العلاقة بين القوة والمعرفة والثقافة
من أبرز مميزات هذا العصر و ملامحه؟
ليكن حديث النهاية ، وليس ثمة تناقض في ذلك مع عصرنا هذا الذي نسعى هنا إلى تمثله، عصر يلهث فيه قادمه يكاد يلحق بسابقه، وتتهاوى فيه النظم والأفكار على مرأى من بدايتها، وتتقادم فيه الأشياء وهي في أوج جدتها ، عصر تتآلف فيه الأشياء مع أضدادها. فالمعرفة قوة والقوة أيضا معرفة، معرفة تفرزها هذه القوة لخدمة أغراضها وتبرير ممارساتها وتمرير قراراتها. ولهذا التضاد المعرفي رفيق اقتصادي. فالمعلومات مال بعد أن أصبحت موردا تنمويا يفوق في أهميته الموارد المادية، والمال بدوره أوشك أن يكون مجرد معلومات، نبضات و إشارات وشفرات تتبادلها البنوك في معاملاتها المالية إلكترونيا. وثمة علاقة بين هذا التضاد المعرفي- المعلوماتي والتضاد. الحاكم في عصرنا، الذي أصبح فيه العلم هو ثقافة المستقبل، في حين اقتربت الثقافة من أن تصبح هي علم المستقبل الشامل، الذي يطوى في عباءته فروعا معرفية متعددة ومتباينة.
إنه عصر المعلومات و اختلاط الأضداد إذن؟
ما أعجب أضداد عصرنا، ذلك الذي تتعلم فيه الأجيال اللاحقة من أجيالها السابقة، مثلما تتعلم السابقة من اللاحقة، بعد أن أصبحت معرفة من سبق تتهالك بمعدل يفوق في سرعته معدل اكتسابه لها. وثمة صلة ما بين هذا ومعكوس التاريخ لدى ميشيل فوكو، الذي يزعم أن الماضي لا يؤدي إلى الحاضر، والحاضر هو الذي يهب الماضي معناه وجدواه. لقد اختلطت الأضداد وتداخلت في أيامنا حتى أعلن جان بودليار "نهاية الأضداد"، نهاية تضاد الجميل والقبيح في الفن، واليسار واليمين في السياسة، والصادق والزائف في الإعلام، والموضوعي والذاتي في العلم، بل ونهاية تضاد "هنا وهناك " أيضا بعد أن كاد "طابع المكان " أن ينقرض وقد سلبته عمارة الحداثة خصوصيته وتميزه. إنها بالقطع، وبكل المقاييس، ثورة مجتمعية عارمة. لقد دان العالم لسيطرة الصغير متناهي الصغر، من جسيمات الذرة وجزيئات البيولوجيا الجزيئية ، والأخطر من ذلك أنه قد دان لسيطرة "ذرة" المنطق الصوري التي بلغت ذروتها في ثنائية "الصفر والواحد"، الثنائية الحاكمة التي قامت عليها تلك التكنولوجيا الساحقة الماحقة: تكنولوجيا المعلومات. حقا... نحن نواجه عالما زاخرا بالمتناقضات، يتوازى فيه تكتل دوله مع تفتيت دويلاته، ولا يفوق نموه الاقتصادي إلا زيادة عدد فقرائه. و ها هي شبكة الإنترنت، التي أقيمت أصلا لاتقاء ضربة نووية محتملة ربما يقدم عليها الخصم السوفييتي آنذاك، هاهي تلك الشبكة، وليدة الحرب الباردة، يرجون لها كأداة مثلى لإشاعة ثقافة السلام، و نشر الوفاق و الوئام بين الأنام. إنها البشرية تمارس هوايتها الأبدية في مزج الآمال بالأوهام، فلا حرج ولا تناقض بين حديث السلام هذا، والمائة والخمسين حربا التي نشبت منذ الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي يبدو وكأن كبار عالمنا يصدرون لصغاره حروبهم وصراعاتهم وأزماتهم، يفتتونها حروبا أهلية، وصراعات عرقية ودينية ولغوية، وبطالة وتغريبا وتهميشا واستبعادا، وكل درجات هذا الطيف القاتم لاستغلال أيامنا. وربما تساير نزعة تفتيت الكوارث تلك نزعة اللامركزية التي تسود هذا العصر، وتتبدى- أكثر ما تتبدى- في شبكة الإنترنت، شبكة بلا محور وبلا قمة وبلا هرمية أو تراتبية.
أسرى الفكر الثنائي
هل لنا أن نتساءل عن العقلانية في زمن صار فيه من تعرف أهم من ماذا تعرف، ومازال كثيرون فيه أسرى الفكر الثنائي القاطع: إما هذا، وإما ذاك، في الوقت نفسه الذي يسعى فيه عقل الكمبيوتر الآلي إلى التخلص من هذه الصرامة الثنائية ، لقد حق للإنسان بعد كل هذا أن يرتد ليجتر عقله الأول، عقل أسطورته، عساه يجد في لاعقلانيتها ما يعينه على فهم لغز حداثته، وما بعد حداثته. لقد صنع إنسان هذا العصر عالما يغص بالاحتمالات والتوقعات واللايقين، إلى الدرجة التي أصبح معها يخشى النجاح، قدر ما يخشى الفشل، بل يصل الأمر أحيانا إلى حد تفضيل الفشل. فنجاح العولمة- على سبيل المثال- في رأي البعض هو الشيء الوحيد الأكثر سوءا من فشلها.
لقد استدرج التعقد إنسان هذا العصر إلى شباكه حتى كاد يتجاوز قدراته على الحل. فعلى الرغم من كل ما يزهو به عصرنا من ثراء معرفته و وفرة معلوماته، و قدرة نظمه و آلاته و دينامية تنظيماته و سرعة قراراته، برغم كل هذا، مازال يستبيح لنفسه أن يسلم أقداره لعبث الأيدي الخفية التي تحرك اقتصاده وعولمته، ومعظم نظمه الاجتماعية، و أمور بيئته وأوضاع جماعاته. وصدق من قال: كم نحن جوعى للحكمة و المعرفة، و نحن غرقى في بحور المعلومات و البيانات!
صورة المشهد الحضاري؟
إن صورة هذا المشهد الحضاري نشكلها من نبضات الرموز وشظايا النصوص، وقد تراءى لنا ذلك صدى لتشظي رسائل المعلومات ،fragmentation ، تلك الرسائل التي تتدفق كفيض منهمر من وميض النبضات، يبعث به المرسل لمستقبله. و نبعث بشظايا ثلاثية: النهايات والمابعديات ومنفيات "بلا"- نهاية المكان/مصانع بلا عمال/ما بعد الصناعة - نهاية المسافة/تعليم بلا معلمين/ما بعد الحداثة - نهاية التاريخ/أفلام بلا ممثلين/ما بعد الفورية - نهاية الجغرافيا/برمجة بلا مبرمجين/ما بعد التيلورية - نهاية الدولة/مركبات بلا سائقين/ما بعد الكينزية - نهاية القومية/مدرسة بلا أسوار/ما بعد الكولونيالية - نهاية المدينة/مجتمع بلا نقد/ما بعد السياسة - نهاية المدرسة/أقلام بلا أحبار/ما بعد الكتابة - نهاية المدرس/هواتف بلا أرقام/ما بعد الرمز - نهاية الكتاب/كتاب بلا أقلام/ما بعد البترول - نهاية المؤلف/مكاتب بلا جدران/ما بعد الإنسانية - نهاية الورق/مكتبات بلا رفوف/ما بعد عصر المعلومات ، وعليك تقع مسؤولية استخلاص ملامح هذا العالم المغاير من هذه الفسيفساء الرمزية. ومعظم بنود هذا الجدول، إما معروف وإما مفهوم من سياقه. ولا أود أن أعتذر عما غمض منها، فإني أرى في هذا القدر من الغموض اتساقا مع طابع معرفة عصر المعلومات التي تنأى بنفسها عن بداهة الوضوح وسذاجة الاكتمال.
في خضم هذا التحد الجسيم الذي ينتظرنا،ما هي جوانب الحياة التي شملها هذا التحد؟
قد شملت التحديات معظم جوانب حياتنا، تحديات علمية وتكنولوجية واقتصادية، وهي تظل برغم حدتها وقسوتها دون تلك التي نواجهها على جبهتي السياسة والثقافة. وكما خلص الكثيرون، فإننا نواجه معضلة صنعتها أيدينا أكثر مما ساهمت فيها أقدارنا. وقد ألفنا عشرة تلك المعضلة لطول إقامتها بيننا، وسئمنا معرفة أسبابها، وعزفنا عن التبصر في آثارها. و إن استمر الوضع على ما هو عليه، فليس أقل من الكارثة، وما أدراك ما الكارثة !!
في مواجهة هذه المعضلات يجوز لنا أن نلوذ بالأسئلة التالية : ماذا ولماذا وكيف؟
لا خلاف في أن أكثر هذه الأسئلة بريقا هو سؤال: ماذا؟ ذلك الذي يستدعي الشواهد البارزة والأمور السافرة والأحداث الجارية، وقد فرعناه في إطار حديثنا الراهن إلى ثلاثة أسئلة فرعية هي: - ماذا يجري من حولنا؟ ( تضاريس المشهد العالمي للوضع الثقافي- المعلوماتي) - ماذا جرى لنا؟ (المشهد العربي إزاء المتغير الثقافي- المعلوماتي) - ماذا سيجري بنا؟ (التوقعات المستقبلية) ، وأكثر هذه الأسئلة صدأ في حالتنا هو سؤال: لماذا؟ فقد فاض بنا الكيل من نوبات التشخيص والتبرير. وليكن كل منا خصيم نفسه ليدرك كم أهدرنا من مواردنا وأفكارنا وتراثنا. ويشهد تاريخنا البعيد والقريب أننا لم نأل جهدا في عقل العقول، واعتقال أصحابها، وتصفية أجساد حامليها، من طرفة بن العبد، و ابن المقفع و بشار بن برد، و غيرهم كثيرون، و كأن "فوق رؤوسنا سيوف أقويائنا و قد تكاثفت تظللنا كليل حالك تهاوى فيه كواكب مفكرينا فأصبحت ظلمته أكثر حلكة".
أما أكثر الأسئلة عتمة، فهو سؤال: كيف؟
كيف لنا أن نواجه مجهول ثقافة عصر المعلومات؟ وليكن واضحا من البداية أننا لسنا بصدد وصفة ناجعة ناجزة تبرئنا من إرث الماضي وتلبي لنا توقعات المستقبل. و إني لا أعطي حلولا بقدر ما هو دعوة للتفكير في بدائل الحلول. واقتراح الحلول في حالتنا، بجانب كونه ضربا من المجازفة إلى حد السذاجة، فهو- أيضا- بمنزلة تناقض صريح الطبيعية السائلة لهذه الظاهرة الاجتماعية غير المسبوقة التي نحن بصددها. ولن تدين لنا الحلول إلا من خلال التفاعل بين فئات عقولنا على اختلاف مذاهبهم وأعمارهم ودوافعهم من جانب، وبين هذه العقول وحقائق واقعنا من جانب آخر. وهذا- بدوره- رهن بقدرة نخبتنا الثقافية على أن تفلت من قبضة ثلاثية: البيروقراط والتكنوقراط والثيوقراط ، و لينج بنفسه من يستطيع، و لا عاصم اليوم من إعصار المعلومات إلا بأن نلهث لنلحق بالمركبة، فقد صار شعار هذا العصر : فلتلحق أم انبطح أرضا ليدهمك الركب المنطلق. خلاصة المقال : لحاقا أو انسحاقا ، إننا ما زلنا نرى حكاما و مفكرين و مثقفين عرب يتصرفون مع تجاهل متغيرات هذا العصر المتميز بشفافية المعلومات فهل يجدي دفن الرؤوس في الرمال؟.إني أومن أن زهور التفاؤل تنبت عادة في شقوق الوقائع ولنستهل حديث كثيرون "ماذا جرى لنا؟ " بقول عام، تؤكده شواهد عديدة، مؤداه: أن أداءنا أدنى بكثير من قدراتنا، و ما حققناه أقل بكثير مما أنفقناه، وحماس الأغلبية العربية لإحداث التغيير لا يحتاج إلى دليل، فما من لقاء عربي، إقليمي أو شبه إقليمي أو قطري، إلا و ترتفع الأصوات بالتغييرات الجذرية و إشاعة الديمقراطية و التصدي للبيروقراطية و ما غير ذلك. و السؤال المحير هنا كيف يتسرب كل هذا الحماس، ويتبدد كل هذا الجهد في السراديب المظلمة ؟ و عسى لظلمتها أن تنقشع، تحت الأضواء الكاشفة لتكنولوجيا المعلومات. ماذا جرى لنا في وسط هذه الموجة من التكتلات العالمية والإقليمية السياسية والاقتصادية والإعلامية والتكنولوجية، لنعجز عن الوصول إلى صيغة الحد الأدنى لتكتل عربي بل كمقوم أساسي لإحداث التنمية ومواجهة تحديات العولمة؟
لا يتحرج البعض عندما يصرح بأننا في حاجة إلى "عوربة" لا "عولمة"، ونحن نتفهم دوافعهم، إلا أننا لا نرى "عوربة دون عولمة" أو "عولمة دون عوربة".إنني أتساءل كيف فشلنا إلى الآن في إقامة نوع من الحوار الاجتماعي بين حكوماتنا وشعوبها؟ وهل لنا بناء على ذلك أن نصدق ما يتردد على ألسنة البعض من أن حكوماتنا قد باتت في عصر العولمة أصغر من مواجهة ضغوط الخارج، وأكبر من التعامل مع مشكلات الداخل. لماذا ينضب فكرنا على هذا النحو في معظم مجالات الثقافة : فكر اللغة، و فكر الإعلام، و فكر التربية، و فكر الإبداع؟ ولماذا فشلت مجتمعاتنا في أن تصنع فلاسفة كبارا يقيمون لنا صروحا فكرية شاملة، أو حتى فلاسفة صغارا ينظرون لنا بعض جوانب الخاص العربي؟ و هل تكفي تلك المبادرات الفردية الجسورة على يد الناحتين في الصخر، من أمثال عابد الجابري وأمين العالم وحسن حنفي وبرهان غليون ومحمد أركون وتركي الحمد و جورج طرابيشي و أمثالهم؟و كيف نجد من بيننا من لا يزال يرى حقوق الإنسان و الديمقراطية أمرا غريبا لا شأن لنا به؟ في حين يسعى العالم حاليا إلى توسيع مفهوم الديمقراطية، و تأصيله بما يتفق و مطالب عصر المعلومات و وسائله، و ترتفع رايات الديمقراطية في أفريقيا و جنوب شرق آسيا و أوروبا الشرقية في حين نرضى نحن بديمقراطية الحد الأدنى أو ديموقراطية المبكرة، فهل لنا أن نزج بأنفسنا في حشد جموعها المتأخرة، و أن ندرك أن هناك تناقضا جوهريا بين غياب الديمقراطية، و وفرة المعلومات، وهو ما يمثل تهديدا حقيقيا لاستقرار النظم، و لتكن لنا عبرة من انهيار الاتحاد السوفييتي.
