثابت ويلاحظ لدى كل الأنظمة الاستبدادية والشمولية، وكما عبر عنه موسوليني في
1922 (تمتلك السينما ميزة كبيرة غير متوفرة في الصحيفة أو الكتاب وهي التحدث إلى العيون، التحدث بلغة يمكن فهمها من طرف جميع شعوب الأرض)، وهو ما يعني أن هذه الاعمال ليست دائما وصراحة إيديولوجية ودورها بالمناسبة يمكن أن يتحدد في صرف وتشتيت انتباه الجمهور عن الحقيقة.

طريقة الحياة الامريكية: شكل للدعاية؟

على النقيض من هذه الأعمال التي تعمل لمصلحة النظام القائم، يوجد أيضا في تاريخ السينما أفلام احتجاجية ومعارضة للسلطات المهيمنة، والأمثلة هنا هي الفيالق والجحافل المناهضة والضد –الماكارثية ’’من ملح الأرض’’ (1954) لهربرت بيبرمان إلى فيلم ‘’الصينية’’ (1967) لـجون لوك غودارد نذير أحداث ماي في فرنسا، وفي إشارة عابرة إلى الكتيب المناهض لبوش فهرنهايت 9/11 (2004) لمايكل مور.

ولكن ماذا عن الأفلام الأخرى التي تبدو لا كأفلام دعاية ولا كأعمال سياسية احتجاجية؟ في حالة السينما الهوليوودية نلاحظ أنه حتى تحت ستار اللاسياسي تظل مع ذلك إيديولوجية، وكلها بشكل عام تعمل على ترقية طريقة الحياة الأمريكية في موضوعاتها، وكذلك أيضا في شكلها الفيلمي والسردي، إذ أن مصنع الحلم الهوليوودي وظيفته الأساسية هي بيع الحلم خلال أبطاله لكابرا على سبيل المثال في أفلام الإنسان العادي. الأمريكي من
Self made-made

هذه النهايات السعيدة الأخلاقية (كم من اقتباسات أدبية أعيد صياغتها من أعناب الغضب إلى امرأة جميلة) ومانيشيتها التبسيطية (الأفلام المناهضة للحمر في زمن الحرب الباردة).
ناهيك عن أن الإنتاج كان دائما تحت الرقابة بشكل أو بآخر غير معلنة: رقابة أخلاقية (الشفرة هايز) سياسية (الماكارثية) اقتصادية (نظام الترتيب، جوائز الأوسكار، العروض والمعاينات الأولية).

وكذلك تحت ستار مظاهر غير سياسية استمرت السينما الهوليوودية ودون هوادة في ترقية إيديولوجيا، وبأي فعالية (75 بالمائة من الصور المبثة في العالم هي أمريكية الأصل) كما يؤكد فانسن بودراند (4) قبل إضافة بأن (نجاح هذه الانتاجات الفنية التي فضلت لاحقا نشر بعض عناصر أسلوب الحياة الأمريكية كاللباس (الجينز) أو الطبخ (الوجبات السريعة) أو الاحتفالية (الهالوين) وبعيدا عن أساليب الحياة هذه، فهناك بدون شك أساليب تفكير والتي تنقلها بقوة السينما الأمريكية.

ريجيس دي بوا

1 -دافيد وارك غريفيث عن طريق اكتشافات مستخدمة في الخارج، وتحسين التصميم الأمريكي، التقطيع، التركيب (المونتاج) المتوازي، والغموض الفني الخ...
وقد صور حوالي 400 فيلما قصيرا خلال 5 سنوات من عام 1908 حتى عام
1913.

2-كريستيان ميتز أبحاث حول الدلالة في السينما، الجزء الأول، كلينكسياك،1968

3 -توقعات عرض أفلام امام جمهور ممثل أو مستهدف اختبار التلقي المستقبلي لعمل ما، وبعد فحص الاستبيانات فإن الاجابات من شأنها أن تشجع المنتج على تعديل الفيلم وخاصة تغيير نهايته.

4 – فانسان بوندراند العناصر الأساسية للعولمة، ستادي دراما،2002.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى