الماسونية ، نشأتها وأهدافها - المقدمة والإهداء
الإهــــــــــــــــداء
الى كل مجاهد مدافع عن أرض الإسلام والعروبة ضد العدو الصهيوني وملحقاته، وضد كافة أشكال الاستعمار وأساليبه.
الى المؤمنين الذين لا يخافون في الله تعالى لومة لائم،
أهدي عملي هذا ..
أسعد السحمراني – لبنان
مقدمـــــة
"الماسونية" حركة خطيرة ما أن يُطرح اسمها حتى يثور القلق في نفس المستمع، وما أن تذكر حتى ترى الجلساء يبدأون بتعداد مؤامراتها ومكائدها، ويظهرون الحيرة من أمر هذه الحركة، التي اعتمدت السرية إخفاءً لحقيقة أهدافها. ولعل ذلك لأن يهود الذين حاربوا الأنبياء والرسل، وظنوا أنهم الشعب المختار، وأن ما سواهم كوييم؛ أي أغبياء ضالين يوجهونهم كيف يشاؤون، ويصل بهم المستوى للقول: إن الكوييم هم حيوانات بصورة بشر، أرادوا أن تكون الماسونية من جملة الأقنعة التي تستتر مخططاتهم وراءها.
يقول حكماء صهيون في البروتوكول الخامس عشر من بروتوكولاتهم: "إنه من الطبيعي أن نقود نحن وحدنا الأعمال الماسونية، لأننا وحدنا نعلم أين ذاهبون، وما هو هدف كل عمل من أعمالنا، وأما الكوييم فإنهم لا يفهمون شيئاً حتى ولا يدركون النتائج القريبة، وفي مشاريعهم فإنهم لا يهتمون إلا بما يرضي مطامعهم المؤقتة، ولا يدركون أيضاً حتى أن مشاريعهم ذاتها ليست من صنعهم بل هي من وحينا".
هذا قليل من كثير مما جاء عند حكماء صهيون عن الماسونية بأنها من الأدوات التي يسعون عبرها لتحقيق أهدافهم سواء في بناء مملكتهم المزعومة في فلسطين، أرض الميعاد، وإعادة بناء هيكل سليمان المزعوم، أو في تحقيق نفوذ لهم في أية حكومة أو مؤسسة يستطيعون النفاذ اليها، أو في نشر الفساد في الأرض؛ لأن إشاعة التعلّق بالمادة والشهوات والأهواء يكشف الثغرات، ونقاط الضعف في كل شخص – والنافذين بشكل خاص – كي يتوجهوا اليه بإشباع هذه الأهواء فيصبح رهينة بين أيديهم يستثمرونه كيف يريدون.
إن تفحص دساتير الماسون ونظمهم ورموزهم يدلك بما لا يرقى اليه الشك على يهودية الحركة الماسونية. فبدءاً من وصف بناء هيكل سليمان، الذي تسعى الماسونية لربط نشأتها به، يثبت لك ذلك. وبالعودة الى التوراة ووصفها لكيفية استدعاء سليمان لحيرام ابن الأرمة من صور، وهو من وضع هندسة بناء الهيكل، وصمم الأعمدة التي ترمز الى الحكمة والقوة والجمال، وعلى غراره يؤسس الماسون محافلهم اليوم تذكيراً لأتباعهم بضرورة العمل على إعادة بناء هذا الهيكل الذي يقوم مقامه المسجد الأقصى في القدس، كما يدّعون، يتضح لك هذا الترابط بين الماسونية والصهيونية، مروراً بفهمهم لكثير من المسائل واستخدامهم للرموز المشتركة كالنجمة السداسية وسواها.
وإذا كان يهود قد صرحوا في بروتوكولاتهم أنهم وراء تأسيس الماسونية، فإن الماسون أنفسهم أكدوا ذلك في غير واحدة من أدبياتهم ومنشوراتهم، ناهيك من اللمسات اليهودية الواضحة في فكرهم وأهدافهم وأسلوب تنظيم حركتهم، وكل ما يمارسونه من طقوس وشعائر.
والماسونية تعتمد المنهج اليهودي في الحطّ من شأن الخالق سبحانه وتعالى. فكما يهود في توراتهم المحرّفة يقولون بالاتحاد بين الإنسان والله، فيعطون، على أساس ذلك، لله تعالى أوصافاً بشرية كقولهم مثلاً: بكى حتى تورمت عيناه – ندم على خراب الهيكل – سمع آدم وقع أقدام الرب في الجنة . . الخ. كذلك الماسون يستخدمون للخالق سبحانه تعبيراً غامضاً هو: مهندس الكون الأعظم. وفي هذا التعبير إنكار واضح لخلق الله تعالى المخلوقات من العدم، فالمهندس ليس سوى بانٍ من مواد متوافرة، وقولهم الأعظم يفيد وكأن العمل تمّ من قبل مجموعة كان هو أعظمها.
ويهود، الذين يسعون لمملكة مزعومة تتسع للعالم كله لأن نهاية الملك لهم، وفق تخرّصاتهم، سكبوا مفاهيمهم في وعاء الماسونية التي يزعم أتباعها بأنهم يتجاوزون في حركتهم الحدود والسدود. فماسونيتهم، كما يدعون، فوق الأديان وهي عقيدة العقائد، ولا تعترف بوطنية ولا قومية، فهي أممية عالمية، تعمل لتوحيد العالم، ولسلام عالمي، وللغة عالمية، الى ما هنالك من الشعارات البراقة التي يجد فيها الضعفاء سبيلاً للهروب ومبرراً لتقصيرهم في جهادهم من أجل إعلاء راية الإيمان وحفظ الأمم والأوطان وحماية المقدسات.
وإذا كانت الماسونية تعتمد السرية فهذا أمر بديهي لأنه أسلوب اعتمدته كل الحركات المخرّبة على امتداد التاريخ، فهو يسترها عن أعين الملاحقة والرقابة، ويعطيها إمكانات هائلة للتزوير وتبديل الطروحات والمواقف، وذلك يساعد في استقطاب الأتابع، لأن عدم وجود أهداف معلنة واضحة يسمح لدعاتها لأن يستخدموا مع كل شخص، أرادوا تضليله، أساليب ومفاهيم تناسب أهواءه وتطلعاته.
إلا أن الماسونية تعتمد التهويل، والتضخيم مما يوقع بعض الضعاف في حبائلها، عندما تحاول أن توجد محطات تاريخية لتقول بأن الماسونية موغلة في القدم، أو عندما تحرِّف بعض مجريات التاريخ لتنسب لنفسها إنجازات تاريخية عديدة، أو تزعم أن معظم مشاهير التاريخ والحاضر هم ممن انتسبوا لها وتتلمذوا فيها، وهذا الأمر يؤدي ببعض الناس الى الاستسلام لها وعدم مقاومتها أو مقاومة صانعيها يهود تحت شعار: أنهم أقوياء، وهم وراء كل بكيرة وصغيرة، وأنهم يقتلون من يتعرض لهم، ويهود شعب ذكي. . الخ.
إن هذه الأوهام يجب أن نتخلص منها أولاً؛ لأنها تسليم بنظرية الشعب المختار اليهودية، وهذا عدوان على الدين والإنسانية جمعاء، حيث الحقيقة بأن كل مؤمن تقي هو من المقربين لله تعالى، وأما يهود فقد لعنهم الله في صريح القرآن الكريم، ووصفهم الإنجيل بأنهم خراف ضالة.
ليست الماسونية شبحاً مخيفاً، ولا ريحاً مرسلة منها تنطلق كل حركة في العالم، وليست الماسونية حركة منظمة لا يمكن محاربتها فهي سرية واحدة النظم والأهداف، وإنما الماسونية، كما تبين من خلال البحث، حركة مشتتة متعددة النظم، محافلها أكثر من أن تعد، وهي متصارعة، وكل محفل يتهم غيره بالخروج عن الماسونية والانحراف عن مبادئها. ففي لبنان وحده، وهو بلد صغير، هناك عشرات المحافل ولكل واحد منها نظامه ورؤساؤه ومفاهيمه، وقد ذكرت قسماً من هذه المحافل مجلة المسرة الصادرة ببيروت في عدد أيار لعام 1965م، وما خفي عن تعددية المحافل واختلافها أكثر.
ويؤكد ما ذهبنا اليه الضبابية التي تلف الطروحات الماسونية حول النشأة، وهذا أمر سنتعرف عليه من الصفحات المقبلة، وكذلك موقفها من الدين، ومن التدخل في السياسة وغير ذلك من الأمور الأخرى.
إن إبراز حقيقة هذه الحركة، والتي هي كمثيلاتها الحركات الباطنية والسرية، هو ما دفعني لصرف وقت غير قليل في البحث عن منشوراتها وأدبياتها، ومعظمه قد كتبه الماسونيون أنفسهم، والهدف من ذلك وضع صورتها الحقيقية أمام القارئ العربي ليعرف أعداءه الذين يتظللون وراء حجب متعددة الألوان والأسماء، ويعرف أن الماسونية أداة صهيونية عليه محاربتها ومقاومة أتباعها لأن في ذلك دفاعاً عن الدين والأمة والأوطان والمقدسات.
والماسونية حركة تشكل أداة بيد الصهيونية والاستعمار، ولكنها ليست الوحيدة، فمن متفرعاتها أندية الروتاري والليونز التي يتباهى، بكل وقاحة، بعض من ينسبون أنفسهم لمراكز دينية أو ثقافية، زوراً، بالانتماء لها أو حضور احتفالاتها، ومن مثيلاتها حركات هدامة وأبرزها اليوم البهائية والقاديانية التي تناولتها في كتاب: "البهائية والقادياتية" الصادر عن دار النفائس ببيروت، وغداً وبعده، إن شاء الله، سأحاول الكشف عن حركات أخرى وفضح حقيقتها، لأنني أرى في ذلك ضرورة تفرضها شرعة الجهاد بالكلمة واللسان التي أمرنا بها الله تعالى.
في هذه المقدمة لا بد من القول: إن هذا العمل هو محاولة، من جملة المحاولات، التي قام بها العديدون، من باب السعي لكشف حقيقة الماسونية، وتحذير الناس من خطرها وتلبيساتها، فأرجو أن أكون قد وُفقت، ما أمكن، في إيصال ما دلّني عليه التمحيص في الكتب والمراجع الى القارئ العزيز.
وفي الختام أوجه شكري لكلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية في بيروت وإدارتها بشخص الحاج توفيق حوري، التي أوكلت إلي تدريس مادة "الحركات الباطنية والسرية" مما حفّزني على البحث والكتابة في هذا الميدان.
ولا بد من توجيه الشكر للقائمين على مكتبة جامعة بيروت العربية، الذين يسعون مخلصين، لتقديم كل خدمة أطلبها، وأخيراً أوجه الشكر للأخ الأستاذ أحمد راتب عرموش، صاحب دار النفائس ببيروت، الذي أخذ على عاتقه نشر كتب عديدة عن الصهيونية ومخططاتها وحقيقتها، والذي تبنى نشر هذا الكتاب وأخرجه بأسرع وقت ممكن بعد فراغي من كتابته ليضاف الى المكتبة العربية في محاولة تعريف القارئ بأعدائه.
إن مرضاة الله هي الغاية، لذلك أسأله تعالى التوفيق لإعلاء كلمة الحق، وأن يلهم أبناء أمتي كي يوحدوا مواقفهم، ويحذروا مكائد الأعداء، وأن يجاهدوا
<<في الله حق جهاده>>، وأن يوجهوا كل طاقاتهم لمقاتلة إسرائيل وملحقاتها ومنها الماسونية.
<<ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز>>.
بيروت في 12 محرم 1409 هـ
24 آب 1988م