وما هذا الذي يفوق مؤسساتنا الإعلامية عن أن تدرك هي الأخرى مغزى تكتلات الإعلام العالمية فلم نر حتى الآن اندماجا ولا حتى تعاونا، ومصدر قلقنا هو أن تتحول مؤسساتنا الإعلامية تدريجيا- بشكل مباشر أو غير مباشر- إلى وكلاء لمؤسسات هذه التكتلات. ألم يحن الوقت بعد لنؤمن بأن نهضة الإعلام ليست فقط في إقامة القنوات الفضائية، و إطلاق الأقمار الصناعية، واستيراد أحدث المطابع الصحافية؟ فالأهم من ذلك هو القدرة على إنتاج رسالة إعلامية مبتكرة ونافذة. فلا يخفى على أحد أن صحفنا عالة على وكالات الأنباء العالمية، وأن استيراد البرامج التليفزيونية هو الوسيلة الوحيدة لملء ساعات الإرسال لدينا، وأن معظم إذاعاتنا الموجهة تبث ولا تستقبل.
كيف السبيل لدخول المجتمعات العربية عصر المعلومات؟إن نجاح المجتمعات العربية في دخول عصر المعلومات يتوقف – بالدرجة الأولى – على نجاحها في إعادة تشكيل العلاقة بين السياسة و منظومتي الثقافة و المعلومات، و مدى الدور الذي يمكن أن تلعبه تكنولوجيا المعلومات في إشاعة الديمقراطية و ترسيخها وتنميتها،و ترشيد العلاقة بين الحكام و المواطنين ، فنحن في حاجة إلى مؤسسات ثقافية تتسم بالدينامية، و سرعة التكيف و اتخاذ القرار، ماهرة في استخدام الوسائل الحديثة لتكنولوجيا المعلومات و الاتصالات و نقل الغايات و المخططات إلى واقع عملي ملموس، يمكن رصده و قياسه وتصويبه و تقويمه كميا، و تحديد عائده المباشر و غير المباشر. نحن في حاجة إلى مؤسسات لا تحتكر الثقافة بل تشيعها و تؤازرها، قادرة على أن تدير صناعة الثقافة بأسلوب يختلف عن إدارة المصانع و المتاجر، و عن بيروقراطية المكاتب و إستاتية المتاحف. بينما تستطيع الحكومات العربية، بصورة أو بأخرى، حماية مصالحها في ظروف التغيرات المجتمعية الهادرة المصاحبة لدخول عصر المعلومات، يظل الإنسان العربي في أمس الحاجة إلى توفير الحد الأدنى من الحماية بعد أن انطلقت المردة من قماقمها : مردة الاقتصاد و الإعلام و من ورائهم سماسرة الثقافة، البارعون في أمور الانتهازية الفكرية و التلاعب بعقول الأغلبية.
فمن يحمي هذا الإنسان العربي في ظل متغيرات كتلك ؟ لن تتوافر للإنسان العربي هذه الحماية و الذود عن حقوقه الإنسانية، بمفهوم عصر المعلومات، إلا بتضافر قادة الرأي العرب، و من ورائهم التربويون و الإعلاميون و الدعاة الدينيون من ذوي النزعة الوطنية و القومية. و من أولى المهام الواجبة هي تخليص وجه الثقافة العربية من وصمة الأمية الأبجدية، و العمل كذلك على محو أميات عصر المعلومات، و نقصد بها : أمية الكمبيوتر و المعلومات، و أمية الشكل و الرمز، و أمية الثقافة العلمية. بقول آخر : نحن بصدد مفهوم جديد لمحو الأمية يهدف إلى توفير الحد الأدنى من المعارف و المهارات و الخبرات، التي تلزم إنسان العصر كي يتكيف مع متغيرات العصر، و مطالب العيش فيه. و علينا ألا ننسى هنا أن استفادة الإنسان من المعلومات تحتاج إلى حد أدنى من التعليم يظل من دونه تحت رحمة أجهزة الإعلام كمصدر رئيسي – إن لم يكن وحيدا – لمعلوماته.هناك من يقول إن الإنترنت ستزيد من قدرة الإبداع و الابتكار من خلال مداومة الإبحار اللامحدود في فضاء المعلومات و توفير العديد من وسائل التعلم الذاتي و تنمية القدرات الذهنية، خاصة أن التعامل مع النظم الآلية و البرمجيات يساعد على نمو التفكير المنطقي و المنهجي. في المقابل هناك من يقول إن الإنترنت ستحيل عملية الإبداع إلى نوع من الاجترار (أو إعادة الإنتاج) لينحو الأدب إلى الوثائقية و الفن التشكيلي إلى الكولاج (القص و اللصق) و الموسيقى إلى نوع من المزج الإلكتروني، و يصبح إبهار العرض و استغلال إمكانات وسيط الإعلام عوضا عن مضمون الرسالة التي ينقلها تحقيقا لمقولة "الوسيط هو الرسالة" التي أطلقها مارشال مكلوهان رائد التنظير الإعلامي.
