«الصالون الأدبي» يكرم الأديبة زهرة زيراوي
نظم «الصالون الأدبي» المغربي، مساء يوم يوم الأحد 28 تشرين ثاني على الساعة الرابعة زوالا بفضاء الهمذاني التابع لجمعية الأعمال الاجتماعية نيابة الحي الحسني بمدينة الدارالبيضاء، لقاءه الشهري الثاني باستضافة الأديبة المغربية زهرة زيراوي في لقاء مفتوح مع قرائها وأصدقائها احتفاء بأعمالها الأدبية المتنوعة بين قصة قصيرة ورواية وترجمة وتشكيل. سيقدم نخبة من الأدباء والأديبات شهادات ودراسات حول حياة وأعمال الكاتبة المحتفى بها. وقد ساهم ثلة من الأدباء والفنانين التشكيليين في تقديم شهادات في حق الاديبة المحتفى بها: القاص والمترجم محمد سعيد الريحاني، الشاعر أيوب المليجي، الشاعر والمطرب عبد الإله الشاهد والفنانة التشكيلية ربيعة الشاهد التي قدمت في الختام هدايا فنية للمحتفى بها في يوم تكريمها. كما تميز الحفل بنقاش بين الحضور والأديبة المحتفى بها اختاط فيه الادبي بالفني، الموضوعي بالحميمي. وفي الختام، كان للحضور موعد مع توقيع بعض أعمال الاديبة.
زهرة زيراوي، أديبة وفنانة وجمعوية
كلمة الباحث والقاص والمترجم المغربي محمد سعيد الريحاني
قبل قرن من الزمن، أثبت العالم الفيزيائي الألماني ألبرت آينشتاين بمعادلته الرياضية الشهيرة أن الكون برمته ليس غير «طاقة». حدث هذا في مجال العلوم. أما في مجال الأدب، وعلى مر العصور، فقد كان اكتشاف ألبرت آينشتاين تحصيل حاصل. فإذا كان الكون مجرد "طاقة"، فقد كان ضروريا تعيين مولد لها. وقد قام بهذا الدور على الخصوص الفن والأدب من خلال إذكاء طاقة الحب والنفور في النفوس، طاقة الحرب والسلام، طاقة الفخر والاعتذار، طاقة القسوة والصفح... وقد كان لقبائل العرب نصيب في الامر. فقد كانت دوما في مسيس الحاجة لشاعر «تنتسب القبيلة إليه» في قلب عجيب للانتماء. ولقد ترك هذا التفاعل الإيجابي بين الأديب ومجتمعه تقاليد أدبية نبيلة تجذرت عبر العصور. ولعل أهمّها تقليد "تكريم الفنان" وتقليد «تكريم الأديب».
ويبقى مفهوم «التكريم» غير مستقر بين كفتين متأرجحتين: مفهوم التكريم عالميا ومفهوم التكريم عربيا. فعلى المستوى الأول، المستوى العالمي، يتوزع المفهوم ما بين مفهوم الاعتراف بعطاءات المكَرََمِ ومفهوم الاعتراف بالخطأ في حق الفاعلين الدين كانوا ضحايا الحيف كما حدث مع تكريم القديسة جان دارك في القرن العشرين بعدما حكم عليها حرقا، ضمن النساء الاثنين والخمسين ألفا من ضحايا «حملة محاربة السحرة» المعروفة في أوروبا القرون الوسطى.
أما على المستوى العربي، فبنية التفكير العربي التي تعيش على هاجس الخوف من صناعة رموز ثقافية يحتمل تحولها في مرحلة من مراحل حياتها إلى خصوم من العيار الثقيل بفعل التكريم والتوسيم والتوشيح، فإن "تكريم" المثقف والأديب والفنان "يؤجل" إلى حين وصول المكرم أرذل العمر..
وبين هذا وذاك، يبقى التكريم أنواع ودرجات منها: التوشيح والتوسيم والاقتراح للجوائز أو إطلاق جوائز باسم المكرم أو تسمية المؤسسات الثقافية أو الشوارع أو الأحياء باسمه أو العضويات الشرفية أو تقديم الشهادات الأكاديمية الفخرية أو "أضعف الإيمان" وهو التكريم من خلال تنظيم حفل للاعتراف بعطاءاته بالتركيز على نقاط القوة والإيجابية في مساره. وهذا ما دعى إليه "الصالون الأدبي" مشكورا لتكريم زهرة زيراوي التي يعرفها البعض أديبة ويعرفها البعض الآخر فنانة ويعرفها الباقي من المتتبعين فاعلة جمعوية نشيطة أدبيا وفنيا، وطنيا ودوليا.
زهرة الأديبة:
قراء أعمال زهرة زيراوي السردية يقرنون بين اسمها وإصداراتها القصصية والشعرية ما بين 1994 و 2007: "الذي كان" و"نصف يوم يكفي" و"مجرد حكاية" و"ليس إلا!" و"حنين" وغيرها في الوقت الذي تقرن فيه زهرة مشوارها ببداياتها إذ تسترجع بين الفينة والأخرى في سفر في أدغال الذاكرة أولى خطواتها في هذه الرحلة الممتعة والشاقة في آن معا إذ تقول في حوارات خاصة أُجريتْ معها خلال الإعداد لهذه الورقة التكريمية: "أعتقد أن الكتابة هي التي بدأتني. فقد "كان عصري يكتبني". بدأ ذلك في نهاية فترة الاستعمار الفرنسي بالمغرب. وقد كان الدافع لذلك أن جيرانا لنا كانوا هم أسرة الشهيد محمد الحداوي استيقظنا صباحا على عرس شهيد في 19 عاما من عمره فاجأ الاستعمار الفرنسي الشقة التي على ما أذكر كانت بحي سيدي معروف القديم القريب من شارع الفداء فوجدوه لهم بالمرصاد حاملا بندقيته، لم أر عائلته في حال من الحزن بل كانوا متماسكين و محتسبين أمرهم إلى الله تعالى.
هذا الذي حدث صغته قصة و بعثت بها إلى مجلة المشاهد التي كانت تصدر آنذاك موقعة باسم عبد القادر زيراوي ــ هو أخي ــ كمن يحتمي من خوف ما وهو مقبل على السير في درب كبير و شائك. و طبعا نشرت القصة بالاسم المستعار".
يبقى سؤال الجدوى من الكتابة ينتظر جوابا من زهرة التي تصرح: "أكتب لأحيا، لأجد معنى للزمن، أنت لا تسأل نفسك عن الأهداف هو فرح يغدق عليك كمن يعيش حفل عيد "
ولذلك، فهي ترى ألا عملا من أعمالها أقرب إليها من الآخر: "كلهم أنا في الشرط الاجتماعي وليس بالمعنى الذاتي المتمركز فأنا في الأخير جماعة باقات من حقول كثيرة و جماعة حصى وأشواك، لكن تنتصر الأزهار أخيرا و ذاك ما جسدته لوحتي " لا للحرب "".
فما بين الكتابة الواقعية والكتابة التجريبية، يصنف النقاد زهرة زيراوي ككتبة تجريبية لكنها تجد نفسها ضمن سيل هائل غير متجانس من "التجارب التجريبية" وتتساءل: "كيف يفهمون اليوم التجريب هل هو مجرد "تقليعة " موجة تغري بركوبها، أم هو شوق لارتياد عوالم التجديد؟ ما ينبغي الإشارة إليه هو أن التجريب ليس سائبا، وأن حبله ليس على الغارب. أنت تجرب عندما تمتلك خزانا معرفيا تدخل به عالم التجريب. وإلا فكيف تجاسر بيكاسو على القول: "أنا لا أبحث، أنا أجد". هل هو دور الصدفة؟"
وتستطرد: "إن التجريب ليس جزافا، بل عليك أن تتعلم السباحة في الأثر، والمرحلة الطبيعية الموالية هي السباحة الحرة وتجريب الأنماط المبتكرة. و هذا ما يمكن استنتاجه من بيكاسو بحار الغرنيكا، اللوحة التي جاءت ردا على الحروب و دخلت بذلك إلى رحاب الأمم المتحدة. وهذا ما جعل بيكاسو وهو في الثمانين يقول: "أنا لا أبحث، أنا أجد". فالحمولة أو الامتلاء سلاحك لارتياد مجاهل الصعب و التجريب فيه أو عليه. بالنسبة لي طرقت أبواب التجريب بوعي منذ "نصف يوم يكفي"، أما سعيي الآن فهو ارتياد عوالم الواقعية الجديدة".
ولهذا وذاك، تحفظ زهرة زيراوي بمواقف ثابتة اتجاه التجريب والتجريبيين. ويمكن إيجاز هذه المواقف في اثنين. أولاها، معارضة تشغيل أو استثمار اللهجة العامية كلغة أدبية للكتابة الرفيعة إذ تقول: "العامية هي للتواصل الشفهي وليس للكتابة". وثانيها، معارضة حصر الواقع في التجارب الجنسية وحصر الخيال والتخييل في تفجير المكبوتات الجنسية كون الحياة التي هي موضوع الكتابة والقراءة أوسع من دائرة الجنس بكثير وأوسع من المجموعة الشمسية كلها. وفي هذا الصدد تقول زهرة: "صحيح تظل الكتابة هي نصوصنا السرية، إذ بسبب الحرية أو الخوف من الحرية ، بسبب الجنون أو الخوف من الجنون نحاول دائما أن نعلنها. بهذا المعنى تخلع الكتابة العقل، تلجأ إلى الخيال ، الخيال الذي هو الظن ، والوهم في الذهن، إذ خيال الشيء صورته ، مثل خيال الإنسان في المرآة ، وفي المنام ، الخيال قماش ممتد أو منصوب على هيأة الإنسان، تراه الطير أو الوحوش أو البهائم فتحسبه إنسانا، والخيال قوة في الذهن، تحفظ الصور للأشياء المحسوسة بعد ذهاب الأشياء عن النظر، فخيال الشخص طيفه ، وهو أيضا ما تلقيه الشمس من ظلال... . لكن أي خيال هذا الذي يقدم نفسه استثنائيا وجريئا في إماطة اللثام عن "حيوات أخرى"، هذه الحيوات التي تقتصر على الجنس دون غيره من القضايا التي يميط الخيال عنها اللثام . فهل الخيال حكر على هذا الباب دون غيره ؟ أفلا يمكن لسؤال فلسفي وجودي، أو لحياة اجتماعية على الأرض أن تبني بيتا وفق التصور الذي تتخيل أنها ستؤول إليه؟"
وتلخص زهرة اختلافها مع التجريبيين الجدد بقولها: "يفاجئنا بعض الروائيين العرب بتمركز أعمالهم حول الجنس واللهجة العامية، اعتقادا منهم أنهم يؤسسون لتقليد جديد. لن أذكر الأسماء ، حتى لا أثير الغضب لكن هذا يجعلني أستحضر في المقابل أعمالا روائية لأدباء من الغرب حيث الجنس يأتي في السياق العام، ولم يكن هاجسا وحيدا للرواية. حضر الجنس كعنصر ضمن العناصر التي اشتغل عليها النص الروائي الذي يطرح قضايا فلسفية وجودية أو سياسية أو اجتماعية أو غيرها".
زهرة الفنانة:
ظلال زهرة زيراوي الأديبة تغطي مساحات زهرة الفنانة وتجعل الفصل بينهما ملتبسا. فعن العلاقة بين زهرة الفنانة وزهرة الأديبة تقول:"أعتقد أن عناصر الإبداع عليها أن تلتقي مع بعضها البعض هذا يعطيها غنى، كيف يمكن أن ينهض نص شعري بدون صور، الصور هي التشكيل، هي اللوحة في المخيال قبل أن تكون حقل تجريب الفرشاة، وقصة لا تحملها لغة غنية لا يمكن أن تعيش طويلا، وكيف تزهر لوحة في غياب ثقافة شمولية وليس مجرد صباغة فقط، لقد يجمع الفلم السينمائي والعمل المسرحي جوانب متعددة من الإبداع ،بالمناسبة أتذكر هنا كلا من جماعتي الدادائية والسوريالية، لم تقف أي من الجماعتين عند صنف واحد ومعين من التجارب الإبداعية، نتذكر أسماء لها قوتها في صنف من صنوف الإبداع انضوت في جماعة السوريالية ميرو، السلفادور دالي، لوركا، أراغون"...
هذا التداخل ما بين الجانب الأدبي والجانب الفني التشكيلي في شخصية زهرة زيراوي يصل مداه تجد نفسها تشتغل في آن واحد على الواجهتين وتظل تركض فيما بينها جميعا غالبا كما كان يفعل أحد الفنانين التشكيليين الذي كان يحضر عشرة حوامل للصباغة في منطقة غابوية، ويظل يركض بينها جميعها، وكلما جاء ليشتغل على واحدة منها فزع و انصرف عنها لغيرها، هكذا يظل هاربا و مقتربا ثم مقتحما عوالمه في الأخير. فالفوضى هي النظام الذي تعيش زهرة زيراوي عليه. إنها لا تستطيع أن تبرمج يومها للكتابة أو للصباغة بل غالبا ما تتداخل هذه الأعمال مع بعضها البعض.
وهذا يقود إلى طرح السؤال التالي: "لماذا كل هذه الفوضى؟ ولأي غاية تكتب زهرة؟ ولأي هدف ترسم؟".
جواب زهرة: "الغاية هي طرق أبواب المعرفة، الوقوف على الباب الواحد يزعجني، يشعرني بالعجز المعرفي. نتذكر الفنان العبقري ليوناردو ديفنشي لقد كان رساما وفيلسوفا و نحاتا ومعماريا وموسيقيا، و طبعا خاض عالم الرياضيات والهندسة والبصريات والجيولوجيا، والفلك، وعلم الحيوان، والميكانيكا، وعلم التشريح ،لقد توصل هذا الفنان العبقري حسب ما يوصلنا إليه البحث في التاريخ أن ليوناردو دفنشي القرنين الخامس عشر والسادس عشر توصل للكثير من الاختراعات المذهلة حقا . فما أبشع عجزنا اليوم إذ يجغرفون صفوفا في الحقول المعرفية وعليك أن تقف حسب الصف".
خاتمة: زهرة الفاعلة الجمعوية
– وغير بعيد عن اهتماماتها الأدبية والفنية التشكيلية، تبقى زهرة زيراوي فاعلة جمعوية من طراز رفيع أنساها الفصل بين الإبداع وبين الحياة الشخصية إذ فتحت بيتها للأنشطة الثقافية وللفاعلين الثقافيين في زمن توصد في أبواب المؤسسات الثقافية في وجوه الفنانين والمثقفين، وتغلق فيه أبواب الفنانين والمثقفين في وجوه بعضهم البعض لتصبح المقاهي والمطاعم والحانات أماكن وحيدة للقاء وتمسح بذلك آخر دوائر الصداقة والحميمية بين مشاعل الفن والأدب والفكر.
لكل ذلك، تبقى زهرة زيراوي، "المبدعة الواحدة المتعددة"، شعلة من مشاعل الماضي الجميل تدفئ حاضر الثقافة والفن بالبلاد وتمدد عمر الشمعة التي اشعلتها قبلها بقرن من الزمن الأديبة العربية ماري إلياس زيادة (= مي زيادة).