كيف تقيمون علاقة التقانة بتكنولوجيا المعلومات؟
يبدو منطقيا أن يكون مدخلنا هو تعريف الثقافة وتعريف المعلومات اللتين تعددت أوصافهما وتعريفاتهما. لم نجد أفضل في مقامنا الحالي من تعريفين لشقي العلاقة الثقافية- المعلوماتية بالغي الإيجاز وبالغي الدلالة معا، وإليك التعريفين:
. الثقافة: هي ما يبقى بعد زوال كل شيء.. المعلومات: هي المورد الإنساني الوحيد الذي لا يتناقص بل ينمو مع زيادة استهلاكه.فهل نعي- نحن العرب- مغزى ثنائية التعريف هذه، فلن يبقى لنا، في نهاية الأمر، إلا ثقافتنا ومواردنا البشرية، صائغة هذه الثقافة وصنيعتها. وليس أمامنا بعد كل ما استهلكناه وأهدرناه من مواردنا المادية إلا مورد المعلومات المتجدد دوما، و إنتاج المبدعين العرب صغارا وكبارا، نخبة وعامة! قادرين و بسطاء. ولا تغير من الوضع شيئا، فيما يخص أهمية هذه الثنائية الثقافية المعلوماتية، رؤية إسلامية تعرف الثقافة ب "أنها الإسلام حين يصبح حياة"، ففي ظل هذه الرؤية نكون قد ضمينا بالثقافة قدما نحو مزيد من الرمزية والمعلوماتية بالتالي. إن أهم تحدياتنا الفكرية قاطبة، بغض النظر عن توجهنا الفكري، في سبر أغوار هذه العلاقة المحورية من منظور تنموي، و إقناع أولي الأمر وقادة الرأي لدينا بأهمية حوار المحاور: حوار الثقافة والتقانة.
هل الثقافة تابعة للتقانة، أم التقانة تابعة للثقافة؟
لا بديل، في رأيي إلا أن تسلم القيادة المجتمعية لقاطرة الثقافة. فالثقافة، كما تقول لوردس أريزب المدير العام المساعد لليونسكو لشؤون الثقافة، بحكم طبيعتها ترفض التهميش والاختزال، ولا يمكن لها أن تكون مجرد عامل مؤازر لعملية التنمية التكنولوجية، كما هي الحال عادة. فليس دورها، ومازال الحديث للوردس أريزب، أن تكون خادما من أجل تحقيق الغايات المادية، بل يجب أن تكون الثقافة هي الأساس الاجتماعي الذي تقوم عليه هذه الغايات نفسها. إن أي تنمية تكنولوجية منزوعة من سياق مجتمعها وثقافته هي تنمية بلا روح، ومهما زادت سطوة التكنولوجيا كما هي الحال بالنسبة لتكنولوجيا المعلومات، فيجب ألا يكون المجتمع تابعا لها، بل يجب أن تكون هي التابعة له، الملبية لمطالبه، المتوائمة مع ظروفه وقيمه و إمكاناته. إن تكنولوجيا المعلومات، من فرط قدرتها وتداخلها وانصهارها داخل الكيان المجتمعي، تبدو في نظر البعض وكأنها استقلت بذاتها، ليظن هذا البعض خطأ أنها قادرة، بمفردها ودون تدخل من أحد، على أن تحمينا من مآسي السياسة ودوجمائية الفكر، وقصر نظر التخطيط الاقتصادي. وكم من الجرائم ترتكب باسمك أيتها التكنولوجيا!! ومع ذلك، علينا أن نقر بأنه لا توجد تكنولوجيا محايدة، وعلينا أيضا ألا نجري وراء هذه الأقاويل الخادعة من قبيل: التكنولوجيا كبديل للأيديولوجيا، والتكنولوجيا متحررة من القيم، وما إلى ذلك.
رغم ما يبديه الكثيرون من حماس شديد لثورة المعلومات وأهميتها، إلا أنه مازال بيننا من لا يطيب له حديث يكشف بالمعلومات عما يجري داخل إسرائيل. حجتهم في ذلك أنه حديث غالبا ما يبعث على تثبيط الهمم، ويشغلنا بردود الفعل عن الفعل ذاته ، هنا ارى :
إلى هؤلاء نتساءل: هل من بديل؟ وكيف لنا أن نتحاشى مثل هذا الحديث وقدر أمتنا أن يمر كل جهد يتصدى إلى مشكلات حاضرنا من هذا "الممر غير الآمن" لصراعنا مع إسرائيل. و إن جاز أن نتغاضى عن ذلك في بعض الأمور، فلا يجوز- بالقطع - في المجال الثقافي المعلوماتي. وذلك لعدة أسباب من أهمها: الدور المهم الذي تلعبه الثقافة، سواء بالنسبة لنا أو بالنسبة للخصم الإسرائيلي. ويكفي مثالا هنا ما للغة والدين من أهمية لدينا ولديهم. أضف إلى ذلك الموقع البارز الذي تحتله التكنولوجيا الرفيعة بصفة عامة، وتكنولوجيا المعلومات بصفة خاصة، في عقل ساسة إسرائيل وعلمائها ومخططيها وموجهيها. ولعل البعض يذكر ما ورد في كلمة شيمون بيريز عند توقيع اتفاقية القاهرة "من أن المعلومات أقوى من المدفع "، وبلغ به الكرم مداه وهو يتسلم جائزة نوبل للسلام، فأفصح عن نيته تعميم تجربة إدخال الكمبيوتر في المدارس الإسرائيلية على كل البلدان العربية. هذا عن الحمائم، فما بال حديث الصقور؟ ولنعط مثالا مما تكرر ذكره على لسان نتانياهو عن عظمة وادي السيلكون الإسرائيلي الذي يربط بين مراكز البحث والتطوير المعلوماتي في مثلث: تل أبيب- القدس- حيفا، والذي لا يفوقه- على حد زعمهم- إلا وادي السيلكون الأمريكي. (والآن، يراود إسرائيل- على حد تعبير البعض- حلم الخروج من دائرة اقتصاد "القلعة المحاصرة" المعتمدة على التمويل الأجنبي والمساعدات الخارجية. سبيلها إلى تحقيق ذلك هو مخططها الشرق أوسطي. وهو المخطط الذي برع في محاباة إسرائيل فيما يخص تقسيم العمل بينها وبين العرب، فهو يكفل لإسرائيل دوام تفوقها العلمي- التكنولوجي، حيث اصطفاها بصناعات التكنولوجيا المتقدمة، تاركا للعرب الصناعات التقليدية من صناعات الأسمدة والأسمنت والصناعات الكيماوية، وكل ما يطلق عليه أحيانا مصطلح "الصناعات القذرة" بسبب نسبة التلوث العالمية التي تنجم عنها. وربما يفاجأ البعض بأنه، وبالرغم من تعثر هذا المخطط الشرق أوسطي- حاليا على الأقل- على المستوى الرسمي، إلا أن إسرائيل قد شرعت في تنفيذه بالفعل من جانب واحد. فها هي تستغني تدريجيا عن صناعاتها التقليدية لتقيم بدلا منها قاعدة ملأ الصناعات ذات التكنولوجيا الرفيعة الشحيحة العمالة، ويتلاءم ذلك مع قلة عدد سكانها، وارتفاع نسبة ذوي المؤهلات العليا بينهم. ويداعب خيال إسرائيل حلمها القديم، ونقصد به حلم إسرائيل الكبرى، ذلك الحلم البعيد المنال، الذي يعبر عن نفسه في سباقنا الحالي في رباعية مكونة من النفط السعودي، والأيدي العاملة المصرية، والمياه التركية، تقود مسيرتها بالطبع العقول الإسرائيلية. وأزعم أنه يمكن لإسرائيل أن تجعل من باقة الموارد الرباعية تلك خماسية، وذلك بأن تضم إليها رؤوس الأموال العربية التي يمكن أن تصل إليها يد إسرائيل الطولى من خلال وسيط أمريكي أو أوروبي أو أفريقي، يساعدها في ذلك نشاطها الكبير في سوق المعاملات المالية، ناهيك عن عملاء الداخل من أعضاء الطابور الخامس لتطبيع إسرائيل الصامت.
هل ستعيد تكنولوجيا المعلومات للمثقف مجده القديم؟ بعد أن همشت تكنولوجيا الصناعة دوره حتى كاد أن يصبح المثقف ديكورا اجتماعيا: أو خادما للسلطة، أو مناضلا بسيوفه الخشبية، ينزف أحبارا وألوانا وأنغاما يودعها سجون الأوراق واللوحات والشرائط والأقراص. لقد اختلفت قوانين اللعب في الساحة الثقافية، بعد أن صار الأداء الكلي للمجتمع هو محصلة الخطابات التي تسري بداخله: الخطاب السياسي والاقتصادي والديني والإعلامي والتربوي والعلمي والتكنولوجي... و هلم جرا. لقد انقضت تكنولوجيا المعلومات على الثقافة من عليين، من فضاء طبقات الأثير خلال نظم الإعلام الجماهيري الحديث، وها هي توشك أن تنقض عليها من فضاء عوالم الرمز الخائلية عبر شبكة الإنترنت، التي تتحول تدريجيا إلى وسيط إعلامي جديد و مثير و خطير. وعلى المثقف أن يواجه خياره المصيري، فإما أن يدرك ما تعنيه تكنولوجيا المعلومات ولجماهيره، وأن يتقن استخدام أدواتها، وإلا ففناؤه لا محالة، تاركا وراءه فراغا ثقافيا أعدت له منصات هوائيات الثقافة الجماهيرية- أو محطاتها كل ما يتطلبه سد هذا الفراغ من مضخات الملأ و إعادة الملأ.
أين يكمن جوهر العلاقة بين المثقف وتكنولوجيا المعلومات؟ وسيلتنا للوصول إلى هذا الجوهر هي: إقرارنا بأن مهمة المثقف الحقيقية هي تطبيق الفكر على الواقع من حوله، واقتراح تكتيكات عملية تعير جماهيره على التعامل مع تناقضات هذا الواقع، من أجل تحسينه أو تغييره. ولا شك في أن تكنولوجيا المعلومات يمكنها أن تكون خير عون للمثقف للإحاطة بواقعه، واستخدام بدائل عديدة لابتكار تكتيكات جديدة. لنأخذ مثلا من الإنترنت في كونها وسيلة فعالة لكي يجدد المثقف عدته المعرفية، ويحدث رصيد مهاراته، ويشحذ قدراته التواصلية. والأهم من ذلك، في رأيي التصدي لتشرذم نخبتنا الثقافية على مستوى الوطن العربي، من خلال إقامة الحوار عن بعد ابتغاء لم الشمل وحشد الجهود. وعلى المثقف أن يعي بوضوح تام أنه يواجه تركيبة جديدة من القوى الاجتماعية، وساحة جديدة للرأي العام. وكلها أمور تتطلب مثقفا من نوع جديد، ولا مفر من أن يستأنس مقامه في بيوت العناكيب، شبكة الإنترنت، الشبكة العنكبوتية كما تسمى أحيانا.
كيف الخروج من متاهة ضياع المثقف العربي مع ندرة الدراسات العربية الجادة التي تتناول موقفه إزاء ظاهرة المعلومات، وتحديد بروفيل هذا "التكنو مثقف" كما يطلقون عليه؟
لا سبيل أمامنا إلا الرحيل إلى ديار غيرنا عبر الإنترنت، بحثا عن علاقة المثقف بتكنولوجيا المعلومات، عسانا نجد زادا نحمله معنا في شوط إيابنا. وما إن أبحرنا حتى فاجأتنا آلات البحث في مصادر معلومات الإنترنت بعدد كبير من الوثائق التي تتناول هذه القضية شبه الغائبة عن ساحتنا الثقافية، ولا بديل أمام إفراط المعلومات هذا من أن ننتقي ونرشح ونلخص، مركزين الحديث على ثنائية مثقف الحداثة وما بعدها. تفرق هذه الثنائية بين المثقف المهموم بكبريات السياسة (الماكروبولتيك) والذي يمثل له بمثقف سارتر الناقد الملتزم، ومثقف صغريات السياسة (الميكروبولتيك) ويمثل له بمثقف ما بعد الحداثة كما عرفه ميشيل فوكو (257).
ما هي التحديات الراهنة التي تواجه المثقف العربي من منظور ثقافة المعلومات؟
أرى أن هذه التحديات تتفرع إلى ثلاث مستويات : تحديات الداخل، تحديات الخارج، تحديات إعداد المثقف لنفسهما هي أبرز ملامح تحديات الداخل؟
– حشد التكتل العربي ضد محاولات الفرقة والتفرقة، سواء من الداخل أو الخارج.- لم شمل النخبة المثقفة، وإعادة قنوات الحوار بين فئاتها المختلفة: قومية وإسلامية وعلمانية وغير ذلك، وتحاشي الانزلاق إلى القضايا الجانبية، واستثارة الحساسيات دون داع، حتى لا تغيب عن أنظارها القضايا الأساسية.
– التصدي للروح السلبية، وفقدان الثقة التي تعاني منها معظم جماهير أمتنا العربية في ظل أوضاعنا الراهنة.
– إجهاض محاولات بعض النظم لتحريم الحديث في الأمور السياسية فكل أمورنا تمر من بوغاز السياسة.
– - تفعيل قنوات التواصل بين مثقفي المشرق والمغرب، واستثمار فكر مثقفي المهجر على اختلاف توجهاتهم وتخصصاتهم، من أمثال: إدوارد سعيد و إيهاب حسن وجورج طرابيشي ومحمد أركون.
– - التصدي لمظاهر إهدار العقل العربي بدءا من الأمية وانتهاء بنزيف العقول، وما بينهما من فكر الخرافة، وشبه العلمية، واللاعلمية والانتهازية الفكرية والسرقات العلمية والاستبعاد المعرفي، وهادر إنتاجنا التعليمي والبحثي.
– التخلص من الثنائيات الفكرية التي تكبل فكرنا العربي وتعوق تكتله.
– - التمسك بحقها في توجيه سياسات المؤسسات الثقافية و رصد أدائها، وعلى رأسها سياسة الإعلام وسياسة التربية.
– - التصدي لأزمة اللغة العربية، تنظيرا وتعليما واستخداما، والمساهمة في بلورة سياسة لغوية قومية، باعتبار اللغة هي أفضل وسائل التكتل العربي، و المدخل الطبيعي إلى إحداث النهضة الثقافية المطلوبة، علاوة على كونها من أهم مقومات تكنولوجيا المعلومات و صناعة الثقافة.
– - نزع فتيل الخصومة التي يفتعلها البعض بين ديننا والعلم، وعدم إساءة فهم مفهوم عالمية الإسلام على أنها تعني الاستغناء عن فكر الآخرين، فالمقصود بالعالمية في رأي أهلها هو استيعاب فكر الآخر لا تجاهله أو تجهيله.
– - الاهتمام بسواقط مجتمعنا التقليدية (الطفل والمرأة وكبار السن)، والوقوف بحسم ضد التنويعات الجديدة من طبقية عصر المعلومات.
– ترسيخ التوجه التنموي الاجتماعي لتوطين تكنولوجيا المعلومات في تربتنا العربية.
– تشجيع إقامة صناعة ثقافية عربية تقوم على ركيزة قوية من صناعة المعلومات.
– تنمية الوعي بأهمية التراث كمورد ثقافي تتنامى أهميته في عصر المعلومات، وضرورة مداومة تجديده، و إعادة قراءته وتوظيفه من منظور حاضرنا.
– العمل على إحياء الفكر الفلسفي، والتصدي لنظرة البعض المتدنية للفلسفة، بل للفكر النظري عموما، تحت وقع انبهار هذا البعض بالإنجازات العلمية والتكنولوجية.
– ويرتبط بما سبق ضرورة مساهمة نخبتنا المثقفة في الجهد العالمي الذي ما زال في بداية مشواره، لتأسيس علوم الإنسانيات، وبلورة نظرية اجتماعية مغايرة تستوعب متغيرات عصر المعلومات والتكنولوجيا الحيوية.
ماذا عن تحديات الخارج؟
– تهيئة الشعوب العربية للصراع الثقافي- المعلوماتي مع الخصم الإسرائيلي.
– التوعية بسلبيات العولمة واتفاقية الجات.
– المساهمة في صياغة صورة الثقافة العربية والإسلامية على الإنترنت، وتحسين صورتها الراهنة.
– اكتساب المهارات والمقومات اللازمة لإقامة حوار متكافئ مع ثقافة الغير.
– مراجعة شاملة لنتائج الحوار الإسلامي المسيحي، وتجديد منطلقاته في ضوء تجارب العشرين سنة الماضية.
وعلينا أق نقر بأن الكنيسة المسيحية الغربية حريصة على جدية هذا الحوار، خاصة مع الرغبة المتزايدة لدى معظم رجال الدين، لتضافر الجهود عالميا ضد سلبيات العولمة وطابعها المادي الاستهلاكي. بقول آخر: فلنرجئ حاليا حديث التنصير والتبشير والأسلمة، فالعالم في حاجة اليوم إلى الأنسنة، وستظل روعة الدين في قدرته على أن يدفع بفصائل البشرية صوب هدفها المشترك، وليس كما يريد له البعض أن يجر وراءه قطعانها.
اما تحديات المثقف في إعداد نفسه؟
– التعرف على خريطة الفكر العربي الراهن وتوجهاته الرئيسية.
– التخلص- كما يوصي تركي الحمد من عزلته الذهنية المفاهيمية زمانا ومكانا وهي العزلة التي تنعكس سياسيا على موقفه من الأحداث ومن تقييمها.
– استيعاب الجوانب الثقافية والاجتماعية للمتغير المعلوماتي، وعليه أن يسبق مثقف الحكومة في ذلك، والذي- عادة- ما تستعين الحكومة في تأهيله بالخبراء الفنيين وهنا نقطة ضعفه.
– تجديد عدته المعرفية، من نظرية الأدب إلى نظرية المعلومات، ومن اقتصاد الماكرو إلى البيولوجيا الجزئية، ومن فلسفة العلم إلى الذكاء الاصطناعي وخائلية عوالم الإنترنت.
– اكتساب مهارات التواصل عبر الإنترنت و إجادة " اتيكيت " التحاور عن بعد.
كيف تقيمون واقع البرمجيات العربية؟
كما هو معروف تقوم صناعة الثقافة على ثلاث مقومات رئيسية هي : المحتوى content الذي يمثل مواد التصنيع المعلوماتي و معالجة المعلومات التي تمثل أدوات الإنتاج، و شبكات الاتصالات التي تمثل قنوات التوزيع. و في هذا الإطار، علينا أن نضع نصب أعيننا أن أهم مقوم في تلك الثلاثية هو ذلك الخاص بالمحتوى، و الذي يعني في حالتنا موارد تراثنا الرمزي، من نصوص و موسيقى و أفلام و قواعد بيانات، و كذلك الطاقات الإبداعية الخلاقة القادرة على إبداع المحتوى الجديد.
و تجدر الإشارة إلى أن هناك حاليا محاولات من قبل مؤسسات عالمية لشراء التراث الفني العربي من أفلام و أغان و موسيقى. هذا فيما يخص الموارد الثقافية و التراثية القائمة بالفعل، أما فيما يخص إنتاج محتوى جديد، فيكفي أن نشير هنا، إلى الضمور الشديد الذي نعاني منه حاليا في مجال الإنتاج التلفزيوني و السينمائي، ناهيك عن إنتاج مواد الصحافة التي نستورد معظمها من وكالات الأنباء الأجنبية.
و إني أرى أنه لا بديل لتكامل معلوماتي إعلامي عربي، يقوم على حشد الإمكانات و المشاركة في الموارد المعلوماتية، من أجل مواجهة التكتلات العملاقة، و التصدي للنزعة الاحتكارية، خاصة في مجال صناعة البرمجيات، و من المعروف أن من أمضى أسلحة الاحتكار في المجال التكنولوجي هو سلاح التوحيد القياسي، وهو غالبا ما يتم عن طريق فرض المعايير القياسية بحكم الأمر الواقع de-facto standards من قبل الشركات المهيمنة على الأسواق. و ما أكثر هذه المعايير في شبكة الإنترنت، خاصة تلك المتعلقة ببروتوكولات تبادل المعلومات، و مواصفات تسجيل البيانات من نصوص و موسيقى و أشكال و فيديو. وهو الأمر الذي يستلزم مداومة المعلومات، علاوة على ضرورة اتباع أساليب مرنة في التخطيط و التصميم لضمان الانتقال السلس مع تغير المواصفات القياسية.